القمم الاقتصادية.. في معادلة بذخ الأغنياء وموت الفقراء
الأحد, 04-يوليو-2010
زكريا شاهين -
انتهت قمة العشرين بكندا، باصدارها البيان الذي تكون من 10700 كلمة استغرقت كتابتها اذا لم تكن معدة سلفا، 72 ساعة، وصفت بانها اغلى 72 ساعة في تاريخ كندا. كأنما هي حفلة شواء باذخة كلفت 645 مليون جنيه استرليني، فيما قيل ان الاجراءات الامنية التي ترافقت مع انعقادها كلفت اكثر من مليار دولار، وذلك لمواجهة من يوصفون بــ"الرعاع" وحتى لا تفسد اللقاءات وتتشوش العقول التي تبحث عن حلول لما يسمى بالازمة المالية.

بيان القمة الذي قد يرضي البعض، خاصة اولئك الذين يتحكمون بسلطة المال، يستفز البعض الاخر، الى درجة ان احد المحللين "اندرو جريس"، يكتب في صحيفة الاندبندت" في نهاية الأسبوع في تورونتو، لم يستطع العشرون الكبار الاتفاق على شىء سوى عدم الاتفاق بشأن السرعة التي يجب بها إبدال المحفزات بتقليص عجز الميزانية".

يضيف أن الإجراءات الأمنية قد شددت لحماية القادة من المتظاهرين المناهضين للرأسمالية "بينما يتمتعون بالطعام والشراب الجيد، مما يزيد الشعور بأنهم بعيدون من الأشخاص الذين انتخبوهم"، واصفا بيان القمة بانه مجرد هراء.. حيث أنه احتوى على "كل الأشياء التي تسمح لكل القادة" بإخبار مواطنيهم أنهم قد ربحوا الجولة، فماذا جاء في البيان؟.

يؤكد زعماء مجموعة العشرين المشكلة من أكبر 20 اقتصادا في العالم في البيان الختامي لقمتهم التي انفضت يوم الأحد 27 يونيو/حزيران 2010 في تورونتو على أن الأولوية القصوى لديهم هي حماية وتعزيز النمو الاقتصادي، وان وتيرة الانتعاش الاقتصادي ستختلف على مستوى العالم عقب الازمة الاقتصادية وان ثمة حاجة لتوفر توازن دقيق بغية العودة لضبط الميزانيات والحفاظ على النمو، حيث ان "ثمة خطر في ان يؤثر التعديل المالي المنسق بين عدة اقتصادات رئيسية تأثيرا سلبيا على الانتعاش، وهناك أيضا خطر في ان يقود الفشل في تحقيق الضبط عند الضرورة الى تقويض الثقة وعرقلة النمو".

يذكر البيان.. ان دول مجموعة العشرين تتوقع، في حال ممارسة سياسة اقتصادية متفق عليها، " لم يتفقوا على شئ محدد!! " زيادة الانتاج العالمي بمعدل 4 تريليونات دولار وتوفير 52 مليون فرصة عمل جديدة واخراج 90 مليون شخص في كل العالم من حالة الفقر.

هو كلام ليس بالجديد، اذ يتكرر في كل القمم الاقتصادية، في قمة الثماني، وفي منتدى دافوس، وفي قمم العشرين المتككرة وهكذا، فيما لا تتحقق الوعود، حين يزداد الاغنياء ثراء، والفقراء موتا!!.

قمة تورونتو والنشاط المصرفي

لم يتطرق البيان الختامي الى موضوع فرض ضريبة على عمل المصارف، او حتى رقابة فاعلة، علما ان المصارف، كانت احد الاسباب الرئيسية فيما يسمى بالازمة المالية التي شهدها ولا زال العالم من اقصاه الى اقصاه، ولان البعض في ذاك الاجتماع المح الى ضرورة ذلك، فقد خرج مضيف القمة "رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر" ليقول في مؤتمر صحفي" إن هذا أمر متروك لكل دولة لتقرر بشأن ذلك ما تريد".

