كارتل الغاز ومستقبل عقود وأسعار وأسواق الغاز العالمية
السبت, 06-مارس-2010
د. ونيس المشري عثمان - مقدمة: إن إنشاء منتدى الدول المصدرة للغاز "كارتل الغاز" أو ما يحبذ البعض تسميته بـ"ترويكا الغاز" يبرر الأهمية المستقبلية للغاز كمصدر للطاقة.

الحقيقة أن أسواق الغاز وتسعيره وتهيئة المناخ الإيجابي فى التعامل بين الدول المنتجة والمصدرة من جهة والدول المستهلكة من جهة آخرى، وكذلك دول العبور التى يمر الغاز عبر أراضيها أو مياهها الأقليمية وأمن واستقرار تزويدات الطاقة، كل ذلك ضمن بنود الأجندة المعروضة على منظمة البلدان المصدرة للغاز "كارتل الغاز" والذي ستكون له مهمة إعادة رسم العلاقة الإستراتجية الدولية بالقرن الجديد والمحتمل أن تكون هذه الخطوة أحد إفرازات الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة والتى من إيجابياتها غير المتوقعة إعطاء دول الكارتل فرصة لمراجعة سيناريوهات تأسيس المنظمة وكذلك مواجهة أي مؤشرات لأي تحديات محتملة.

إن من المستهدفات المستقبلية للدول المنتجة للغاز عن طريق منتداها هو أن تعمل على بذل المزيد من الجهد لتحقيق الإستراتيجية المرجوة لصناعة الغاز والتي لا يمكن الوصول إليها دون وضع برنامج عمل على مستوى دول الكارتل للتغلب على الصعاب التعاقدية والعوامل المرتبطة بها من الناحية التسويقية والتكنولوجية والاقتصادية من حيث خفض تكاليف الإنتاج وزيادة الإنتاجية وتطوير عمليات نقل الغاز.

ولذا نجد في إطار تحقيق إستراتيجية دول المنتدى فيما يخص الغاز المنتج هو أن يتم التوسع في الإستهلاك المحلي للغاز للإستفادة من ميزته كطاقة نظيفة وأن تعطى فرصة أكبر لتصدير النفط الخام المستهلك محليا لزيادة عوائد دول المنتدى و التقليل من إستيراد النفط الخام والمنتجات المستخلصة منه.

إن من أخطر المشاكل التي ستواجه الكارتل هي الأسعار، والحقيقة أن خطورة الأسعار وحساسيتها تعتبر مشكل للثلاثي المنتج والمستورد ومؤسسات التمويل الدولية لمشروعات الغاز حيث تدني الأسعار إلى الحد الأدنى وعدم الإستمرار في عمليات البيع قد يؤدى الى مخاطر إقتصادية على الدول المنتجة والمستثمرين على السواء كمصدرين للغاز وفي نفس الوقت تبحث الدول المستوردة إلى تأمين ضمانات تزويدات الغاز الطبيعي لمستهلكيها.

إن الانخفاض الملحوظ في أسعار الغاز يفترض إرتباطه بأسعار النفط ولكن الإرتفاع الذي شهدته الأخيرة لم يقابله أي إرتفاع بالأولى حيث نتج عن ذلك أن سعر الوحدة الحرارية من الغاز أصبح أقل بكثير من سعر مثيلتها من النفط، مما اثار القلق لدى الدول المنتجة والتي لم تتضح لها صورة السوق بعد بسبب عدم الترابط بين اسعار الغاز واسعار النفط والتفاوت الحاصل بينهما مما ينذر بناقوس أزمة أسعار وعليه لابد من رسم تصور لمعالم سوق الطاقة " نفط وغاز" المستقبلية من خلال الإستفادة من خبرة تراكمية لما يقارب من نصف قرن للاوبك.

ولذا على دول المنتدى وضع آلية للتحرك فورا حيث أن عقود تصدير الغاز الطويلة الأجل تواجه تهديدا ستكون نتائجه سلبية على الدولة المنتجة وإستثماراتها مما يستوجب تعديل بعض نصوص هذه العقود لتكون ملزمة للدول المستوردة بالتحديد ووضع حد للتداخل الشائك بالأسواق الآنية والآجلة.

لابد من وجود نظام تعاقدي تكون فيه تسعيرة الغاز مناسبة للأطراف المعنية: المنتج والمستهلك والجهات الممولة، حيث يمكن أن يتم ضمان توفير التمويل اللازم للمشروعات والمستثمرين دون الدخول في نسبة مخاطرة للتسهيلات الإئتمانية كما يتيح للدول المنتجة وضع إستراتيجية لتطوير مخزوناتها الغازية المكتشفة وربطها على الإنتاج وتجهيز محطات التسييل والناقلات والأنابيب لنقل المنتوج، وكذلك يمكن للدول المستوردة تهيئة نفسها لوضع برنامج تزويد لمستهلكيها عبر تجهيز بنيتها التحتية والإستمرار في وضع مخططات إقتصادية وصناعية قصيرة وطويلة المدى معتمدة على ضمان التزويدات وإستقرار الأسعار مما يعمل على جذب الكثير من الإستثمارات في مجال مشروعات الغاز.

طبيعة الاستثمار بمشروعات الغاز

شهد العالم استحداث مشاريع جديدة للغاز بالعقدين الماضيين وهذا راجع بالأساس إلى عدة عوامل خاصة منها التحسن الذي طرأ على اسواق النفط مما كان له مردود مباشر على أسعار الغاز بينما كان للتقدم التكنولوجى مردودا مباشرا على إقتصاديات هذه المشاريع من حيث تقليل التكلفة وزيادة الإنتاجية.

إن هذا التقدم التكنولوجي الذي أدى إلى تقليل تكاليف استخراج ونقل الغاز مرتبطا مع النقلة النوعية في تحديث تقنية محطات توليد الكهرباء مركبة الدورة "Combined Cycle Generating Turbines"

يعتبر الإستثمار في مشروعات الغاز من أكثر المشروعات ذات المخاطرة العالية من الناحيتين الفنية والتعاقدية وتتمثل هذه المخاطرة في أوضاع السوق وأسعار بيع الغاز للمستهلك وطبيعة ومواصفات هذه المشروعات التقنية و عمليات نقل الغاز إلى مناطق الإستهلاك والتي عادة ما تترتب عليها تكاليف رأسمالية عالية وتتمثل المخاطرة في بعض الأحيان فى العوامل الجيوسياسية المرتبطة به.

يوجد نوعان من الغاز الطبيعي المنتج وهما الغاز المصاحب "Associated Gas " والغاز غير المصاحب أو ما يعرف بالغاز الحر "Free Gas".

يأتي الغاز المصاحب مع إنتاج النفط الخام حيث تحرق كميات كبيرة من هذا الغاز و تستعمل كميات أخرى منه في العمليات النفطية بينما إنتاج الغاز الحر هو على عكس الغاز المصاحب حيث ينتج من حقول غازية صرفة.

إن إنتاج الغاز المصاحب لا يتطلب عمليات إستكشافية خاصة او معينة لإستخراجه لأنه يأتي مصاحبا لإنتاج النفط الخام وعادة ما تكون به نسبة كبيرة من المحتويات الثقيلة، إلا أنه يحتاج إلى تمريره على طرق معالجة كثيرة لفصله عن النفط مما لا يعطيه الصفة الإقتصادية وكذلك إرتباط معدلات إنتاجه بمعدلات إنتاج النفط وبالتالى يقلل من جدواه الإقتصادية في بعض الأحيان للإعتماد عليه. وعلى العكس من ذلك تكون الحقول المنتجة للغاز الحر أكثر بساطة من الناحية التقنية وعادة ما تكون مكونات الغاز الحر من المنتجات الخفيفة مثل الميثان مع نسبة ضئيلة من الشوائب المصاحبة والتي يمكن للبلدان المنتجة أن تستفيد منها محليا في الصناعات البتروكيميائية أما باقي المنتجات تكون ثقيلة والتي تشمل البروبان والبيوتان والتى يتم تصديرها خارجياً.

إن الغاز الطبيعي المنتج من الصعب تخزينه كما هو معمول به بالنفط الخام والذي تنتظره أسواق انية للإستهلاك وتتم عمليات تصدير الغاز من البلدان المنتجة إلى أسواق الإستهلاك بعدة طرق وهي نقل الغاز الطبيعي المنتج بحالته الطبيعية عبر الأنابيب أو عن طريق الناقلات بعد إسالته مكونا لما يعرف بالغاز الطبيعي المسال "Liquefied Natural Gas" LNG. ويمكن كذلك نقله بنقالات عن طريق ما يسمى بـLiquid" GTL "Gas- to- وهنا يتم إستخدام الغاز الطبيعي كمادة مضافة لإنتاج مقطرات سائلة خالية من الكبريت ذات جودة عالية. وأخيرا، من الطرق المستخدمة لنقل الغاز هي ضغطه وتحويله إلى غاز طبيعي مضغوط "Compressed Natural Gas" CNG. إلا أن الطريقتين الأولتين هما الأكثر شيوعا حيث يتم نقل الغاز عبر الأنابيب والغاز الطبيعي المسال LNG أما فى حالة الأخير يمر الغاز بعد إستخراجه بمرحلة التسييل ثم النقل وأخيرا إعادة التسييل والتي تشمل تفريغ الغاز من الناقلات وتخزينه وتوزيعه.

تتجزأ مشروعات الاستثمار بالغاز إلى عدة مراحل وهي على العكس من مشروعات النفط وتختلف المشروعات حتى ما بين الغاز الطبيعي المنقول عبر الأنابيب عنه بالغاز المنقول عبر الناقلات أو ما يعرف بالغاز المسال.

يتطلب تصدير الغاز الطبيعي إلى غاز مسال عمليات تقنية معقدة حيث يتم تبريد الغاز إلى حوالي 160 درجة مئوية تحت الصفر وذلك لتحويله من الحالة الغازية الى الحالة السائلة "التسييل" Liquification وذلك بهدف التقليل من حجمه بينما يتم العكس من ذلك عند دخول الخزانات إلى مناطق الإستهلاك حيث تتم عملية إعادته من الحالة السائلة إلى حالته الطبيعية أي ما يعرف بعملية التحويل إلى غاز "التغويز" " Regasification". وتعتبر مرحلة التسييل من أعلى مشروعات الغاز تكلفة حيث تشكل مايقارب من 35% الى 45% من إجمالي التكاليف الرأسمالية للمشروع ويليها النقل وإعادة الإسالة ثم الإستخراج.

