الشرق الأوسط الكبير.. بين التهديدات الإيرانية والتوسع الإسرائيلي
الاثنين, 17-مايو-2010
عمر نجيب -
في العلاقة بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل شيء من الباطنية السياسية، وهي باطنية تمارس بهمة في حين تبدو للناس إنها عداوات شديدة وقطيعة نهائية. أعلنت وزارة الداخلية اليمنية يوم الاربعاء 28 أبريل 2010 ان متمردين حوثيين قتلوا بالرصاص ثلاثة أفراد من قبيلة بني عزيز، في هجوم جديد يهدد هدنة هشة تهدف الى انهاء مواجهة مع عناصر متمردة تحصل على سند خارجي وخاضت ست مواجهات رئيسية مع حكومة صنعاء ووسعت في المواجهة السادسة عملياتها لتشمل الأراضي السعودية.

وكانت الحكومة اليمنية قد وافقت مبدئيا في فبراير 2010 على هدنة لوقف حرب تستعر في الشمال بين الحين والاخر منذ عام 2004 وتسببت في تشريد 250 ألف شخص وشغل جزء هام من الجيش اليمني مما سهل تحرك جماعات إنفصالية في جنوب البلاد، ولم تطبق الهدنة عمليا سوى يوم 5 يوليو 2009.يذكر أن شمال وجنوب اليمن اتحدا بشكل رسمي عام 1990 بعد عقود من الفرقة فرضها الاستعمار البريطاني عندما احتل جنوب اليمن ثم رحل عنه بعد ان سعى لترسيخ فكرة دولتين في يمن واحد.

هجوم يوم الأربعاء كان واحدا من عشرات حوادث عنف متقطعة نفذها الحوثيون في الاسابيع الاخيرة وكثيرا ما كانت تشمل أفراد قبائل حاربوا الى جانب الدولة خلال الصراع في الشمال. قبل ذلك ويوم الجمعة 16 أبريل نقلت وكالة رويترز للأنباء ومصادر إخبارية عدة، تأكيدات لمسؤولين عن ان المتمردين الحوثيين فتحوا النار في تمام الساعة التاسعة والنصف من صباح الخميس، على طائرة عسكرية من طراز "انتينوف" كانت تحلق فوق مدينة صعدة.ولم تصب الطائرة التي ذكرت وسائل إعلام رسمية إنها كانت تنقل مسؤولين من الجيش والحكومة. وقد اعتبر محللون أن إطلاق النار على الطائرة يعتبر واحدا من أخطر حوادث خرق الهدنة خاصة لأهمية الشخصيات العسكرية والمدنية التي كانت على متن الطائرة وكذلك لنوعية السلاح المستخدم ضد الطائرة والذي تقول بعض التقارير أنه صاروخ أرض جو.

وكشف موقع حزب التجمع اليمني للإصلاح المعارض بعد 48 ساعة من الهجوم أن الطائرة كانت تقل مسؤولين كبار بينهم وزير الدفاع اللواء الركن محمد ناصر احمد واللواء الركن سالم قطن نائب رئيس هيئة الأركان العامة لشؤون القوى البشرية وعددا من أعضاء اللجنة الأمنية.على الرغم من أن وقف إطلاق النار لازال قائما حتى نهاية شهر أبريل فإن التشاؤم قوي حيث ان هدنات سابقة لم تستمر ويشكك محللون في أن تستمر هذه الهدنة الأخيرة أيضا خاصة لأن هناك قوى خارجية تريد استئناف الصراع لعلها تصل إلى تحقيق الأهداف التي كانت تريد أن تثمرها الجولة السادسة من المعارك.
حرب سابعة.

وقد حذر "المؤتمر الشعبي العام الحاكم" في اليمن، من اندلاع حرب سابعة بين الجيش والحوثيين.كما اتهمت صحيفة "الميثاق" الناطقة باسم الحزب الحوثيين "باستمرار خروقاتهم في مديرية حرف سفيان في عمران"، موضحة أن "الحوثيين واصلوا تمترسهم في الجبال والمواقع المطلة على طريق "سفيان - برط"، الذي يربط محافظتي الجوف وعمران، ولم يلتزموا بنزع الألغام، واعتدوا على المواطنين"، مشيرة إلى أنهم "استحدثوا نقطة تفتيش في منطقة لمهاذر كما احتلوا مدرستين، وهو ما اعتبرته مؤشرا لتجدد الحرب خاصة وأن هذه الأعمال مخالفة صريحة لما ورد في النقاط الست للهدنة وآليتها التنفيذية".