اللافت للنظر، ان قادة الـ 20، قرروا تأسيس فريق عمل لبلورة الاجراءات التي يجب اتخاذها، لمكافحة الفساد وآثاره السلبية على الاقتصاد العالمي؛ لكن اللافت للنظر ايضا، ان اللوائح التي وضعت بأسماء عشرات البلدان والمراكز التي تترعرع فيها ظواهر الفساد المالي، تطورت باتجاه الخلو من أية أسماء، قيل انها لاعتبارات ديبلوماسية، وخصوصاً نتيجة للضغوط الممارسة من قبل قوى ليست بالخفية ومنها منظمات توصف بانها رائدة في مجال الجريمة المنظمة، وايضا، فان الضرائب المقترحة على المصارف والمعاملات المصرفية، بحماس ملحوظ من قبل كبار الزعماء، تم التراجع عنها سلفا، في أميركا بسبب معارضة الكونغرس، وفي غير أميركا لأن الزعماء أنفسهم غيروا رأيهم، باعتبار أن الضغط على المصارف يدفعها إلى الهجرة حاملة معها الرساميل القومية، ولعله من المفيد التذكير، بان المصارف التي تسببت بالاومة، انعشت من قبل الحكومات، وكان اكثر من استفاد من ذلك الانعاش، هم مدراء المصارف انفسهم.

في الاحتجاجات وتوصيفها

في تورنتو، وقبلها في قمة مجموعة الثماني في مسكوكا في أقصى الشمال الكندي، وفي قمة للاتحاد الأوروبي عقدت قبل أسبوع وبعد اجتماع لوزراء مالية العشرين في بوسان بكوريا الجنوبية في وقت سابق من الشهر الحالي، وحتى في القمم الاقتصادية ومنتديات كدافوس وغيرها، كان من غير المسموح بالاحتجاجات التي تعكر صفو تفكير الكبار، وتفسد عليهم اجتماعاتهم.

في كل تلك القمم، وخارج اسوارها الامنية والاسمنتية، كان المحتجون متواجدون، والقمع ايضا، ففي القمة الاخيرة بتورنتو، اعتقل أكثر من 500 محتج بعد تطور مظاهرة ضد قمة مجموعة العشرين إلى أعمال عنف وسط المدينة، رائحة الدخان الناجم عن الحرائق فاحت في نفس الفندق الذي يعقد فيه قادة العشرين اجتماعهم في منطقة مغلقة تحميها الحواجز وعشرات الصفوف من أفراد الشرطة، في إطار العملية ألأمنية التي كلفت كندا مليار دولار أميركي، اعتقالات وصفت بحسب الشرطة الكندية، بانها جاءت بعد "احتجاج فوضوي"، وان المعتقلون سوف يواجهون اتهامات تتراوح بين إلحاق الضرر والتعدي على أفراد الشرطة.

التقشف والوعود المخملية لفقراء العالم!

كان من العادة وقبل ان تضرب الازمة المالية باسلحتها مؤسسات وشركات ودول، ان يتم الحديث عن فقراء دول العالم الثالث وطريقة مساعدنهم، وان توضع الارقام التي تعد بحل مشاكل الفقر قيد التداول، لكن الامر الان تجاوز مسالة فقراء العالم الثالث ليصل الى اوربا نفسها ارض الرخاء وحلم المهاجرين، والى امريكا صاحبة الكذبة الاكبر المسماة بــ"الحلم الامريكي".

لقد سببت جداول المديونية للعديد من الدول ومنها الاوربية على وجه التحديد، خاصة بعد ما حدث في اليونان، قلقا مرده أن تتسبب الديون السيادية في وضع الدول على حافة الانهيار، في قبول خطط التقشف، ومع ازدياد اصحاب المعاشات، وارتفاع نسبة البطالة، " تبلغ نسبة البطالة أكثر من 10 بالمئة في كثير من البلدان الاوربية، وتصل في إسبانيا إلى 20 بالمئة "فان اوروبا بمجملها قد تضطر لخفض ميزانياتها، مما سيؤثر ايضا على الدول حديثة العهد في الاتحاد الاوربي، والتي تعتمد على مساعدات الاتحاد بشكل كبير، وهنا، يطل شبح الحالة اليونانية مسيطرا على اصحاب القرار، ويطل الاضطراب برأسه في أوروبا كما في اليونان، من خلال مظاهرات الاحتجاج اليومية، التي تؤسس لها ارتفاع مستويات المعيشة وارتفاع منسوب البطالة والدخول في متاهات الاضطراب الاجتماعي.