وحيث ان الاستثمار بمشروعات الغاز وارتفاع المخاطرة المرتبطة بها من تكاليف وتذبذب في الأسعار عادة ما يرهق كاهل المستثمر أو الدول المنتجة للغاز ابتداء من تطوير استغلال الحقل وتركيب الوحدات الغازية المكملة للتسييل وكذلك إنشاء ناقلات عملاقة لنقل الغاز المسيل، ولذا نجد بانماط العقود الغازية الأولى نصا يلزم الطرفين باستخدام هذه الناقلات بنقل الغاز المسيل المتعاقد عليه. ولكن عدم المرونة فيما يخص عملية النقل يمكن أن تتسبب في مخاطر عكسية على البلد المنتج أكثر من المستورد ومثالا على ذلك ما حدث مع المؤسسات الوطنية للنفط الجزائرية "سوناطراك" والأندونسية والليبية، حيث تعثرت عقود الأولتين مع المشتريين بالسوق الأمريكي خلال فترة السبعينات الأمر الذى أصبحت فيه الناقلات المخصصة معطلة لأكثر من عقد من الزمن، بينما كانت التجربة الليبية مع السوق الإيطالي خلال الثمانيات القرن الماضي مختلفة حيث لم تكتف المؤسسة الوطنية للنفط بالسوق الإيطالي فقط بل كانت تصدر إلى السوق الإسباني مما أتاح لها الفرصة لتغيير مسار ناقلاتها العاملة.

وقد أثبتت التجربة بأن نقل الغاز عبر الناقلات تمتاز عن عملية نقله عبر الأنابيب، حيث تحيط بعض المخاطر التعاقدية والتجارية كذلك السياسية بعملية نقل الغاز بواسطة الأنابيب والتى يمكن تلخيصها فى يلي:

• صعوبة عملية نقل الغاز بالأنابيب في المناطق الجبلية والمناطق البحرية العميقة مما يترتب عليها زيادة فى التكاليف.

• الإرتفاع المتزايد فى الإتاوات و تعريفة المرور المفروضة في الأقاليم والدول التي تمر بها أنابيب الغاز.

• هشاشة الموقف التفاوضي للبلد المصدر في حالة بروز أي مشاكل تعاقدية مع البلد المستورد عند إرتفاع أو انخفاض الأسعار.

• المخاطر السياسية والاقتصادية المترتبة على البلد المنتج فى حالة حدوث اضطرابات أو قلاقل سياسية بالمناطق التي تمر بها الأنابيب أو البلد المستورد.

• المخاطرة المترتبة على البلد المنتج بإلزامه بعلاقة غير مرنة مع البلد المستورد ومرتبطة بالعلاقات السياسية.

• استحداث تشريعات وقوانين داخلية للبلد المستورد تخص طبيعة صناعة الغاز يقلل من اقتصاديات الأنابيب ويزيد من مخاطرها.

• تنامي حجم الاستهلاك المحلي لدول العبور يدفع بحكومات هذه الدول إلى طلب تخصيص نسبة معينة أو أكثر من الغاز المنقول عبر أراضيها، وهذا بدوره يؤثر على التزامات المشتري أو الدولة المستهلكة مع زبائنها.

فمن الناحية التعاقدية هنالك اختلاف بين نقل الغاز بالناقلات عنه عبر الأنابيب حيث أن الأولى يتم خلالها النقل على شكل شحنات لفترات متفاوتة وذلك على عكس الأنابيب وفي هذه الحالة يتم احتساب عملية الدفع باحتساب ثمن الغاز المستلم عن طريق الناقلات "الاستلام والدفع" حسب عدد الشحنات المنقولة خلال فترة زمنية معينة ومحددة وعادة تتراوح ما بين 12 إلى 40 شهرا.

عقود الغاز والمخاطر المرتبطة بها "أسعار الغاز"

لعقود الغاز سمات وشروط تعاقدية مختلفة عن الأنماط المستخدمة في صناعة النفط بالرغم من أن هذه العقود تحمل نفس المسميات وتعتبر أسعار الغاز هي المحرك الرئيسي لاستثمارات الغاز وديناميكية عقوده.

يشكل عنصري المخاطرة و الشك عنصرين رئيسين لعقود الغاز بصفة عامة والعقود ذات الأجل الطويل بصفة خاصة حيث يتحمل المنتج والمستهلك كلا منهما جانبا من المخاطرة وبالتالى يتحمل المنتج كافة المخاطر والشكوك المرتبطة بالأسعار "Price Risk" وفي نفس الوقت يتحمل المستورد المخاطر والشكوك المرتبطة بالسوق "Volume Risk".

وكما اسلفنا نجد أن سعر الغاز يلعب دورا رئيسيا بتحديد أنماط هذه العقود حيث يتضمن معظمها بنودا رئيسية تخص تعديل الأسعار وذلك بتحمل المنتج للمخاطرة وتنص العقود الطويلة الأجل بوضوح على إمكانية إدخال تعديلات في الأسعار على فترات زمنية حيث عدم التوصل لإتفاق على الأسعار ما بين الدول المنتجة والمستهلكة أو المستثمرين يترتب عليه إجراءات قانونية ومحاكم دولية تعتبر مكلفة ماليا للدول المنتجة وغير مجدية من ناحية الوقت.

يحدد سعر الغاز في أغلب الأحيان بين الأطراف المتعاقدة بالدولار الأمريكي و على أساس الوحدة الحرارية البريطانية Btu "British Thermal Units"أو وحدة صحيحة أي بالأمتار أو الأقدام المكعبة ويعبر عن القيمة الفعلية للغاز بالوحدة الحرارية البريطانية وهي مساوية تقريبا لـ 252 سعرة حرارية أوالمعدل الذي يحتاج إليه لرفع درجة حرارة مقدار رطل إنجليزي من الماء الى درجة واحدة فهرنهايت.

عادة ما تستهلك الدول المنتجة الغاز المصاحب محلياً بينما معظم إنتاج الغاز المصدر غازا حرا والذى تختلف تسعيرته كثيرا عن الغاز المستهلك داخليا ويسعر دولياً حسب مناطق الاستهلاك ولذا يوجد نوعين من أسعار الغاز وهما أسعار محلية ودولية.

فالأسعار المحلية هي أسعار الغاز المستهلك داخل الدولة المنتجة وتختلف هذه الأسعار بين البلدان المنتجة له وذلك حسب الظروف الإقتصادية للبلاد ومدى إنفتاحها على المنظومة التجارية والإقتصادية الدولية وإلتزامها بقوانينها فيما يخص الدعم وبصورة عامة ومن البديهي أن نجد أن أسعار الغاز المستهلك محليا اقل بدرجة كبيرة عن أسعار الغاز المصدر خارجيا.

إن أغلب آليات تسعير الغاز الطبيعي المعمول بها مرتبطة بأسعار النفط الخام والمنتجات النفطية والتي أسعارها دائمة التذبذب الحاد من ناحية الهبوط والارتفاع. غير أن معطيات السوق الأخيرة قد أثبتت العكس بعد الانخفاض الملحوظ في أسعارالغاز حيث أن الارتفاع الذي شهدته الأولى خلال الفترة الزمنية القلية الماضية لم يقابله أي إرتفاع في أسعار الغاز ونتج عن ذلك أن سعر الوحدة الحرارية للغاز أصبحت أقل بفارق كبير عن مثيلتها من النفط المرتفعة مما أدى الى مناداة معظم الدول المنتجة بربط سعر الغاز بسعر النفط لتحقيق التوازن بينهما.

توجد هنالك عدة طرق متعامل بها بالسوق لتسعيرة الغاز فعلى سبيل المثال يسعر الغاز القطري في أسواقه المختلفة إما عن طريق الربط بأسعار النفط الخام في السوق الياباني أو الربط بأسعار الغاز الفورية بالأسواق البريطانية أو في مركز هنري بالسوق الأمريكي وكذلك ربطه بأسعار الغاز الفورية في مركز زيوريخ بالسوق البلجيكية وعموما يسعر في أغلب الدول الأوروبية عن طريق ربطه بزيت الوقود ويسعر فى السوق الهندي بأن يضل السعر ثابتا لفترة الخمس سنوات الأولى وذلك بما تنص عليه عقود البيع.

ومن الأمثلة الأخرى على تسعيرة الغاز بالسوق العالمي هي التسعيرة المتعامل بها من قبل شركة "غاز يوني" الهولندية حيث تعاملت هذه الشركة مع زبائنها عن طريق خلق عدة آليات للتسعيرة حتى يتمكن الزبائن من التعامل بأكثر مرونة مع السوق وتلبية متطلباتهم الحجمية والمالية.

ففي هذه الطريقة التسعيرية يتم ربط سعر الغاز بسعر النفط الخام لفترة زمنية تتراوح ما بين السنة والخمس سنوات وتستخدم كبداية ويتم احيانا ربط تسعيرة الغاز بسعر زيت الوقود مع تحديد سقف أدنى للسعر لمدة زمنية تتراوح ما بين السنة كحد أدنى وثلاث سنوات كحد أقصى، وتقوم الشركة الهولندية كذلك بربط أسعار الغاز بأسعار الفحم والنفط بنسبة 50% لكل منهما ولمدة زمنية تتراوح ما بين ثلاث إلى خمس سنوات وأخيرا ومن ضمن الطرق المستعملة للتسعير هي تحديد سعر ثابت للغاز لمدة زمنية تقدر بسنة واحدة.

ومن أهم الصفات المرتبطة بعقود الغاز المصدر خارجياً هى أن يقوم المستثمر أو الدولة المنتجة بالشروع في البحث عن أسواق الإستهلاك قبل المباشرة في إستثماره ليضمن المستثمر وتضمن الدولة المنتجة عقود طويلة الأجل للبيع والشراء لتصل مدة هذه العقود في حالة الغاز المنقول عبر الأنابيب إلى أكثر من عقدين من الزمن أو أكثر.

