رئيس الجمهورية في كلمة بلادنا بالقمة العربية الـ ( 22 ):تحويل الجامعة العربية إلى اتحاد الدول العربية ضرورة قومية ملحة
الأحد, 28-مارس-2010
الميثاق إنفو - أكد فخامة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية أن مستقبلَ العمل العربي المشترك مرهونٌ بإصلاحه وتطويره والارتقاء به إلى مستوى يُمَكِّنُ الدول العربية من الاستفادة من قدراتِها وإمكانياتها ويحققُ آمالَ وتطلعاتِ الشعوب العربية.

جاء ذلك في كلمة الجمهورية اليمنية التي ألقاها فخامة الأخ الرئيس مساء أمس في القمة العربية الـ 22 المنعقدة حاليا في مدينة (سرت) بالجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية العظمى.

وتناول فخامة الأخ الرئيس الجهود التي بذلتها الجمهورية اليمنية في سبيل طرح الرؤى والأفكار والمشاريع والمبادرات الهادفة تعزيز العمل العربي المشترك ضمن الجهود والمبادرات العربية القيِّمة التي قدمتها بعضُ الدول الشقيقة إلى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.

وبين فخامته أن الجمهورية اليمنية كانت تقدمت في إطار مبادراتها التي تستهدف تفعيل العمل العربي المشترك, بمشاريع متواضعة منها آلية انتظام الانعقاد الدوري للقمة العربية, وتم إقرارها في جمهورية مصر العربية, وفي ضوئها انتظمت دورات انعقاد القمم العربية بعد أن كانت في الماضي منذ آخر قمة منتظمة عقدت في تونس, تعقد قمم استثنائية, وجاء انتظام الانعقاد لدورات القمة الاعتيادية ليصب في خدمة العمل العربي المشترك .

وأشار إلى أن اليمن تقدمت أيضا بمشروع متواضع آخر لإنشاء الاتحاد البرلماني العربي والذي تم إقراره وانشئ هذا الاتحاد بعضوية متساوية من كل الأقطار العربية بغض النظر عن تعدادها السكاني.

وقال : « الآن تقدمت الجمهورية اليمنية بمبادرة لتفعيل العمل العربي من خلال إنشاء إتحاد للدول العربية, وتبناها الاتحاد البرلماني العربي, وتم رفع مشروع قرار بشأنها إلى أعمال هذه القمة».

وأضاف « إن هذه المبادرة انطلقت من رؤية موضوعية لمعالجة الاختلالات في العمل العربي المشترك والتحديات الراهنة والمستقبلية؛ باعتبار أن الانتقال من مؤسسة جامعة الدول العربية إلى اتحاد الدول العربية يمثلُ اليومَ ضرورةً قومية ملحة».

وتابع فخامته قائلاً «ان هذه المبادرة تأتي في سياق التطور الطبيعي والمنطقي المستوحى من تجارب الشعوب والأمم الأخرى، باعتبار أن العصر الذي نعيشه هو عصر التكتلات الكبيرة السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية والعسكرية، فإذا كانت الشعوب الأوروبية أو الأفريقية قد انضوت في إطار اتحادات قوية تكاملت فيها قدراتها وإمكاناتها رغم ما بين شعوبها من تباينات في اللغة أو التاريخ المشترك، فما بالكم بشعوب أمتنا العربية التي تجمعها الكثير من القواسم والأواصر المتينة؛ من العقيدة واللغة والتاريخ والمصير والتطلعات المشتركة».

وتابع الأخ الرئيس قائلا : « إن إنشاء الاتحاد العربي سيحقق القوة والمنعة المنشودة للعرب ويكفل تطوير العمل العربي المشترك».

ومضى قائلا : «لا نقول ان أعمال الجامعة العربية كانت غير ناجحة, فقد قامت منذ إنشائها في الأربعينات بواجبها على أكمل وجه, ولكن المتغيرات الإقليمية والدولية تستوجب تطوير آليات العمل العربي المشترك بما يحقق تطلعاتنا المنشودة في التكامل والشراكة ويعزز من قدرتنا في مواجهة كل التحديات».

