هل أصبحت "المفاوضات بلا سلام" خياراً إستراتيجياً؟!
الأربعاء, 04-أغسطس-2010
جواد البشيتي -
13 دولة عربية، يَنْتَظِم وزراء خارجيتها في مؤسَّسة جديدة، مثيرة للجدل والخلاف، وأُطْلِق عليها اسم "اللجنة العربية "الوزارية" لمتابعة مبادرة السلام العربية"؛ وصفة "الطارئ" هي التي تَغْلُب على اجتماعاتها في القاهرة، مقر جامعة الدول العربية.

لا شيء من عملها، أو جهودها، أو قراراتها، يمتُّ بصلة واضحة ومباشِرة إلى تلك "المبادرة"، التي، على ما أقسموا ووعدوا وتعهَّدوا، لن تبقى على الطاولة إلى الأبد، وإنْ ظلُّوا على التزامهم "الذي لا أثر فيه لمعنى الفضيلة" للسلام "مع إسرائيل" خياراً إستراتيجياً "لا يُشْرِكون به خياراً آخر".

"مبادرتهم"، التي وُلِدَت "سطراً واحداً"، فنَمَت حتى أصبحت "فقرات"، لم "تَقْتَنِع" إسرائيل بأهميتها وجدواها وضرورتها؛ لأنّّها لم ترَ منها أنياباً، ولا حتى أظافر، وكانت، وظلَّت، أشبه بصلوات كاهن؛ وإنِّى لأتوقَّع أنْ تقرِّر قمَّة عربية مقبلة التخلِّي نهائياً عن التزام السلام "المتأتي من طريق التفاوض" خياراً إستراتيجياً، وإعلان التزام الدول العربية المفاوضات "وإنْ لم تؤدِّ إلى السلام" خياراً إستراتيجياً جديداً!

"اللجنة"، وفي اجتماعها الطارئ الأخير، في القاهرة"، برَّت بوعدها، فالانتقال من المفاوضات غير المباشِرة إلى المفاوضات المباشِرة لن يكون آلياً، تلقائياً، ولو كرهت حكومة نتنياهو؛ ولقد اجتمعوا، واطِّلعوا، وتدارسوا، وحلَّلوا، واتَّصلوا؛ ثمَّ أعلنوا وقرَّروا، مُتحدِّين عقلاء العالم جميعاً أن يفهموا شيئاً مِمَّا أعلنوا وقرَّروا؛ فإنَّ "عدم الوضوح "غير الخلاَّق" والتناقض في المنطق وَجَعْل البسيط من الأمور مسْتَغْلَقاً على الفهم" أصبح سياسة عربية خالصة.

في قرارهم المُعْلَن، والوجيز، والذي فيه فحسب ركَّزوا كل ما لديهم من وضوح، أو توضيح، قالوا لإدارة الرئيس أوباما "الجادة الصادقة في سعيها إلى السلام، والتي تبدي وتُضْمِر كثيراً من النيَّات الحسنة الطيِّبة"، إنَّ "اللجنة" فوَّضت إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أمْر الذهاب إلى المفاوضات المباشِرة"، تاركةً له أنْ يقرِّر هو بنفسه "متى يذهب"، أو "متى تبدأ هذه المفاوضات".

ما الذي فعله، أو اجترحه، "المُفَوِّضون" العرب، الذين فوَّضوا أمْرَهم إلى إدارة الرئيس أوباما، المٌفوِّضة أمْرها إلى نتنياهوـ ليبرمان؟ عن هذا السؤال، أو التساؤل، أجابنا الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى إذ قال: "حاول نتنياهو أن يضع الكرة في ملعبنا، فلم ينجح؛ فنحن لم نمنحه هذه الفرصة، وأرجعنا الكرة إلى الملعب الإسرائيلي مرَّة أخرى"!