التقشف... تخفيض العجز في الميزانيات وغيرها من تلك الاقتراحات التي كانت موجودة في قمة العشرين، جاءت بعد فوات الاوان، ومع ذلك، يوافق الكل على خفض الميزانيات او العجز فيها ولكن بشكل منفرد وبطريقته الخاصة.

ماذا عن الفقر والفقراء؟

يرصد المتابعون: في قمة غليغنز التي عقدت عام2005، قدمت تعهدات لمساعدة الدول الفقيرة بقيمة 50 مليار دولار، لكن عشرة مليارات دولار اختفت دونما تفسير وسط التعتيم المحيط بأوجه صرف الأربعين ملياراً الأخرى.

في قمة العشرين التي انعقدت في لندن في نيسان/ أبريل 2009، تم الحديث عن ضرورة مكافحة التهرب الضريبي والفساد والغاء سرية المصارف، وتكرر ذلك في قمة العشرين التي انعقدت في بيتسبورغ، في تشرين الأول/ أكتوبر من العام نفسه، وقد قيل في حينها، ان التهرب الضريبي والفساد، يبتلعان ثلث عائدات الاقتصاد العالمي.

في قمة تورنتو، قضي الامر، ولم يعد الحديث عن الفقر والفقراء واردا، وان بدا على استحياء واقتضاب في بعض المداخلات. منذ عام الفين، كانت الوعود بان تزيد الدول الصناعية حجم المساعدات الإنمائية للدول الفقيرة، إلى أن تعادل سبعة أعشار في المائة من الناتج الاقتصادي العام فيها، لكن ذلك لم يحدث، بل على العكس، تضاعف عدد الفقراء، وتضاعف عدد الدول الفقيرة التي ترنحث تحث ثقل الازمة المالية اكثر من غيرها رغم انها لم تكن طرفا مسببا لها، مما دفع باحد المحللين الاقتصاديين الى القول بعد كل هذه القمم والوعود " الحصيلة لا تتبدل، وهي ما يجري وصفه عادة بعبارة ازدياد الأثرياء ثراء والفقراء فقرا، على مستوى عالمي، وعلى مستوى كل دولة على حدة، مع ازدياد الوجه الفاحش الباطش للثراء الرأسمالي وازدياد الوجه المأساوي القاتل للفقر الجماعي.

ان جوهر المشكلة كامن في طريقة التفكير المسيطرة رأسماليا على مبدأ يقول إن نسبة النمو الاقتصادي هي وحدها المعيار"، مبرزا ان مراكز القوى المالية، ليس هي التي في شكل مصارف ومؤسسات مالية عاملة في قطاع الاقتصاد العيني، للتجارة والبناء والاستثمارات، بل في صيغة "قوى موجهة" من وراء ستار، عبر مؤسسات المراهنات والمضاربات المالية، حتى أصبح حجم ما تحركه من أموال من أقصى الأرض إلى أقصاها، يعادل زهاء 95 بالمئة من مجموع حركة تلك الأموال العالمية التي تُقدر بأربعة تريليونات "ألف مليار" دولار يوميا "، لقد اسفر كل ذلك، عن ازدياد هوة الفقر والثراء "ليس عالميا فقط" حتى داخل نطاق الدول الرأسمالية بدرجة مذهلة، فأصبحت نسبة انتشار الفقر هي الأعلى في أثرى الدول الصناعية، ثم في الدول الأقل ثراء منها، دولة بعد دولة.

نذكر..عقب صدور البيان الختامي لقمة الدول الصناعية الثماني الكبرى في كندا طالب بان كي مون الامين العام للامم المتحدة الدول الصناعية الغنية بالوفاء بوعودها بتوفير 50 مليار دولار كمساعدات للدول الفقيرة قبل حلول عام 2015، محذرا من ان الازمة الاقتصادية العالمية تهدد بتقويض الجهود المبذولة لبلوغ الاهداف التنموية التي حددتها الامم المتحدة "والمعروفة باهداف الالفية" في موعدها في عام 2015.

ومع ذلك، لم يتطرق البيان الختامي للدول الثماني الى اخفاق هذه الدول في الوفاء بالالتزامات التي كانت قد قطعتها على نفسها في قمة "جلين ايجلز" باسكتلندا عام 2005 بزيادة الانفاق على المعونات للدول الفقيرة.

