دور مؤسسات المجتمع المدني في مقاومة جرائم الإرهاب
الاثنين, 11-يناير-2010
د. معتز محيي عبد الحميد - تهدف الدراسة لعرض وتحليل دور المؤسسات المجتمع في مقاومة جرائم الإرهاب تحليلا سسيلوجياً ، وقد توصلت الدراسة إلى ان الجرائم الإرهابية باتت من أكثر الجرائم استحداثاً ، وان المستقبل سيشهد استمرارا لهذه الجرائم رغم الجهود الدولية لمحاربته ، وبخصوص مبادرة جميع الأنساق الاجتماعية بالتفاعل مع الجريمة الإرهابية فإن ذلك ينبغي ان يتم ذلك بشكل متوازن ومتوازي ، اذ لا يجب ان يضطلع النسق الامني وحيداً بالمقاومة بعيداً عن الأنساق الأخرى . فللنسق الديني في المجتمعات الإسلامية تحديداً دوراً مرتقباً باعتباره النسق الأكثر تأثيرا في بقية الأنساق الأخرى ، ولأنه الحجة التي يستخدمها مفكروا التنظيمات المتطرفة ، وكذلك فللنسق الامني دورا مرتقبا باعتبار وظيفته الأساسية تحقيق الأمن والاستقرار للمجتمع ، وكذلك النسق التربوي الذي يعال عليه كثيراً في غرس القيم التربوية النبيلة المنبثقة من العقيدة الدينية الصحيحة والقيم الاجتماعية السامية ومن خلال مؤسساته المختصة ، وكذلك فللنسق الأسري دور رئيس لا يستهان به في هذا المجال ، ويظل دور النسق السياسي ، هو الدور الريادي والأساسي، باعتباره النسق المحوري والموجه لبقية الأنساق الأخرى . ويتوقع ان قيام كافة مؤسسات المجتمع بأدوارها في مجال مقاومة الإرهاب من خلال بحث العوامل التي ساعدت بروز هذه الظواهر والمبادرة بعلاجها علاجاً جذرياً بشكل مخطط ومدروس او على الاقل محاولة تخفيفها وتقديم بدائل مناسبة ، فإن ذلك سيحقق حالة التوازن المنشودة ، التي تضمن قيام المجتمع واستقراره ، وتساهم في نموه وتطويره . بيد ان هناك نقطة جوهرية يجب مراعاتها ، وهي ان مرتكبي الجرائم الإرهابية هم أبناء المجتمع وأن مفكري التنظيمات المتطرفة هم كذلك أبناء المجتمع ، وان وجودهم في حجر المجتمع سيكون عامل مساعد على تخفيف العوامل التي دفعتهم للانتماء للتنظيمات المتطرفة وارتكاب جرائم إرهابية ذهب ضحيتها العديد من الآمنين الأبرياء بمسوغات خاطئة تتعارض مع كافة الشرائع السماوية والأعراف والقيم الاجتماعية . 1- مدخل : العنف والإرهاب: تعد جرائم العنف والإرهاب شكلاً من إشكال الجرائم المستجدة ، وتوصف بالمستجدة لأنها تبتكر أدوات وأساليب جديدة في تنفيذها ، بل انها تحرص على توظيف التقنية الحديثة التي يتوصل أليها التقدم العلمي والتطور التقني ، بل وأصبحت اثأر هذه الجريمة أكثر تدميراً مع بزوغ القرن الواحد والعشرين الميلادي ، ولعل تفجير برجي التجارة العالمي بالولايات المتحدة الأمريكية في 11 سبتمبر 2001 خير مثال على ذلك . ومع ان أثارها لم تعد تقتصر على دولة بذاتها ، فقد أصبح العالم يتنادى لمواجهة هذه الجريمة ، ويحاول ان يضع الخطط الإستراتيجية للقضاء على هذه الجرائم او على الأقل التخفيف منها وممن أثارها ، وبالتالي فهي مسالة معقدة تتطلب البحث والدراسة من قبل اختصاصيين في شتى العلوم ومن شتى أقطار العالم . ويشير الخليفة (1420) ان أهم ما يميز الجرائم الإرهابية كجرائم مستحدثة ، استخدام التكنولوجيا الحديثة في تنفيذها ، وتحررها من البنية الاجتماعية التي نشأت فيها ، وتدويلها سواء فيما يتعلق بالتخطيط او التمويل او التنفيذ والاهم من ذلك ضحايا الجريمة الإرهابية في الوقت الراهن ، الامر الذي يصعب من إجراءات متابعتها ، ثم عدم توافق الظرف ألزماني والمكاني بين الجاني والضحية واخيراً ارتفاع تكلفتها وأثارها على البنية الاجتماعية مقارنة بالجرائم التقليدية . ويشير نافع(1415) إلى ان الدعم المالي للتنظيمات المتطرفة والجماعات الإرهابية لم يعد محصوراً على مصادر التمويل الداخلية ، فإضافة الى ذلك ،فقد أصبحت التنظيمات تعتمد على الأعضاء الموجودين خارج الدولة ، وعلى دعم الدول والمنظمات التي لها عداوات مع تلك الدولة المستهدفة . ويعد الارهاب نموذجاً للصراع السياسي العنيف باعتباره يعتمد على أفعال عنيفة غايتها أرغام خصومها السياسيين او النظام السياسي المعارض لها على تحقيق المطالب التي ترغبها التنظيمات المتطرفة او الجهات السياسية التي تتبعها ، بيد انه في حقيقته حالة خاصة او أخيرة من الحوار مع النظام السياسي ، وبالرغم من كون الإرهاب صورة من الصراع السياسي الا انه لا يمكن ان يكون صانعا لسياسة ما ولا تحقيقاً لمفهومها ولا عنصراً ملازماً لتكوينها واستمرارها.( العكرة -1981). وتكمن أهمية الدراسة في أنها قد تساعد المحلل السياسي والأمني على طرح تصور واضح حول الجريمة ودور المجتمع في أعادة توازنه بعد حدوث الجرائم الإرهابية والاستفادة منها في وضع إستراتيجية للوقاية من الإرهاب ، ولعل ما توصلت اليه الدراسة من تحليل يضيف فكراً امنياً حول هذه الجريمة. وسيتم عرض الورقة من خلال عرض مشكلة الدراسة وأهدافها ثم عرض مفهوم الإرهاب ، وفيه سيتم تناول تعريف الإرهاب وسمات الجرائم الإرهابية وإشكالها ، وعوامل نجاح الجرائم الإرهابية والعوامل التي تدفع الشباب للانخراط في الجماعات الإرهابية ، كما سيتم عرض دور مؤسسات المجتمع في مقاومة الارهاب ، وفيه سيتم عرض دور النسق الديني والنسق الأمني والنسق التربوي والنسق الأسري وأخيرا دور النسق السياسي في مقاومة جرائم الإرهاب وفي الخاتمة سيتم عرض النتائج والتوصيات التي توصلت اليها الدراسة . 2- مشكلة الدراسة: تدور مشكلة الدراسة حول التعريف بماهية جرائم الإرهاب وسمات وإشكال الجرائم الإرهابية والعوامل التي تؤدي الى حدوثها ، ثم معرفة دور مؤسسات المجتمع في مقاومة الإرهاب ، من خلال الدور المرتقب لدور الأنساق البنائية للمجتمع في مقاومة جرائم الإرهاب ، وذلك وفق تحليل سسيلوجي يبرز هذه المحاور ، بغية الوصول إلى تصور علمي يساهم في معالجة الآثار السلبية التي أحدثتها الجرائم الإرهابية. وتتضح مشكلة الدراسة من خلال التساؤلات التالية: أ‌-ما المقصود بالإرهاب وما هي سمات وإشكال الجرائم الإرهابية؟ ب‌- ما عوامل نجاح الجرائم الإرهابية؟ ج- ما العوامل التي تدفع الشباب للانخراط في التنظيمات المتطرفة؟ د- ما دور مؤسسات المجتمع في مقاومة الجرائم الإرهابية؟ أهداف الدراسة : سعت الدراسة إلى تحقيق الأهداف التالية: أ‌- لتعرف على مفهوم الإرهاب وسمات وأشكال الجرائم الإرهابية. ب‌- التعرف على عوامل نجاح الجرائم الإرهابية . ج- التعرف على العوامل التي تدفع الشباب للانخراط في التنظيمات المتطرفة . د- التعرف على دور المؤسسات الدينية في مقاومة الجرائم الإرهابية . ه- التعرف على دور المؤسسات الأمنية في مقاومة الجرائم الإرهابية . و- التعرف على دور مؤسسات التربية في مقاومة الجرائم الإرهابية . ز- التعرف على دور مؤسسة الأسرة في مقاومة الجرائم الإرهابية . 