دواء سيء لشعب فقير
الثلاثاء, 12-أغسطس-2008
روجر بيت -

تُظهر الأبحاث الميدانية الجديدة بأن ثلث عقاقير الملاريا التي تم فحصها في ست من المدن الإفريقية، قد فشلت على الأقل في تجربة واحدة تتعلق بجودتها، بينما تستمر وكالات التنمية في تمويل عقاقير لم يتم فحصها وهي دون المستوى المطلوب.
تقول منظمة الصحة العالمية بأن خُمس ما يقرب من مليون طفل الذين يموتون كل سنة من مرض الملاريا، إنما يموتون بسبب سوء مستوى جودة العقاقير التي تعطى لهم. وفي عينة العقاقير ضد الملاريا التي بيعت في ستة من البلدان الأفريقية، وجدنا أن 32% من تلك العقاقير والتي أُنتجت في آسيا فشلت في اختبارات الجودة الأساسية، كما فشلت 48% من تلك العقاقير التي أُنتجت في أفريقيا والتي ظهرت نتائجها في نشرتنا الصادرة في 7 أيار (مايو) في المكتبة الأمريكية العامة للعلوم التي تم استعراضها من قبل المجلة الطبية (بلوسون).
العقاقير المزيفة أصبحت مشكلة متفاقمة في الأمم الغنية أيضاً. لقد تسبب عقار هيبارين في وفاة ما لا يقل عن 81 أمريكياً؛ كما أن عقاقير الفياجرا المزيفة وعقاقير مكافحة الكوليسترول والمسكنات أصبحت تنتشر بشكل متزايد على امتداد الولايات المتحدة وأوروبا.
وفي الوقت الذي تبذل فيه منظمة الغذاء والدواء الأمريكية، ومنظمة الصحة العالمية، والإنتربول، ووكالات الصحة ومؤسسات تطبيق القانون أقصى جهودها لملاحقة المزورين الرئيسيين، فإن وكالات التنمية التي تموّل من قبل دافعي الضرائب—بما في ذلك الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز، والسل، والملاريا—ما زالت تموّل مبيعات أدوية لم تتم تجربتها، وفي كثير من الحالات أدوية سيئة الصنع، وتباع إلى الفقراء.
وقد قام نيرج ديفا، عضو البرلمان الأوروبي عن جنوب شرق إنجلترا والناطق باسم حزب المحافظين فيما يتعلق بالتنمية الدولية، باستجواب اللجنة الأوروبية في آذار (مارس) متسائلاً: "لماذا تُموّل عقاقير في بلدان العالم النامي والتي لا يمكن في أي حال من الأحوال أن تتم الموافقة على استعمالها على مواطني المجموعة الأوروبية؟".
وقد أجاب لويس ميشيل، المفوض الأوروبي للتنمية والمساعدات الإنسانية، في إجابة طويلة اعترف من خلالها بأن السبب الرئيسي في ذلك هو "تحفيز التنافس" للعقاقير ذات الأسعار المنخفضة، على الرغم من أنه لم يذكر شيئاً عن التعرفة المحليّة التي ترفع أثمان تلك العقاقير في كثير من البلدان الفقيرة.
دافعو الضرائب الأمريكيون يمولون حوالي ثلث ميزانية الصندوق العالمي—حوالي بليون دولار في السنة—ومع ذلك، لم يسأل أي مُشرّع أمريكي لماذا أن دولارات الضرائب الأمريكية تشتري عقاقير غير مجرّبة، مع أن تلك العقاقير يمكن أن تُهدد حياة الناس الذين يشترونها، وأنها ربما لن تُخفّض من أسعار تلك العقاقير!