وأفادت عدة مصادر أن الحوثيين يقومون بتوزيع منشورات تدعو إلى "الجهاد ضد الحكومة"، واستمروا في التمركز والتحصن في بعض المواقع العسكرية، وجباية الضرائب من المواطنين، ونصب نقاط عسكرية على الطرقات.

الأمر المثير للإهتمام أنه بموازاة مع تصعيد الحوثيين لعمليات خرق وقف اطلاق النار في اليمن تسربت أخبار عن استهدافهم الأراضي السعودية أو مواطنيها، وهو نفس المشهد الذي وقع منتصف سنة 2009.

في صيف تلك السنة اندلعت الحرب مجددا في شمال اليمن بين الجيش النظامي والمتمردين الحوثيين الزيديين الذين يتمتعون بمساندة إيران المادية والمعنوية، وقبل أن تمر خمسة أشهر، تحولت تلك المواجهات رسميا ويوم الثلاثاء 3 نوفمبر 2009 الى حرب إقليمية، عندما أنضمت السعودية اليها بعد أن هاجم الحوثيون الأراضي السعودية واحتلوا جبل دخان بمنطقة الملاحيط وأراضي سعودية إستراتيجية مجاورة للحدود اليمنية.

في ذلك الحين أشار غالبية من المحللين السياسيين والعسكريين الى أن تلك الحرب هي محاولة لإقامة طوق تابع لطهران يمتد من الخليج العربي حتى مشارف البحر الأحمر لتعديل خريطة المنطقة خاصة في الجزيرة العربية، والسعودية واليمن بشكل أساسي.إعادة رسم خارطة المنطقة شكل جزء من مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي شرع المحافظون الجدد بقيادة الرئيس الأميركي السابق بوش في إنجازه عبر غزو أفغانستان سنة 2001 ثم احتلال العراق سنة 2003، والشروع في تمزيق وحدة عدد من بلدان المنطقة وفي مقدمتها السودان.

عندما استعرت الجولة السادسة من الحرب في شمال اليمن أكدت صنعاء والرياض ومصادر رصد أوروبية والمانية بشكل خاص، معلومات منتشرة إعلاميا عن أن الأسلحة التي يحارب بها الحوثيون مصدرها الرئيسي هو إيران، زيادة على أطراف أخرى في القرن الأفريقي ومنها من يتحرك انطلاقا من الأراضي الصومالية التي تتقاذف السيطرة عليها قوى مختلفة تعرف الكثير منها تغلغلا من جانب أطراف متعادية ومتخاصمة على الصعيد العلني، فهناك من يتبع تنظيم القاعدة أو إيران أو الولايات المتحدة أو إسرائيل. البحرية السعودية والمصرية أساسا نظمت دوريات لمنع تسريب الأسلحة للتمرد الحوثي خاصة بعد حجز السفينة الإيرانية "ماهان" وهي محملة بأسلحة للتمرد قرب شواطئ اليمن على البحر الأحمر.

خارطة جديدة
خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة من شهر مارس 2010 نقلت مصادر رصد ألمانية الى مثيلاتها في دول مشرفة على البحر الأحمر أن شبكات تهريب أسلحة تمون فئات متقاتلة ذات توجهات انفصالية في السودان وخاصة في دارفور وجنوب البلاد، تقوم بنقل أسلحة عن طريق الجو إلى الحوثيين في شمال اليمن، وأن هذه الرحلات الجوية تتمتع بتغطية من أقمار الاتصال العسكرية العاملة في المنطقة وذلك بهدف جعل رصدها من طرف رادارات دول المنطقة أكثر صعوبة.

هنا يجب التذكير بأنه من المعترف به أن إسرائيل تزود حركات الانفصال في السودان بالسلاح منذ سنوات. بموازاة مع ظهور بوادر حرب سابعة في اليمن سجل أن وسائل الاعلام الإيرانية وتوابعها عادت لدق نفس الطبول التي سمع دويها صيف سنة 2009 عن الدول الفاشلة، بينما تنافست أبواق اعلام غربية وأطراف اخرى في شن حرب اعتبرها البعض كاشفة للحقائق، في حين رأى فيها آخرون تشويها مقصودا وتحويرا للمعطيات، ليس ضد اليمن وحده ولكن ضد طيف واسع من الأقطار العربية تمتد من الخليج العربي حتى المحيط الأطلسي.