4- مفهوم الإرهاب: هناك صعوبة شديدة في دراسة الإرهاب كفعل اجتماعي لعدد من الأسباب: فمنها ما يعود الى طبيعة الجريمة ذاتها وصعوبة إجراء دراسات تحليلية عميقة نظراً لكونها متجذرة في أعماق الأفراد المتبنين لها ولا يمكن الوصول لهم ، ومنها ما يتعلق بأسباب سياسية نظراً لأن الجرائم الإرهابية قد تكون ردود فعل لتصرفات النظام السياسي الحاكم ، ولأنها تستغل نقاط الضعف في أدائه في تبرير عملياتها ، ومنها ما يعود لأسباب أمنية اذ لا تتوفر معلومات متاحة للباحثين لدراسة الإرهاب مقارنة بالجرائم الأخرى . ويؤكد فرانك بولتز واخرون (1999) إلى إن الجرائم الإرهابية في الأصل نشاطات لجماعات متطرفة ذات أفكار أيدلوجية خاصة ، انشقت عن الرأي العام وحتى عن الرأي المعارض المقبول اجتماعياً ، وكونت لها تنظيمات سرية لتحقيق غاياتها ، مستخدمة ذرائع ذات قبول اجتماعي من اجل تحقيق اهدافها ، ومتخذين من فكرة الغاية تبرر الوسيلة منهاجاً لتحقيق غاياتهم ، وهو ما يؤكد ضرورة ممارسة نشاطاتها في تنظيمات سرية وبأساليب وأماكن سرية وغير مكشوفة . ويركز الإرهاب الموجه من الأفراد او المنظمات ضد النظام السياسي في الدولة تجاه رأس الهرم السياسي في الدولة ، سواء التأثير المباشر او التأثير غير المباشر، وهو ما يؤكده . (العكرة -1981). وأن هؤلاء الأفراد الارهابين الأعضاء في التنظيمات المتطرفة ليس لديهم سلطات قانونية ، ويمارسون أعمالهم أما من تلقاء أنفسهم او بعد تلقي الأوامر من القيادات العليا في التنظيم ، وهذا ما يميز هذه الجرائم عن الجرائم الجنائية الأخرى ، وهذا ما يجعلهم في الوقت ذاته يستخدمون أكثر الأسلحة فاعلية في جرائمهم الإرهابية . 4/ 2- تعريف الإرهاب: عرفت الجرائم الإرهابية منذ القدم ، وتعرف في المعجم الوسيط بأنها (وصف يطلق على الذين يسلكون سبيل العنف والإرهاب لتحقيق أهدافهم السياسية) كما يعرف الإرهابي في المنجد بأنه ( من يلجأ إلى الإرهاب لإقامة سلطته). ويقصد بالإرهاب في معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية .( بث الرعب الذي يثير الخوف والفعل أي الطريقة التي تحاول بها جماعة او منظمة او حزب ان يحقق أهدافه عن طريق استخدام العنف وتوجه الأعمال الإرهابية ضد الأشخاص سواء كانوا أفراد او ممثلين للسلطة ممن يعارضون أهداف هذه الجماعة ، كما يعتبر هدم العقارات وأتلاف المحاصيل في بعض الأحوال كأشكال للنشاط الإرهابي). ويعرف الإرهاب في اللغة الانكليزية ب( Terrorism) ، كما يعرف في الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب بأنه ( كل فعل من أفعال العنف او التهديد به أيا كان بواعثه وأغراضه يقع تنفيذا لمشروع أجرامي فردي او جماعي يهدف إلى ألقاء الرعب بين الناس او ترويعهم بإيذائهم او تعريض حياتهم او حرياتهم او أمنهم للخطر او ألحاق الضرر بالبيئة او بأحد المرافق او الأملاك العامة او الخاصة او احتلالها او الاستيلاء عليها او تعريض احد الموارد الوطنية للخطر ) وفي مؤتمر الجمعية الاسترالية النيوزلندية لمكافحة الجريمة المنعقد في سيدني باستراليا خلال الفترة من 1-3 أكتوبر 2003 م، أشار ميرفين Mervyn إلى إن الإرهاب هو إشاعة الخوف وتدمير الإحساس بالأمن وإعادة تشكيل المجتمعات المدنية حسب رأي ومعتقد المجتمعات الدينية المتطرفة ومجنديها والمتعاونين معهم حول العالم وهذا يزيد العبء على الأجهزة الأمنية المختصة بمكافحة ذلك وبقية مؤسسات المجتمع الأخرى . ويقصد بالإرهاب في هذه الدراسة : الإعمال الإجرامية التي يقوم بها فرد او جماعة او تنظيم تجاه أشخاص او أماكن او وسائل مواصلات باستخدام أجهزة وأساليب مبتكرة تضمن تنفيذ الجريمة بأقصى درجات القتل والتدمير والترويع من اجل تحقيق أهداف سياسية. 4/3- سمات الجرائم الإرهابية : تتسم الجرائم الإرهابية بعدد من السمات التي تميزها عن العديد من الظواهر الإجرامية الأخرى في المجتمع ، وذلك انطلاقاً من عدة أوجه ، فالقصد الجنائية في الجريمة الإرهابية يكون متوفراً في جميعها ، والتنظيم والتخطيط والتنفيذ بأحدث الأساليب المبتكرة واحدث التقنيات العلمية أساس في جرائم الإرهاب ، والهدف السياسي كذلك سمة من سمات جرائم الإرهاب . ويشير بولتز(1999) وعبد المطلب (2002) وغيرهم أن من أهم تلك السمات التي تتسم بها الجرائم الإرهابية وتميزها عن غيرها من صنوف الجرائم الأخرى ، ما يلي : ا-استخدام العنف او التهديد به : وذلك كأساليب عمل وليس كغايات في حد ذاتها ، وذلك من اجل إحراز مكاسب ضد ضحايا مستهدفة ، وهذه الضحايا قد لاتكون بالضرورة ضحايا محددة ومقصودة بذاتها ، وذلك لان العملية الارهابية في حد ذاتها تتضمن العنف والترويع ، سواء استخدم العنف فعلياً او تم التهديد به ، ويعود ذلك الى ان هناك ارتباط مباشراً وقوياً بين العنف والإرهاب ، باعتبار ان الأول يحقق اهداف الثاني . ب-الرعب والتخويف لضحاياه : اذ لا يهدف الإرهابيون الى القضاء على أرواح وأجساد الضحايا وممتلكاتهم فحسب ، بل يحرصون على زرع الرعب والخوف في نفوس جميع أفراد المجتمع المقصود وهو هدف مهم تسعى المنظمات الإرهابية الى تحقيقه . ج- انتقاء الأماكن والضحايا ووسائل المواصلات المقصودة بعناية فائقة ، واختيار أكثرها أهمية للرأي العام وأكثرها إحراجا للنظام السياسي ، ومراعاة أيهما سيحقق تأثيرا إعلاميا أكثر ، فمثلاً تم اختيار برجي التجارة العالمي لما كانا يمثلانه بالنسبة للاقتصاد والشعب الأمريكي . د- استخدام عنصر المفاجأة بالنسبة للأجهزة الأمنية المختصة : وذلك عند تنفيذ الجرائم الإرهابية ، اذ بالرغم من الإجراءات الأمنية الوقائية التي تحيط بالأماكن او الشخصيات او وسائل المواصلات الهامة والمتوقع تعرضها لعمليات إرهابية ، ألا أن التنظيمات المتطرفة تستغل الثغرات الأمنية وتفاجئ الجهات الأمنية بتنفيذ عملياتها الإرهابية فمثلاً اختيار المنطقة الخضراء المحصنة من قبل القوات الامريكية لتنفيذ عمليات إرهابية داخلها. ه- عدم مراعاة أمكانية تعرض الأطفال والشيوخ والنساء كضحايا للعمليات الإرهابية: فقد يكون ذلك مقصودا من اجل زيادة الإثارة لدى الرأي العام في المجتمع وإحراج النظام السياسي أمام المجتمع وإظهاره بالعجز من توفير الأمن والطمأنينة من ذلك زرع العبوات الناسفة في الطرق العامة وعجلات الركاب العامة. و- ولاء الإرهابيين المكلفين بتنفيذ الجرائم الإرهابية للتنظيمات