كلاَّ، ليس هذا هو الذي حدث، فنتنياهو حاول وضع الكرة في ملعب "اللجنة العربية"، فما كان من هذه اللجنة إلاَّ أنْ وضعت الكرة في ملعب عباس، إذ قرَّرت أنَّ رئيس السلطة الفلسطينية هو وحده المخوَّل الآن، أو من الآن وصاعداً، أنْ يحدِّد ويقرَّر متى يذهب إلى المفاوضات المباشِرة مع نتنياهو، فإذا انتهت هذه المفاوضات إلى ما انتهت إليه مفاوضات التقريب غير المباشِرة، فلن يتحمَّل المسؤولية غير هذا الذي لم يُحسِن تحديد وتقرير موعد بدء المفاوضات المباشِرة، التي صوَّرها نتنياهو وباراك على أنَّها عصا موسى "النبي لا الأمين العام" التي بها سيُشقُّ البحر!

في اجتماعهم "الطارئ"، وفي جلسته المُغْلَقَة، عرض الرئيس عباس "تقريراً مفصَّلاً عن نتائج المفاوضات غير المباشِرة" التي تنتهي مهلتها "العربية" في الثامن من أيلول المقبل.

هذا "التقرير"، الذي فصَّل فيه عباس نتائج تلك المفاوضات، والتي فيها من معاني الفشل والإخفاق ما يسوِّغ فحسب إنهاء كل تفاوض مع حكومة نتنياهو، ظلَّ طيِّ الكتمان، فإنَّ في إذاعته على الملأ ما يُحْرِج كثيراً "اللجنة" وأعضاءها ودولها.

سؤالان وجَّههما عباس من قَبْل إلى حكومة نتنياهو عبر إدارة الرئيس أوباما ولم يتلقَّ الجواب "الإسرائيلي" عنهما حتى الآن، وهما: "هل تقبل إسرائيل قيام دولة فلسطينية بحدود 1967؟"، و"هل تقبل وقفاً تاماً للاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية؟".

وإنِّي لأسْأل "هل يقرِّر عباس الذهاب إلى المفاوضات المباشِرة حتى قبل تلقِّيه الجواب "الإسرائيلي"؟".
عن السؤال الأوَّل، لم يُجِبْ نتنياهو؛ ولكنَّ أوباما أجاب إذا أبلغ إلى الرئيس عباس في رسالة اطَّلع عليها أعضاء "اللجنة" أنَّ الولايات المتحدة ما زالت مستمسكة بحلِّ الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية، وما زالت ترى في إقامة هذه الدولة مصلحة حيوية لها.

رسالة أوباما هذه كانت خطِّية، ولم تكن شفوية؛ ولقد اكتشف فيها عمرو موسى ما لتلك "اللجنة" من مصلحة في اكتشافه، إذ قال: "تضمَّنت الرسالة من الإيجابيات ما يصلح أرضية للمفاوضات". ردَّاً على هذه الرسالة، التي لم تُنْشَر، ولا ترقى إلى مستوى "الضمانات والتأكيدات الخطِّية"، كتب وزراء الخارجية العرب رسالة، سلَّموها إلى سفيرة الولايات المتحدة في القاهرة، بعد خمس دقائق من انتهاء اجتماعهم، لتسلِّمها إلى الرئيس أوباما. رسالتهم، على ما قالوا، تضمَّنت شرحاً واضحاً وافياً للموقف العربي في شأن "اُسُس بدء المفاوضات المباشِرة"، وفي شأن "بعض الأُسُس والثوابت التي تخصُّ عملية السلام برمتها".

وبحسب تصريح أدلى به عمرو موسى، تضمَّنت الرسالة العربية "المتطلبات "لا الشروط" العربية "للتفاوض ولعملية السلام""، ومنها "وقف الاستيطان"، و"وقف تهويد القدس"، و"أن تكون المفاوضات المباشرة نهائية، هذه المرَّة"، و"أن يكون لها سقف زمني وجدول زمني محدَّدين"، وأن "تتناول قضايا الوضع النهائي"، و"أن ينتهي حصار غزة"، وأن "تقدِّم إدارة أوباما "للفلسطينيين والعرب" ضمانات مكتوبة".