الملاحظون سجلوا أن الجامع بين هذه الأقطار هو أنها في مقدمة المستهدفين بعملية إعادة رسم خريطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط الكبير والتي شرع المحافظون الجدد في تنفيذها بعزيمة قوية خلال حكم الرئيس الأميركي السابق بوش بهدف إقامة 54 أو 56 كيانا متنازعة فيما بينها في المنطقة الممتدة من أفغانستان حتى سواحل المحيط الاطلسي.كما أن العنصر المشترك الثاني كان هو أن تلك الأقطار تشكل أحد أمنع المواقع لعملية التشييع التي تقوم بها طهران وتصرف عليها مليارات الدولارات سنويا من أجل مد نفوذها عبرها.

زيادة الفرقة
ذكرت وثيقة لمجلس الكنائس العالمي مؤرخة في سنة 1952 كشفت مصادر ألمانية عنها في بداية عقد الستينيات، إن "عملية تعريف الناس بالمسيحية وتوصيل رسالة الانجيل إلى كل بقاع الأرض تصطدم في المنطقة العربية وباقي الدول التي يشكل المسلمون غالبية سكانها بمعوقات كثيرة ومن أهمها وحدة العقيدة لما يزيد عن 90 في المائة من المسلمين والتسامح "وما يسمى وسطية" حيث تشكل حجر عثرة أمام جهود نشر المسيحية".

وهكذا أصبح تقسيم المسلمين إلى بشكل أوسع إلى شيعة وسنة وتشجيع التطرف والتوجهات الفكرية والمذهبية المتصادمة أحد أهم وسائل تقسيم الأمة العربية والعالم الإسلامي، والوسيلة المثلى لتمرير مشروع إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الكبير.

محللون غربيون أشاروا إلى أن انتشار المذهب الشيعي سيزيد من ضعف المسلمين وسيشكل حجر عثرة أمام جهود توحدهم خاصة وأن احتمالات الصدام قوية حيث أن الجميع يعلم موقف الشيعة من صحابة رسول الله بدءا من أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان بن عفان، ومرورا بأمهات المؤمنين، وعلى رأسهن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وانتهاء بعامة هذا الجيل العظيم، فكتبهم ومراجعهم، بل وعقيدتهم وأصولهم، تزعم بفسق هذا الجيل أو رِدته، وتحكم بضلال غالبيته، وتتهمهم بإخفاء الدين وتحريف القرآن.

وقد أكد الشيخ تيسير التميمي قاضي قضاة فلسطين ورئيس المحكمة العليا الشرعية أنه لا يثق في الشيعة لأن لهم أهدافا لا تصب في مصلحة القضية ولا الأمة فلهم أهداف إيرانية شيعية فارسية توسعية وذكر في حوار صحفي: المد الشيعي حقيقي وخطير وفي عدد كبير من الدول وهناك محاولات لتشيع البعض "لا أريد التطرق إليها"، وثابت تصدير الفكر الشيعي للبلاد السنية وأميركا تساعد على ذلك وتريد أن تري في كل بيت شيعي وسني وتثير الخلافات المذهبية فهناك غزل أميركي إيراني من تحت الطاولة وأطالب مصر بأن تظل رائدة العالم العربي الإسلامي، وأن تحافظ على نقاء العقيدة الإسلامية والدين الإسلامي من الخلل العقدي عند الشيعة.

من جانبه قال الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في حوار أجرته معه صحيفة الشرق الأوسط في شهر سبتمبر 2008 : "إن بلادا كثيرة كانت سنية خالصة أصبح فيها شيعة"، ووضح قائلا: "مصر التي أعرفها جيدا وأعرف أنها قبل عشرين سنة لم يكن فيها شيعي واحد منذ عهد صلاح الدين الأيوبي استطاعوا أن يخترقوها، وأصبح لهم أناس يكتبون في الصحف ويؤلفون كتبا ولهم صوت مسموع في مصر، وكذلك في السودان وتونس والجزائر والمغرب فضلا عن البلاد غير العربية مثل ماليزيا واندونيسيا ونيجيريا والسنغال ".