المتطرفة : ويكون ذلك ولاء عميقاً للتنظيمات التي ينتمون أليها ولا هدافها وقيمها ، حتى لو كان ذلك على حساب أرواحهم . ز- ترك اثار العمليات الإرهابية في أذهان المجتمع المقصود سنوياً : ويصبح تاريخ حدوثها ذكرى ذات دلالات محددة سواء لدى الجماعات الإرهابية او على النظام السياسي أو على النظام الأمني أو حتى على المستوى العالمي ، مثال على ذلك فاجعة جسر الآمة في ذكرى زيارة ضريح الأمام موسى الكاظم في الكاظمية في بغداد ، كتاريخ مثال واضح على ذلك . ح- استخدام أحدث الأسلحة وأكثرها فتكاً وتدميراً : اذ يلاحظ ذلك من نوعية وحجم المتفجرات التي استخدمت في عمليات إرهابية نفذت وفي العمليات التي تمكنت السلطات الأمنية من ضبطهم قبل تنفيذها حيث ضبطت عبوات ناسفة (نافورية) حديثة الصنع في ايران وتستخدم حالياًَ في ارهاب القوات الأمريكية . ط- استخدام احدث وسائل الاتصالات ويتم توظيف احدث التقنيات العلمية في نشاطات التنظيم : وذلك من الأجهزة اللاسلكية المشفرة وأجهزة الهواتف المتنقلة والتي تعمل على نطاق إقليمي او عالمي ، وتستغل الأجهزة المسروقة ، كما تستخدم أجهزة تحديد المواقع ، والاهم من ذلك ما توفره شبكة الانترنت من خدمات . ي- تدويل الجرائم الإرهابية : آذ لا يقتصر التعامل مع الإرهاب على الأفراد القلائل الذين نفذوا الجرائم الإرهابية أو الذين قبض عليهم قبل أتمام عملياتهم ، بل يتطلب ذلك التعامل مع الأشخاص والتنظيمات والأحزاب والدول التي تدعمهم ، حيث لوحظ من خلال القاء القبض على المجاميع الإرهابية التي تعمل في العراق انها تحمل جنسيات من دول عربية واجنبية. ك- إعلان مبادئ التنظيمات المتطرفة والجماعات الإرهابية : وعادة تكون مبررات ومبادئ نبيلة من وجهة نظر تلك التنظيمات للعمليات التي تقوم بها ، بينما تتفق جميع الديانات السماوية والقوانين الوضعية وكافة الأعراف الإنسانية على أنها أعمال إجرامية غير مقبولة ، وخاصة اذا كان من الضحايا من الشيوخ والنساء والأطفال . والمتتبع لهذه السمات يستخلص منها الملامح التالية : أ‌- الحرص على استخدام العنف بشتى صوره. ب‌- تحقيق الرعب كنتيجة وكهدف في الوقت ذاته0 ج- استهداف ضحايا ليس بالضرورة ان يكونوا مقصودين0 د- وجود أهداف سياسية0 هـ- استخدام التقنية الحديثة وإتباع أساليب حديثة ومبتكرة في كل عملية0 4/4 - أشكال الجرائم الإرهابية : وتلعب أهداف التنظيم المتطرف وغاياته دوراً في جعل الإرهابيين يتمتعون بقدر عال من المهارة في استخدام العنف ، وذلك من اجل جذب الانتباه ، وفي كثير من الأحيان تكون الغاية المرحلية هي تحقيق شهرة ودعاية للتنظيم أكثر منها تحقيق اكبر قدر ممكن من التدمير والخسارة تجاه النظام السياسي في الدولة ، ويمكن عرض أهم إشكال الجرائم الإرهابية فيما يلي: أ- عمليات التفجير : وتعد الأسلوب الأكثر شيوعاً واستخدماً وانتشاراً في معظم الجرائم الإرهابية على مستوى العالم ، وذلك لعدة أسباب من أهمها : انه الأسلوب الذي يمنح الفرصة الكافية للإرهابي لإكمال العملية بنجاح مع أمكانية الانسحاب من مسرح الجريمة دونما القبض عليه او اكتشافه ، إضافة الى ان هذا الأسلوب يتميز في انه يحدث في حال وقوعه قدرة عالية على جذب الانتباه من قبل الجماهير ومن قبل وسائل الأعلام ، وبذلك تتحقق الغاية المرجوة ، وهي الرعب والإثارة في الجماهير والتأثير السلبي في موقف السلطة السياسية مع التقليل من حجم الأفراد المشاركين في تنفيذ الجرائم الإرهابية . ب- الاختطاف: وهو شكل أخر من الجرائم الإرهابية ويوجه حيال الشخصيات السياسية ويعد اختطاف رئيس وزراء ايطاليا ( الدو مورو) في السبعينات من القرن الماضي ، واختطاف وزراء بترول أوبك في فيينا خلال الثمانينات واختطاف عضوة البرلمان العراقي تيسير المشهداني خير مثال على ذلك . ج- احتجاز الرهائن: وهو شكل أخر من أشكال الجرائم الإرهابية ويستخدم من قبل الجماعات الإرهابية من اجل الحصول على مكاسب سياسية تتعلق بمطالب التنظيمات التي يتبعونها ، والضغط على الحكومات والأنظمة السياسية الحاكمة لتحقيق مطالبها . وقد يسعى الإرهابيون إلى الحصول على مكاسب اقتصادية من اجل الحصول على الأموال اللازمة لاستمرار التنظيم. د- المصادرة والابتزاز : وهي من الأشكال الشائعة التي يستخدمها التنظيمات من اجل الحصول على الأموال وذلك من خلال السطو المسلح ومصادرة بعض الأموال أو بابتزاز بعض الأشخاص أو الشركات على شكل الحراسة والحماية ، وقيام التنظيمات بالابتزاز تعد من وجهة نظرهم ضرورة قصوى تدعوها الحاجة لكي يتمكن من الاستمرار وتحقيق أهدافه . هـ- تخريب وتدمير المنشات الهامة: هو شكل من اشكال الجرائم الإرهابية ويتم ذلك حيال المنشات الإستراتيجية والحيوية والهامة بتخريب وتدمير تلك المنشات ، كما يتم ذلك في اسواق الشورجة واسواق جميلة في بغداد وباستمرار حيث يتم حرق وتدمير المحلات والاسواق عن طريق التفجير والتلغيم. و- التهديد بالمعلومات الكاذبة: وهو إحدى العمليات التي يستخدمها الإرهابيون ، وصحيح أنها لا تؤدي إلى حوادث إرهابية حقيقية ، ألا أنها تحقق اثأر ايجابية للإرهابيين ، منها : أنهاك الجهاز الأمني والسلطات المختصة ومنها إثارة الرعب في المجتمع وخلق حالة من الفزع لدى المواطنين ، كما أنها تساعد الإرهابيين على قياس الثغرات الأمنية ومدى قدرة الأجهزة الأمنية في التفاعل مع الحالة . ز- الاغتيالات : وتوجه حيال الشخصيات الهامة والسياسية في النظام السياسي الحاكم والتي يعتقد التنظيم والإرهابيون ان اغتياله سيحقق شيئاً من الأهداف التي حددها التنظيم، ويعد السياسيون والموظفون الحكوميون ذووا المناصب الحساسة والشخصيات العامة في المجتمع أهدافا للتنظيمات المتطرفة وجماعاتهم الإرهابية ، ويعد محاولة اغتيال نائب الرئيس العراقي د- عادل عبد المهدي خير دليل على ذلك. ح- خطف الطائرات: ويعد من أهم أساليب الإرهاب خاصة منذ السبعينيات من القرن الميلادي الماضي ، وهو ما أدى إلى زيادة اهتمام السلطات على مستوى العالم بتأمين سلامة الطيران المدني واتخاذ اجراءات وقائية دقيقة لتفتيش الركاب قبل صعودهم وإيجاد حواجز بين الركاب وطاقم الطائرة ، وكذلك تعيين حراسات قوية ومدربة لمرافقة الرحلات الجوية لضمان أمنها وسلامتها ، وتعد إحداث 11 سبتمبر 2001 خير مثال على استخدام الطائرات في الجرائم الإرهابية ، وخاصة ان هذا الأسلوب يحقق العديد من الأهداف التي ترسمها المنظمات الإرهابية ، بل أنها تعد من أفضل السبل اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً مقارنة بأشكال الإرهاب الأخرى.