على سبيل المثال، استخدمت النرويج والمملكة المتحدة خلال عقد الثمانينات أحد الأنماط التعاقدية والتى تعرف بعقود الاستنزاف "Depletion Contract" أي أن يتم التعاقد على بيع كافة الكميات التجارية المتاحة من المخزون الغازي للحقل المعني وهذا يعني أن مدة العقد أو الإتفاقية مرتبطة بعمر الحقل الإفتراضي.

تاريخيا كانت أغلب المشروعات الغازية تدار بشكل رأسي "Vertical" أي تتكفل الشركة المستثمرة بكافة مراحل التشغيل ابتداء من الإنتاج وإنتهاء بالتصدير على هيئة منتوج غازي واصل إلى نقطة الشراء "CIF"المتفق عليها مسبقا بينما يقوم المستلم بإنشاء وتجهيز محطات إعادة الغاز "التغويز" إلى حالته الطبيعية لذا نجد هنا مدى التشابه من الناحية التعاقدية ما بين الغاز المنقول بالناقلات والأنابيب في مبدأ أو شرط الاستلام أو الدفع"Take or Pay" .

أي نجد أن بعض العقود تلزم الجهة المستوردة بمبدأ الاستلام أو الدفع لتؤمن شراء قيمة حد أدنى من الغاز المنقول تصل في بعض الحالات إلى ما فوق 75% من الكمية الإجمالية للعقد، ويعتبر المستثمر ملزم بها سواء كان لديه مستهلكين بحاجة إليها لتصريفها أو لا يوجد.

ومما زاد الأمر سوءاً هو إن ديناميكية أسواق الغاز غاية في التعقيد كونها تعمل فى أغلب الأحيان على أساس عقود التزويد طويلة المدى وكذلك العقود الآنية والآجلة، حيث أن من أهم مضامين الشروط التعاقدية للعقود طويلة المدى هي تحديد سقف أدنى وأقصى لكميات الغاز المصدرة للمستهلك، ونجد دائما أن المستهلكين يتجهون إلى شراء السقف الأدنى المشار إليه بالعقود وشراء الحجم المتبقي من احتياجاتهم من السوق الآنية الذي تكون فيه الأسعار أقل كنتيجة لتجاوز كميات الغاز المعروضة للطلب عليه.

وهنا نجد أن احد أسباب ظاهرة توفر الكميات المعروضة وقلة السعر بالسوق هي أن بعض المستوردين غير ملتزمين بشروط عقودهم طويلة المدى مما يجبر الدول المنتجة أن تتجه بالإنتاج الفائض لديها من العقود طويلة الأمد إلى الأسواق الآنية وهذا بدوره يرفع من نسبة الغاز المعروض في السوق، وهذه الخطوة أحد العوامل الرئيسية التي تؤكد على تراجع أسعار الغاز على الرغم من ارتفاع أسعار النفط بالأسواق في نفس الوقت.

ونتيجة لإفرازات السوق الحالية، وضعت الدول المنتجة على المحك حيث أصبحت عقود تصدير الغاز الطبيعي على المدى الطويل للدول المنتجة تبرز مخاطر تعاقدية معقدة لأن المشترين والمستهلكين على حد سواء لا يرغبون في الالتزام بهذا على المدى الطويل معتبرين أن العقود الطويلة تحدد مستويات أسعار ملزمين بها بينما المتاح حاليا بالسوق عكس ذلك حيث أن الكميات المتاحة والأسعار أقل من تلك المحددة في عقود طويلة المدى.

إن التغيرات الجذرية التي شهدتها أسواق الغاز خلال الفترة الماضية أدت إلى تدني عائدات الدول المنتجة نتيجة لإنخفاض اسعاره بالسوق قد افضت الى زيادة الدول والمستثمرين لحجم إنتاجها من الغاز المصدر وذلك للحفاظ على مستوى عائداتهم وتحسين اقتصاديات مشاريعهم.

ونرى أن هذه الزيادة أدت إلى بروز ظاهرة جديدة وهي منافسة "غاز– غاز" "Gas-Gas Competition" وهذا بدوره أكد على تراجع أعمق لأسعار الغاز في أسواق العقود الآنية والآجلة التي انحدرت إلى مستويات كبيرة مما نتج عنها مخاطر أصبحت تهدد مستقبل العقود طويلة الأمد لتصدير الغاز. ولهذا نجد أن فلسفة السوق الحالية أصبحت مؤشرا للدول المنتجة وبمجرد إلزام نفسها بعقد طويل الأمد تصبح تصنف بالطرف الخاسر.

ولذا تتجه بعض دول الكارتل الى العمل بقوة إلى تبني نمط جديد من العقود القصيرة نسبيا والتى تتراوح مابين الثلاثة وخمس سنوات وهذا بدوره يضع المنتج في وضع اقتصادي أفضل فإذا أراد المستهلك الغاز عليه أن يدفع تسعيرة أفضل لتتماشى مع القيمة الحقيقية لهذه السلعة أو بمجرد إنتهاء المدة الزمنية للعقد تتجه الدول المنتجة إلى من يدفع أكثر من المشترين والحقيقة أن هذه الخطوة فى حال تنفيذها تعمل على تقصير عمر العقود طويلة المدى وهو عمل يحمل في طياته صيغة إقتصادية لتقليل المخاطر والشكوك الحالية بالسوق.

وهنا ستتحكم- ولو نسبياً- الدول المنتجة بصمامات الإنتاج وآليات السوق أي بإمكانها رفع القدرة الإنتاجية إلى درجات قصوى في حالة أن هنالك عائدا مناسبا من بيع هذا الغاز أو إنقاصه أو حتى إيقافه إذا كانت أسعاره بالسوق لا تتناسب مع إقتصاديات المشروع وجدواه.

وهذا التوجه لا يتماشى مع النظرة الإستراتيجية للمستوردين وبالأخص دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التي تبحث على ضمان التزويدات "Security of Supply" والذي عادة تجده في طيات أو مضمون العقود طويلة الأجل، ولذا أن تقصير عمر هذه العقود سيخلق نوع جديد من الحراك داخل أسواق الغاز وخاصة الغاز المسال ويحد من تجارة الغاز عبر الأنابيب.

ويقع جانب من اللوم على الدول المستهلكة والمستوردة للغاز وذلك من خلال الخطوات غير الايجابية التي قامت بها عبر إصدار تشريعات أو إعادة تشريع قوانين ولوائح الغاز بأسواقها لغرض إعطاء مرونة كبيرة بالسوق المحلي وهيكلة عمليات الشراء وتوزيع الغاز داخل بلدانها وذلك لخلق منافسة لكسر الاحتكارات والحصول على نتائج إيجابية لصالح المستهلكين المحليين وذلك لتقليل التكلفة. ويتبقى مصدر القلق الوحيد من هذه التشريعات بأنه قد يؤدي إلى خلق نوع من التعارض مع مصالح البلدان المنتجة من خلال عقود الغاز طويلة المدى، أي قد تسبب في عدم تمكين هذه الدول وشركائها المستثمرين من الوفاء بإلتزاماتهم الاستثمارية وتضعفهم من ناحية تصنيف قدراتهم الاقتراضية. وهذا بدوره يؤثر سلبيا على إقتصاديات مشروعات الغاز للدول المصدرة والمستوردة على السواء وكذلك المخاطرة المترتبة على البنوك الممولة لهذه المشروعات نتيجة التكلفة الرأسمالية الكبيرة الممنوحة.

ولمعالجة هذا القصور والصعوبات تقدمت بعض البلدان المنتجة ببعض الاقتراحات منها على سبيل المثال الاقتراح المصري المقدم سنة 2003 الى منتدى الدول المصدرة للغاز والذي فحواه بأن يتم فصل سعر الغاز عن أسعار البترول الخام والمنتجات البترولية التي تشتهر بتغيراتها الملحوظة هبوطا وصعودا. ويتضمن الاقتراح المصري في طياته آلية جديدة لتسعيرة الغاز وذلك عبر وضع حد أدنى وحد أعلى بما يحقق سعرا متوازنا لكل من المنتج والمستورد، وطريقة عمل هذا الاقتراح هو أن يحدد سعر الغاز ليكون مواكبا لمصلحة الطرفين ويتم إدخال تعديل على هذا السعر سنويا وفقا "لعامل التضخم" وهو عامل مرتبط بمعدل التضخم العالمي يتم الاتفاق عليه بين البائع والمشتري.

والاقتراح الثاني والذي تدرسه الجزائر مؤخراً متعلق بنقل الغاز عن طريق المقايضة، أي بمعنى أن يتم إيصال الغاز للأسواق المستهلكة حيث إن ذلك يعبر عن الهامش المرجو ويمكن تحقيق ذلك دون المساس بالسعر أي يتمكن أن يطبق الاقتراح واقعيا من خلال برنامج المقايضات في حجم الكميات المتداولة بالسوق.

إن الارتفاع الملحوظ لأسعار الغاز عالميا خلال بداية العقد الماضي وبالتحديد خلال بداية الألفية بعد أن كانت أسعار الغاز خلال العقود الثلاثة السابقة تزداد بشكل تدريجي مرتبطا بأسعار النفط وبمعايير تقل عن أسعار النفط على أساس القيمة الحرارية المكافئة.

إن في الترابط الحاصل بين سعر الغاز وسعر النفط، أو بمعنى آخر تحديد سعر الغاز كنسبة من سعر النفط وليس السعر المطلق للغاز، نجد دائما أن أي تغير في أسواق النفط يكون له انعكاس على أسواق الغاز، فازدياد أسعار النفط نسبة إلى أسعار الغاز، يقابله ازدياد في مسافة نقل الغاز من نقطة الاستلام المحددة مسبقا.

وأكدت بعض الأبحاث بهذا الخصوص بأن ارتفاع كل دولار أمريكي في سوق النفط سيكافئه زيادة في مسافة الغاز المنقول إلى المشترين أو المستهلكين أي تقريبا 400 كيلومترا بالنسبة لغاز الأنابيب وتصل الى مستوى الـ1000 كيلومتر للغاز المنقول عبر الناقلات.