وبعد هذه "الصلابة" العربية المغشوشة والخادعة والكاذبة بدأ "التمييع"، فبعض الدول العربية حضَّت الرئيس عباس على ألاَّ يظل مصرَّاً على تلقِّيه "ضمانات وتأكيدات مكتوبة" من إسرائيل أو الولايات المتحدة، فإنَّ حصوله على "وعود شفهية" في أمْر إقامة دولة فلسطينية بحدود 1967 يمكن أن يكون كافياً، فأعضاء اللجنة أكَّدوا ما أكَّدوه غير مرَّة من قبل ألا وهو عدم ثقتهم بأنَّ تقدُّماً في عملية السلام "وفي المفاوضات غير المباشِرة والمباشِرة" يمكن أن يتحقَّق ما بقي نتنياهو على رأس الحكومة الإسرائيلية، وإصرارهم، في الوقت نفسه، على المضي قُدُماً في سعيهم إلى إقناع العالم، وإدارة الرئيس أوباما على وجه الخصوص، بأنَّهم قد أعطوا السلام من التنازل حتى فرغت أياديهم، ولم يحصلوا، في المقابل، من حكومة نتنياهو إلاَّ على كل ما من شأنه أن يزيدهم كفراً بالسلام مع إسرائيل!

إنَّ لديهم إيماناً لا يتزعزع، على ما أظهروا، بأنْ لا سلام مع إسرائيل ما بقي نتنياهو رئيساً لحكومتها، وبأنَّ التفاوض مع هذه الحكومة، أكان غير مباشِر أم مباشِر، هو مضيعة للوقت؛ ولكن لديهم، في الوقت نفسه، ثقة "لا أعرف من أين استمدُّوها" بجدية إدارة الرئيس أوباما، وبنيَّاته؛ ثمَّ استخذوا، ولو قليلاً، لسلطان "الحكمة"، فتساءلوا عمَّا إذا كان من الواقعية في شيء أن نتوقَّع تحقُّق السلام بـ "النيِّات الطيبة والصادقة" وحدها، وهم الذين لا يملكون أكثر ممَّا تملكه إدارة الرئيس أوباما "إذا ما افترضنا أنَّها تملكه" وهو "النيَّات الطيِّبة"!

في الثامن من أيلول المقبل، تنتهي المهلة العربية للمفاوضات غير المباشِرة؛ وتريد الولايات المتحدة "تلبيةً لمطلب إسرائيلي" الانتقال الآن وفوراً إلى المفاوضات المباشِرة، التي فوَّضت "اللجنة العربية" إلى الرئيس عباس أمْر تقرير متى يذهب إليها؛ أمَّا الرئيس عباس فينتظر الآن "الضمانات المطلوبة"، والتي قبل حصوله عليها لن يستطيع، على ما أعلن وأكَّد، في القاهرة، الذهاب إلى المفاوضات المباشِرة.

وهذه "الضمانات" التي قد تصله من نتنياهو مباشَرةً، أو عبر طرف غير إسرائيلي، يجب أن تتضمَّن ما يؤكِّد قبول إسرائيل إقامة دولة فلسطينية بحدود 1967، وقبولها، أيضاً، وقف الاستيطان.

وفي السابع عشر من أيلول المقبل، ستجتمع "اللجنة العربية" لتقويم الوضع برمته، على ما أعلن عمرو موسى، قبل أن يلوِّح بـ "موقف عربي آخر" في حال عدم نجاح المفاوضات المباشِرة، أو في حال إقدام إسرائيل على أعمال استفزازية في أثناء تلك المفاوضات.

وفي السادس والعشرين من أيلول المقبل، ينتهي العمل بقرار الحكومة الإسرائيلية "التجميد المؤقت" للنشاط الاستيطاني في الضفة الغربية، والذي اتَّخذته في تشرين الثاني الماضي؛ وقد استبعد نتنياهو احتمال "تمديد هذا التجميد".