عوامل نجاح تنفيذ الجرائم الإرهابية هناك العديد من العوامل التي تساعد على نجاح الجرائم الإرهابية ، ومنها ما يتعلق بمهارة منفذي العمليات ، ومنها ما يتعلق بطبيعة العمل التنظيمي السري ومنها ما يتعلق بطبيعة الضحية ، ومنها ما يتعلق بمدى قدرة النظام الأمني على تحقيق الأمن الوقائي للأهداف المتوقع تعرضها لعمليات إرهابية ، بيد انه يمكن تحديد هذه العوامل بدقة فيما يلي: أ) الحركية:ان أفراد التنظيمات المتطرفة والجماعات الإرهابية يتمتعون بفرصة التحرك وسط المجتمع بسهولة وحرية لمدة طويلة ، باعتبارهم من أفراد المجتمع ولا يمارسون أنشطة مخالفة لمعايير وقيم المجتمع أو ينادون بأفكار متطرفة بشكل علني ، ومع ذلك يتمتعون بالقدرة السريعة على التحرك المكاني السريع ويستفيدون من وسائل النقل المختلفة بل ويوظفون وسائل الاتصالات الحديثة للقاءاتهم واجتماعاتهم وتلقي الأوامر ورفع التقارير دونما خطورة تذكر على تحركاتهم ، خاصة أنهم يعملون في خلايا صغيرة. ب) السرية المطلقة وامن المعلومات والعمليات : وفي هذا الجانب يؤكد بولتز واخرون (1999) ان الانتماء للتنظيم المتطرف والانخراط في أنشطته المضادة للنظام السياسي والقانون المتبع وتنفيذ الجرائم الإرهابية التي تخدم أفكار التنظيم ومبادئه تتم بطريقة سرية ومعقدة تضمن امن المعلومات والعمليات . فمثلاً يلاحظ ان أسلوب التعامل بين أفراد التنظيم بأسماء حركية بعيدة عن المعلومات المدونة في وثائقه الشخصية الحقيقية ، كما هو معلن عن الأشخاص المتهمين في حوادث تفجيرات مرقدي ألإمامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء،ويلقن افراد التنظيم بعدم الحرص على معرفة معلومات اكثر مما تقتضي الحاجة عن الأعضاء الآخرين ، خاصة منفذي الجرائم الإرهابية ، وذلك حرصاً على سلامتهم وسلامة التنظيم وعملياته المستقبلية . ج) الأنظمة القانونية في الدول الديمقراطية : وهذا العامل يساعد الارهابين المتورطين في جرائم إرهابية على الفرار من دولهم الى دول ذات دساتير وقوانين إجرائية صارمة تستوجب الدقة في الحصول على أدلة أثبات وإجراءات مطولة للمحاكمة ، ناهيك عن الدول التي تمنح حق اللجوء السياسي لبعض المتهمين في قضايا إرهابية بحجة أنهم هاربون لتعرضهم لاضطهاد سياسي في بلدانهم . د- سهولة الحصول على الأسلحة والمتفجرات: اذ يستطيع الإرهابيون وباستخدام التقدم العلمي والتطور التقني الحصول على الأسلحة والمتفجرات ، فصناعة المتفجرات من مواد أولية موجودة في البيئة المحلية قضية أصبحت غاية في السهولة ، ناهيك عن وجود خبراء في الجماعات الإرهابية يقومون بتدريب عناصر التنظيم على صناعة وتجهيز وتفجير العبوات المتفجرة الناسفة ،كما أن هناك بعض المنظمات والتنظيمات المنحرفة تقدم خدماتها مجاناً على الانترنت لتعليم الأفراد كيفية عمل ذلك . هـ) ضعف الحماية الامنية : تحرص الأجهزة الأمنية المختصة على وضع خطط وإجراءات حماية وقائية على الأشخاص والأماكن ووسائل المواصلات التي يمكن ان تكون اهدفاً محتملة للعمليات الإرهابية ، ومعلوم ان الإجراءات الأمنية تزداد كثافة عند حدوث عمليات إرهابية حقيقية او حتى عند حدوث بلاغات كاذبة ، وتبدأ الإجراءات في التراخي مع طول الوقت وعدم حدوث أي بوادر خطورة أمنية ، بيد ان المنظمات المتطرفة والإرهابية تترصد باستمرار مدى قوة وصلابة الإجراءات الأمنية الوقائية وتبحث عن نقاط الضعف التي يمكن استغلالها والدخول من خلالها وتنفيذ عملياتها الإرهابية . و) المستوى العلمي الرفيع للقيادات: ان قيادات التنظيم يتمتعون بمستوى رفيع من التأهيل والتدريب ، ونسبة عالية من الذكاء تجعل منهم أداريين ناجحين ، وهنا فان بإمكانهم استخدام أخر ما توصلت أليه التقنية الحديثة ، وتوظيف قدراتهم في الترويج لأفكار التنظيم وتجنيد الأعضاء الجدد، واستغلال هفوات النظام السياسي الحاكم وتضخيمها أمام العامة ، وتبرير عملياتهم أمام العامة أيضا بأنها الحل الأمثل لتحقيق الأهداف النبيلة التي ينادون بها ، خاصة أنهم أبناء البيئة ذاتها ومن ذات المجتمع ، وبالتالي فأنهم يستفيدون من أخر ما توصلت أليه العلوم والتقنية كالانترنت وشبكات المعلومات استفادة مباشرة ، ويستفيدون من نتائج الأبحاث في علم النفس الاجتماعي والتسويق في بث أفكارهم وإقناع الأفراد المرشحين الجدد ، وتدريب أشخاص محددين ذوي مهارات خاصة في التجنيد . العوامل التي تدفع الشباب للانخراط في الجماعات الإرهابية هناك العديد من العوامل التي قد تدفع الشباب للانضمام للجماعات المتطرفة أو الجماعات أو المنظمات الإرهابية، منها ما يتعلق بعوامل اجتماعية أو سياسية أو عوامل فكرية وعقدية أو حتى عوامل اقتصادية ، المهم أن تأثير هذه العوامل أو بعضها تهيئ الظروف المناسبة للانتماء لتلك التنظيمات او الجماعات الإرهابية ومن أهم تلك العوامل :- أ- البطالة والفقر : وتعد من أهم العوامل التي قد تدفع الشباب إلى الانحراف او التطرف ، إذ أن الحاجة للمال لإشباع الاحتياجات الضرورية أو حتى الكمالية ، أو حتى الحاجة لتحقيق الذات ، والتي قد لا تتوفر لدى الفقير آو العاطل قد تدفع الفرد للانحراف ، وقد تدفعه للانتماء للتنظيمات المتطرفة التي تقوم بإشباع حاجاته المادية والمعنوية ويؤكد الثقفي (2003) على صحة ذلك . ب- وقت الفراغ : يلعب الفراغ دوراً مباشراً في انضمام الشباب للانحراف والجماعات المتطرفة ،اذ انه اذا لم يستغل الشاب أوقات فراغه في عمل مفيد يحقق أهدافه ويستثمره فيما يعود عليه باشباع حاجاته ،فانه قد يتعرض للضجر والملل والإحساس بالدونية ، وبالتالي قد لا يتردد في الانخراط في الجماعات المتطرفة التي تساعده على تحقيق ذاته . ج- غياب القيم الاجتماعية: ويؤكد الدكتور عزت (2004)على ذلك ، اذ اذ يؤدي نجاح التنظيم المتطرف بعد تجنيد الفرد الى تغيير القيم الاجتماعية التي يؤمن بها ضمن ما تلقاه من مؤسسات التنشئة الاجتماعية والضبط الاجتماعي ، وغرس قيم اجتماعية جديدة تتعارض مع قيم المجتمع ، بيد أنها تتواءم مع معتقدات وقيم التنظيم ، ولها سلطة نافذة على الفرد تجعله يعتنقها بشدة حتى انه قد يبذل روحه في سبيل المحافظة على تلك القيم والمعتقدات ، وهنا يكون الفرد رهينا لهذه القيم الخاصة التي يرفضها المجتمع وهذا ما يجعل الجرائم الإرهابية التي قد يكلف التنظيم الفرد للقيام بها وتنفيذها تجد قبولاً سريعاً وتفانياً في تحقيقها من قبله ، واعتقاداً منه بانها القيم الصحيحة الواجب تعزيزها والمحافظة عليها . د- الاضطهاد والإحساس بالظلم : اذ انه حينما يشعر الفرد انه مضطهد وان حقوقه مسلوبة في المجتمع ، فان ذلك يساعد الفرد على الانضمام لأي