عشرون الوحدة اليمنية
الأربعاء, 19-مايو-2010
فيصل جلول -
مر عقدان على الوحدة اليمنية، وتدين هذه الوحدة ببقائها لضعف الثقافة السياسية الانفصالية في اليمن ومتانة وتاريخية الثقافة الوحدوية، ومن أثرها نزوع الحزب الاشتراكي اليمني نحو تحطيم المؤسسات والتيارات السياسية الموروثة من عهد الاستعمار البريطاني، وتدمير البيئة الانفصالية التي بناها البريطانيون عبر جمعيات ومنظمات كانت تطرح شعارات من نوع “عدن للعدنيين” و”دولة حضرموت المستقلة” و”الجنوب العربي المستقل” ناهيك عن تقسيم البلاد إلى أكثر من 24 مشيخة وإمارة وسلطنة . وتفصح الدكتورة سميرة الخطيب في مداخلة ألقتها في ندوة كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن (نوفمبر/تشرين الثاني 1995) عن سياسة الاشتراكيين الوحدوية بقولها “ . .مازلت أذكر وأنا أعمل منذ أكثر من عشرين عاماً في الحقل التربوي، أن أطفالنا في الجنوب كانوا يرددون صباح كل يوم: لنناضل من أجل الدفاع عن الثورة اليمنية وتنفيذ الخطة الخمسية وتحقيق الوحدة اليمنية، وذلك في كل مدارس وكليات جنوب اليمن” .



وليست شهادة الدكتورة الخطيب مثيرة للدهشة، ذلك أن اليمن كان على الدوام موحداً حين كان أبناؤه يسودونه، ولم ينفصل إلى دولتين إلا عندما فقد استقلاله . ويشير المؤرخ أحمد عبدالرحمن المعلمي إلى هذه الحقيقة في محاضرة ألقاها بدمشق في 20/6/1994 حيث يقول “ . . . عاش اليمن قبل الإسلام وبعده في ظل دول موحدة ابتداء من دولة سبأ ثم معين وحمير قبل الإسلام، وفي العهد الإسلامي قسم الرسول صلى الله عليه وسلم اليمن إلى ثلاث ولايات هي صنعاء والجند وحضرموت بقيادة الصحابي معاذ بن جبل . وفي العهد الأموي كان موحداً، وفي العهد العباسي أقام محمد بن عبيدالله بن زياد إمارة يمنية مستقلة مرهوبة الجانب امتد سلطانها من مدينة حلي بن يعقوب شمالاً حتى عدن وحضرموت والشحر والمهرة جنوباً، وأسس مدينة زبيد لتكون عاصمة للإمارة، وبنى علي بن محمد الصليحي الدولة الصليحية (426 هجرية) الموحدة، وعاشت اليمن فترة تجزئة في عهد الأيوبيين (626-858 هجرية)، وأستانف الرسوليون نسبة إلى الملك المنصور عمر بن علي بن رسول توحيدها مجدداً، واستمرت موحدة إلى عهد المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم (1054-1187 هجرية)، ولم ينقطع التاريخ السياسي الوحدوي اليمني إلا في عهد الأتراك في الشمال والاحتلال البريطاني في الجنوب . . وما إن استعاد شمال اليمن استقلاله من الأتراك بزعامة الإمام يحيى بن حميد الدين، حتى تقاطر السلاطين والمشايخ الجنوبيون إلى صنعاء يطالبون الإمام بالخلاص من الاستعمار البريطاني بوصفه إمام اليمن الطبيعي كله” .



واللافت أن اليمنيين لم يكفوا عن تعريف أنفسهم بالصفة اليمنية رغم الاستعمار ورغم السيطرة التركية، بل قاوموا ثقافة التشطير البريطانية وكافحوا مشاريع المستعمر . وفي غرة استقلالهم استأنفوا سيرتهم الوحدوية شمالاً وجنوباً فكان جنوبيون يتولون الوزارات والسفارات في الشمال، وشماليون يتولون الوزارات والسفارات في الجنوب . هكذا تولى الشمالي عبدالفتاح إسماعيل الرئاسة في عدن (1978-1980)، وتولى الرئيس الجنوبي لاحقاً قحطان الشعبي الوزارة في الشمال (1963) . ومنذ الاستقلال عينت الدولتان الجنوبية والشمالية وزارة للوحدة كما لم يفعل أي ثنائي عربي من قبل، وقد وقع على وثيقة الوحدة عن الجنوب الوزير راشد محمد ثابت وعن الشمال يحيى العرشي وهما من أصول شمالية .



والواضح أن اليمنيين شمالاً وجنوباً ينتمون إلى تاريخ واحد، ويتحدثون اللغة نفسها، ويدينون بالإسلام، ويتناولون الأطباق نفسها، ويرتدون الفوطة ويخزنون القات . ويحتفظ اليمنيون بتقاليد اجتماعية واحدة مستمدة من ائتلافات قبلية ثلاثة هي مذحج في جزء من الوسط والجنوب، وحاشد وبكيل في الشمال .



ولأن الوحدة اليمنية الطبيعية قائمة وراسخة برغم الحكام الشطريين، فقد استؤنفت بطريقة ميسرة بعد ثلاثة أسابيع فقط من انهيار الحرب الباردة وتحطيم جدار برلين (9 نوفمبر/تشرين الثاني 1989)، وكان لافتاً أن الجنوبيين أرادوها اندماجية كاملة، في حين أرادها “المؤتمر الشعبي” متدرجة، فكان أن انتصر خيار الجنوبيين وبوركت الوحدة الاندماجية عبر استفتاء شعبي عام .



وعلى الرغم من ذلك تعلو اليوم أصوات شطرية في عدد من المحافظات الجنوبية يشكو أصحابها من التهميش والنهب والقمع والمواطنة غير المتساوية، بيد أن أحداً منهم لا يتحدث جاداً عن هوية أخرى غير الهوية اليمنية . ولعل مشكلة الشطريين تكمن في هذا الجانب، فهم يعومون في بيئة وحدوية راسخة يصعب معها تبرير الانشطار والعودة إلى الوراء وذلك بخلاف الوحدة المصرية - السورية (1958-1961) التي انشطرت خلال أسبوع واحد بسبب تغلب ثقافة الانفصال على ثقافة الوحدة .



بعد عقدين من الزمن ولد جيل يمني وحدوي يشكل غالبية اليمنيين، وهو مرشح لطي ذكرى الدولتين المنفصلتين سابقاً أمام المظالم والتجاوزات الناشئة عن ممارسة السلطة، ذلك أن النظم والحكومات زائلة أما الوطن الموحد فباقٍ إلى الأبد . 



نقلا عن (الخليج) الإماراتية