ما ينبغي أن نعرفه عن التغيّر المناخي
الأربعاء, 26-أغسطس-2009
شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) -
* ما هو التغير المناخي؟
على الرغم من أن التغير المناخي أمر معقد ولكن ينبغي علينا أن نتعرف على كيفية حدوثه. 

ما هو الفرق بين الطقس والمناخ؟
يُعرف المناخ على أنه متوسط حالة الطقس. وعلى الرغم من أن الطقس والمناخ يشيران إلى ظروف الغلاف الجوي إلا إن الإطار الزمني لكل منهما يختلف عن الآخر. فالطقس يصف الظروف الجوية في مكان محدد على المدى القصير– إي إن كان يوم الاثنين المقبل سيكون حاراً ومشمساً في تيمبوكتو في مالي، أو ممطراً في دكا في بنجلاديش.
أما المناخ فهو يتعلق بالظروف الجوية على مدى أطول – عقوداً أو قروناً: فربما يكون الطقس في تيمبوكتو مثل نظيره في دكا في يوم ما، لكن مناخ المدينتين مختلف جداً: فتيمبوكتو تقع في الصحراء ومناخها حار وجاف بينما تقع دكا في منطقة الرياح الموسمية ومناخها حار ورطب. وتشير اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC إلى أن الخلط بين الطقس والمناخ أمر شائع: فعادة ما يُسأل العلماء كيف يمكنهم التنبؤ بالمناخ على مدار 50 عاماً في المستقبل في الوقت الذين لا يمكنهم التنبؤ بحالة الطقس بعد أسابيع قليلة من الآن.
التنبؤ بالطقس بعد أيام قليلة أمر صعب، لأن تطور العوامل في الغلاف الجوي- مثل هطول الأمطار وغير ذلك قد يصعب التنبؤ به. وتفسير اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ هو أنه رغم استحالة التنبؤ بالعمر الذي سيتوفى فيه شخص بعينه، لكن يمكن تحديد متوسط العمر الذي يتوفى فيه الأشخاص الذين يعيشون في الدول الصناعية بـ 75 عاماً.

ما هو الفرق بين التغير المناخي والاحتباس الحراري؟
وعادة ما يستخدم الناس المصطلحين بالتبادل، على افتراض أنهما يدلان على الأمر نفسه. لكن هناك فرق بين الاثنين: إذ يشير الاحتباس الحراري إلى ارتفاع متوسط درجة الحرارة قرب سطح الأرض، أما التغير المناخي فيشير إلى التغيرات التي تحدث في طبقات الغلاف الجوي مثل درجة الحرارة وهطول الأمطار وغيرها من التغيرات التي يتم قياسها على مدار عقود أو فترات أطول.
ويفضل استخدام مصطلح التغير المناخي عند الإشارة إلى تأثير عوامل أخرى غير ارتفاع درجة الحرارة. ووفقاً لوكالة حماية البيئة في الولايات المتحدة، قد ينتج التغير المناخي جراء ما يلي:
• عوامل طبيعية مثل التغيرات في كثافة الشمس أو تغيرات بطيئة في دوران الأرض حول الشمس،
• عمليات طبيعية داخل النظام المناخي (مثل التغيرات في دورة المياه في المحيط)،
• أنشطة إنسانية تؤدي إلى تغير تركيبة الغلاف الجوي (مثل حرق الوقود الأحفوري) وسطح الأرض (مثل إزالة الغابات وإعادة زراعة الغابات والتوسع الحضري والتصحر وغير ذلك)،

ما هي ظاهرة الدفيئة؟
تم تسمية ظاهرة الدفيئة إشارة إلى البيوت الزجاجية التقليدية (الدفيئات الزجاجية) التي تعمل فيها الجدران الزجاجية على تقليل التدفق الهوائي وزيادة درجة حرارة الهواء الذي ينحبس داخلها. ويُذكر أن مناخ الأرض يعتمد بشكل رئيسي على الشمس حيث يتناثر نحو 30 بالمائة من ضوء الشمس مرة أخرى في الفضاء ويمتص الغلاف الجوي بعضاً منه بينما يمتص سطح الأرض الباقي. كما يعكس سطح الأرض جزءاً من ضوء الشمس في صورة طاقة متحركة يطلق عليها اسم الإشعاعات تحت الحمراء.
وما يحدث هو تأخر خروج الإشعاعات تحت الحمراء بسبب "الغازات الدفيئة" مثل بخار الماء وثاني أكسيد الكربون والأوزون والميثان، والتي تجعل الإشعاعات تحت الحمراء ترتد مرة أخرى، ما يؤدي إلى رفع درجة حرارة طبقات الغلاف الجوي السفلى وسطح الأرض.
وعلى الرغم من أن الغازات الدفيئة تشكل واحد بالمائة فقط من الغلاف الجوي، إلا أنها تشكل غطاء حول الأرض أو سقفاً زجاجياً لبيت زجاجي، الأمر الذي يحبس السخونة ويبقي على درجة حرارة الكرة الأرضية عند 30 درجة وهي درجة مرتفعة عما لو كان الأمر غير ذلك. ومع ذلك، تساهم الأنشطة البشرية في جعل هذا الغطاء "أكثر سمكاً" لأن المستويات الطبيعية لهذه الغازات يدعمها انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن احتراق الفحم والنفط والغاز الطبيعي، من خلال انبعاث مزيد من الميثان وأكسيد النيتروز التي تنتج من الأنشطة الزراعية والتغيرات في استخدام الأرض، ومن خلال الغازات الصناعية طويلة العمر التي لا تنتج بصورة طبيعية. 