جهة او فرد في إزالة ما وقع عليه من تعسف ومساعدته في الحصول على حقوقه، وهنا تكون الفرصة مواتية لإفراد التنظيمات المتطرفة لاحتواء مثل هؤلاء، واستغلال هذه الدوافع والاستمرار في تضخيمها. هـ- الفهم الخاطئ للدين : اذ يعد الفهم الخاطئ بأصول العقيدة وقواعدها والجهل بمقاصد الشريعة عاملاً مساعداً على تطرف الشباب ، آذ أن حفظ النصوص دون فقه وفهم والابتعاد عن العلماء الثقاة سبب مباشر لبروز ظاهرة الغلو وانتشاره ، أن الجهل بأصول الدين الصحيحة من أهم أسباب الإرهاب ، وان الغلو في الدين وتفسير النصوص الشرعية على غير حقيقتها أدى الى ظهور الفكر المنحرف الذي يخلط بين الإرهاب والجهاد . و- نقص المستوى التعليمي : وهذا العامل من اهم العوامل التي تساعد على سرعة الانتماء للجماعات الارهابية ويشير رشوان (2002) ان غالبية المتورطين في قضايا الإرهاب والتطرف من الأميين وهي نتيجة طبيعية ومتوقعة اذ لا يتوقع من فرد متعلم ومستمر في الدراسة أن ينساق بسرعة للجماعات المتطرفة ، بل ان هؤلاء يكونون معرضون أكثر للانضمام للجماعات المتطرفة. ز- الانفتاح الإعلامي : تقوم وسائل الأعلام بدور كبير في دفع الشباب للانتماء للتنظيمات المتطرفة والإرهابية بشكل مباشر وغير مباشر ، آذ تستفيد التنظيمات المتطرفة من وسائل الأعلام المتعددة ، المفتوحة جماهيرياً والمغلقة في بث أفكار التنظيم والترويج له لتجنيد اكبر عدد ممكن من الشباب ،خاصة من يتوفر لديهم دوافع تساعد على الانتماء للتنظيمات المتطرفة والإرهابية ، ويؤكـــد شومـــــــان ( 2002) ان الإرهابيين استخدموا شبكة الانترنت في نقل الرسائل والتعليمات التنظيمية ، وكانت لهم مواقع دعائية على الشبكة تنطق باسمهم وتدعو لأفكارهم ، وتجند الأعضاء والأنصار الجدد. أن وسائل الأعلام تساهم في تحريك الخلايا الإرهابية النائمة من الاستفادة من الأساليب الإرهابية المستخدمة وأساليب المواجهة الأمنية وردود فعل المجتمع تجاه تلك الجرائم للاستفادة منها في التخطيط لعمليات إرهابية لاحقة. ح- فساد المجتمع : يعد استفحال الفساد في المجتمع عامل هدم في بناء وظائف المجتمعات ، بل وبداية زوال ذلك المجتمع ، والفساد له أشكال عديدة، منها: الفساد الإداري والفساد السياسي والعديد من الأنواع الأخرى، بيد ان انتشار الفساد في مجتمع ما سيؤدي إلى تعطيل الحقوق وسوء الأداء الخدمي ، وتضخيم البيروقراطية وانتشار الرشوة والمحسوبية واستغلال الوظيفة ، وبالتالي قد يعمق الكره والحنق على كافة الأنظمة من قبل من لم يستطيعوا المشاركة في هذا الفساد والذين لم يتمكنون من نيل حقوقهم المشروعة ومن هنا فان خضوع الفرد لضغط احد او أكثر هذه العوامل فان ذلك سيدفعه إلى البحث عن حلول ابتكارية لعلاج مشكلاته ، وحينما يكون الانتماء للتنظيمات المتطرفة احد الحلول الممكن التفكير فيها تأتي مرحلة التفكير بعمق في هذه الاتجاهات ، وقد ينتهي الحال في الدخول مع التنظيم في اتجاهاته وتنفيذ مخططاته ، بيد أن التنظيم هو من سيبادر بضم ذلك الفرد، منطلقاً من تلك العوامل ذاتها في ضم الفرد لتنظيمه ، بل أن تلك العوامل ستكون الأداة التي يستطيع التنظيم أن يضمن استمرار أعضائه .
لكن مع ذلك فانه لا يعتقد أن توافر احد هذه العوامل أو أكثرها أو حتى جميعها يعد مبررا للانخراط في التنظيمات المتطرفة وارتكاب جرائم إرهابية ، لأنها تظل أعمالا غير مشروعة ، تخالف الفطرة السليمة وتتعارض مع كل الأديان السماوية والقيم والاتجاهات التي يتبنها غالبية البشر وفي شتى العصور . دور الأنساق البنائية لمؤسسات المجتمع في مقاومة الجرائم الإرهابية مدخل يقصد بنسق البناء الاجتماعي الهيئة العامة للهيكل الذي يقوم عليه المجتمع ، ويشير العمر(1997) إلى أن هناك تعبيرات عن ذلك المصطلح ، منها : النظام الاجتماعي ، والمؤسسة الاجتماعية ، والنسق الاجتماعي ، وأنه بعد منتصف القرن العشرين ربط علماء الاجتماع بين مكونات المجتمع ووظائفها ، وأصبح اتجاهاً سسيلوجياً في الدراسة العلمية للمجتمع . وقد برز مصطلح ونظريات (البنائية الوظيفية ) للتعبير عن الأهداف التي تصبوا المجتمعات والأفراد إلى تحقيقها من اجل المحافظة على قيام المجتمع واستمراره وتطوره ، وباعتبار ان الصراع من وجهة هذه المدرسة حالة مرضية مؤقتة ، تزول تدريجياً من خلال تفاعل وظائف النسق الاجتماعي الذي انبثق منه الخلل مع الأنساق الأخرى المكونة للبناء الاجتماعي الكلي ، لإعادة التكيف والوصول الى مرحلة التوازن الاجتماعي. وتشكل الجرائم الإرهابية إحدى صور الصراع في المجتمع، ويبرز تأثيرها ليس في النسق الأمني والسياسي فحسب، بل تتعدى أثارها جميع انساق البناء الاجتماعي ، سواء النسق الديني ، أو النسق التربوي ، أو حتى على مستوى النسق الأسري ، وتعد في الأصل خللاً في وظائف انساق البناء الاجتماعي . ويشير الثقفي (2004) الى ما يحدث من تفاعل ضمن مجموعة مختلفة ومعقدة من الأنساق التي تتراوح في درجاتها من الأنساق الصغرى ، مثل نسق الأسرة ، ونسق الأصدقاء إلى الأنساق الكبرى مثل النسق الديني ، والنسق التربوي ، والنسق السياسي، وبالتالي لابد من مراعاة ذلك عند دراسة أي ظاهرة ، وانه لتحليل أي ظاهرة، لابد من التعرف على العوامل المسببة لها وأبعادها واثارها ، ولا يمكن فصلها عن الأنساق المرتبطة بها من ناحية ، والانساق الناجمة عنها من ناحية اخرى . وهذا يعني ان التحليل العلمي للظاهرة الاجتماعية او السلوك الاجتماعي لا يمكن ان يكون علمياً ما لم يدرس جميع العوامل المؤثرة والمتأثرة فيه ، وذلك من اجل ضمان تحليل ابعاد المشكلة موضوع الدراسة،وعلى ضوء التحليل العميق والشامل سيصبح تصور حلول المشكلة امرا يسيرا يمكن تصوره وتطبيقه . ويرى بارسونز أن متطلبات وظيفة النسق الاجتماعي تواجه اربع وظائف متكاملة تساعد على الاندماج والتكامل مع بقية الأنساق الأخرى لضمان صيرورة البناء الاجتماعي نحو الاستقرار والتقدم ( موثق في عمر،1982). واولى تلك الوظائف هي وظيفة التكيف ، وهذا يعني ان أي نسق اجتماعي فرعي لابد له ان يتكيف مع بيئته ، ثم وظيفة تحقيق الهدف ، وتعني ان لكل نسق اجتماعي من أدوات يحرك بها مصادره كيفما يحقق أهدافه وبالتالي يصل لدرجة الإشباع ، ثم وظيفة التكامل ، وتعني انه يجب على كل نسق ان يحافظ على التوازن والانسجام بين مكوناته ، ووضع طرق لدرء الانحراف والتعامل معه ، بغرض المحافظة على وحدة وتماسك النسق ، وأخيرا وظيفة المحافظة على النمط السائد (المستقر) وتعني انه يجب على النسق المحافظة قدر الإمكان على حالة التوازن الاجتماعي كلما حدث اختلال في النسق . وتشير السيد(1987) إلى ان التوازن الاجتماعي