وهذا يأتي من ضمن الأسباب الرئيسية لرفض المستوردين ربط أسعار الغاز مع أسعار النفط وخاصة المستويات القياسية التي وصلتها أسعار النفط بالفترة الماضية، والتذبذب المرتبط بالزيادات الملحوظة في أسعار النفط، مع الأخذ في الاعتبار أن أسعار الغاز غير مستقرة بشكل كبير عند مقارنتها بالنفط.

حتى أن التشريعات التي أدخلت على أسواق الغاز لإعادة هيكلتها من بعض الدول الكبرى المستوردة، أدت إلى تقليل فرص ربط أسعار الغاز مع أسعار النفط وانتقل التنافس إلى تنوع مصادر الغاز وربط أسعار الغاز بالسوق المحلية بأسواق الدول المستوردة.

إلا أن هذه التحركات من قبل الدول المستوردة بعدم ربط الأسعار- بعكس الدول المنتجة- أدى إلى تغلب توجه الدول المستوردة ولو نسبيا مما أدى إلى ضعف دور الدول المنتجة في تحقيق هذه الآلية أو الرؤية، وهذا ما نتج عنه تغلب المستوردين داخل الأسواق الأوروبية والآسيوية على السواء من التوصل إلى عقود بعدم الربط، وعلى سبيل المثال العقد المبرم بين دولة قطر وبلجيكيا سنة 2005 بالسوق الأوروبي ومع شركة "غواندونغ" الصينية بالسوق الآسيوي ولو أن الأخير يحوي تخفيضا ضمنيا للربط مع النفط.

إن ربط أسعار الغاز بالنفط يعتبر الأفضل من الناحية العملية للمستثمرين ومراكز التمويل والبنوك العالمية والدول المنتجة لكي تتمكن هذه الأطراف من معرفة المؤشرات الاقتصادية والمالية لمشاريعهم وكنتيجة يكون الربط هو الطريقة الواقعية والفعلية ولا توجد طريقة أخرى أكثر جدوى وواقعية بالوقت الحالي والحقيقة أنه لا يوجد أي بديل آخر يمكن أن يحقق طموحات كافة الأطراف. ولكن نشير هنا الى أن من المخاطر الملازمة لسيناريو الربط يتمثل في أنه أي تدني للأسعار في أسواق النفط سيكون له تأثير مباشر على أسعار الغاز وبصورة إقتصادية على مشروعات الغاز.

الرسومات البيانية أدناه تبرز العلاقة بين أسعار النفط الواصل لدول منظمة التعاون الاقتصادي "OECD" وأسعار الغاز بأسواق الولايات المتحدة الأمريكية والأسواق الآسيوية المتمثلة في اليابان والأسواق الأوروبية المتمثلة في السوق البريطاني وسوق دول الإتحاد الأوربي من سنة 1985 حتى سنة 2008 حيث نجد بصورة عامة أن أسعار النفط أعلى نسبياً من أسعار الغاز مع الحالة الاستثنائية لأسعار الغاز الواصل إلى السوق الياباني حيث كانت الأعلى طيلة النصف الثاني بعقد التمانينات والتسعينات وحتى بداية الألفية حيث شهدت انخفاظا تدريجيا مقارنة مع النفط.

السوق الياباني: كان معدل سعر الغاز المسال "LNG" بالسوق الياباني متزايدا نسبيا مقارنة مع النفط منذ سنة 1985 حتى سنة 2003 حيث تغير وأخذ في الصعود وازدادت الفروقات اتساعا بداية من سنة 2005 حتى 2008 حيث كانت الفروقات للسنوات من 2004 حتى 2008 على التوالي هي 1.09 دولار و 2.69 دولار و3.52 دولار و4.22 دولار و4.21 دولار للمليون وحدة حرارية. أي أن الفارق أصبح يساوي ثمن مليون وحدة حرارية للغاز لسنة 2004 على سبيل المثال."جدول اليابان".

السوق الأمريكي: أما بالنسبة للسوق الأمريكي "Henry Hub" كان سعر الغاز الطبيعي يتصاعد تدريجيا مع سعر النفط، إلا أنه نجد في بعض السنوات بعض الحالات الاستثنائية التي تساوى بها أو ارتفع فيها سعر الغاز عن النفط كما نلاحظ من الرسم التوضيحي مثل سنة 2001 حيث أن سعر الغاز "عند مستوى 4.07 دولارا للمليون وحدة حرارية" كان متقاربا مع سعر النفط " 4.08 دولارا للمليون وحدة حرارية"، أما سنة 2002 فشهدت أسواق الغاز بعض الانخفاض الحاد عن النفط أي بفارق يقدر تقريبا بـ84 سنتاً.

ولكن القفزة النوعية لأسعار الغاز بالسوق الأمريكي كانت سنة 2003 عندما ارتفع سعر الغاز إلى 5.63 دولار وبلغ سعر النفط في نفس السنة 4.89 دولار أي بفارق 74 سنتاً وتلاها الارتفاع الملحوظ سنة 2005 لأسعار الغاز والنفط بالسوق الأمريكي بالرغم من أن سعر الغاز وصل أعلى من النفط بفارق بسيط يقدر تقريبا بـ 5 سنت.

وكما نلاحظ بالسوق الأمريكي التفاوت بين أسعار النفط والغاز الذي وصل إلى أكثر من النصف تقريبا للثلاث سنوات الأخيرة على سبيل المثال نجد في السنوات 2006، 2007 و2008 أن أسعار النفط قد فاقت أسعار الغاز بفارق 3.9 دولار و5 دولار و7.91 دولار للمليون وحدة حرارية على التوالي."جدول السوق الامريكي".

السوق البريطاني: أما بالنسبة للسوق البريطاني "Heren NBP Index" فنجد أن أسعار الغاز تكون دائماً متدنية أو تكون في بعض الأحيان متقاربة من أسعار النفط ولم يشهد أن تجاوزت أسعار الغاز أسعار النفط بهذا السوق، ويعتبر مستوى تمشي سوق الغاز مع سوق النفط موازيا ومقبولا. إلا أنه شابه نفس نمط السوق اليابانى والأمريكي بالنسبة للسنوات الثلاثة الأخيرة حيث نجد أن سعر الغاز يعتبر متدنيا الى النصف وغير متناغماً مع أسعار النفط حيث كانت أسعار الغاز عند مستويات اقل من مثيلتها بسوق النفط حيث تصل هذه الفروقات للسنوات الثلاثة 2006 و2007 و2008 الى 2.97 دولار و5.94 دولار و5.97 دولار للمليون وحدة حرارية على التوالي. "جدول السوق البريطاني".

السوق الأوروبي: وأخيراً كان السوق الأوروبي دائماً متلازما مع النفط إلا في وجود بعض الحالات الخاصة التي ارتفع فيها سعر الغاز أعلى من النفط والحالة الأولى كانت عام 1986 حيث كان سعر الغاز 3.65 دولار أما النفط فكان 2.57 دولار أما الحالة الثانية فكانت عام 2001 حيث تجاوز سعر الغاز سعر النفط بفارق 7 سنتاً. ولذا نجد أن مستويات أسعار الغاز بالسوق الأوروبي كانت دائماً أقل من النفط نسبياً إلا أن هذا الفروقات ازدادت اعتباراً من عام 2004 حتى 2008 وتقدر هذا الفروقات بـ1.71 دولار و2.8 دولار و1.97 دولار و3.02 دولار و4.15 دولار للمليون وحدة حرارية على التوالي. "جدول الاتحاد الاوروبي".

وترجع أهم أسباب تقارب أسعار النفط بالسوقين الياباني والأوروبي بالأساس لربط أسعار الغاز بأسعار النفط ومن الملاحظ أن حركة أسعار النفط والغاز تتحركان سويا باتجاهين متناغمين. ويرجح الكثير من المحللين أن السوق الأمريكي لا يستخدم الربط المباشر لأسعار الغاز بأسعار النفط، ولكن نجد أن أسعار النفط هي التي تحدد مستوى تحركات أسعار الغاز وذلك راجعا بالأساس للتنافس الحاصل بين توفر المنتجين.

من الاحتمالات الواردة مستقبليا هي أن تشهد أسعار الغاز نوعا من النمو التدريجي وليس العكس، وذلك لسببين رئيسيين:

أولا: يشهد حالياً سوق الغاز نوعا من التذبذب أو فقدان السيطرة بين منتوج الغاز المعروض وحجم الطلب مما ينتج عنه خلق آلية جديدة لمعالجة هذا الوضع وكنتيجة لهذا الحراك بالسوق فمن المتوقع بالمستقبل القريب أن يتم استحداث سوق للغاز حيث تتفاعل فيه الأسعار بحرية ومن الأرجح أن تكون ألمانيا أو المملكة المتحدة المكانين الأنسب لهذه السوق المرتقب استحداثها ولا يمكن استثناء هولندا وإيطاليا من هذه المعادلة حيث تعتبر كل دولة إحدى بؤر الغاز العالمية "Gas Hub".

ثانيا: دخول دول كبيرة على خط الاستهلاك الصاعد لسوق الغاز كالصين والهند وزيادة نسبة الاستهلاك بدول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية سينمي تجارة الغاز المسال والذي سيكون له ثأتير على العرض والطلب والأسعار ويؤدي الى رفع الأسعار ولو نسبيا.

ونظرا لطبيعة تعقيد عقود الغاز وتنوعها بين دول المنتدى فإن من الأجدى أن يتم التوصل لأي تفاهمات فيما يخص الأسعار مع الدول المستهلكة والمستثمرين بالتحديد لأن أي عمل أحادي من طرف دول المنتدى سيكون له تأثيرعلى برنامج عمل دول المنتدى واستثماراتها المستقبلية المرتبطة بتنمية الاحتياطات والتطوير للمخزون الغازي.

