نص كلمة المؤتمر الشعبي العام في مؤتمر "صوت الناخب"
السبت, 30-أغسطس-2008
أ. محمد حسين العيدروس
أ. محمد حسين العيدروس -

في ما يلي نص كلمة المؤتمر الشعبي العام في مؤتمر "صوت الناخب" الذي ينظمه مركز ماعت للدراسات الحقوقية والدستورية في جمهورية مصر العربية، التي ألقاها الأستاذ محمد حسين العيدروس، رئيس معهد الميثاق للتدريب والدراسات والبحوث.

الأخوة والأخوات..
إن الأحداث العظيمة في حياة الشعوب هي من تكتب التاريخ، وتصنع الزمن الحضاري للبشرية، إلا أنها لا يمكن أن تكتسب مجدها بغير إرادة إنسانية جبارة، وفكر خلاق، وفضاءٍ رحب من الحرية والسلام.. لذلك – أيها السيدات والسادة- قطعنا مئات الأميال، وجئنا من صروح سبأ، وبلاد السعيدة- اليمن – إلى أرض الكنانة لنحيي كل جهد إنساني خلاق، ولننقل لكم تحيات شعب اليمن وقيادته السياسية، ونبارك لكم خطاكم على طريق الديمقراطية، التي هي خيار الواثقين، وأداة كل الساعين لمستقبل أفضل، وحياة كريمة.
لاشك أن حقب التاريخ المريرة التي رزحت بها بلداننا العربية تحت نير قوى استعمارية تارة، وأنظمة مستبدة أو متخلفة تارة أخرى، كانت كفيلة بأن تُلهم شعوبنا دروساً في النضال، والكفاح من اجل التحرر والاستقلال، إلا أن حجم المعاناة الإنسانية التي كابدها الإنسان العربي تجعل أحرار الأمة وقواها المخلصة لا تتوقف عند حدود امتلاك السيادة الوطنية، بل التطلع إلى امتلاك الإرادة الإنسانية الكريمة التي يرتقي فيها الفرد من الحالة التبعية المنقادة بالكامل إلى خيار السلطة إلى موضوع الشراكة، ومشاطرة السلطة مسئوليات صنع القرار، وتحديد الخيارات المستقبلية للدولة، وكفالة كل الفرص الممكنة لبناء الحياة الكريمة للفرد والمجتمع عموماً.
ومن هذا المنطلق كان تبني النهج الديمقراطي في مصر أو اليمن أو غيرها من البلدان العربية، هو رهان على أداة سياسية جديدة من شأنها أن تعيننا على تعزيز فرص السلام والاستقرار عبر ممارساتها الانتخابية، أو مستوى الحريات والحقوق التي تمنحها لأفراد المجتمع، وكذلك عبر منظومة المجتمع المدني، والتي من شأنها جميعاً أن تعزز العدالة الاجتماعية، وتهيئ فرصاً متساوية لمختلف القوى السياسة والوطنية لتداول السلطة سلمياً..
لقد كان ذلك شأننا في اليمن الذي أدركت قيادته السياسية في وقت مبكر جداً مدى الحاجة للديمقراطية لإعادة الهدوء والسلام والوحدة لساحتنا الوطنية، ولتسريع عجلة التنمية وانتشال المجتمع من واقعه البائس.. إلا أن بلداً بمثل وضع اليمن آنذاك: مشطراً، تتقاذفه الفتن السياسية في واقع متخلف، ما كان متاحاً لأحد من قادته المغامرة وطرح موضوع الديمقراطية، حتى وصل فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح – حفظة الله – إلى سدة الحكم في يوليو 1978م، فتبنى أول مشروع ديمقراطي في المنطقة.
لكن ظلت تجربتنا ذات خصوصية يمنية نظراً لأن الوطن كان مشطراً إلى كيانين منفصلين، لذلك مرت تجربتنا الديمقراطية بمرحلتين: فقد مارسنا في المرحلة الأولى (التعددية السياسية) بانضواء جميع القوى السياسية تحت مظلة كيان سياسي واحد هو المؤتمر الشعبي العام الذي تم تأسيسه عام 1982م، وقد تهيأت بفضل وحدة وطنية ساعدتنا على أعادة توحيد شطري اليمن وإعلان الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م، لننتقل جميعاً بذلك من (التعددية السياسية) إلى (التعددية الحزبية) التي بدأ فيها كل حزب يمارس عمله السياسي بشكل مستقل.