وقال انه ناصر دعوات التقريب وحضر مؤتمرات التقريب في كل بلد لكنه كان يحذر من عدة أمور أهمها عدم سب الصحابة، معتبرا هذا خطا أحمر، وعدم نشر المذهب في البلاد الخالصة لمذهب آخر.وقال الشيخ القرضاوي "لا يمكن أن نتقارب، وأنا أقول أبو بكر رضي الله عنه وعمر رضي الله عنه وعائشة رضي الله عنها، وأنت تقول أبو بكر لعنه الله وعمر لعنه الله وعائشة لعنها الله، يعني لا يمكن أن يلتقي رضى الله عنه ولعنه الله".وشرح تحذيره من المد الشيعي للصحيفة قائلا:"أنا أتكلم عن المجتمعات السنية لأن الأمر إن استفحل، وإذا سكت عنه ولم يقابل بالمقاومة، ستجد بعد مدة أن المذهب الشيعي تغلغل في بلاد السنة، وهناك تصبح مشكلة كبرى وتصبح أقلية شيعية وتطالب بحقوق الأقلية وتصطدم بالأكثرية السنية، وهنا تشتعل النار وتكون الحروب".

البوابة الشرقية
قبل احتلال العراق سنة 2003 ورغم الحصار الذي تعرض له هذا البلد طوال 12 سنة كانت جهود إيران لنشر التشييع عبر الوطن العربي محدودة. لقد فتح احتلال بغداد على ايدي الجيش الاميركي ومن عاونه، جميع الطرق والمسالك وحتى الابواب والشبابيك التي كانت من قبل مغلقة امام المد الشيعي الصفوي القادم من بلاد فارس، وكان بلا شك من اوائل ضحايا هذا المد هو بلاد الرافدين بذاته، فبعد ان كان عصيا عليهم طوال اكثر من الف سنة، اصبح اليوم لقمة سائغة.

ومنذ احتلال العراق أصبح في قمة اولويات حكومة طهران ليس في العراق وحده ولكن في عدة أقطار أخرى مستهدفة طمس الهوية العربية، وبمختلف الاساليب والتوجهات، ومن أهم هذه الاساليب المستخدمة اسلوب تفريق مكونات الشعب الواحد داخل كل بلد عربي، وعزله عن الاخر ثم تبدأ مرحلة التغذية الطائفية الدينية الصفوية، مثل ما حصل في العراق حيث قسمت ايران العراق إلى عرب وأكراد أولا، وشيعة وسنة ثانيا، وشيعة فارسية وشيعة عربية ثالثا، وبالنهاية مناصر لإيران ومعادي له من الشيعة العرب رابعا.

بعد أشهر من احتلال العراق وإنكشاف التعاون الإيراني الأميركي لتجريد بلاد الرافدين من هويتها العربية، انفجرت ثورة في وسط العراقيين العرب الشيعة.ففي سبتمبر 2006 اتهم مرجع شيعي عراقي هو حسين المؤيد، إيران بامتلاكها "مشروعا قوميا"، يهدف إلى السيطرة على المنطقة، واتهم طهران، بأنها "أكثر خطرا على الدول العربية من أميركا وإسرائيل لأن لها وجود بشري كثيف وقديم في المنطقة، وليس مؤقتا كما الحال مع الاستعمار الأميركي أو الصهيوني المحكوم عليهما بالزوال".

وقال المؤيد خلال ندوة نظمها نادي خريجي الجامعات والمعاهد العراقية في عمان، إن العراق اليوم يعيش بين مشروعين نقيضين "مشروع يرفض الاحتلال ويسعى إلى إخراجه بشتى السبل، ومشروع آخر يسعى إلى تأصيل الحالة الموجودة في العراق".

وأوضح أن "الاحتلال أوجد انقساما سياسيا، وصور هذا الانقسام على أنه انقسام بين نظريتين لمواجهة الاحتلال، إحداها نظرية تؤمن بالعمل العسكري المسلح لطرد المحتل، وأخرى تؤمن بالمقاومة السلمية والسياسية لإخراجه". ورفض المرجع الديني العراقي، هذا التقسيم، وقال "هذا التصور غير صحيح وخاطئ، فالانقسام الحاصل في العراق عقب الاحتلال لم يكن على هذا الأساس، وإنما هو بين نظرية اختارت مواجهة الاحتلال ومشروعه، وأخرى موالية للاحتلال للحصول على مكاسب، وهذا تصدع كبير وخطير داخل المجتمع العراقي".