وأكد فخامته أن إنشاء الإتحاد العربي سيعزز من قدرة الأمة العربية ومنعتها في مواجهة كافة التحديات والمخاطر المحدقة بها وبأمنها القومي بما في ذلك مواجهة الصلف الصهيوني.

وأعتبر فخامته الكيان الصهيوني العدو التاريخي للأمة العربية..وقال: « مهما قدمنا من تنازلات ومن مشاريع لن يقبل بها هذا الكيان الغاصب وسيظل يستمر في تنفيذ مخططاته التآمرية وممارساته القمعية ضد أشقائنا في فلسطين وكذا تنفيذ مشاريعه لمصادرة المزيد من الأراضي لتوسيع المستوطنات وبناء الجدار العازل فضلا عن تعنته في السير في عملية السلام ورفضه تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بإنهاء الاحتلال في فلسطين والجولان وجنوب لبنان متحديا بذلك المجتمع الدولي و الشرعية الدولية».

وقال فخامة الأخ الرئيس «ان التعنّتَ والصلفَ اللذين تُبديهما حكومة الكيان الإسرائيلي، في رفضها للمساعي والجهود والمبادرات الهادفة إحلال السلام والأمن في المنطقة، يسيرُ بنا إلى طريق مجهول وأُفُقٍ مسدود؛ ذلك أن تهويد القدس والاعتداء على المقدسات الإسلامية والمسيحية وتجريف ومصادرة الأراضي وبناء المستوطنات وتوسيعها والإغلاقات والحواجز وهدم المنازل والتهجير والاعتقالات والقتل والإرهاب والحصار والتجويع وكل الممارسات الإسرائيلية الأخرى، لا يمكن أن تلغي حقاً أو تضمنَ أمناً , وإنما تدفعُ باتجاه التأزيم وتفجير الأوضاع».

وأضاف «لقد قدمت الدول العربية الكثير من التنازلات لتحريك المياه الراكدة في محاولات متكررة منها لإبداء حسنِ النية، بهدف إحراز تقدمٍ في عملية السلام إلا أن سلوك الحكومة الإسرائيلية يُشيرُ، بما لا يدعُ مجالاً للشك، إلى أنها حسمت أمرها واتخذت قرارها بفرض سياسة الأمر الواقع واتخاذ إجراءات من جانب واحد لفرض رؤيتها للحل، ولو بالقوة».

واستطرد قائلاً «وأمام كل ذلك فإننا نعتقدُ بأن الخيارات أمام العرب، بدأت تضيق وتنحصر أمام السلوك الإسرائيلي الحالي ونتيجة لعدم انصياع إسرائيل لرغبة المجتمع الدولي بإحلال السلام في المنطقة, فإننا نجدُ لزاماً علينا بحث الخيارات المتاحة لنا لاسترداد الأرض وتحرير الشعب الفلسطيني من الظلم والاستبداد ونيل حريته وإقامة دولته المستقلة والدفاع عن المقدسات، وفي مقدمتها المسجد الأقصى المعرض للهدم بسبب الحفريات الإسرائيلية».

وأكد أن ما تتعرض له المقدساتُ الإسلامية في فلسطين من استهداف كلّي كان آخِرُه ضمَ المسجد الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح إلى ما يُسمى (المواقع التراثية للشعب اليهودي) يستدعي وقفةً قوية من العالمَين العربي والإسلامي للدفاع عن مقدسات الأمة والذود عنها وتقديم العون اللازم لدعم صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية.

وشدد فخامته على أن لدى العرب كل المقومات والقواسم المشتركة التي تؤهلهم للتوحد .

وقال :» لن يكون الاتحاد الأوروبي أكثر منا ثقافة وحضارة ولايمتلك نفس المقومات والقواسم المشتركة التي تجمعنا, فدوله لديها لغات وأعراق متعددة وديانات مختلفة, أما العرب فهم أمة عربية واحدة يجمعها دين واحد ولغة واحدة وجغرافيا واحدة وتاريخ واحد, ولايوجد ما يمنع من تكتلها ضمن الاتحاد العربي الذي تنشده المبادرة اليمنية».