إن أحد التحولات الهامة في مخاطر عقود استثمارات الغاز يتمثل في الدخول المباشر للشركات العالمية بالمراحل الأولى من مشاريع الغاز وتحمل تكاليف المخاطرة الاستكشافية والتطويرية والمشاركة في الإنتاج وكذلك المرحلة التسويقية مما يتيح للدول المنتجة فرص فتح أسواق لتصدير منتوجها من الغاز مما ساهم في تجنيب العديد من الدول المنتجة لبعض المخاطر المتمثلة في المساهمة النسبية في دعم هذه المشروعات ماليا وضمان دخول التكنولوجيا الحديثة التي تعمل على تحسين وزيادة الإنتاجية وتقليل التكاليف وتقود إلى طرح يمكن أن يأخذ منحا آخرا مستقبليا وهو أن الشركات العالمية المشاركة والمنتجة ربما تنتهج مسلكا آخر لتسعيرة نصيبها من الغاز المنتج يختلف عن الدول المنتجة.

منتدى الدول المصدرة للغاز "كارتل أم ترويكا"؟

إن إنشاء منتدى الدول المصدرة للغاز "كارتل الغاز" يعكس الأهمية المستقبلية للغاز كمصدر للطاقة والإقتصاد العالمي فللغاز أهميته الإقتصادية للدول المنتجة والمصدرة بشكل خاص والتي يمكن أن يوصف معظمها بالإقتصاديات الناشئة وتوجد عدة أسباب لظهور كارتل الدول المنتجة والمصدرة للغاز ونذكر من أهمها على سبيل المثال:

* نمو الطلب المتزايد على الغاز كطاقة نظيفة حيث من المتوقع أن تزداد نسبة استهلاك الغاز عالميا فمثلا يجري العمل على إدارة أغلب محطات توليد الكهرباء بالغاز.

* دخول الغاز كعامل أساسي في معطيات الإقتصاد العالمي كمصدر جديد للطاقة.

* إدراك الدول المنتجة للغاز مؤخرا أن من أسباب عدم التوصل إلى اتفاق بشأن التسعيرة مع الدول المستهلكة والمستثمرين مرده لإدارة المفاوضات بشكل آحادي ومنفصل للدول المنتجة أي دون وجود منظمة أو هيكلية ينظم تحت سقفها الدول المنتجة لرعاية حقوقهم والدفاع عن ثرواتهم الوطنية من الدول المستهلكة التى استغلت هذه الآحادية حيث إن المتداول بالسوق حاليا إن أسعار الغاز أقل بكثير مما يماثلها من أسعار النفط وأهم نتائج هذه الوضعية عدم وجود أسواق عالمية لتحديد أسعار الغاز على غرار أسواق النفط وعادة ما تعتمد السوق على تسعيرة الغاز المنفردة للدول المنتجة مع المستهلكين.

على سبيل المثال تخلت مصر على مقترحها بشأن فصل الغاز عن النفط وذلك لعدم وجود مظلة جماعية وقامت بإعادة التفاوض منفردة مع الشركات العالمية لتعديل اتفاقياتها حول عقود تصدير الغاز وبالرغم من ذلك فقد تمكنت من تحقيق عدة نجاحات لصالحها خلال الفترة الأولى من المفاوضات مع شركتي "يونيون فينوسا" الإسبانية و"جاز دي فرانس" الفرنسية، وكذلك مع خطوات إضافية مع باقي الشركات الأخرى المشترية للغاز.

ماليا جنت مصر جراء تلك المفاوضات والخطوات الإضافية مداخيل هامة وبالرجوع إلى التصريحات الرسمية للمسؤولين المصريين، فإن إجمالي هذه المداخيل يقدر تقريبا بـ18 مليار دولار أمريكي خلال الفترة يوليو 2000- يونيو 2008، ومن المتوقع أن تزداد هذه المداخيل بإرتفاع أسعار الغاز بالأسواق الآجلة والآنية أما تعاقديا لم يتم الاتفاق على أية عقود بأسعار تفضيلية ولا بأسعار ثابتة فجاءت معدلات التسعير الجديدة قريبة أو متماشية مع محددات تسعيرة الغاز في العقود السائدة في الأسواق العالمية خلال فترة المفاوضات والتي أخذت كمؤشر لتفعيل عمل هذه العقود.

وتفطنت معظم دول كارتل الغاز أن حماية مصالحها لا يمكن تحقيقه منفردة ولا يندرج تحت مظلة الأوبك النفطي ولذا أصبحت الحاجة ماسة لتأسيس كارتل خاص بها محاولة جاهدة اختراق هيكلية السوق الحالية وخلق نمط جديد يسيطر به على أسواق وأسعار الغاز.

ونجد في تصريحات الكثير من المسئولين بداخل التجمع الغازي نفي صفة الكارتل والميل نحو مبدأ الترويكا، حيث يؤكدون على أن الهدف من إنشاء هذا التجمع لن يتجاوز تبادل الآراء والمعلومات من خلال إنشاء قاعدة بيانات فنية بهدف تعزيز التشاور ما بين دول الأعضاء للتعامل مع السوق من حيث العرض والطلب والعمل على استمرارية ضمان التزويدات للمستهلكين وتشجيع مستثمرين جدد بدخول تكنولوجيات جديدة لتحسين إنتاجية مشاريعهم. ولن يكون لمنتدى الغاز أي دور في الإدارة والتنسيق بشأن الإنتاج كما هو معمول بمنظمة الأوبك كمنظمة فعالة لاتخاذ قرارات ووضع سياسات ملزمة للدول المنتجة فيما يخص الانتاج والسوق.

ولكن بالرجوع إلى المادة 3 من النظام الأساسي لإتفاقـية منتدى الدول المصدرة للغاز تنص هذه المادة على إعطاء الدول المصدرة للغاز كافة الصلاحيات للعمل ككارتل وليس كما يصدر للإعلام على أن التجمع ما هو إلا ترويكا.

إن منطق الترويكا ما هو إلا رأي إعلامي بحت ولا يتماشى مع النظام الأساسي المعتمد للكارتل أو تصريحات مسؤولي الدول الكبرى بالكارتل على سبيل المثال، صرح رئيس لجنة الطاقة بالبرلمان الروسي "فاليري يازيف" فى شهر مايو 2006 بأنه يجب ان تكون منظمة الدول المصدرة للغاز على غرار الأوبك والمظلة الأفضل لحماية وتمثيل مصالح الدول المنتجة والمصدرة للغاز وتأكيده بإن منظمة الدول المصدرة للغاز ستكون أكثر فاعلية من دور الأوبك. وكما ذكرنا سابقا أن معظم دول كارتل الغاز هي دول أعضاء بمنظمة الأوبك ومن البديهي إن من مصلحة هذه الدول أن لا تتضارب مصالحها العالمية مع بعضها.

الحقيقة أنه توجد كثير من أوجه التشابه بين منظمة الأوبك النفط وكارتل الغاز، فمن حيث المخزون تمتلك الاوبك ما نسبته 76% "956 مليار برميل من النفط" من المخزون العالمي المؤكد للنفط الذي يقدر بـ1258 مليار برميل نفط وتنتج حالياً ما نسبته 45% "37 مليون برميل نفط يوميا" من الإنتاج العالمي للنفط الذي يقدر تقريبا مع نهاية 2008 بـ82 مليون برميل يوميا.

ولو أخذنا بالمقارنة نجد أن دول منظمة الغاز "كارتل الغاز" يصل مخزونها حاليا الى 127,000 مليار متر مكعب من الغاز أي ما نسبته تقريبا 69 % من المخزون العالمي للغاز، وأن إنتاج هذه الدول قدر بـ1232 مليار متر مكعب من الغاز "سنة 2008" أي يمثل تقريبا 40% من الإنتاج العالمي وبالتالى فإن العمر الإفتراضي للمخزون الغازي لدول الكارتل قد يصل الى 103 سنة وهو أكثر بكثير من العمر الافتراضي للمخزون الغازي العالمي الذى يصل الى 60 سنة وهذا بدوره كفيل لقيام الكارتل بدور فاعل بالسوق العالمي لهذه السلعة آنيا ومستقبليا ومما يفرض عليها التعامل مع الغاز كسلعة استراتيجية وطاقة للمستقبل والاستفادة من خبرة تفوق النصف قرن من الزمن فى تعامل دول "كارتل النفط" مع سلعة النفط الآخذة في النضوب حيث يبدو إن إنتاج النفط قد أوشك أن يقترب من ذروته وذلك حسب نظرية ذروة إنتاج النفط " "Hubbert Peak Theory.

ووجه التشابه الآخر هو خطر الأسعار عند إنشاء المنظمتين، ففي بدايات الستينات كانت تسيطر الشركات الكبرى "الأخوات السبعة" على حجم الإنتاج بالسوق وحددت مستوى للأسعار والذي أعتبر مجحفا فى حق الدول المنتجة وكان ما يعرف بالأسعار المعلنة "Posted Price" وأصبح هذا النمط من الأسعار معمولا به منذ نهاية الخمسينات وحتى الستينات إلا أن تحولا جذريا طرأ على هذه الأسعار حيث أخذ منحى آخر مع بدايات السبعينات من خلال الدور الفاعل لمنظمة الأوبك في القمم الثلاث المشهورة وهي قمة طرابلس وكاراكاس وطهران.

فقدت أخدت ليبيا بزمام المبادرة في تعديل مستوى هذه الأسعار عندما أجبرت الشركات الكبرى وكذلك الشركات المستقلة على الترفيع التدريجي في السعر المعلن للنفط من 2.3 دولارا للبرميل إلى ما يقارب 3.56 دولارا للبرميل مع بداية سنة 1973، وبذلك كانت ليبيا أول الدول المنتجة للنفط التي استطاعت أن ترفع حجم مداخيلها من هذه الثروة بدون الرفع في الإنتاج، وعلى العكس تمكنت ليبيا من تقليل الإنتاج حيث فرضت حصص جديدة على الشركات العالمية المنتجة حيث بدأت بفرض الحصص الجديدة على ما يعرف بالشركات المستقلة منها "وهي شركات تأتي في المرتبة الثانية من حيت الحجم بعد الشركات الكبرى "الأخوات السبع"" مثل شركة أوكسيدنتال.

