الأصولية الحوثية
السبت, 10-أكتوبر-2009
الميثاق إنفو - تأسست أفكار حسين بدر الدين الحوثي الذي أعلن التمرد العسكري على الحكومة اليمنية سنة 2004 على مجموعة من القواعد والمسلمات التي كان الحوثي ينظر لها على أنها من ثوابت الفكر الإسلامي الشيعي، وأنها الرافعة الحقيقية لمحاولات النهوض بالتشيع لقيادة الأمة الإسلامية في مواجهة أعدائها في الخارج (أميركا وإسرائيل) والداخل (عملاء أميركا وإسرائيل). لعل المسلمة الرئيسية في صلب الإطار الفكري للحركة الحوثية هي تلك القائمة على وجوب حصر إمامة المسلمين في نسل الحسن والحسين من الهاشميين دون غيرهم من عامة المسلمين. وتتبدى إشكالية هذه المسلمة في الآتي:
أولا: اتكاؤها ـ كغيرها من المسلمات ـ على مقولات تاريخية كانت ذات طبيعة واقعية في الصدر الأول من الإسلام، ومع تغير الظروف التاريخية فإنها لم تعد تغري أحدا سوى المنتفعين سياسيا وعرقيا من مثل هذه المقولات، بل إنها أصبحت تثير حساسيات عنصرية لدى غالبية اليمنيين الذين يرون في مثل هذه المقولات محاولة لاستغلال الدين لتغليب العنصر الهاشمي الذي يمثل أقلية على الغالبية العظمى من اليمنيين.
ثانيا: اتكاؤها على نظرية «الحق الإلهي» التي تقوم على أن ولاية المسلمين بعد نبيهم هي في علي وولديه ونسلهما، وأن ذلك حق إلهي مقدس غير خاضع للنقاش أو الاجتهاد أو الشورى، بل إن الإمامة أول حقوق آل البيت التي سلبها منهم «النواصب» من عامة الأمة.
يقول العلامة بدر الدين الحوثي ـ والد حسين ـ في مقابلة صحافية نادرة أجراها معه رئيس تحرير صحيفة «الوسط» اليمنية بعد أن سئل: هل ما زلت تعتقد أن الإمامة في البطنين؟
قال: «نعم هي في البطنين إذا كانوا مع كتاب الله وكانوا مع صلاح الأمة، فهم أقوى من غيرهم في هذا الشأن». ويقول: «هناك نوع يسمى الإمامة وهذا خاص بآل البيت، ونوع يسمى الاحتساب وهذا يمكن في أي مؤمن عدل..».
ويعلل بدر الدين الحوثي لنظريته في حصر الإمامة في الهاشميين من نسل السبطين بقوله: «التقوى عند أهل البيت أقوى منها عند غيرهم».
يدعم ذلك ما صرح به يحيى الحوثي الممثل السياسي للحوثيين في الخارج لقناة «المستقلة» ـ في معرض حديثه عن الإمامة وعدم استحقاق الرئيس اليمني للحكم بإشارته إلى أن أهل السنة يرون أن الأئمة من قريش والزيدية يرون أن الإمامة في السبطين وعلي عبد الله صالح ليس بهاشمي ولا من قريش.
والمسلمة الأخرى التي ترتكز عليها الحوثية في إطارها الفكري هي المقولة الأصولية الزيدية القديمة المتمثلة في وجوب الخروج على الحاكم «الظالم» (وكل حاكم من غير السبطين هو حاكم غاصب للحق الإلهي الممنوح لآل البيت في هذا التصور). هذه المقولة المؤسسة على التأسي بموقف الإمام زيد في خروجه على الحاكم «الظالم» هشام بن عبد الملك الذي يمثل نموذجا لحكم «النواصب الظالمين»، وفقا لهذه الرؤية. وإشكالية هذه المقولة تتأتى من كونها ـ باللغة المعاصرة ـ دعوة صريحة لاستخدام العنف المسلح والسعي لتغيير الأوضاع بالقوة العسكرية، كما أن إشكالية هذه المسلمة تتجسد أيضا في كونها (الخروج على الحاكم الظالم) استخدمت كغيرها من المقولات الدينية ستارا لتحقيق مآرب لطامحين سياسيين على مدار التاريخ الإسلامي، كما تسببت في إراقة دماء غزيرة بين الأطراف المتصارعة. وإذا كانت الأفكار السابقة يمكن قبولها على أنها أفكار أصولية زيدية، فإن المسلمة التالية تشي بعروق فكرية ممتدة خارج المذهب الزيدي وهذه المسلمة تقوم على أساس المغايرة التأريخية والسياسية، والاتكاء على مقولات تتكئ بدورها على ثارات قديمة تمت بصلة لما حدث في كربلاء بالذات. تلك المقولة القائمة على أساس تقسيم الأمة إلى شيعة آل البيت في مقابل النواصب من أعداء آل البيت.
ففي الوقت الذي تنظر الزيدية ـ في مجملها ـ نظرة إيجابية للتأريخ الإسلامي في مجمله ولتأريخ الرعيل الأول من المسلمين، فإن الحركة الحوثية فيما يبدو قد تأسست على أساس من النظرة السلبية للتأريخ الإسلامي. تلك النظرة التي ينقسم فيها المسلمون إلى فسطاطين: أحدهما لشيعة آل البيت والثاني لـ«النواصب». والحوثية في ذلك متأثرة بالاثنى عشرية في نسختها الخمينية المؤسسة أصلا على شرعية «الخلاف»، على أساس أن الطائفة المنصورة هي التي «تخالف» ما عليه «العامة» من المسلمين بمن فيهم الرعيل الأول من المهاجرين والأنصار. وهناك مسلمة أخرى يمكن أن تلقي مزيدا من الأضواء على العنصر الخميني/ الخارجي في نسيج الحركة الحوثية. تلك المسلمة تقوم على أساس إحياء الشعائر الحسينية وعامة شعائر آل البيت ـ حسب الرؤية الشيعية الاثنى عشرية. ومن تلك الشعائر إحياء مناسبات مقتل الحسين في عاشوراء والاحتفال بمناسبة الغدير وغيرها من الشعائر والمقولات الفقهية المنسربة للحوثية من الاثنى عشرية في نسختها الخمينية التي بشرت بها الحوثية في الوسط الزيدي المعتدل.
يقول العلامة بدر الدين الحوثي في هذا الصدد عن الاحتفالات بمناسبة الغدير على سبيل المثال: «فيها مصلحة دينية لأن فيها إظهارا لولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب».
وهكذا امتزج الزيدي بالخميني والأصولي بالمعاصر والداخلي بالخارجي في تركيبة هذه الحركة الأصولية التي لا بد أنها شكلت ظاهرة تستحق مزيدا من البحث والدراسة لتحليل محتواها الفكري وخطابها السياسي.
*عن/ صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية
|