هل يستحق أوباما جائزة نوبل للسلام؟
الأحد, 18-أكتوبر-2009
الميثاق إنفو - تقرير واشنطن- رضوى عمار

أثار منح الرئيس باراك أوباما جائزة نوبل للسلام لعام 2009 تقديرًا لجهوده الاستثنائية في تعزيز الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب تساؤلات داخل الولايات المتحدة وخارجها حول ما إذا كان أوباما يستحق الجائزة، وتساؤلات حول المعايير التي تم اختيار أوباما لنيل الجائزة وفقًا لها. وفي التقرير التالي نعرض للرؤى والاتجاهات العامة للرأي العام الأمريكي تجاه أوباما في ظل تجليات فوزه بالجائزة.

ارتفاع التأييد بعد نوبل

يلاحظ أنه وفقًا لاستطلاعات الرأي التي قامت بها مؤسسة جالوب مؤخرًا، يأتي منح جائزة نوبل للسلام إلى الرئيس باراك أوباما في الوقت الذي يقل فيه تأييد الأمريكيين لأدائه العام كرئيس للولايات المتحدة، حيث يصل إلى 53% فيما يخص تعامله مع الشئون الخارجية الذي يتعادل مع، أو هو أعلى بقليل من التأييد لأدائه في المجالات الداخلية الأخرى.

ويشير تقرير لمؤسسة جالوب، بتاريخ 9 من أكتوبر2009 اعتمادًا على استطلاع للرأي قامت به إلى أن هناك دلائل تؤكد على أن الأمريكيين توقعوا تحولاً في صورة الرئيس الأمريكي دوليًا مع تولي باراك أوباما رئاسة الولايات المتحدة. فقد وجدت استطلاعات الرأي التي قامت بها مؤسسة جالوب في فبراير 2009 أن 67% من الأمريكيين يقولون: "قادة الدول الأخرى في جميع أنحاء العالم يحترمون باراك أوباما"، مقارنةً بـ24% قالوا الكلام ذاته في العام الماضي بشأن الرئيس بوش. و45% من الأمريكيين يقولون إن الولايات المتحدة الأمريكية قوبلت بالإيجاب من جانب دول العالم، دون تغيير يذكر عن العام السابق (43% عام 2008). وأشار التقرير إلى أن استطلاع الرأي الذي قامت به مؤسسة جالوب في جميع أنحاء العالم هذا العام أظهر زيادة التأييد لـ "قيادة الولايات المتحدة" في عدد من البلدان مقارنة بالعام الماضي.

وفي أعقاب الإعلان عن الفوز أشار استطلاع لمؤسسة جالوب إلى أن هناك زيادة طفيفة في الدعم المقدم له بعد الإعلان عن فوزه بجائزة نوبل للسلام يوم الجمعة الماضية. فقد ارتفع معدل تأييده إلى 56%، وذلك بعد أن كان 50% في الأسبوع الماضي و53% قبل ثلاث أيام من فوزه بنوبل.

إلا أن الاستطلاع أكد صعوبة التكهن بمدى الفترة التي يمكن لأوباما من خلالها الحفاظ على هذه القوة الدافعة الإيجابية التي حصل عليها في الأيام القليلة الماضية، خاصة بعد تحول انتباه الرئيس والشعب عن دهشة الفوز إلى المناقشة التشريعية بشأن إصلاح التأمين الصحي، وقرار الإدارة حول ما يجب القيام به بعد ذلك في أفغانستان. وأشار إلى أن تحسن معدل تأييد أوباما من 50% في مطلع الأسبوع الماضي جاء من جانب المستقلين والجمهوريين. واحتمال بقائهم على الولاء للرئيس ضعيف. حيث إن معدل دعم الديمقراطيين لم يتغير بعد إعلان جائزة نوبل يوم الجمعة الماضي.

أسباب فوز أوباما بنوبل

تباينت الآراء حول أسباب فوز أوباما بجائزة نوبل، رغم الحيثيات التي أعلنتها لجنة الاختيار. فقد عرض جون فيفر John Feffer، تحت عنوان" نحو نوبل أفضل Toward a More Perfect Nobel" في دورية Foreign Policy in Focus وهي مشروع تابع لمعهد الدراسات السياسية Institute for Policy Studies أن لجنة الاختيار حرصت على التأكيد على أنهم منحوا الجائزة استنادًا إلى ما سبق أن فعله الرئيس، والذي يدور حول التزامه بالقضاء على الأسلحة النووية، والتحول الذي شهدته سياسة الولايات المتحدة بشأن التغيرات المناخية. وكانت هناك أيضًا كلمته التي ألقاها في القاهرة والتي مثلت بداية مختلفة نحو العالم الإسلامي، أكدت تفهم الحكومة الأمريكية الجديدة لرؤية العرب والمسلمين للعالم، وأخذها في الاعتبار للانتقادات التي يوجهها العرب والمسلمون إلى سلوك الولايات المتحدة وسياستها.