ولذا نجد أن وجود ستة دول أعضاء فاعلة بالكارتل الغازي "فنزويلا وإيران ونيجيريا والجزائر وليبيا وقطر" وهي أعضاء بمنظمة أوبك للنفط سيدعم سياسات الكارتل الغازي وسيجنبه الكثير من القصور الذي واجهته دول كارتل النفط سابقا. أي إن اتحاد أو تفاهم بين أربع دول من دول الكارتل مثل روسيا وإيران وقطر وفنزويلا سيمكن من خلق نمط جديد في أسواق وأسعار الغاز فهذه الدول مجتمعة مخزونها يشكل ما يقدر بـ56% من المخزون العالمي للغاز "يقدر بـ 103,210 مليار متر مكعب" وإنتاجها السنوي ما نسبته 27% من الإنتاج العالمي للغاز "حوالي 826 متر مكعب من الغاز سنوياً حسب إحصائيات 2008".

إن المادة الثامنة من اتفاقية تأسيس المنتدى تنص على أن يتكون من ثلاثة هياكل إدارية تصيغ وتحدد برنامج العمل والتشريعات الخاصة بالمنظمة وهرميا هي الاجتماع الوزاري " The Ministerial Meeting" والمجلس التنفيذي للمنتدى "Executive Board" وأخيرا الأمانة "The Secreteriat".

إن الاجتماع الوزاري للدول الأعضاء يتم إدارته عن طريق رئيس منتخب من داخل المجموعة حسب الأحرف الأبجدية ويتم ترشيحه سنويا، حين يصـبح الأميـن الـعام للمنـتدى "The Secretary" سكرتيرا للاجتماع الوزاري الدوري حيث تنص المادة 26 من نظام تأسيس المنتدى على ان يعين الاجتماع الوزاري سكرتيرا له لمدة سنتين ويمكن تمديده لمرة واحدة فقط وبنفس المدة ويتم هذا التعيين عند تسمية المرشحين من قبل الأعضاء وذلك بعد دراسة تفاضلية لمؤهلات المرشحين وفي حالة عدم التصديق بالاجماع على قرار التعيين لأحدهم يتم التعيين لسكرتير دوريا وحسب الحروف الأبجدية لمرة واحدة فقط ولمدة سنتين دون الاخلال بالمؤهلات المطلوبة. ويخول الاجتماع الوزاري بكافة الصلاحيات التشريعية لإدارة أعمال المنتدى حسب المادة 13 من إتفاقية تأسيس المنتدى.

وتنص المادة 15 من اتفاقية تأسيس المنتدى على أن الأعضاء المختارين من الدول الأعضاء لتمثيلهم يشكلون السلطة التشريعية المباشرة والقريبة من الأمانة العامة للمنتدى والتي تراقب سير حركة التشريعات وإعداد أجندة عمل الاجتماع الوزاري، ويجتمع المجلس التنفيذي مرتين بالسنة وللمجلس الحق في إجتماعات طارئة بالدعوة من الرئيس أو السكرتير العام أو ثلاث أعضاء من المجلس التنفيذي.

والمادة 18 تعطي المجلس التنفيذي صلاحيات كبيرة لإعداد برنامج عمل المنتدى وإستراتجيات التنسيق فيما بينهم حتى تتمكن الأمانة من أداء مهامها بأكمل وجه.

في 23 ديسمبر 2008 صادق وزراء بترول الدول الأعضاء بالمنتدى بموسكو على الميثاق القانوني لكارتل الغاز ويضم كل من روسيا وإيران وفنزويلا ونيجيريا وترينداد وتوباجو وغينيا الإستوائية وقطر والجزائر وليبيا ومصر اما الإمارات والنرويج فهما عضوين مراقبين.

ونشير هنا الى أن دور النرويج حتى وإن كانت عضوا مراقبا- حسب سياستها وتوجهاتها الخارجية- غير واضحا فالنرويج ليست عضو بمنظمة الأوبك أو في الاتحاد الأوروبي أو أي تكتل إقليمي آخر بإستثناء حلف الناتو وتوجه السياسة الطاقية للنرويج هو تحسين أسواق الغاز من ناحية التسعير والحصة بالسوق الحالية وإيجاد أسواق جديدة، وكذلك اهتمامها الملحوظ بالاستمرار في بناء علاقات مع الدول الكبرى للحفاظ على إستثماراتها الخارجية عبر محفظتها النفطية العملاقة، ولذا وجود النرويج كعضو أساسي داخل كارتل الغاز هو خيار تحيط به بعض الشكوك والتي هي في محلها وحتى يأتى ما يبددها.

والحقيقة كانت من أفضل النتائج لقمة الدوحة بتاريخ 09 ديسمبر 2009 ترشيح الروسي "لونيد بوخانوفيسكي" نائب رئيس شركة ستروي ترانس غاز "أحد الشركات التابعة لشركة غاز بروم" كأول سكرتير عام لمنتدى الدول المصدرة للغاز وذلك لعدة أسباب وهي أن روسيا أكبر دولة بالعالم تحوي على مخزون غازي حيث تزود أهم أسواق الغاز بالعالم وهي السوق الأوروبي حاليا والسوق الصيني بالمستقبل القريب كما أن روسيا دولة لها أهميتها بإنتاجها ومخزونها النفطي وأخيرا بإعتبارها كدولة عظمى ولدى روسيا القدرة على التعامل مع الآلة الإعلامية الغربية ومع أية سيناريوهات ضغوط يمكن أن تقع من قبل الولايات المتحدة والتي ليس بإمكان باقي دول أعضاء المنتدى التعاطي معها أو تحملها.

إن الدول المنتجة للغاز تلزمها عقود طويلة المدى مع المستثمرين وبالتالي فإنها سوف تتأثر بوضعية السوق الحالية، ولذا فإن معالجة وضع السوق وحجم الإنتاج والعرض تعتبر من أولويات الدول المنتجة عبر منتداها والذي من المفترض أن ينبثق عنه فلسفة جديدة للتعامل في تحقيق مفهوم ضمان التزويدات والحفاظ على البيئة باعتبار الغاز طاقة نظيفة والعمل على التقليل من ظاهرة إنبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون المضر بالبيئة.

ومن المحتمل أن تتوصل دول الكارتل إلى وضع إطار جديد لصياغة عقد بيع يحدد المعايير القياسية للاستثمار بمشاريع الغاز المستقبلية والحالية ويرتكز بالخصوص على الغاز المنقول بالأنابيب، أما فيما يخص الأسواق الآنية والأسعار المرتبطة بها فهذا يتطلب دراسات مكثفة وإطار شامل ما بين الثلاثي المنتج والمستورد والمستثمر وهنا لا يستثنى دور مؤسسات التمويل من هذه المعادلة لكي يتحقق الهدف المرجو من إيجاد استقرار ولو نسبي بأسواق الغاز.

إن دخول المستثمرين بمشاريع الغاز كالشركات الكبرى في مراحل إنتاج وتسويق الغاز يجعل الأمر أكثر تعقيدا للوصول إلى حل نهائي بين الدول المنتجة وشركائها من هذه الشركات.

رؤية إنشاء الكارتل:الطريق من موسكو إلى الدوحة

"الطريق من موسكو إلى الدوحة" ليس عنوانا لرواية كما يتبادر الى الذهن لأول وهلة ولكن تواجد روسيا كدولة عظمى على رأس هذا المنتدى بقطر كدولة مقر شيء له مغزى كبير فروسيا لها رؤية إستراتيجية جديدة بعد إنهيار اتحادها السابق حيث إن العوامل الجيوسياسية لمصالح الدول الكبرى المنتجة والمستهلكة للغاز أصبحت تلعب دورا ملموسا نظرا لأهميته وكما له أولوية جيوسياسة للطاقة بالعالم والأدوار المستقبلية.

وبالنسبة لدولة مقر المنتدى، دولة قطر، فقد قطعت مرحلة مهمة في بناء وتجسيد لصناعة غازية فاعلة فعلى سبيل المثال لقطر أحد عشر خطا لإنتاج الغاز المسال حاليا وثلاثة خطوط إضافية يجري العمل على إنشائها بالإضافة الى ذلك تقوم بتطوير أكبر حقل "حقل الشمال" للغاز الحر "غير المصاحب".

وبالرغم من أن تخمينات بعض خبراء ومراكز الطاقة الدولية ترجح بأن فكرة تأسيس منظمة عالمية للدول المنتجة للغاز هي فكرة "آية الله علي خامنئي" المرشد الأعلى لجمهورية إيران الإسلامية، وترجع هذا التخمينات الى بداية الدعوة للاجتماع الأول لدول المنتدى بتاريخ 19 مايو لسنة 2001 بطهران ولكن تبقى بدء إشارة تفعيل المنتدى بالاجتماع الذي جمع المرشد الأعلى مع سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي "إيغور إيفانوف" في طهران بتاريخ 29 يناير 2007 و الذي أكد على طرح هذا الفكرة.

أدركت روسيا أن وجود منتدى عالمي للدول المنتجة للغاز قد يساهم في تحسين وتهيئة أجواء السوق مما يضمن لها عائدا ماليا مناسبا لها جراء هذه الاستثمارات وتطوير لمخزوناتها الهائلة من القدرات الغازية وكذلك الدخول الى سوق الطاقة الغازية في القرن الجديد بأكثر قوة وفاعلية وضغط وداعمة لمواقفها السياسية ولذا قامت بعدة خطوات سبقت أولا بترتيب بيتها الداخلي بعد أن شعرت بأن ناقوس الخطر يدق من تحت باطن أراضيها عندما أصبح المخزون النفطي والغاز السائل بأيدي غير آمنة حسب وجهة نظر الحكومة الروسية.

وفي واقع الأمر إن مدى أهمية الغاز الروسي قد استشعرته شركة "يوكوس""Yukos" أحد أكبر عمالقة شركات النفط الروسية والعالمية عندما شرعت في خلق نواة "حلف الطاقة الروسي الأمريكي" وهو أكثر المواضيع حساسية الذي خططت له شركة " يوكوس" ، وبدأت خطورته تظهر للعلن عندما قامت "يوكوس" بإرسال الناقلة "أسترولوبوس" "Lupus Astro" محملة بمليوني برميل من النفط الروسي الى ولاية تكساس وتاريخياً تعتبر المرة الأولى التى يمر فيها النفط الروسي عبر الأطلسي الى السوق الامريكي مباشرة وكذلك قامت " يوكوس" بإنشاء محطة وقود تابعة لها بمدينة نيويورك.