يعني حالة الانسجام التي يحققها النسق مع بقية الانساق الأخرى لتحقيق التكامل نتيجة ما يطرأ من تغيير وما يحدثه من تمايز بين الأنساق الاجتماعية ، ويؤدي التكامل الى تالف الأجزاء المتمايزة من النسق الاجتماعي الكلي بحيث تكون كلا مترابطاً مما يحقق التوازن فيما بينها. ولذا تبادر جميع الأنساق الاجتماعية بمقاومة الجريمة الإرهابية بشكل متوازن ومتوازي ، اذ لا يجب ان يضطلع النسق الأمني بالتفاعل مع الحدث بمعزل عن الأنساق الأخرى ، خاصة ان هناك مسببات عديدة نتيجة خلل في بعض الأنساق الاجتماعية تكمن وراء وقوع مثل هذه الجرائم ، بل ولأنها عادة ما تكون الجرائم الإرهابية مرتبطة بظواهر أخرى . ولذلك كله فان للنسق الديني هنا دورا مرتقبا خاصة انه النسق الأكثر تأثيرا في بقية الأنساق الأخرى ، بل انه يعد المصدر التي يستمد منه الفكر المتطرف قوته ومبرراته من خلال تبني مبررات مغلوطة ، وكذلك فان للنسق السياسي دورا باعتباره النسق المحوري والموجه لبقية الأنساق الأخرى ، وكذلك للنسق الأمني دورا مرتقبا باعتبار وظيفته تحقيق الأمن والاستقرار ، وهناك النسق التربوي الذي يعال عليه كثيراً في غرس القيم التربوية النبيلة المنبثقة من العقيدة الدينية الصحيحة والقيم الاجتماعية السامية . ويتوقع ان قيام انساق البناء الاجتماعي بادوراها في مقاومة الإرهاب ومسبباته سيحقق حالة التوازن المنشودة التي تضمن قيام المجتمع واستقراره ، بيد ان هناك نقطة جوهرية يجب مراعاته ، وهي ان مرتكبي الجرائم الإرهابية هم أبناء المجتمع وان مفكري التنظيمات المتطرفة هم كذلك أبناء المجتمع ، وان وجودهم في حجر المجتمع سيكون عامل مساعد على تخفيف العوامل التي دفعتهم للانتماء للتنظيمات المتطرفة وارتكاب جرائم إرهابية ذهب ضحيتها العديد من الآمنين بمسوغات غير صحيحة وغير مبررة وتتعارض مع كافة الشرائع السماوية والأعراف والقيم الاجتماعية . ويرى ألشلي (2000) ان خطورة معالجة الارهاب تتفاقم عندما تتواجد عناصر شبكته خارج حدود المجتمع ، وهو تحليل منطقي لكن انعدام وجود العناصر داخل المجتمع سيجعل من الصعب وجود من يتقبل سلوكياتهم اصلا، وبالتالي سيجدون مقاومة صارخة من قبل كافة المجتمع ، وهذا امر غير متوقع لان العوامل التي دفعتهم للانخراط في تلك التنظيمات هي افراز المجتمع ذاته ، لكن قد يكون الاستنتاج صحيحاً فيما يتعلق بقادة ومفكري التنظيم عندما يكونوا خارج المجتمع، ولكن مع ذلك فإن توحد جهود المجتمع في مقاومة الارهاب ستتمخض حتماً عن حلول تقضي على مسببات التطرف ، وبالتالي لا يكون هناك مبررا للانخراط فيه ، وبالتالي يتوارى التنظيم ومن يدعمه ويقل اثر ه ، ثم يختفي تدرجياً ويندمج افراده مع المجتمع ، ويشاركوا في العطاء والبناء ، وبالتالي يتحقق التوازن الاجتماعي المنشود. وفي أطار جرائم الإرهاب فان هناك العديد من المؤسسات او الأنساق الاجتماعية التي تضطلع بمقاومة جرائم الإرهاب مقاومة صارخة وبارزة ، في محاولة لإصلاح الأوضاع وأعادتها الى حالتها الأولى المستقرة ، وصحيح ان جميع انساق البناء الاجتماعي تتأثر بحدوث الجرائم الارهابية وتبادر بالمقاومة،لكن هناك انساق تضطلع بمقاومة اكبر تبعا لوظائفها في بناء المجتمع، وهنا سنتعرض لأبرز الأنساق الاجتماعية التي لها وظائف بارزة في بناء المجتمع من جهة وسيكون لها ادوار ابرز في مقاومة الإرهاب . دور النسق الديني في مقاومة الجرائم إلارهابية : يعد الدين منهاجا ألهيا يرشد الى الحق في الاعتقادات والى الخير في السلوك والمعاملات ، وانه عقيدة وشريعة يهدي الى الخير والفلاح في الدنيا والآخرة . والدين الإسلامي كنسق اجتماعي يجمع في طياته بين العقيدة والعقل ، وله عدة وظائف تسعى الى نماء المجتمع واستقراره ، سواء على مستوى الفرد او على مستوى الجماعة ، قال تعالى (( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين )) سورة ال عمران . وتتميز العقيدة الدينية بانها تكسب المسلم الملتزم عددا من الخصائص التي تجعل منه عضوا نافعا في المجتمع وتجعل منها مؤثرا قويا على سلوكه الفردي والاجتماعي ، ومن اهم تلك الخصائص ما يلي: أ- ادراك المتدين انه يهدف الى تقديس وتعظيم حقيقة الاهية خارقة ، وخارجه عن نطاق الاذهان ، وان العقيدة الدينية حلقة وصل بين ذات الخالق سبحانه عز وجل وبين ذات الفرد. ب- ان الذات الإلهية التي يقدسها الفرد المتدين شيء غيبي لا يدركه بعقله ووجدانه . ج- ان الذات الإلهية المقدسة قوة فعلية مؤثرة في غيرها ، وهي قوة عاقلة تدرك اهدافها. د- ان هذه القوة العاقلة المدبرة لها اتصال معنوي بنفس المتدين وترعى شئونه وتسمع دعاءه ونجواه وتكشف السوء عنه متى شاءت. هـ- ان هذه القوة المعبودة قوة قاهرة يخضع لها المتدين ويخاف منها ويطلب منها الرضى ويشفق من غضبها . و- ان العنصر النفسي للمتدين يتمثل في الخضوع الشعوري الاختياري للمعبود. ز- ان هذا الخضوع للخالق يؤدي الى شعور العابد بالراحة النفسية وانفتاح باب الأمل في الحياة . وهي مشاعر نبيلة تحقق الأمن والطمأنينة للفرد المتدين وتدفعه للتفاعل مع الخالق العظيم بأحسن واجل الأعمال وفق ما شرع من العبادات ، وفي ذات الوقت تدفع الفرد الى التفاعل الاجتماعي البناء مع أفراد المجتمع ، ووفق ما شرع من المعاملات ، غير ان ما يضير ان الإرهابيين ومفكري التنظيمات المتطرفة يستخدمون العديد من التبريرات غير الشرعية وغير المنطقية ويجعلون من التدين تطرفاً ويستبيحون المحارم ويسفكون الدماء بحجة ان تلك الأعمال - ومن وجهة نظرهم- ستحقق للفاعل الخصائص النبيلة التي تقدمها الشريعة الإسلامية لمعتنقيها. ويعد النسق الديني في المجتمعات الإسلامية نسقا رئيسا ومؤثراً في بقية الأنساق الاجتماعية والتربوية والأسرية وحتى الأنساق السياسية. وعلى هذا الأساس يتضح أن النسق الديني يقوم بعدد من الوظائف الاجتماعية التي تؤدي إلى قيام المجتمع وضمان استمراره، ومن أهمها : أ- أقامة الروابط الاجتماعية التي تربط الفرد بالمجتمع والحرص عليها .. ومنها : التعاطف والتكافل والمحبة والإخاء والانتماء ، وهي سلوكيات اجتماعية تحقق للفرد قيامه بدور ايجابي في خدمة واستقرار مجتمعه قال تعالى( ولتكن منكم امة يدعون الخير وبأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) سورة ال عمران وقول النبي محمد(ص) ( من راى منكم منكرا فليغيره بيده فمن لم يستطيع فبلسانه فمن لم يستطيع فبقلبه وذلك اضعف الايمان). ب- أقامة الروابط التي توحد المجتمع ، اذ ان العقيدة الدينية تعد من أقوى الروابط التي تربط الأفراد يبعضهم كما يشير إبراهيم (1991) وذلك لأنها تعتمد في مناهجها وأسسها على