إنَّ كثيراً من النشاط الاستيطاني قد عرفته الضفة الغربية "والقدس الشرقية على وجه الخصوص" بعد، وبفضل، هذا "التجميد"، الذي يمكن أن تصوِّر إدارة الرئيس أوباما نجاحها في إقناع حكومة نتنياهو بـ"تمديده"، في أثناء المفاوضات المباشِرة، على أنَّه إنجاز ما بعده إنجاز بالنسبة إلى الفلسطينيين وعملية السلام!

لماذا قَبِلَت "لجنة المتابعة العربية"، من حيث المبدأ، الانتقال إلى المفاوضات المباشِرة، تاركةً للرئيس عباس تحديد وتقرير متى يذهب إلى هذه المفاوضات؟ في إجابة هذا السؤال، قالوا إنَّهم لم يقبلوا ذلك إلاَّ لإظهار حرصهم على إعطاء مزيد من الفرص لعملية السلام، ولتأكيد ثقتهم بجدية ونيَّات إدارة الرئيس أوباما. ولكنَّهم قالوا أيضاً غير ذلك، وأهم منه، فوزراء الخارجية العرب كانوا عازمين على رفض الانتقال من المفاوضات غير المباشِرة إلى المفاوضات المباشِرة؛ ثمَّ "غيَّروا موقفهم بسبب الوضع العربي، والوضع المحيط بالدول العربية"؛ ثمَّ سكتوا عن الكلام المباح، ولم يوضِّحوا معنى هذا الذي قالوا!

قبل بضعة أيام من اجتماع "اللجنة" في القاهرة، قُلْنا إنَّ "مفاوضات التقريب "غير المباشِرة"" نجحت فحسب في تقريب مواقف إدارة الرئيس أوباما من مواقف حكومة نتنياهو والتي هي مواقف تصلح لمنع كل تفاوض بينها وبين الفلسطينيين؛ وقلنا إنَّ هذا التقريب، أو التقارب، قد اقْتَرَن بـ "تباعُد" بين إدارة الرئيس أوباما والفلسطينيين، وإنَّ هذا "التباعد" يُشدِّد الحاجة إلى "طرف ثالث"، أو إلى "ميتشل آخر"، يتوفَّر على التقريب بينهما في وجهات النظر والمواقف.

وقلنا: إنَّ هذا "الطرف الثالث"، أو "ميتشل الآخر"، إمَّا أن يتوفَّر على التقريب بين إدارة الرئيس أوباما والفلسطينيين من خلال إقناع تلك الإدارة بضرورة وأهمية "التراجع عن تراجعها"، وبأن تصبح وسيطاً غير منحاز، أو أقل انحيازاً، إلى إسرائيل، وإمَّا أن يتوفَّر على التقريب "السلبي" بينهما من خلال "إقناعه" السلطة الفلسطينية بضرورة وأهمية أن تبتعد عمَّا تلتزمه حتى الآن من مواقف ومطالب وشروط، لتقترب من إدارة الرئيس أوباما التي تزداد اقتراباً من نتنياهو، أو من نتنياهوـ ليبرمان.. وإنَّ أخشى ما نخشاه هو أن تأتي النتائج متَّفٍِقة مع توقُّعنا، الذي هو أنْ يتولَّى العرب "وقد تولُّوا" عبر "اللجنة" التي استحدثوها لتفويض المفاوِض الفلسطيني، بعد نيله تفويضاً فلسطينياً، مهمَّة "إقناع" السلطة الفلسطينية بضرورة وأهمية أن تجنح لهذا التقريب السلبي "فلسطينياً" بينها وبين إدارة الرئيس أوباما.

