قصة عالمين مختلفين
الأحد, 08-أغسطس-2010
جيرارد ليونز -
يمثل الاقتصاد العالمي حالياً قصة عالمين مختلفين . شرق مزدهر يتباين مع غرب هش . ويتضح الفرق بينهما ليس في البيانات الاقتصادية فحسب، بل ومن خلال السياسات النقدية المتبعة حول العالم .

وعبر عدد متزايد من اقتصادات الأسواق الناشئة، بات اهتمام البنوك المركزية يتزايد عن مدى المقاربة الزمنية والسرعة الذي يجب أن تقوم على أساسه بتشديد السياسة النقدية.

ربما تكون زيادات الأسعار الأخيرة في الهند والبرازيل من أكثر الأمور التي تعبر جلياً عن ذلك، وهما اقتصادان ناميان رئيسيان وواعدان . إلا أن هناك آخرين يقومون بالتشديد في مواجهة تحديات التعافي الاقتصادي . ففي آسيا، انضمت في الشهر الماضي وحده، كل من كوريا الجنوبية، وتايوان، وتايلاند، وماليزيا إلى الهند في رفع الأسعار . ومن تلك الدول، كان أول صعود للأسعار في الدورة بالنسبة لتايوان وكوريا الجنوبية وتايلاند . ومن ناحية أخرى، كانت الهند وماليزيا في مرحلة صعود لبعض الوقت.

ولا يعني هذا أن على البنوك المركزية في الغرب تشديد سياساتها النقدية كذلك، إذ على النقيض تماماً، فهي تواجه مخاطر سلبية لا مخاطر إيجابية . يتوجب على الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومنطقة اليورو المحافظة على الأسعار في أقل مستوى ممكن لها ولأطول فترة ممكنة . وبالفعل في ظل الحالة الهشة للتعافي، فقد تكون البنوك المركزية في الغرب بحاجة للقيام حتى بالمزيد، من خلال التخفيف الكمي . هذا هو التباين مع الاسواق الناشئة في أقوى حالاتها.

وفي النظر بأي بلد، يميل التوقع المستقبلي إلى الارتكاز على التفاعل بين الأساسيات والسياسة والثقة . فالأساسيات في الشرق أفضل بكثير مما هي الغرب . بينما، تتباين الضغوط الحالية بشدة على كل من السياسة والثقة . هناك بالطبع بعض الاقتصادات الناشئة التي يتم فيها تخفيف السياسة النقدية، مثل سيريلانكا وغانا، ويبدو أن جنوب إفريقيا على استعداد للمزيد من التخفيف . وحتى عبر آسيا، توجد تكهنات بأن فيتنام، والتي كانت من ضمن أول من قاموا بالصعود أواخر العام الماضي، قد تحتاج إلى التخفيف . لذا، فمن الواضح أنه يجب أخذ العوامل المحلية في الاعتبار .

لكن حتى لو تم ذلك، فإن الصورة الأكثر شمولا تبين أحد أوجه الاختلاف بين الغرب والشرق . وفي الغرب، يكمن القلق في الركود ذي التراجع المزدوج، حيث إن محفز السياسة الخاص بالعام الماضي أصبحت تأثيراته في طور الزوال والقطاع الخاص لا يقوم باللازم . وبالاضافة إلى ذلك، فإن تشديد السياسة النقدية عبر أوروبا قد يخفف من المخاوف الخاصة بمخاطر السيادة، لكن من الممكن أن يكون ذلك على حساب رفع احتمال حدوث تراجع مزدوج.

إن الاقتصاد العالمي كان، ومازال يتعافى منذ الأزمة في ربيع العام الماضي . كما أن التجارة العالمية نهضت بقوة منذ هبوطها للقاع في مايو/ أيار الماضي . ومع ذلك، كان التصحيح الاقتصادي في النصف الثاني من العام الحالي دائماً هو الاحتمال الأقرب في ظل انتهاء تأثير تعزيز السياسات الذي أقيم العام الماضي وانتهاء مفعول تصحيح المخزون.

ونتيجة لذلك، فإنه من الممكن اعتبار هذا التعافي بأنه دون المستوى . عادة، في هذه المرحلة من الانتعاش، يتراكم الزخم وتزداد الثقة . وعوضاً عن ذلك، وفي الغرب، اتسم الصيف بفترة من عدم اليقين، مما أدى الى حدوث تقلب عبر الأسواق.