توحيد المجتمع وتقوي روابطه،وتماسكه ، وتنظر ، الى ان مبدأ التعاون والتكاتف والعمل الصالح سلوكيات تساعد الفرد على التوحد والاندماج مع الأفراد الذين يدينون بذات العقيدة . ج- أقامة دولة تكفل مهابة النظام الاجتماعي ، فالنسق الديني يضع مهابة في النفوس للنظام الاجتماعي ، ويحدد العقوبات التي ستطال كل من يتعدى عليه ، وفي الوقت يغرس الرقابة الذاتية في النفس البشرية ، وهي سلطة ضرورية تكفل المحافظة على ذلك النظام ، أكثر من سلطة العقوبات التي سينالها المنحرف دنيوياً فيما لو انتهاك محرمات النظام الاجتماعي . د- تحقيق مبدأ التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع، فلا تطغى مصلحة الفرد على مصلحة المجتمع ، ولا تطغى مصلحة المجتمع على مصالح الفرد ، ويحقق النسق الديني للفرد تنمية العقل وكمال النفس وتقوية الجسد ، لان في صلاح الفرد صلاح للمجتمع. وذلك نلاحظ ان اغلب الجماعات المتطرفة في العالم الإسلامي تنطلق من النسق الديني ، وتتبنى قيم دينية خاصة بها، لكنها تكون بالضرورة في داخل الإطار العام للدين الإسلامي ،ولان الجماعات المتطرفة تعطي غاياتها الحقيقية صبغة دينية عندما تروج لتنظيمها ، وتستبيح حرمات المجتمع بمبررات دينية ، لها بعض القبول الجماعي ، وهذا يتطلب من النسق الديني للمجتمع ان يقوم بوظائف وادوار جديدة وفاعلة لمقاومة الإرهاب المستند على تفسير انتقائي لبعض آيات القران الكريم ولا أحاديث النبوية الشريفة ، ومحاولة العودة لحالة الاستقرار التي كان المجتمع ينعم بها قبل ظهور هذه التيارات الشاذة وما تمخض عنها من اثأر سلبية في بناء ووظائف المجتمع. وفي مجال مقاومة الإرهاب فانه يتطلب من النسق الديني وبالتعاون مع الأنساق الأخرى القيام بالوظائف التي تحد من فعالية العوامل التي ساعدت الشباب على الانتماء للتنظيمات المتطرفة التي سبق ان أشار اليها ابراهيم (1991) وحريز(1996) التي جعلت التنظيمات المتطرفة تتمكن من اقتناصهم وتجنيدهم لصالح التنظيم ، وذلك يتطلب ان يقوم النسق الديني في مجال مكافحة جرائم الإرهاب بالوظائف التالية: أ‌-بيان الحكم الشرعي للجرائم الإرهابية 0 ب‌-بيان الحكم الشرعي لمن يؤوي إرهابيا أو يتستر عليه0 ج- بيان لأدلة التي يروجها مفكروا التنظيمات المتطرفة والتفسير الصحيح لتلك الأدلة 0 د- تربية طلبة الشريعة الاسلامية على احترام العلماء وربطهم بالثقاة ممن يتصفون بالعلم والتقوى0 ه- مناقشة الأفكار التي يطرحها منظرو الفكر المتطرف على المجتمع0 و- توضيح الفوارق بين التدين والتطرف ، والتأكيد على أن التدين سمة الأنبياء والصالحين 0 ونعتقد ان مبادرة النسق الديني بهذه الوظائف ستساهم مساهمة فعلية في مواجهة الفكر المتطرف مواجهة فاعلة ، خاصة ان الفكر المتطرف يستخدم عادة الأدلة الدينية ويؤول تفسيرها لخدمة أهدافه الظاهرة ، وحينما يضطلع النسق الديني بدوره سيلاحظ ظهور تراجعاً ملحوظاً من قبل بعض منظري الفكر المتطرف ومن بعض العناصر المنتمية للتنظيمات المتطرفة التي انساقت دون وعي صحيح ، والاهم من ذلك كله بروز تيار اجتماعي مقاوم لفكر وأنشطة التنظيمات المتطرفة. دور النسق الأمني في مقاومة الجرائم الإرهابية : تعد المواجهة الأمنية أعلانا لخوض معارك متتالية مع التنظيمات الإرهابية ضرورة أمنية تفرضها الأوضاع التي أفرزتها الجرائم الإرهابية ، بيد أنها تعد من أكثر القضاياالامنية حساسية وخطورة في الوقت ذاته ، نظراً لأنها حرب غير متكافئة ، اذ تتعامل السلطات الأمنية المختصة مع أشباح يمتلكون اسلحة فتاكة وينطلقون من عقيدة قوية من وجهة نظرهم ، وغايتهم الآنية تنفيذ المهام التي كلفوا بها من قيادتهم وان التضحية بحياتهم في سبيل نجاح العملية يعد بالنسبة لهم غاية نبيلة ستوصلهم الجنة ، ولأنهم ينطلقون من عدد من العوامل
ويعد النسق الديني في المجتمعات الإسلامية نسقا رئيسا ومؤثراً في بقية الأنساق الاجتماعية والتربوية والأسرية وحتى الأنساق السياسية. وعلى هذا الأساس يتضح أن النسق الديني يقوم بعدد من الوظائف الاجتماعية التي تؤدي إلى قيام المجتمع وضمان استمراره، ومن أهمها : أ- أقامة الروابط الاجتماعية التي تربط الفرد بالمجتمع والحرص عليها .. ومنها : التعاطف والتكافل والمحبة والإخاء والانتماء ، وهي سلوكيات اجتماعية تحقق للفرد قيامه بدور ايجابي في خدمة واستقرار مجتمعه قال تعالى:((ولتكن منكم امة يدعون الخير وبأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)) (سورة ال عمران) وقول النبي محمد(ص): (من راى منكم منكرا فليغيره بيده فمن لم يستطيع فبلسانه فمن لم يستطيع فبقلبه وذلك اضعف الايمان). ب- أقامة الروابط التي توحد المجتمع ، اذ ان العقيدة الدينية تعد من أقوى الروابط التي تربط الأفراد يبعضهم كما يشير إبراهيم (1991) وذلك لأنها تعتمد في مناهجها وأسسها على توحيد المجتمع وتقوي روابطه،وتماسكه ، وتنظر ، الى ان مبدأ التعاون والتكاتف والعمل الصالح سلوكيات تساعد الفرد على التوحد والاندماج مع الأفراد الذين يدينون بذات العقيدة . ج- أقامة دولة تكفل مهابة النظام الاجتماعي، فالنسق الديني يضع مهابة في النفوس للنظام الاجتماعي ، ويحدد العقوبات التي ستطال كل من يتعدى عليه ، وفي الوقت يغرس الرقابة الذاتية في النفس البشرية ، وهي سلطة ضرورية تكفل المحافظة على ذلك النظام ، أكثر من سلطة العقوبات التي سينالها المنحرف دنيوياً فيما لو انتهاك محرمات النظام الاجتماعي . د- تحقيق مبدأ التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع، فلا تطغى مصلحة الفرد على مصلحة المجتمع ، ولا تطغى مصلحة المجتمع على مصالح الفرد ، ويحقق النسق الديني للفرد تنمية العقل وكمال النفس وتقوية الجسد ، لان في صلاح الفرد صلاح للمجتمع. وذلك نلاحظ ان اغلب الجماعات المتطرفة في العالم الإسلامي تنطلق من النسق الديني ، وتتبنى قيم دينية خاصة بها، لكنها تكون بالضرورة في داخل الإطار العام للدين الإسلامي ،ولان الجماعات المتطرفة تعطي غاياتها الحقيقية صبغة دينية عندما تروج لتنظيمها ، وتستبيح حرمات المجتمع بمبررات دينية ، لها بعض القبول الجماعي ، وهذا يتطلب من النسق الديني للمجتمع ان يقوم بوظائف وادوار جديدة وفاعلة لمقاومة الإرهاب المستند على تفسير انتقائي لبعض آيات القران الكريم ولا أحاديث النبوية الشريفة ، ومحاولة العودة لحالة الاستقرار التي كان المجتمع ينعم بها قبل ظهور هذه التيارات الشاذة وما تمخض عنها من اثأر سلبية في بناء ووظائف المجتمع. وفي مجال مقاومة الإرهاب فانه يتطلب من النسق الديني وبالتعاون مع الأنساق الأخرى القيام بالوظائف التي تحد من