وقلنا أخيراً: إذا قُطِعَت، وأُنْهِيت، المفاوضات غير المباشِرة والتقريبية قبل انتهاء مهلتها، أو قبل انتهاء فترة "تجميد" الحكومة الإسرائيلية للنشاط الاستيطاني، والذي ليس فيه شيء من التجميد، فإنَّ إدارة الرئيس أوباما يمكنها أن تدَّعي أنَّ المفاوضات المباشِرة قد بدأت، وتجرى، في مناخ "التجميد" لهذا النشاط الذي هو أقرب إلى "النَشِط" منه إلى "المجمَّد"، وكأنَّ هذا "التجميد" يفيض عن حاجة المفاوضات غير المباشرة، ويكفي حتى لبدء واستمرار المفاوضات المباشِرة!

لقد اقتربت مواقف الرئيس أوباما، واقتربت كثيراً، من مواقف "نتنياهو ـ ليبرمان"؛ ثمَّ تولَّى الرئيس أوباما مهمة "إقناع" الدول العربية و"لجنتها" بضرورة وأهمية أن يَحْمِلوا السلطة الفلسطينية على أنْ تقترب بمواقفها من مواقفه، التي شرحها وأوضحها على خير وجه في رسالته إلى الرئيس عباس، والتي اطَّلع عليها أعضاء "اللجنة" في اجتماعهم الأخير في القاهرة.

الرئيس أوباما، في رسالته تلك، دعا الرئيس عباس إلى البدء فوراً "وفي آب الجاري" بمفاوضات مباشِرة مع إسرائيل، محذِّراً إيَّاه من مغبة الرَّفْض، أي من مغبَّة البقاء مستمسكاً بمطالبه وشروطه، والتي في مقدَّمها الوقف التام للنشاط الاستيطاني، وقبول حكومة نتنياهو إقامة دولة فلسطينية بحدود 1967.

وهذا "التحذير" هو ما حَمَل "اللجنة" على إعلان قبولها المبدئي الانتقال إلى المفاوضات المباشِرة، وعلى "تفويض" أمْر "متى تبدأ" هذه المفاوضات إلى الرئيس عباس نفسه؛ وهذا "التفويض" لا يمكن فهمه إلاَّ على أنَّه دعم لأوباما ضدَّ عباس، وإنْ ليس في الظاهر.

في رسالته، "توقَّع" أوباما أن يشمل التفاوض المباشِر "كل قضايا الحل النهائي"، والتي تشمل، على ما أوضح أوباما وفصَّل، القدس الشرقية وغور الأردن والبحر الميت وقطاع غزة. إنَّه "توقُّع" ليس إلاَّ؛ وتحقُّقه إنَّما يعني أن يسمح نتنياهو لعباس بأن "يناقِش" معه قضايا "مُحرَّمة" كقضية القدس الشرقية؛ ولن يصبح هذا "النقاش" تفاوضاً، يمكن أن يتوَّج بـ"اتِّفاق" إلاَّ إذا ارتضى "المفاوِض الفلسطيني" حلاًّ نهائياً يلبِّي فيه معظم وجوهر الشروط والمطالب الإسرائيلية.

تلك كانت "جَزَرة" أوباما الأولى؛ أمَّا "جَزَرته" الثانية فكانت إعادة تأكيد التزامه إقامة الدولة الفلسطينية، واستعداده لـ "مساعدة الفلسطينيين على إقامتها في حال لبُّوا طلبه البدء الفوري بمفاوضات مباشِرة مع إسرائيل"؛ فإذا لم يُلبُّوا لن يقدِّم إليهم هذه المساعدة!

إنَّ أوباما، في "جَزَرته" الثانية، لم يأتِ على ذِكْر "خطِّ الرابع من حزيران "1967"" بصفة كونه المبدأ والأساس في تعيين الحدود النهائية والدائمة بين الدولة الفلسطينية وإسرائيل.

وفي "جَزَرته" الثالثة، وعد الرئيس أوباما الرئيس عباس بأن يسعى في إقناع نتنياهو بـ "تمديد تجميد "الحكومة الإسرائيلية" النشاط الاستيطاني"؛ فإذا لم يذهب الفلسطينيون "في آب الجاري" إلى المفاوضات المباشِرة فلن يتمكَّن أوباما من مساعدتهم في هذا الأمر، أي لن يتمكَّن من إقناع نتنياهو بـ "بتمديد التجميد"، وكأنَّ هذا "التجميد"، الذي جاء بمزيدٍ من الاستيطان، هو الطريقة التي فيها فحسب يلبِّي أوباما "ونتنياهو" مطلب عباس "الوقف التام للنشاط الاستيطاني"!