وبين أنه بإنشاء هذا الإتحاد سيكون الملوك والأمراء والرؤساء السلطة العليا في الإتحاد, ورؤساء مجالس الوزراء هم السلطة التنفيذية, إلى جانب وجود تكوينات للمجالس الوزارية والسلطات البرلمانية التي ستضم أعضاء من مجالس النواب والشورى, فضلا عن إنشاء محكمة عدل عربية لفض النزاعات, وإنشاء مجلس للدفاع والأمن العربي ليدافع عن هذه الأمة ويصد عنها أية مخاطر قد تهددها .

وأستطرد فخامة الأخ الرئيس قائلا :« المبادرة اليمنية اقترحت اعتماد موازنة للاتحاد بحسب الدخل القومي لكل دولة عربية, وإذا كان هناك من يتحفظ في هذا الجانب فليس هناك إشكالية من تعديل المقترح لتكون الموازنة بنسب متساوية تدفع من جميع الدول العربية بغض النظر عن دخلها القومي, فنحن لا نريد ثروة احد, بل نريد قوة عربية متماسكة لمواجهة التحديات والمخاطر الراهنة».

وتابع الأخ رئيس الجمهورية قائلا «وحدتنا فيها قوتنا, وقوتنا في وحدتنا, ووحدتنا تكفل لنا مواجهة كافة التحديات».. مشيرا إلى النجاحات الاقتصادية والسياسية والأمنية والدفاعية التي حققها الاتحاد الأوروبي وكذلك الإتحاد الإفريقي.

وأعرب فخامة الأخ الرئيس عن الأمل في أن تجدَ المبادرةُ اليمنية والتي أصبحت اليوم مبادرةً عربية، بعد إقرارِها من البرلمان العربي الانتقالي- حقها من الاهتمام والنقاش والإقرار, بما يخدمُ مصالح أمتنا العربية وأهداف العمل القومي ومستقبله.

وقال: « إن المشروع الجديد لإنشاء الاتحاد العربي هو أهم ما ينبغي أن يتمخض عن هذه القمة».

وتطرق فخامة الأخ رئيس الجمهورية في كلمته إلى التطورات على الساحة الوطنية.

وقال « ما من شك في ان الجميع في الدول الشقيقة والصديقة يتابعون باهتمام التطورات التي جرت في اليمن خلال ثلاث سنوات مضت, وعلى وجه الخصوص الأشهر السبعة الأخيرة التي دارت فيها مواجهات مسلحة في محافظة صعدة ضد عناصر فتنة التخريب والتمرد الخارجة على النظام والقانون».. مبينا أن تلك العناصر لديها أجندة خارجية للإضرار بالاقتصاد الوطني وسعت الى أحداث تصدع في الوحدة الوطنية, وحاولت العودة بالوطن الى ما قبل ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة التي فجرها شعبنا اليمني في العام 1962 م وتوجت بالقضاء على الحكم الإمامي الكهنوتي المتسلط في حين تحاول تلك العناصر من خلال الفتنة التي أشعلتها في صعدة إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء والعودة بالإمامة المتخلفة الرجعية الكهنوتية إلى يمن الوحدة والحرية والديمقراطية».

وأضاف قائلا « وما من شك في أنكم تتابعون عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة ما يسمى بالحراك في بعض مديريات المحافظات الجنوبية والشرقية, فهناك تضخيم إعلامي كبير للأحداث التي تقوم بها تلك العناصر المرتدة عن الوحدة التي تحققت في الثاني والعشرين من مايو 1990م بإرادة جماهير شعبنا اليمني العظيم في شمال الوطن وجنوبه, وجرى على هذه الوحدة استفتاء شعبي واسع كما جرت عدة دورات انتخابية نيابية ومحلية ورئاسية, وهذه الدورات الإنتخابية كانت في حد ذاتها استفتاءات أخرى على الوحدة المباركة التي تعتبر الشمعة المضيئة في الوطن العربي ومفخرة لكل الوحدويين في الوطن العربي, فالعهد عهد التوحد والتكتل والقوة وليس عهد التفرق والتشرذم والشتات».