وشن المؤيد، الذي قرأ في مدارس قم الإيرانية وعاش فيها قرابة العقدين من الزمن، هجوما عنيفا على النظام الإيراني، واصفا إياه بأنه نظام "يسعى لتحقيق مطامع قومية على حساب شعوب المنطقة، وتحت يافطة الدين والمذهب".

ونفى أن يكون لإيران أي "مشروع شيعي أو إسلامي"، وأن مشروعها "قومي ينطلق من سيكولوجية تحتقر العرب وتكرههم. وكشف المؤيد عن وجود خلايا نائمة في الوطن العربي، قال "هم من العرب وتم تجنيدهم من قبل النظام الإيراني، وكشفنا بعضها، كما أن هناك مقار إيرانية في العراق يتم فيها تخزين السلاح وتهريبه إلى تلك الخلايا النائمة في الوطن العربي".

ويؤكد عدد من أئمة في العراق أن التشيع الفارسي فهو تشيع دخيل على شيعة العراق، ويحاول التشيع الفارسي فرض رؤاه على الآخرين وجرهم إلى مناطق خارج إطار المحتوى العربي الإسلامي، وهو في حقيقته ليس ذا صلة بالمذهب الجعفري، بل هو حركة سياسية ظهرت تاريخيا أيام العباسيين وعززها قيام الدولة الصفوية، ويستهدف هذا التشيع الفارسي الصفوي إلى نزع هوية الشيعة الإمامية للعراقيين العرب ونزع عروبتهم وإسلامهم الصحيح، وهو يسعى الآن لتحقيق هذا من خلال السيطرة على مراكز القوى الاقتصادية والسياسية في مناطق جنوب العراق، ليفرض من خلالها عقيدته الفكرية والدينية بدعم أميركي وبتنسيق مشترك.

وسائل توغل
كشفت تحقيقات جرت في العديد من دول العالم كيف تجند طهران وسائل اعلام وحتى جماعات سياسية لخدمة مخططاتها. فمع نهاية الحرب العراقية الإيرانية، وفي بداية التسعينيات من القرن الماضي انتقل نظام الحكم في إيران، إلى اعتماد أسلوب التغلغل الناعم عوض الحرب كوسيلة بديلة لتصدير"مبادئ الثورة الخمينية"، والترويج لـ "المشروع الثوري الشيعي" بين الأوساط السنية في العالم العربي، وذلك عن طريق استعمال جهاز الدعاية المتعدد الأذرع، فتم إنشاء العديد من المنابر الإعلامية، والمجلات والصحف، والدوريات الفكرية والسياسية وتركيز توجيهها لمخاطبة السنة في بلدانهم على طول الوطن العربي وعرضه.

وجميع العاملين في هذا الاطار يعملون باجندة واستراتيجية محددة يتلقوها من حكومة طهران، وطبعا تحت غطاء اسلامي، وشعارات رنانة معادية للأميركان والإسرائيليين بصفتهم اعداء الاسلام. وبهذه الشعارات المعسولة تحت غطاء الاسلام، وبصفتها المدافعة عن المقدسات السليبة في فلسطين، تعمل على كسب الرأي العام في المنطقة العربية، يضاف الى هذه الشعارات حجم الضخ القوي للاموال التي تجعل تحقيق الاهداف أيسر وأسرع.

من الناحية الاخرى يقف التعاون الاقتصادي والثقافي والسياسي والزيارات الدبلوماسية وزيارات رجال دين الخ من الامور التي تجعل الأوضاع تبدوا للعيان بالشكل المقبول والمنطقي، من خلال كل هذه التحركات يعمل ساسة طهران على تصدير افكارهم الى دول المنطقة. والشيء الأبرز في هذه المخططات التي يعمل على ترسيخها واستغلالها، هو الدعم اللا محدود لعدد من ما يسمى بالأحزاب الدينية للحصول على دعم شعبي من خلال تقديم كافة التسهيلات المادية والمعنوية للتفاعل في داخل المجتمع والحصول على القاعدة الجماهيرية التي يتقوى بها، ومن خلالها يبدأ بتنفيذ ما خطط له أنصار ولاية الفقيه في بلاد فارس.