وإذا كان الرئيس عباس يشترط "لذهابه إلى المفاوضات المباشِرة" انهاء الحصار لقطاع غزة، فها هو الرئيس أوباما يحيطه عِلْماً بأنَّ طلبه "أو شرطه" هذا "قد تحقَّق" بما يسمح ببدء تلك المفاوضات.

ومع ذِكْر وشرح بعض "العصي" التي تضمَّنتها رسالة أوباما إلى الرئيس عباس، يصبح ممكناً التوصُّل إلى "فَهْم أدق" لقول عمرو موسى، في معرض تعليقه على تلك الرسالة، "إنَّها تصلح أرضية لمفاوضات السلام"!

أوباما أبلغ إلى عباس أنَّ نتنياهو أصبج جاهزاً الآن "أي بعد محادثاته معه في البيت الأبيض" للانتقال إلى المفاوضات المباشِرة؛ وعليه أن يكون مثله جاهزاً، فساعة المفاوضات المباشِرة أزفت؛ وإدارته لن تقبل أبداً رفض اقتراحها الانتقال فوراً إلى هذه المفاوضات، ولن تظل على ثقتها بالرئيس الفلسطيني إذا ما اختار الرفض؛ ولن تقبل أيضاً التوجُّه إلى الأمم المتحدة بدلاً من التوجُّه إلى المفاوضات المباشِرة؛ ولسوف يبدأ "وقد بدأ فعلاً" حشد التأييد العربي "تأييد دول "لجنة المتابعة"" والتأييد الدولي "تأييد الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمين العام للأمم المتحدة على وجه الخصوص" لمطلبها الانتقال الفوري إلى المفاوضات المباشِرة.

قبل، أو قبيل، قرار "اللجنة" القبول المبدئي للانتقال إلى المفاوضات المباشِرة، وترك أمْر تحديد موعد الذهاب إليها للرئيس عباس، كانت السلطة الفلسطينية، أو بدت، مستمسكة بشرط، أو مطلب، "الوقف التام للنشاط الاستيطاني"؛ ولقد شرعنا الآن نرى التخلِّي عن هذا الشرط، أو المطلب، يُصاغ في طريقة "ثورية"، فـ"المُفَوَّض" الفلسطيني يقول "لن نقبل أبداً أن يعيش بيننا "في أراضي الدولة الفلسطينية" إسرائيلي "أي مستوطن" واحد"، وكأنَّه يريد أن يقول "سنذهب إلى المفاوضات المباشِرة، متخلِّين عن شرطنا، أو مطلبنا، الوقف التام للنشاط الاستيطاني؛ ولكنَّنا لن نقبل أبداً وجود ولو مستوطن واحد في إقليم دولتنا المقبلة".

هل معنى هذا أنَّ "المفاوض الفلسطيني" سيفاوِض توصُّلاً إلى أنْ تقام الدولة الفلسطينية في أراضٍ من الضفة الغربية "والقدس الشرقية" تخلو الآن من الكُتَل الاستيطانية الكبرى؟!

وإنِّي لأتساءل، أيُّهما أفضل للفلسطينيين هذا الموقف "الثوري" أم الموقف "اللا ثوري"، الذي فيه يمكن أن يقول "المفاوِض الفلسطيني" إنَّ الفلسطينيين يريدون إقليماً لدولتهم المقبلة يشمل قطاع غزة، وكل الضفة الغربية "والقدس الشرقية""، تقريباً، ويقبلون، في مقابل ذلك، بقاء كل المستوطنين عندهم، بصفة كونهم جالية إسرائيلية أو مجنَّسين بالجنسية الفلسطينية؟ 



نقلاً
العرب إونلاين