وتابع فخامته قائلا « أريد ان أطمئن إخواني العرب من خلال هذه القمة العربية المنعقدة في سرت بالجماهيرية الليبية العظمى, ان الأوضاع في اليمن مستقرة و ليست كما تصورها بعض وسائل الإعلام, وقد عملنا على معالجتها, وعلى وجه الخصوص في صعدة, حيث أوقفنا الحرب, كما ان هناك تواصلاً مع إخواننا في بعض المديريات بالمحافظات الجنوبية والشرقية لمعالجة ما خلفته حرب عام1994 وكذلك آثار ومخلفات التشطير والارث الاستعماري البغيض».

وأشار فخامة الأخ الرئيس إلى أن العناصر في الخارج او الداخل التي تؤجج وتضخم ما يجري, هي من مخلفات الاستعمار ومدسوسة على الثورة اليمنية المباركة (26سبتمبر و14اكتوبر), ولا مكانة لها في أوساط الشعب اليمني الوحدوي العظيم الذي قدم قوافل من الشهداء والتضحيات من أجل إعادة تحقيق وحدة الوطن أرضا وإنسانا, وهو ما تحقق في الثاني والعشرين من مايو 1990م.

وانتقد فخامته تعمد بعض وسائل الإعلام تضخميم ما يجري من أحداث في اليمن .

وقال: «مرة أخرى أطمئنكم ان الأوضاع في اليمن ليست كما تصورها بعض وسائل الإعلام التي فقدت مهنيتها وحياديتها للأسف الشديد, في حين أنه يفترض أن تكون وسائل الإعلام مهنية وحيادية وتتجنب توظيف رسالتها لأغراض سياسية وتسعى لتأجيج وتضخيم الأحداث وإيجاد بؤر تسهم في التصدع في أوساط شعوبنا العربية».

وكان فخامة الأخ الرئيس قد أعرب عن شكره وتقديره لأخيه المناضل والقائد الثائر العقيد معمر القذافي قائد ثورة الفاتح من سبتمبر الليبية وللشعب الليبي العظيم الوحدوي على حسن الاستقبال وكرم الضيافة والإعداد الجيد لأعمال هذه القمة بما يكفل لها النجاح.

كما أعرب عن الشكر والتقدير لأخيه صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر على ما بذله من جهد خلال رئاسته القمة السابقة, فضلا عن توجيه الشكر والتقدير للامين عام الجامعة العربية عمرو موسى على ما بذله من جهود مخلصة في سبيل خدمة العمل العربي المشترك .

وأختتم فخامة الأخ الرئيس كلمته قائلا : «نتمنى لأعمال هذه القمة التوفيق والنجاح كون التحديات التي تواجهنا -كأبناء أمة واحدة- تستوجب منا جميعا حشدَ كل الجهود والطاقات من أجل الخروج من الوضع العربي الراهن ومواجهة التهديدات التي يتعرضُ لها الأمنُ القومي العربي وتفعيل العمل العربي المشترك برؤيةٍ جديدة تواكب المتغيرات الجارية من حولنا».

وبعد أن انتهى فخامة الأخ الرئيس من القاء الكلمة, دوى في قاعة انعقاد القمة تصفيق حار من قبل رؤساء وأعضاء الوفود العربية المشاركة تعبيرا عن تقديرهم لما جاء فيها ومباركتهم للمبادرة اليمنية الهادفة إنشاء اتحاد للدول العربية.. في حين وقفت مجموعة كبيرة من شيوخ ورؤساء المؤتمرات الشعبية الليبية في قاعة الاجتماع لتحية فخامة الأخ الرئيس ورددوا بصوت عال شعار :« وطن عربي واحد» واستمروا يرددونه لعدة دقائق.

ثم عقب رئيس القمة -قائد ثورة الفاتح من سبتمبر الليبية العقيد معمر القذافي على كلمة فخامة الأخ الرئيس بالتأكيد أن هذا التصفيق الحار لما جاء في كلمته يعكس مباركة الحاضرين للمبادرة اليمنية بإنشاء الإتحاد العربي .. مشيدا بالحرص الذي يبديه فخامة الأخ الرئيس على المشاركة بفاعلية في القمم العربية .

واختتم تعقيبه بالقول:» نشكر الرئيس علي عبدالله صالح,فرغم ما واجهته اليمن من تحديات, هو موجود بيننا اليوم, ولايزال صامداً في وجه العواصف ويستحق وسام الصمود والشجاعة