فعالية العوامل التي ساعدت الشباب على الانتماء للتنظيمات المتطرفة التي سبق ان أشار اليها ابراهيم (1991) وحريز(1996) التي جعلت التنظيمات المتطرفة تتمكن من اقتناصهم وتجنيدهم لصالح التنظيم ، وذلك يتطلب ان يقوم النسق الديني في مجال مكافحة جرائم الإرهاب بالوظائف التالية: أ‌- بيان الحكم الشرعي للجرائم الإرهابية. ب‌- بيان الحكم الشرعي لمن يؤوي إرهابيا أو يتستر عليه. ج- بيان لأدلة التي يروجها مفكروا التنظيمات المتطرفة والتفسير الصحيح لتلك الأدلة. د- تربية طلبة الشريعة الاسلامية على احترام العلماء وربطهم بالثقاة ممن يتصفون بالعلم والتقوى. هـ- مناقشة الأفكار التي يطرحها منظرو الفكر المتطرف على المجتمع0 و- توضيح الفوارق بين التدين والتطرف ، والتأكيد على أن التدين سمة الأنبياء والصالحين0 ونعتقد ان مبادرة النسق الديني بهذه الوظائف ستساهم مساهمة فعلية في مواجهة الفكر المتطرف مواجهة فاعلة، خاصة ان الفكر المتطرف يستخدم عادة الأدلة الدينية ويؤول تفسيرها لخدمة أهدافه الظاهرة، وحينما يضطلع النسق الديني بدوره سيلاحظ ظهور تراجعاً ملحوظاً من قبل بعض منظري الفكر المتطرف ومن بعض العناصر المنتمية للتنظيمات المتطرفة التي انساقت دون وعي صحيح، والاهم من ذلك كله بروز تيار اجتماعي مقاوم لفكر وأنشطة التنظيمات المتطرفة. دور النسق الأمني في مقاومة الجرائم الإرهابية : تعد المواجهة الأمنية أعلانا لخوض معارك متتالية مع التنظيمات الإرهابية ضرورة أمنية تفرضها الأوضاع التي أفرزتها الجرائم الإرهابية ، بيد أنها تعد من أكثر القضاياالامنية حساسية وخطورة في الوقت ذاته ، نظراً لأنها حرب غير متكافئة ، اذ تتعامل السلطات الأمنية المختصة مع أشباح يمتلكون اسلحة فتاكة وينطلقون من عقيدة قوية من وجهة نظرهم ، وغايتهم الآنية تنفيذ المهام التي كلفوا بها من قيادتهم وان التضحية بحياتهم في سبيل نجاح العملية يعد بالنسبة لهم غاية نبيلة ستوصلهم الجنة ، ولأنهم ينطلقون من عدد من العوامل التي تساعدهم على نجاح الجرائم الإرهابية المكلفين بتنفيذها ، وهذا يدعو الى ان تكون المواجهة الأمنية محكمة وصارمة وذات فعالية عالية . ويرى موريس (1991) وهو انه عندما تفشل الإجراءات الوقائية التي يرسمها النظام الأمني للوقاية من حدوث اختراقات أمنية وعمليات إرهابية فان الأنظار تتجه إلى حتمية استخدام وسائل الردع المسلح ، وتلك أداة قوية في يد السلطة السياسية الحاكمة ، وتدور أساسا حول الاستعانة بالقوات المسلحة من قوات الأمن او الجيش أذا لزم الأمر ذلك . وتتسم المعالجة الأمنية للجرائم الإرهابية بأنها أكثر أثارة لمشاعر الراي العام، خاصة ان الرأي العام لا يحبذ العنف بطبيعته ،اذ ان حق الدولة في استخدام المواجهة الأمنية المسلحة لن ترضي جميع أطياف المجتمع ، خاصة ان نتائج المواجهات الأمنية لم تعد سرية، وقد تحدث أخفاقات أمنية مهما حاول تنفيذها بكفاءة وفاعلية، وحتى لو تم انتقاء الأهداف الايجابية وعرضها على المجتمع، ولذا يتطلب ان تتم المواجهة الامنية يقدر كبير من الكفاءة وان يتم اختيار الظروف المكانية والزمانية لتحقيق اكبر عدد من الأهداف وتقليل نسبة معارضة الراي العام والحرص على زيادة نسبة الرأي العام المؤيد للمعالجة الأمنية. وعموما تتطلب المعالجة الأمنية قبل وقوع الجرائم الإرهابية وبعدها نوعين من الإجراءات الأمنية، احداها قبل الجرائم الإرهابية وتسمى العمليات الوقائية والاخرى العمليات العلاجية التي تحدث بعد وقوع الجرائم الإرهابية ، بيد ان هناك تداخلا يحدث عادة بين تلك الاجراءات بغرض التكامل بينهما فيما يحقق أهداف الحماية الأمنية . وفيما يتعلق بوظائف النسق الأمني بعد حدوث الجرائم الإرهابية فإنها تنصب على البحث عن الثغرات الأمنية التي مكنت التنظيم من تنفيذ جرائمه، وتحرص على أعادة حالة التوازن الامني التي كانت موجودة في المجتمع قبل حدوث الجريمة ، ويحرص النسق الأمني من خلاله وبالتعاون مع بقية انساق المجتمع القيام بالوظائف والتي منها ما يتعلق بالإجراءات الناشئة عن وقوع جرائم إرهابية ولم يقبض على المشاركين في تنفيذها ، ومنها ما يتعلق بتكثيف الإجراءات الوقائية للحيلولة دون وقوع جرائم جديدة وتشمل عدداً من العمليات الأمنية ، وهي إجراءات عديدة من أهمها كما يذكر الثقفي 2000)): أ- سرعة القبض على العناصر الموجودين في مسرح الجريمة واستجوابهم ومعرفة دوافعهم الحقيقية وشركائهم ومحرضيهم وممولي عملياتهم، وكشفهم أمام الرأي العام. ب- التحري عن الأشخاص الفارين ، وأماكن تواجدهم والعمليات التي ينوون ارتكابها لاحقاً0 ج- القبض على العناصر المشتبه بارتكابها جرائم إرهابية او المشاركة في تنفيذها وفق خطط قبض محكمة ودقيقة وخاطفة . د- استجواب العناصر المشاركة في العمليات الإرهابية الذي فروا من مسرح الجريمة، او الذين ضبطوا مستعدين لتنفيذ عمليات أخرى. هـ- توعية المجتمع بأفكار وأخطار التنظيم المتطرف وطلب المساعدة في تقديم المعلومات عن المشتبه بهم وعن تحركاتهم وعن أماكن تجمعاتهم . و- سرعة نشر مراكز التفتيش داخل وخارج المدن، وتمرير المعلومات بين القادة ورجال الميدان . ز- متابعة أنشطة المشتبه بهم ورصدها للتأكد من تواجدهم وعدم قيامهم بإعمال إجرامية . ح- تشديد الحراسات على الشخصيات الهامة والسياسية والمواقع الهامة والإستراتيجية وعلى وسائل الموصلات والاتصالات التي يمكن تعرضها لجرائم إرهابية . ط- أحكام السيطرة على الحدود للتقليل من عمليات التهريب التي تتم عبر الحدود وتكثيف الدوريات وتجهيزها بالتجهيزات اللازمة . ي- تدريب الأفراد للتعامل مع الأساليب المستجدة المستخدمة في الجرائم الإرهابية. ك- أحداث وتفعيل مراكز البحوث ودعم اتخاذ القرار وتزويدها بالكوادر البشرية والفنية اللازمة. ل- استخدام احدث التقنيات في مجال الأمن والإدارة ، وتشغيلها في أدارة العمليات. م- تفعيل مبدأ التعاون الأمني المباشر بين القطاعات الأمنية والحكومية وحتى القطاع الخاص . ن- دراسة الثغرات الأمنية التي تمكن الإرهابيون من تنفيذ جرائمهم عبرها ووضع الخطط الوقائية اللازمة . س- أعداد الدراسات اللازمة المتعلقة بالتطرف واتجاهاته والمبادرة في رسم الحلول الكفيلة بوأده ، وقياس قدرة الأداء الأمني في مواجهة جرائم الإرهاب والأهداف المتوقع تعرضها للجرائم الارهابية. ويعد قيام الأجهزة الأمنية بهذه الوظائف بكفاءة وفاعلية عاملا مساعدا على التخفيف من الآثار التي خلفتها الجرائم الإرهابية ، والحيلولة دون وقوع جرائم أخرى، والمساعدة في أيجاد حالة الأمن والطمأنينة التي أخلت بها الجرائم الارهابية. 









نقلاً
عن صدى الأرهاب