اليمن موضع تقدير الجميع
السبت, 14-أغسطس-2010
أفتتاحية صحيفة الثورة -

في عصر صارت فيه العلاقات بين الدول تقوم على الشراكة والتكامل والتعاون المثمر في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية، فإن مما لا يختلف عليه اثنان أن اليمن ما كان له أن يرتاد مكانته التي تليق به وبتاريخه الحضاري وإرثه التليد في عالم اليوم وأن يصبح رقماً فاعلاً ومؤثراً في الخارطة الاقليمية والدولية وأن يغدو دولة ناشطة وذات حضور مشرف تحظى بتقدير واحترام كافة أشقائها وأصدقائها، لولا ذلك الإنجاز العظيم الذي حققه اليمنيون يوم الـ22 من مايو عام 1990م والذي أعادوا به لحمتهم الوطنية في أكبر عملية إصلاح شهدها اليمن في تاريخه الحديث متجاوزين بذلك حقب الصراع ودورات العنف وموجات الاصطدام والاضطراب وحروب الانقلابات والاقتتال الداخلي التي راح ضحيتها الآلاف من مختلف شرائح المجتمع علماء وسياسيين ومثقفين ورجال أعمال ومواطنين حيث دفع الجميع الثمن باهظاً لذلك الواقع المضطرب الذي ساد اليمن قبل إعادة وحدته وما يزال الكثير من الذين عاشوا مآسي تلك الحقب أحياء يرزقون ويحتفظون في ذاكرتهم بصور مؤلمة أفرزتها دورات العنف التي بلغت بشاعتها حد القتل والتصفيات بالهوية المناطقية ولولا إنجاز الوحدة الذي طوى تلك الصفحات السوداء وداوى جراحات غائرة ما كان لها أن تندمل لظلت اليمن تتقاذفها الأمواج العاتية والصراعات الدامية والثارات الحادة والانتكاسات المتتالية التي تلقي بظلالها الكئيبة والكارثية ليس فقط على حاضر ومستقبل اليمن بل وعلى الأمن والاستقرار في المنطقة عموماً.
ومن هذه الحقيقة نخلص إلى أن إعادة وحدة الوطن اليمني وإن شكلت ضرورة وطنية فقد مثلت أيضاً مطلباً ملحاً للأشقاء والأصدقاء الذين أدركوا أن يمناً موحداً ومستقراً سيخدم أمن واستقرار المنطقة والسلم الاقليمي والدولي وهو ما يتجلى اليوم في أبرز شواهده في تأكيدات رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أثناء لقاء فخامة الرئىس علي عبدالله صالح رئىس الجمهورية به يوم أمس في العاصمة البريطانية لندن، والتي أشار فيها إلى أن وحدة اليمن وأمنه واستقراره أمر مهم لبريطانيا وكذا للأمن والاستقرار في المنطقة .
منوهاً إلى أن المملكة المتحدة تقف إلى جانب اليمن من أجل التغلب على تحدياته التنموية.
وتفصح هذه التأكيدات عن أن المعطيات الاقليمية والدولية تستشعر تماماً أهمية اليمن الموحد والمستقر وأهمية دوره في حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة.
ومن هذه القناعة فإن كل التوجهات تتركز اليوم في اتجاه مساندة اليمن اقتصادياً ودفع المزيد من الاستثمارات إليه خاصة بعد أن أيقن الجميع أن المعضلة الأساسية التي يواجهها اليمن هي في الأساس معضلة اقتصادية، فهو بحاجة إلى توفير الآلاف من فرص العمل لشبابه العاطلين عن العمل وهو بحاجة أيضاً إلى الدعم اللامحدود للنهوض بالبنى التحتية وإنجاز ما تبقى منها وتقوية اقتصاده الوطني وبما ينعكس بأثره الإيجابي على تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين وتقليص عوامل الفقر.
وكما أشار فخامة الرئىس علي عبدالله صالح أثناء لقائه برئىس الوزراء البريطاني فإن تدفق الاستثمارات الشقيقة والصديقة إلى اليمن سيسهم في عملية التنمية وسيمكنه من التغلب على إشكاليات البطالة والفقر فضلاً عن ذلك فإن وجود مثل هذه الاستثمارات سيفوت الفرصة على العناصر المتطرفة والإرهابية التي تسعى إلى استغلال الظروف الاقتصادية لبعض الشباب باستقطابهم إلى حاضنة الإرهاب، ونعتقد أن رسالة اليمن إلى أشقائه وأصدقائه قد وصلت وهو ما يمكن استشرافه في المباحثات الناجحة التي أجراها فخامة الأخ الرئيس مع كبار المسؤولين البريطانيين وكذا في ما سبق وأن تناوله مع قادة مجلس التعاون الذين تجمعنا بشعوبهم ودولهم علاقات الإخاء والقربى ووشائج الدين والعقيدة والتاريخ المشترك وأمومة الجغرافيا والمصير الواحد.
والواقع أن في خير اليمن خيراً لجميع أشقائه وأصدقائه وأن تدفق الاستثمارات إليه فيه منفعة مشتركة للجميع، ومثل هذه الرؤية هي من ترتسم اليوم في ما يحظى به اليمن من تقدير واحترام ومساندة بهدف تجاوز معضلاته الاقتصادية وتأمين استقراره الداخلي وتمتين لحمته الوطنية، فهل يستوعب أولئك الذين تعشعش في عقولهم موروثات الماضي أن ذلك الماضي قد ولى ولن يعود أبداً وأن العصر هو عصر الشراكة والتكامل والتعاون الايجابي وليس عصر النزعات المتخلفة والضيقة والتقوقع على الذات؟