أيها السيدات والسادة..
لقد خاض اليمن ثلاثة انتخابات برلمانية ومقبلون على الرابعة في أبريل من العام القادم بأذن الله تعالى.. كما خاض تجربتي انتخابات رئاسية، وتجربتي انتخابات مجالس محلية، وقد مارس شعبنا هذا العام أول تجربة انتخابات محافظي المحافظات التي تكللت بنجاح كبير، وأسهمت في تعزيز اللامركزية..
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن تجاربنا الديمقراطية العربية ما زالت ناشئة كما أن الوعي الديمقراطي لدى شعوبنا مازال في طور التنامي، وقد نجده قوياً في عواصم المدن إلا أنه يتدنى كلما ابتعدنا عنها، علاوة على أن بلداننا مثقلة بكثير من المواريث التقليدية التي قد تصطدم بها طموحاتنا الديمقراطية.. وبالتالي فإن أي مطالبة بتجربة ديمقراطية مثالية، على غرار تجارب بعض دول الديمقراطيات الراسخة لن يكون إلا قفزاً فوق الواقع، قد يترتب عنه انتكاسة ديمقراطية.
لكن وجود هذه التحديات لا يعني إطلاقاً التسليم بالأخطاء، والقبول بالحد الأدنى من الممارسة، بقدر ما ينبغي أن يكون حافزا لتوثيق الشراكة بين الدولة والمجتمع المدني من اجل قهر تلك الظروف أو الحد من أثرها على أقل تقدير، لأن قضية التحول الديمقراطي ليست مسئولية حكومية بحتة، بل تقع على منظمات المجتمع المدني المسئولية الأكبر في دفع التجربة إلى مزيد من النضوج والاكتمال وفي نفس الوقت الحفاظ على مسارها الوطني المترجم لهويتها، وإرادة شعبها..
وفي الحقيقة عندما اطلعنا على بعض البيانات حول تجربة ( صوت الناخب ) التي يتبناها مركز ( ماعت ) للدراسات الحقوقية، سعدنا كثيراً أن تكون هذه المبادرة الكبيرة، والعظيمة بأهدافها وليدة جهد إحدى منظمات المجتمع المدني الفاعلة في مصر، لكونها أولاً تجربة جديدة وفريدة، وثانياً لأنها تضيف للناخب مسئولية جديدة إلى جانب مسئوليته عن خياره الانتخابي الحر، وهي مسئولية تقييم التجربة الانتخابية، ولعب دور الناخب والرقيب في آن واحد، وهو الأمر الذي من شأنه تعزيز ثقة الناخب بنفسه، وبأهمية دوره في المجتمع، وبمدى نزاهة العملية الانتخابية.
وإننا في حزب المؤتمر الشعبي العام لنبارك هذه التجربة المهمة، ونثمن عالياً جهود الأخوة في مركز ( ماعت )، وتعاون الرابطة العربية للديمقراطية في إثراء تجاربنا الديمقراطية العربية، بما يعزز من الشفافية والنزاهة، ويأخذ بيدها إلى طريق سوى، هو ضمانتنا الحقيقية للمستقبل الذي نتطلع جميعاً إلى أن تعيشه الأجيال..
نتمنى من كل قلوبنا نجاح التجربة الديمقراطية التي نتهيأ جميعاً لخوضها، لتكون بمثابة لبنة جديدة تضاف إلى رصيد الأمة العربية في مسيرة بنائها الديمقراطي.
وفقنا الله جميعاً إلى كل ما نصبو إلى تحقيقه وأن تبقى دوماً جمهورية مصر العربية طود الأمة الشامخ ومصدر عزتها وفخراً للجميع أبد الدهر.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،