وكذلك اهتمت يوكوس باحتواء مجموعة "غاز بروم" "Gazprom" الروسية التي تعتبر عملاق الغاز وتمتلك أكبر خطوط أنابيب يقدر طولها بأكثر من 150 ألف كيلومتر. وكان بارون النفط الروسي وعلى رأسهم مالك شركة يوكوس "ميخائيل بوريوفيتش خودوركوفسكي" وأمين سرها "أفلاطون لبيديف" من خلال يوكوس قد سعى إلى إتمام أحد أكبر صفقات القرن وهي إدماج يوكوس مع المؤسسة البترولية العملاقة "سيبنيف" "Sibnef" المملوكة "لرومان أبراموفيتش" مالك "نادي تشيلسى" وأن يتم بيع حصة كبيرة من الأسهم لشركة "إكسون موبيل" الأمريكية.

فبهذا تم تقارب وجهة النظر ما بين الرئيس بوتين "والأوليغاركيين" داخل الكرملين في تنحية " يوكوس" جانبا والشروع في مشروع طاقة روسي عالمي وعليه قامت النيابة العامة الروسية بإتهام شركة يوكوس بإحتكار سوق الغاز الروسى والتهرب من الضرائب الأمر الذى ادى إلى إغراق " يوكوس" فى مشاكل قانونية كتسوية ضرائب عالقة بقيمة 27.5 مليار دولار أمريـكي وشيئا فشيئا استحوذت الحكومة الروسية على قلـب "يوكوس" النابض وصمام الإنتاج بها "يوغاتز كنتفغاز" "Yugans Knetegas" والذي إشترته مجموعة حكومية تسمي "بايكال" "Baikal" للتمويل- وهى شركة صناديق مالية وليس لها أصول او صندوق مالي خاص بها حيث كانت عبارة عن جسم تجاري مسجل تحت شركة مواد غذائية- والتي تحصلت على دعم غير مباشر من شركة "روسنفت" لشرائها -عبر المزاد العلني- أصول "يوغاتز كنتفغاز" بقيمة 9.35 مليار دولار و أصبح لها حرية التصرف بعملياتها وتمتلك احتياطيات تصل الى 10 مليار برميل من المخزون المؤكد وفق إحصائيات 2004 .

وعند انتهائها من ترتيب بيتها الداخلي اتجهت روسيا لتسوية الملف الخارجي عندما توصل صانع القرار الروسي إلى قناعة مفادها أنه ليست الدول التي تنتج فحسب التي يمكن أن تتحكم في صادرات الغاز وإنما الدول التي تعبر بها أنابيب الغاز هي أيضا تعتبر عاملا مؤثرا في المعادلة الدولية لتجارة الغاز والعوامل الجيوسياسية المرتبطة بها.

وعليه أدركت روسيا الخطر اللآتي مع تغيير الموقف الأوكراني الذى أصبح يسير في اتجاه الغرب وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية حيث أن 90% من الغاز الروسي المصدر إلى أوروبا يمر عبر أوكرانيا ويمر الجزء المتبقي منه عبر الأراضي البولندية. فقد طلبت أوكرانيا من الحكومة الروسية ضرورة الجلوس إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى لمراجعة وتعديل تعريفة نقل الغاز المنخفضة وكذلك على الشرط التعاقدي "خذ أو ادفع" الذي يلزم دولة أوكرانيا بتسديد كافة المبالغ المترتبة عليها والتي يدخل فيها ثمن الغاز نفسه، وحتى وإن تحصلت أوكرانيا على أحجام منخفضة منه أو قيامها بتسديد غرامات مكلفة على تأخير السداد.

وبنوع آخر من الضغوط الأوكرانية أعلنت حكومتها بإنها غير قادرة على إمداد دول الاتحاد الأوروبي بالغاز المتراكم في خزاناتها في حالة بروز أي مشكلة ما بين حكومة أوكرانيا وشركة غاز بروم الروسية وإنه في حالة توقف إمدادات الغاز الروسي من الصعب على أوكرانيا تعويض الفاقد لأن القدرة التخزينية ليست بحجم تعويض الفاقد بالسوق، وهذا بدوره يهدد أمن الطاقة بالدول المستوردة مع الأخذ بعين الاعتبار تزايد الاستهلاك الأوروبي من الطاقة حيث يمثل فيه الغاز ربع الاستهلاك وإمكانية صعوده إلى الثلث مع حلول العقد القادم.

ولذا اتجهت روسيا إلى البدء في وضع خطط مستقبلية لإنشاء شبكات جديدة عبر أراضيها إلى ألمانيا ودول أوروبية أخرى دون المرور بأوكرانيا مثل "أنبوب الشمال الأوروبي". وكذلك مشروع "السيل الجنوبي" أو "ساوث ستريم"، الذي أبدت بعض الدول الأوروبية اهتمامها الشديد به، ومن المخطط له أن يزود أنبوب السيل الجنوبي ما مقداره 30 مليار متر مكعب سنويا ويمتد هذا الخط عبر بلغاريا والنمسا وسلوفينيا وإيطاليا.

ولو نظرنا لمشروع أنبوب الشمال الأوروبي الذي يمتد بين روسيا وألمانيا وبطول يصل إلى 1200 كيلومتر عبر قاع بحر البلطيق فقد تمكنت روسيا من خلاله من قطع الطريق على تنفيذ هذا المشروع مع الدول الشرق أوروبية وعلى رأسها بولندا، لأنه سيعطي الحكومة الروسية نفوذا سياسيا إضافيا وذلك ليشكل تهديدا دائما بقطع إمدادات الغاز عن دول الإتحاد السوفييتى السابق أي بمعنى آخر بفرض عقوبات إقتصادية وسياسية على هذه الدول دون المساس بمصالحها مع بقية دول أوروبا الغربية وعلى رأسها ألمانيا.

وبالنظر إلى التحرك الروسي المدروس عام 2006 عبر آلتها الغازية "غاز بروم" بالاستثمار في حقول الغاز أوزبكستان المقدرة بسبعة مشاريع إستراتيجية تصل مساحتها التعاقدية الى ما يقارب 33 ألف كيلومتر مربع تقريبا فإنه وبهذا التحرك تكون روسيا قد تمكنت من الشروع في بسط نفوذها على منابع النفط والغاز وسط آسيا.

وبالعودة الى سنة 2007 نجد أن شركة غاز بروم الروسية قد توصلت إلى اتفاق بشأن بناء خطين لنقل الغاز الروسي إلى جمهورية الصين تصل قدرتهما إلى حوالي 40 مليار متر مكعب للسنة، وتدور التكهنات حول طبيعة هذه العقود بإنها مصنفة على أساس عقود طويلة الأمد ومسعرة على أساس تسعيرة النفط .

وتعلم روسيا أن معظم أنابيب النفط والغاز تمر عبر أراضيها ولذا انتبهت الى أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى تغير مسارات الخطوط الجديدة على أن لا تمر بروسيا وذلك بهدف تقليل النفوذ الروسي في هذا الشأن.

وترى كثير من مراكز أبحاث الطاقة الدولية أن غياب أذربيجان عن عضوية كارتل الغاز له صلة بلعبة القوى وتعطيل المشروع الروسي ودوره في الكارتل وهذا لا ينفي إنزعاج الدول الكبرى من المخططات والنوايا غير المعلنة لدول المنتدى فأهمية أذربيجان ليست بحجم إنتاجها الذي قدر عام 2008 بحوالي 14.7 مليار متر مكعب أو مخزونها من الغاز المقدر بـ1200 مليار متر مكعب من الغاز، ولكن بأهميتها الجغرافية حيث تعتبر المنفذ الطبيعي الوحيد لنقل الغاز من الثلاثي الآسيوي للغاز وهى تركمانستان وكازاخستان وأوزوبكستان والتي يقدر إحتياطيها من الغاز بـ 11,340 مليار متر مكعب حيث تمتلك تركمانستان ما يقدر 70% من نصيب هذا الإحتياطي، وكما يقدر نصيبها من الإنتاج العالمي بحوالي 158.5 مليار متر مكعب أي 5.1% لسنة 2008.

ولا يفوتنا غياب العربية السعودية عن المنتدى وكيف لا وهي تملك مايقدر بـ7570 مليار متر مكعب من الغاز أي ما نسبته 4.1 % من المخزون العالمي للغاز وتنتج ما مقداره 78.1 مليار مترمكعب سنة 2008 أي ما نسبته 2.5 من الإنتاج العالمي وأكثر من جارتها دولة قطر التي جاء إنتاجها لسنة 2008 بما يقدر بـ 76.6 مليار متر مكعب وترجح بعض التخمينات أن غياب العربية السعودية يأتي في دور لعبة القوى ولكن لا يفوتنا أن معظم إنتاج العربية السعودية الحالي من الغاز لا يأتي إلا مصاحبا للنفط، ويستهلك داخليا وليس للتصدير بالوقت الحاضر، ولكن تهيئة المناخ الاستثماري في مجال قطاع الغاز السعودي بإصدار اللوائح والتشريعات بهذا الخصوص مؤشرا إلى إطلاع المملكة على دور مستقبلي لتصدير الغاز أي أن أكثر الإحتمالات تشير إلى أن يتم تصديره عبر الناقلات. "أنظر البحث المنشور بهذا الخصوص للدكتور ونيس عثمان والدكتور هشام بن دهيش 2005 بـ www.OGEL.com"

كارتل الغاز ومستقبل الطاقة العالمي "القرن الغازي"

وصل الاستهلاك العالمي للغاز سنة 2008 الى 3019 مليار متر مكعب وبإعتبار الزيادة السنوية للإستهلاك بمعدل 1.6 % فإنه من المتوقع أن يصل الإستهلاك العالمي للغاز بحلول عام 2030 إلى ما يقارب من 4082 مليار متر مكعب. ووصل حجم التجارة الدولية للغاز سنة 2008 الى 814 مليار متر مكعب حيث 72 % منها غاز منقول بالأنابيب والباقى 28 % غاز منقول عبر الناقلات كغاز طبيعي مسال.