ورأى ريتشارد كوهين Richard Cohen تحت عنوان " جائزة نوبل بالنسبة لنا A Nobel For US" في صحيفة واشنطن بوست – أن لجنة الإعلان عن جائزة نوبل لم تذكر جورج بوش بالاسم، غير أنها امتدحت أوباما الذي لا يشبه بوش، وذلك من خلال التأكيد على مفاهيم سياسته المحورية: "الدبلوماسية المتعددة الأطراف استعادت موقعًا مركزيًا. الحوار والمفاوضات هي الوسيلة الفضلى. بفضل مبادرة أوباما، تلعب الولايات المتحدة الآن دورًا أكثر إيجابية". وكتب يوجين روبنسون Eugene Robinson، في واشنطن بوست أيضًا بعنوان "السقف العالي لأوباماObama's High Bar"، أن أوباما انتهج سياسة خارجية أمريكية مختلفة عن جورج دبليو بوش، فهو لديه تصور مختلف للقيادة الأمريكية في ظل عالم مترابط ومتعدد الأقطاب. وهو مما يعني أن الجائزة تشجع كفة الخيارات الدبلوماسية والسلمية على كافة الخيارات العسكرية.

كما رأى يوجين أن أوباما قد أخذ على عاتقه إنقاذ النظام المالي في الولايات المتحدة، وعلى المدى الطويل إعادة هيكلة الاقتصاد. كما أنه أطلق مبادرات تاريخية لإحداث ثورة في الرعاية الصحية، وسياسة الطاقة. وقد ذكر صراحة إبان حملته الانتخابية بأنه يريد أن يذكره التاريخ كرئيس التحولTransformational President.

تحديات تفرضها نوبل للسلام

بدايةً، نُشير إلى أن أوباما الرئيس الأمريكي الثالث الذي يفوز بجائزة نوبل أثناء الخدمة، بعد الرئيسين ثيودور روزفلت عام 1906 وذلك للدور الذي لعبه في الوساطة بين روسيا واليابان لإنهاء الحرب. ووودرو ويلسون عام 1919 لجهوده في نشر السلام والتنمية. وعادة ما تقدم الجائزة نتيجة للإنجاز الذي حققه صاحبه، غير أن هذه المرة الجائزة تمنح لرئيس في مقتبل العمر 48 عامًا، وهو ما يبدو نوعًا من التشجيع من قبل لجنة نوبل نحو بذل مزيدٍ من الجهد في المستقبل في هذا الصدد. إلا أنه سرعان ما لاح في الأفق ما تضعه الجائزة من عبء سياسي على أوباما خاصة في ظل الحملة الشرسة التي يواجهها من قبل الجمهوريين، والذين يدعون بأنه يبحث عن التأييد الدولي أكثر من الدفاع عن المصالح الأمنية للولايات المتحدة الأمريكية. وأن فوزه جاء بسبب مهارته الخطابية. ونشير في هذا الصدد إلى ما قاله مايكل ستيل Michael Steele رئيس الحزب الجمهوري معلقًا على الإعلان عن فوز أوباما بالجائزة "السؤال الحقيقي الذي يسأله الأمريكيون عما حققه أوباما بالفعل". 

هل يستحق أوباما جائزة نوبل للسلام؟



وهو ما يسترعي الانتباه نحو جدول أعمال الإدارة الأمريكية، فيما يخص عددًا من القضايا الشائكة، مثل إغلاق معتقل خليج جوانتنامو، وتقليص الحرب في العراق، وأيضًا إشكالية الوجود الأمريكي في أفغانستان، والصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني. وهي كلها قضايا مطروحة على طاولة المفاوضات ولم تحسم بعد.

فتأتي جائزة نوبل للسلام في الوقت الذي يراجع فيه أوباما استراتيجية الحرب في أفغانستان. وتنامي بعض الاتجاهات التي تنادي بإرسال مزيد من القوات وهو ما قد يحد من خيارات الرئيس في هذا الصدد، مع الأخذ في الاعتبار رؤيته للحرب في أفغانستان على أنها "حرب الضرورة". أيضًا في ظل محاولاته لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، وهو ملف حاز قدرًا من الأهمية لدى أوباما منذ مجيئه. فالجهود التي يبذلها مبعوثه الخاص إلى المنطقة جورج ميتشل لإعادة إحياء مفاوضات السلام تصطدم بعديدٍ من العراقيل.

من ناحية أخرى، القلق من تصريح الجنرال إيريك اتش. هولدر Atty. Gen. Eric H. Holder Jr. باحتمال عدم القدرة على الوفاء بالموعد النهائي المحدد في يناير القادم لغلق معتقل خليج جوانتنامو. إضافة إلى ذلك، الوفاء بخروج القوات الأمريكية من العراق.

على الجانب الآخر، رأى ريتشارد كوهين في مقاله السابق الإشارة إليه أن فوز أوباما بالجائزة هو فوز للشعب الأمريكي الذي انتخبه، وجاء به ليحقق رؤيته التي حازت اهتمام وتقدير العالم. ويؤكد هذه المسئولية التي يحملها أوباما في ما أشار إليه توماس فريدمان Thomas L. Friedman، في نيويورك تايمز بعنوان " جائزة حراس السلام The Peace Keepers Prize"، حيث عرض أن الرئيس تعامل بكياسة بقبوله الجائزة ليس لنفسه ولكن كتأكيد على القيادة الأمريكية نيابة عن التطلعات التي تحملها الشعوب في جميع الدول.

ومن ثم فإن أوباما يفتح باب الأمل لحقبة يسودها السلام فجر آمالها منذ اللحظة الأولى لانتخابه وشعاره الذي رفعه بالتغيير Change الذي تلهث وراءه شعوب العالم للخلاص من ويلات المشكلات التي يواجهها في اللحظة الراهنة. 




نقلاً عن
 تقرير واشنطن