تحالف
هناك لعبة أميركية إسرائيلية إيرانية لتحقيق مصالح مشتركة في المنطقة تنشر من خلالها إيران تشيعها في الوطن العربي وتحقق منها الولايات المتحدة وإسرائيل أجندتها السياسية والمادية.

ان أميركا وايران ارتبطتا بتحالف وثيق فيما يخص احتلال العراق مثلما تحالفتا عند احتلال أفغانستان، وإذا كان هناك من يشكك بهذه الحقيقة ويعتقد بوجود عداء بين اميركا وايران فعليه ان يعود الي جملة من الحقائق العنيدة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، فان عددا من الكتاب الاميركيين اعتبروا انه لولا المساعدة الايرانية اللوجستية والتكتيكية للأميركيين لفشل غزوهم لأفغانستان.

وفي هذا الصدد قال علي اكبر هاشمي رفسنجاني يوم 8 فبراير عام 2002 في جامعة طهران: القوات الإيرانية قاتلت طالبان وساهمت في دحرها ولو لم نساعد قواتهم في قتال طالبان لغرق الاميركيون في المستنقع الافغاني ويجب على اميركا ان تعلم انه لولا الجيش الايراني الشعبي ما استطاعت ان تسقط طالبان.

كما صرح محمد علي أبطحي، نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية والبرلمانية سابقا، في الإمارات العربية المتحدة في ختام أعمال مؤتمر "الخليج وتحديات المستقبل" الذي نظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية 15 يناير 2004 قائلا: إن بلاده "قدمت الكثير من العون للأميركيين في حربهم ضد أفغانستان والعراق"، وأنه "لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة".

وفي 26 سبتمبر 2008 صرح الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد في نيويورك لقد قدمنا لواشنطن يد العون فيما يتعلق بأفغانستان كما أكد أننا قدمنا لها المساعدة في إعادة الهدوء الى العراق"، أي قمع المقاومة المسلحة للاحتلال. وتقول تقارير نشرتها صحف أميركية من بينها الواشنطن بوست ونيويورك تايمز أن إيران أرسلت إلى العراق عشرات الالاف من جنود حرس الثورة أضيفوا إلى 140 ألف من قوات شركات الأمن الخاصة "بلاك ووتر" وغيرها لمساندة 150 ألف جندي لأميركي يواجهون المقاومة العراقية.

وأخيرا وليس آخرا في ملف التحالف الدور الذي لعبه السيستاني رجل ايران في دعم وتكريس الاحتلال وخاصة عندما دعا إلى نبذ الكفاح المسلح ضد القوات الأميركية.وجراء ذلك نالت إيران حصتها من الاحتلال في كلا البلدين، وفي أفغانستان تخلصت من حركة طالبان التي تعتبرها ايران عدوة لكونها تنتمي إلى المذهب السني وحصول شيعتها هناك على حصة كبيرة في السلطة.

أما في العراق فقد تخلصت من الرئيس العراقي صدام حسين الذي جرع الخميني كأس سم الهزيمة وقبل بوقف الحرب لينتهي حلمه ببناء الجمهورية الإيرانية العالمية وعاصمتها النجف، ثم حصول الموالين من شيعتها على حصة الأسد في السلطة العراقية التابعة للإحتلال، والسماح لإيران بمد نفوذها في جنوب العراق، وعلى هذا الأساس ظل التعاون والتنسيق قائما بين الطرفين وبكل الاشكال سواء في السر أو العلن.

ولم يكن الكيان الصهيوني بعيدا عن هذا التحالف غير المقدس ولكن دون ان يظهر في الصورة لان للضرورة أحكامها. في العلاقة بين إيران والولايات المتحدة شيء من الباطنية السياسية..