إن السوق الحالي للغاز سواء المنقول بالأنابيب أو المسال يتوقع له ان يشهد تغيرات ملحوظة مستقبليا وذلك في نمط وسيلة نقل الغاز بين الموردين والمستهلكين حيث يتوقع أن تحصل به تغيرات جذرية وذلك بالإتجاه نحو نقل الغاز بإستخدام الناقلات أكثر منه عبر الأنابيب للأسباب المذكورة انفا.

وهنا بسطة على مخزون الغاز واستهلاكه وحجم التبادل التجاري لبعض الدول الرئيسية المنتجة للغاز وخارج منظومة الكارتل وذلك حتى يمكن مقارنتها بدول الكارتل قصد إستشراف مستقبل الطاقة العالمى من حيث الغاز.

*دول الكارتل

إن حجم تبادل دول كارتل الغاز من التجارة العالمية قد تنوع حسب نوعية ومناطق الاستهلاك فعلى سبيل المثال أن إجمالي كميات الغاز المصدرة من دول المنتدى لسنة 2008 تقدر بحوالي 461 مليار متر مكعب حيث يمثل فيها حجم الغاز المنقول بالأنابيب ما يقارب 72 % "332 مليار متر مكعب" حيث تزود دولة روسيا تقريبا 46 % " 153 مليار متر مكعب" من حجم الغاز المنقول بالأنابيب تليها النرويج بنسبة 28% "93 مليار متر مكعب" والجزائر بالمرتبة الثالثة بنسبة 11 % "73 مليار متر مكعب" بينما يشكل حجم الغاز المسال المنقول عبر الناقلات ما يقارب 28% "129 مليار متر مكعب".

يعتبر حجم تزويدات الغاز لدول المنتدى- عبر وسائل نقل الغاز المختلفة- مغطيا لأصقاع المعمورة فإذا أخذنا حجم الغاز المنقول عبر الأنابيب نجد أن 90% منه متجه إلى السوق الأوروبي و4% إلى جنوب ووسط أمريكا و6% إلى منطقة الشرق الأوسط.

وعندما نأخذ حجم تزويدات الغاز المسال في التجارة الدولية للغاز نجد أن 45% من حجم تزويدات دول المنتدى متجهة إلى دول آسيا و43% منه إلى السـوق الأوروبـي و10.5 % لشمال أمريكيا والباقى تزود لجنوب ووسط أمريكا.

أما فيما يخص الغاز المسال نجد أن حجم تجارة المنتدى يشكل أكثر من النصف عالميا أي بنسبة 57% وأن أكثر الدول المصدرة للغاز المسال داخل المنتدى هي قطر 30.7% تليها الجزائر بنسبة 17%، و نيجيريا بنسبة 16% وترينيداد بنسبة 13.46%.

*الدول الرئيسية خارج منظومة الكارتل:
- الولايات المتحدة الأمريكية

تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية الأولى بين الدول المستوردة للغاز حيث تستورد 14% من الإجمالي العالمي "114 مليار متر مكعب" وتستورد 90 % من هذه الكمية عبر الأنابيب من كندا و1 % من المكسيك اما الكمية المتبقية 9%" 10 مليار متر مكعب" تستوردها عبر الناقلات حيث 75 % منها تزود من ترينيداد وتوباجو و16 % من جمهورية مصر و5% من النرويج 3 % من نيجيريا و1 % من قطر.

استهلكت الولايات المتحدة فى سنة 2008 ما يقارب 22% من الاستهلاك العالمي للغاز "657 مليار متر مكعب" حيث ارتفع استهلاكها بنسبة 52 % منذ سنة 1983 من 477 مليار متر مكعب حيث أزمة الأسعار الأولى والثانية واتجاه أمريكا نحو استهلاك الغاز.

يقدر حجم مخزون الغاز للولايات المتحدة الأمريكية بـ 6730 مليار متر مكعب وهو مخزون من غير المؤكد أن يعول عليه لتغطية استهلاك السوق الداخلي لفترة عقد من الزمن وإذا نظرنا الى حجم الإستهلاك الحالي وهو 657 مليار متر مكعب فإن المخزون المتبقي سيكفي لمدة 10 سنوات تقريبا وإذا أخذنا في الإعتبار الزيادة المتوقعة في الإستهلاك الأمريكي بعد الإصلاحات المطروحة من قبل إدارة الرئيس اوباما والتي تصب فى خانة اجتيازها لفترة الركود الإقتصادي الحالية أن المخزون المتبقي سيكفي لفترة ما بين 7 إلى 8 سنوات فقط.

- كندا

تعتبر كندا المزود الرئيسي للولايات المتحدة ولكن توازن التزويدات المذكورة أعلاه لأمريكا سيتغير جذريا حيث أن كندا ازداد فيها حجم الاستهلاك المحلي من 51 مليار متر مكعب عام 1983 إلى 100 مليار متر مكعب عام 2008 ولو أخذنا في الاعتبار حجم المخزون المؤكد للغاز لكندا لسنة 2008 والمقدر بـ 1630 مليار متر مكعب وحجم الاستهلاك الحالي للدولة سنجد أن مخزونها سيكفي الدولة لمدة 16 سنة تقريبا، والصورة ستصبح أكثر ضبابية إذا أخذنا الإنتاج الفعلي لسنة 2008 لكندا والذي وصل الى 175 مليار متر مكعب سنجد أن المخزون سيكفي لفترة أقل من عقدا من الزمن تقريبا.

- الصين والهند

ومن المعطيات الجديدة في المعادلة الدولية لتجارة الغاز دخول الصين والهند على خط الدول المستوردة للغاز وكمستورد مستقبلي واعد. الحقيقة أن استهلاك الصين من الغاز لسنة 2008 يقدر بـ 80 مليار متر مكعب وهو ما نسبته 2.7% من الاستهلاك العالمي للغاز وإن معظم الإستهلاك الصيني من الغاز ينتج محليا أي ما نسبته 94 % أي تقريبا 76 مليار متر مكعب من الغاز، أما النسبة المتبقية 6% "4 مليار متر مكعب" يتم استيرادها من أستراليا وذلك بما نسبته 81.3% ومصر 5.63% ونيجيريا 5.41% والجزائر 3.83% وغينيا الإستوائية 3.60% وأخيرا 0.23% من ماليزيا.

إن المخزون الصيني يقدر تقريبا بـ2460 مليار متر مكعب "1.3% من المخزون العالمي" ولو أخذنا معدل الإنتاج الحالي والزيادة المتوقعة في الاستهلاك، فإن عمره قد يصل الى 3 عقود ونيف من الزمن.

ولا يفوتنا أن نشير هنا الى أن حجم استهلاك الهند الحالي السنوي لا يتجاوز 41 مليار متر مكعب وإن إنتاجها الحالي السنوي 30 مليار متر مكعب، بينما مخزونها المؤكد من الغاز يصل الى 1090 مليار متر مكعب وهذا يعتبر متماشيا وإحتياجات الدولة لفترة قرابة عقدين من الزمن مع الأخذ في الاعتبار الزيادات في نسب الاستهلاك المتوقعة للدولة "كان حجم الاستهلاك 0.4 مليار متر مكعب سنة 1968" أي أن حجم الزيادة في الأربع عقود الماضية والزيادات السنوية يعتبر قياسيا مع معدلات الاستهلاك للدول الأخرى.

الخلاصة

إن الدور الرئيسي والذي من المفترض أن يناط به الكارتل هو وجود آلية مناسبة للسوق. إن دول الكارتل لن تتمكن من تشجيع الاستثمارات أو تسويق حصص الإنتاج وإدخال أي تغييرات جديدة على صناعة الغاز العالمية إذا لم تتمكن من معالجة وإبراز سيطرتها على السوق من ناحية التسعيرة مما سيؤدي إلى إرتفاع أو تثبيت الأسعار عند حد إقتصادي معين مما يحسن من إقتصاديات المشروعات وزيادة الإستثمارات من الناحية الإستكشافية والتطويرية ومحطات التسييل والنقل.

يجب على دول المنتدى على الأقل أن تنجح أولا بربط أسعار الغاز بأسعار النفط لوقف النزيف الحاد لأسعار الغاز وهذا يجب أن يكون أول أحد نتائج المقترحات التي ستعرض بإجتماع وهران بالجزائر بتاريخ 19 أبريل القادم. وتنظر كثير من بلدان اعضاء الكارتل والبلدان المنتجة للغاز بإهتمام الى مقترحات الحكومة الروسية والجزائر وباقى الأعضاء حيث تعول الكثير على طرح ومنظور السكرتير العام للمنتدى الخبير الروسى"لونيد بوخانوفيسكي".

ولذا من المفترض أن يكون من أهم بنود أجندة عمل المنتدى هي إيجاد طريقة لمعالجة تسعيرة الغاز لوضع حد لتدني مستوى أسعار الغاز بالأسواق لما تشهده من تقلبات جذرية وعدم مواكبتها للارتفاع الحاصل لأسعار النفط، ولو أمكن التوصل الى إجراء ما لمعالجتها فإن دور المنتدى سيكون فاعلا في الإستثمارات المستقبلية وحجم التزويدات للأسواق ومواجهة أي خلل يمكن أن يطرأ على العرض والطلب وكذلك يمكن أن يحسن من مستوى الإتفاقيات المعمول بها وهذا بدوره سيكون له تأثير مباشر على تشجيع مراكز الأبحاث والشركات العالمية على تنمية وتسارع عجلة التقنية والتكنولوجيا المبتكرة.

إن كل من كان يعتقد أن حجم العرض قد فاق الطلب بالسوق ليس له أي علاقة بواقع الحال، فإن المؤكد حاليا أن حجم العرض أصبح يفوق الطلب بأسواق العقود الأفقية والآجلة، ومن المؤكد أن السبب الرئيس لتدني مستوى الأسعار هو عدم مواكبتها لإرتفاع أسعار النفط.

________________________
* متخصص بتحليل المخاطر والشكوك بالاقتصاد العالمي للنفط



خاص
صحيفة العرب