وعلى الرغم من أنه يجب عدم الخوف، فإن تشديد السياسة النقدية يمثل مخاطرة . والتراجع المزدوج في الاقتصاد العالمي هو شيء غير مضمون لكن ينبغي على المرء إدراك التحديات المتباينة التي تواجه مناطق مختلفة من العالم . إن ثقل الدين ونطاق التخلص من الديون الثقيلة سيقيّدان النمو في الغرب لبعض الوقت.

إن الاقتصادات الناشئة، خصوصاً تلك التي تعتمد على الصادرات، لن تكون منفصلة عن الأحداث في الغرب، لكنها ستكون معزولة بصورة أفضل . وهذا ما ارتأيناه بالفعل خلال الأزمة، حيث إنه بالرغم من تدهور في التجارة العالمية، فقد نجحت آسيا منذ ذلك الوقت في النهوض . بينما تبدو فرص النمو في الشرق أفضل بكثير.

ربما سينصب أغلب الاهتمام على الصين، بما لها من تأثير في التجارة العالمية وأسعار السلع . وفي الصين، فإن تأثير التشديد السابق على الإقراض المصرفي قد ظهرت آثاره وأدّى الى تخفيف حركة الاقتصاد.

ويمكن للمرء أن يقارن أوجه التشابه بين التحكم في اقتصاد الصين وتدوير مقبض الدش في فندق . فمن غير المرجح أن تحصل على درجة حرارة مضبوطة من المرة الأولى . فإذا أدرت المقبض كثيراً في اتجاه واحد، تصبح المياه ساخنة جداً، وإذا أدرتها في الاتجاه المعاكس، تصبح المياه باردة جداً . في النهاية ستتمكن من ضبطها بالطريقة الصحيحة.

وبصورة مماثلة يحدث ذلك مع السياسة الصينية . إذ إنه قبل ثمانية عشر شهراً، قام البنك المركزي بتخفيف السياسة النقدية من خلال تخفيف الضوابط على الإقراض . فتضاعف الإقراض المصرفي تقريبا ليصل إلى نحو 10 تريليونات يوان في عام 2009 . وفي بداية هذا العام، حاولت السلطات تهدئة الأمور، فخفّضت هدف الإقراض إلى 5 .7 ترليون يوان للعام 2010 مع فرض قيود أخرى.

بدأت هذه التدابير تأخذ مفعولها ، لذا يجب علينا ألا نتفاجأ بأخبار عن حدوث تباطؤ في الصين . ومع ذلك، فقد يقرّر واضعوا السياسات قريباً أنهم قد بالغوا في عملية التهدئة وبحلول نهاية العام، قد يحاولون تحسين الأوضاع وذلك بدعم الاقتصاد مع بدء العام 2011 . الخلاصة أن الصين، كبقية الدول في آسيا، هي عبارة عن اقتصاد يواجه تحديات مختلفة، تلك الخاصة بالنجاح.

وفي الإجراء الأخير الذي اتخذته الصين الخاص برفع قيمة عملتها الوطنية - وإن كان في صورة تدريجية - فإن التوقع المستقبلي الفوري قد ينطوي بصورة كبيرة على أحد إجراءات رفع قيمة العملات الوطنية الآسيوية . وقد لا يمر وقت طويل قبل ان تعود إلى الساحة المخاوف التي كانت موجودة قبل بضعة أشهر، ألا وهي كيفية التحكم في رؤوس الأموال المتدفقة.

هناك حاجة ملحة لاستجلاء حالة انعدام اليقين الحالية في الأسواق، والتعرف إلى الإشارات الواردة من البيانات والسياسات الأخيرة . يجب علينا ألا نقلل من شأن المخاطر السلبية قريبة الأجل في الغرب . وبينما يتجه الانتعاش في أنحاء العالم إلى الباطن، فإن الاقتصادات الناشئة تبدو مهيأة لأن تشهد معدلات نمو أقوى.

*رئيس البحوث العالمية وكبير الاقتصاديين في بنك ستاندرد تشارترد
**نقلاً عن صحيفة "الخليج" الإماراتية.