والجدير بالذكر هنا أن وكالة التنمية الألمانية ذكرت بأن العقاقير التي تُنتَج محلياً في غانا هي في كثير من الحالات أعلى ثمناً من تلك التي يتم استيرادها من الهند أو الصين أو أوروبا. كما أن فعاليتها هي أكثر عرضة للشك والتساؤل. إن الشيء الوحيد الذي يطلبه الصندوق العالمي هو أن تكون العقاقير قد أُنتِجت في مُنشآت تُظهر ممارسات إنتاج جيدة، وهذا يعني، في الحقيقة، شركة تستطيع إنتاج الأسبرين وتصبح بذلك مقبولة لإنتاج عقاقير أكثر تعقيداً وربما تكون ضارّة أيضاً مثل عقاقير مكافحة الملاريا.
إن العقاقير ذات المواصفات العامة والمشتركة والتي تُباع للغربيين، يجب أن تخضع لتجارب بيولوجية موازية بحيث تُثبت بأنها بالفعل صورة طبق الأصل للعقار الأصلي. بيد أن الصندوق العالمي لا يطلب إثباتاً على فحص بيولوجي مقابل للعقاقير التي تتم الموافقة عليها في القائمة.
وعلى الرغم من أن نصف عينة العقاقير المُنتجة في أفريقيا قد فشلت تجربة الجودة، فإن نشطاء الصحة يواصلون الترويج للمنتجات المحلية المدعومة والاستيراد من مُنتجين في آسيا غير خاضعين للإشراف الكافي، بغية زيادة توفر تلك الأدوية في إفريقيا.
بكل تأكيد تستطيع بعض البلدان الإفريقية وبعض المنتجين الجيدين في الهند والصين إنتاج عقاقير آمنة. وليس واضحاً كم من العقاقير التي أجرينا تجارب عليها في غانا وكينيا ونيجيريا ورواندا وتنزانيا وأوغندا هي بالفعل تُنتَج بتمويل من الصندوق العالمي، حيث أن الصندوق لا يكشف النقاب عن كيفية إنفاق أموال دافعي الضرائب.
ولكن إذا لم يكن الصندوق هو المُموّل لعقاقير سيئة الصنع، فإن مجرد وضعها في القائمة المقبولة يُرسل إشارة خاطئة إلى الـ136بلداً التي تُباع فيها: فجميع العقاقير التي تم فحصها من قبلنا كانت موجودة على قائمة السجلات الوطنية للبلدان ذات العلاقة، الأمر الذي يُظهر عدم قدرتها على مراقبة القوائم التي تصدر عنها. ففي الهند التي لا توجد فيها سلطة وطنية لمراقبة إنتاج العقاقير، فإن الولايات المختلفة في الهند تُعطي رخص إنتاج العقاقير ذات المواصفات العامة (واضعة نسخاً من العقاقير التي تحمل براءة اختراع أو بدون براءة اختراع)، وفي بعض الأحيان لأغراض التصدير فقط. كما أن المُصدّرين لا يحتاجون حتى الخضوع للمستويات المحلية المختلفة.
الصندوق العالمي ينفي بأن هنالك مشكلة: آخر اجتماع لمجلس الإدارة الذي عُقد في نيسان (أبريل) الماضي لم يبحث في الموضوع، الأمر الذي يعني أنه ليس من المتوقع أن يُتخذ أي إجراء قبل شهر تشرين الثاني على أقرب وقت خلال اجتماع مجلس الإدارة القادم.
إن سياسة الصندوق العالمي الحالية تُلحق الضرر بأكثر فئات الشعب انكشافاً وضعفاً عن طريق دعم مُنتجات دون المستوى المطلوب، بيد أن الأطفال الإفريقيين لا يستطيعون أن يُدافعوا عن أنفسهم، ولا يبدو أن البيروقراطيين والنُشطاء مُهتمون بما يجري! وعلى المرضى ورجال الصحّة والحكومات في البلدان الفقيرة أن يبدءوا بالاحتجاج بصوتٍ عالٍ ضد هذا النفاق.

* مدير مؤسسة "مكافحة الملاريا في إفريقيا"، واشنطن العاصمة. هذا المقال مصدره "مصباح الحرية"، www.misbahalhurriyya.org