وهذه الباطنية السياسية تمارس بهمة في حين تبدو للناس إنها عداوات شديدة وقطيعة نهائية.ويختلف المحللون والباحثون في توصيف العلاقة القائمة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية نتيجة الغموض الكبير الذي يكتنف القضية، مع تباين المواقف العملية والقولية للولايات المتحدة الأميركية تجاه إيران، ولإيران تجاه الولايات المتحدة الأميركية.وهنا يمكن الإشارة إلى عدة آراء في هذا الشأن:
الرأي الأول: يذهب للقول بأن جمهورية إيران صناعة غربية بحتة وأنها كانت البديل الوحيد أمام واشنطن بعد أن حرق الشاه كل أوراقه، وأنها تابع مطلق لمصدر الصناعة. مستندا في ذلك إلى الدعم الذي واكب قيام ثورة الخميني غربيا.وإلى جملة من الأحداث التي تعطي مؤشرا بهذا الاتجاه.

وأصحاب هذا الرأي يرون أي موقف أو حدث بين الطرفين خارج إطار هذه الرؤية هو من قبيل المسرحية والرتوش الضرورية للتأكيد على أن العلاقة القائمة بين هذين الطرفين هي علاقة العداء المستحكم، وهي صورة يرغب كلا الطرفين صناعتها لدى أتباعه وفي المنطقة لتحقيق مآرب أخرى.

الرأي الآخر: يذهب في النقيض من الرأي السابق إلى أن جمهورية إيران تمثل ثورة إسلامية على الغرب وعملائه وخطا أصيلا في الدفاع عن الأمة، وأن العلاقة القائمة بين الطرفين هي علاقة عداء مستحكم.وعلى نقيض الطرف الآخر ينفي أصحاب هذا الرأي أي رواية أو تصريح أو موقف يصب باتجاه مخالف لرأيهم، أو يعمدون إلى اعتباره خدعة غربية يقصد من ورائها تشويه سمعة إيران في أنظار المسلمين ومشاعرهم.وقد يلجؤون إذا اضطروا للاعتراف ببعض الحقائق في هذا الشأن إلى تأويلها أو تبريرها خارج نسق القراءة الموضوعية والواقعية لها.

الرأي الثالث: وهو الأندر حضورا، هو رأي لا يشط به الخلاف العقدي الظاهر بين السنة والشيعة إلى إلغاء الشيعة ككيان مستقل وفاعل له حضوره وأبعاده التاريخية خاصة في عهد الإمبراطورية الفارسية التي لا ينسى قادة طهران أن العرب المسلمين هم من حطموها. وانطلاقا من هذا الرأي يمكن القول أن لجمهورية إيران مشروعها الخاص وللولايات المتحدة مشروعها الخاص، ولكل منهما أجندته الإقليمية والدولية، ووفقا لذلك فإن العلاقة بين هذين الطرفين تقوم على مدى التقارب بين أهداف مشروعيهما واتفاق الأجندة التي يرغبون في تشكيلها.كما أن المذهب الشيعي أقرب للتعايش مع الغرب المسيحي واليهودي الصهيوني من المذهب السني، الذي كان ولا يزال عصيا.

التحالف الغادر
ألف الكاتب الأميركي تريتا بارسي أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جون هوبكينز الأميركية كتابا بعنوان:"التحالف الغادر: التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة الأميركية"، وخرج بحقائق كذب فيها ما أسماها "الأسطورة الزائفة" عن التنافس الإسرائيلي الإيراني. وأشار بارسي إلى اجتماعات سرية عديدة عقدت بين إيران وإسرائيل في عواصم أوروبية طالب فيها الإيرانيون بالتركيز على المصالح المشتركة "للبلدين" في المنطقة.

وشرح في هذا الصدد الآليات وطرق الاتصال والتواصل بين الأطراف الثلاثة التي تبدو ملتهبة على السطح ودافئة خلف الستار في سبيل تحقيق المصلحة المشتركة التي لا تعكسها الشعارات والخطابات والتصريحات النارية بينهم، قائلا: "إن إيران وإسرائيل ليستا في صراع أيديولوجي كما يتخيل الكثيرون بقدر ما هو نزاع استراتيجي قابل للحل، مستشهدا على ذلك بعدم لجوء الطرفين إلى استخدام أو تطبيق ما يعلناه خلال تصريحاتهم النارية، فالخطابات في واد والتصرفات في واد آخر معاكس. وأضاف أن المسئولين الإيرانيين وجدوا أن الفرصة الوحيدة لكسب الإدارة الأميركية تكمن في تقديم مساعدة أكبر وأهم لها في غزو العراق عام 2003 عبر الاستجابة لما تحتاجه، مقابل ما ستطلبه إيران منها على أمل أن يؤدي ذلك إلى عقد صفقة متكاملة تنهي مخاوف الطرفين وتحسن العلاقات بينهما.