كلام المعونات، وممارسات السطو

تتحدث الدول الغربية عن المعونات للفقراء، لكنها تمارس النقيض، ان نظرة سريعة على ما جاء في تقرير نشرته " صحيفة العرب العالمية " قبل ايام بالخصوص، تكشف نفاق تلك الدول، وتدحض ادعاءاتها التي الــ"الانسانية!!".

يقول التقرير، أن الإتحاد الأوروبي يقدم إعانات مالية بنحو مليار يورو في السنة لشركات صيد الأسماك التابعة لدوله الأعضاء، بما في ذلك شركات اعتادت على ممارسة الصيد الجائر وغير القانوني في مياه أفريقيا، ما يحرم بلدان هذه القارة من موارد مالية هي في أمس الحاجة إليها خاصة في ظل الأزمة المالية العالمية التي خلقها الغرب، ويقول محللون...ان الصيد الجائر للاسماك يعتبر امتدادا لاستنزاف خيرات القارة الافريقية خلال قرون الاستعمار كما ان استمراره اليوم بطرق ملتوية يعمق أزمة الجوع والغذاء التي تعاني منها القارة الافريقية.

تعترف ايزابيل لوفين من لجنة صيد الأسماك بالبرلمان الأوروبي لوكالة انتر بريس سيرفس "واقع أن الإتحاد الأوروبي يمنح معونات لشركات صيد الأسماك "حتى ولو عملت بصورة غير قانونية" في مياه أفريقيا هو مشكلة في حد ذاته".

تضيف: يعني هذا أن دافعي الضرائب الأوروبيين يساهمون بذلك في زيادة المصاعب التي يقاسيها الفقراء الأفارقة من أجل العيش. ومن ناحية أخرى، تذهب المعونات إلى سفن صيد تنتهك القانون الدولي. إنه أمر مخز وشائن وغير أخلاقي".

تأتي شركة "فيدال ارمادور" الأسبانية ضمن كبرى شركات صيد الأسماك المنتفعة بمعونات الإتحاد الأوروبي بما لا يقل عن 2،8 مليون يورو في عامي 2004 و2005، رغم أن سفنا تابعة لها قد أُوقفت وعليها شحنة من 24 طنا من سمك القد الأسود تم صيده بصورة غير قانونية، وهناك ايضا، 36 سفينة صيد أسماك انتهكت القوانين قد تلقت أكثر من 13،5 مليون يورو على شكل معونات من الإتحاد الأوروبي في الفترة بين 1994 و2006. وتلقت خمس سفن منها معونات حكومية تتجاوز المليون يورو لكل واحدة منها.

الخلاصة:

لماذا وصف اندرو جريس بيان القمة بالهراء ؟، ببساطة لان الحديث عن نجاحها، وعن نجاح قمة الثماني قبل ذلك، كذبة كبرى، فالحديث عن التقشف او خفض ديون الدولة إلى النصف في عام 2013 والتخلص منه نهائيا عام 2016، ليس المقصود منه الديون بمجموعها من حيث الأساس، "بلغت في ألمانيا أكثر من تريليون يورو وفي الولايات المتحدة الأميركية أربعة تريليونات"، بل المقصود خفض منسوب زيادتها السنوية المعتادة في الدول الرأسمالية، اذ يرى محللون، ان إجراءات التقشف من جهة وإجراءات الدعم المباشر للنمو الاقتصادي من جهة أخرى، وجهان لعملة واحدة، تنحصر قيمتها في تمكين رجال المال والأعمال من تنمية حصص أرباحهم المالية، بحجة أن هذا "كما تقول المدرسة الرأسمالية القديمة والجديدة في صيغة الليبرالية الجديدة، وكلاهما يمثل ما يوصف بالرأسمالية المتوحشة" هو السبيل إلى تنشيط الاستثمارات، وبالتالي رفع نسبة النمو الاقتصادي، ومن نتائج ذلك "المرجوة" زيادة أماكن العمل، مدعين بان ذلك قد يجعل الفئات الفقيرة تحصل على "نصيب" ما في نهاية المطاف يوما ما "ولكن اي يوم؟". 






نقلاً عن
العرب إونلاين