وخلاصة ما توصل إليه بارسي في كتابه أن إيران ليست خصما للولايات المتحدة وإسرائيل كما كان الحال بالنسبة للعراق بقيادة صدام حسين وأفغانستان بقيادة حركة طالبان، فطهران تعمد إلى استخدام التصريحات الاستفزازية ولكنها لا تتصرف بناء عليها بأسلوب متهور وأرعن من شأنه أن يزعزع نظامها وعليه فإن تحركات إيران لا تشكل خطرا حقيقيا بالنسبة لإسرائيل وأميركا، بل إن هناك تشابها بين تل أبيب وطهران في العديد من المحاور بحيث أن ما يجمعهما أكبر بكثير مما يفرقهما.

"فالدولتان تميلان إلى تقديم نفسيهما على أنهما متفوقتان على العرب، حيث يرى العديد من الإيرانيين جيرانهم العرب أقل منهم شأنا من الناحية الثقافية والتاريخية ويعتبرون أن الوجود الفارسي على تخومهم ساعد في تحضرهم وتمدنهم ولولاه لما كان لهم شأن يذكر".

وشدد بارسي، الذى ترأس في السابق المجلس القومي الأميركي الإيراني، على وجود تعاون استخباراتي وصفقات أسلحة ومحادثات سرية بين طهران وتل أبيب.

قضية التعاون العسكري الإيراني مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل في الحرب ضد العراق والتي استمرت من سنة 1980 إلى سنة 1988 لم تكن الأولى أو الأخيرة. التوافق الإيراني الأميركي تعاظم في ظل أجواء الحرب العراقية الإيرانية، ففي عام 1986، قام مستشار الأمن القومي الأميركي "بد مكفارلن" بزيارة سرية لطهران، وحضر والوفد المرافق له على متن طائرة تحمل معدات عسكرية لإيران، وكان الكشف عن هذه الزيارة هو ما أثار القضية التي عرفت وقتها بـ"إيران غيت" والتي قام الأميركان -بتعاون ومباركة يهودية- بتزويد إيران بأسلحة في وقت كانت واشنطن تدعي فيه أنها تقوم فيه على حماية الخليج العربي من الزحف الإيراني الإرهابي.

لكن منذ تلك الفضيحة المدوية حرصت تل أبيب ألا تحرج طهران أو تفضحها.فأصدرت حكومة نتنياهو أمرا يقضي بمنع النشر عن أي تعاون عسكري أو تجاري أو زراعي بين إسرائيل وإيران، وجاء هذا المنع في نطاق تغطية قضية رجل الأعمال الإسرائيلي ناحوم منبار الذي أدانته محكمة تل أبيب بالتورط في تزويد إيران بـ50 طنا من المواد الكيمائية لصنع غاز الخردل السام.وقد تقدم المحامي الإسرائيلي أمنون زخروني –حينها- بطلب بالتحقيق مع جهات عسكرية واستخباراتية أخرى زودت إيران بكميات كبيرة من الأسلحة.

فقد قامت شركة كبرى تابعه لموشيه ريجف، الذي يعمل خبير تسليح لدى الجيش الإسرائيلي، ما بين "1992-1994" ببيع مواد ومعدات وخبرات فنية إلى إيران، وقد كشفت عن هذا التعاون الاستخبارات الأميركية بصور ووثائق تجمع بين موشيه والدكتور ماجد عباس رئيس الصواريخ والأسلحة البايولوجية بوزارة الدفاع الإيرانية.وقد نقل عن كتاب "الموساد" للعميل السابق في جهاز الاستخبارات البريطانية ريتشارد توملينسون: وثائق تثبت أن جهاز الموساد زود إيران بمواد كيماوية.

وذكرت الصحيفة نقلا عن "هآرتس" أن ريتشارد توملينسون، وهو عميل سابق لجهاز الاستخبارات البريطاني، أكد في كتابه أن جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية "الموساد" ساعد إيران على شراء عتاد عسكري كيماوي.



نقلاً

صحيفة العرب