ولكن إذا كان التغير المناخي ليس بجديد فلماذا نلقي باللائمة على الجنس البشري؟
لقد مر مناخ الأرض بتغيرات كثيرة. وكانت التغيرات في توازن إشعاع الأرض دافعاً رئيسياً للتغيرات المناخية في الماضي، لكن الأسباب قد تنوعت إذ حدد العلماء الأسباب التالية للتغيرات التي حدثت قبل الحقبة الصناعية (أي قبل عام 1780):

التغيرات في دوران الأرض
جاءت العصور الجليدية وولت في دورات دورية لقرابة ثلاثة ملايين سنة، وتقول اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن ثمة دليل قوي على أنها كانت مرتبطة بالتغيرات الدورية في مدار الأرض حول الشمس، والتي تسمى بدورات ميلانكوفيتش، نسبة لعالم الرياضيات الصربي ميلوتين ميلانكوفيتش (1879 - 1958) الذي توصل إلى هذا التفسير. 

وهذه الدورات المدارية تعني أن كميات مختلفة من الإشعاع الشمسي يتم استقبالها على كل خط عرض خلال كل فصل من فصول العام. ولا يزال هناك جدل حول كيفية بداية ونهاية هذه العصور الجليدية، ولكن هناك دراسات تشير إلى أن كمية أشعة الشمس الساقطة في فصل الصيف على القارات الشمالية تلعب دوراً حيوياً: فإذا انخفضت إلى أقل من درجة معينة، فإن الثلج المتكون من الشتاء السابق لا يذوب في الصيف، ومع ازدياد تراكم الثلوج يبدء الغطاء الجليدي في النمو.
ووفقاً لعمليات محاكاة التغيرات المناخية، تقول اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن العصر الجليدي القادم قد يبدأ خلال 30 ألف عام. وكل عصر جليدي أو دورة جليدية تتبعه دورة بينية أكثر دفئاً.

تغيرات في كثافة الشمس
في عام 2001، وباستخدام نموذج مناخي جديد بالكومبيوتر، عززت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) النظرية الراسخة بأن نشاطاً شمسياً منخفضاً قد فجر "العصر الجليدي الصغير" في الفترة من عام 1400 إلى 1700. فخلال العصر الجليدي الصغير، شق الجليد طريقه إلى جرينلاند بين عامي 1410 و 1720، وتجمدت القنوات في هولندا، وازدادت الطبقات الجليدية في جبال الألب، وازداد الجليد في البحار لدرجة لم تسمح بوجود ممر مائي مفتوح في أي اتجاه حول أيسلندا في عام 1695. وقد أعاد نموذج وكالة ناسا إلى الأذهان أثر الشمس الضعيفة، التي أحدثت تغيرات مناخية إقليمية كبيرة والبرودة التي أعقبت ذلك في القارات خلال فصل الشتاء. 

وتشير ناسا أيضاً إلى إنه في الفترة من منتصف 1600 وأوائل 1700، يبدو أن درجة حرارة سطح الأرض في نصف الكرة الشمالي قد وصلت إلى أقل معدلاتها، أو قرب ذلك، خلال الألف عاماً الأخيرة، وانخفضت درجة الحرارة في فصل الشتاء في أوروبا ما بين 1 إلى 1.5 درجة. وكان انخفاض درجة الحرارة واضحاً من قراءات درجة الحرارة المأخوذة من الحلقات الشجرية والعينات الجوفية الجليدية، ومن سجلات درجة الحرارة التاريخية التي جمعتها جامعة ماساشوستس- أمهيرست وجامعة فيرجينيا.

الثورات البركانية تنتج "الهباء الجوي"
الهباء الجوي هو عبارة عن جزيئات صغيرة في الغلاف الجوي تتفاوت بشدة في أحجامها وتركيبها وتركيزها الكيميائي. وتنتج الانبعاثات البركانية جزيئات من الغبار تتسبب في حجب ضوء الشمس ويمكن أن تؤدي إلى انخفاض درجة الحرارة على المدى القصير.
في عام 1815، أدى ثوران بركان تامبورا في إندونيسيا إلى انخفاض عالمي في درجات الحرارة بنحو 3 درجات وذلك بحسب مركز الرصد الجيولوجي الأمريكي US Geological Survey. وحتى بعد مرور عام من البركان، شهد معظم نصف الكرة الشمالي انخفاضاً حاداً في درجات الحرارة خلال أشهر الصيف. وقد عُرف عام 1816 في أجزاء من أوروبا وأمريكا الشمالية، بأنه "عام دون صيف".

الثورات البركانية تنتج ثاني أكسيد الكربون
وينبعث عن البراكين أيضاً ثاني أكسيد الكربون حيث يشير تحليل العينات الجيولوجية أن الفترات الدافئة الخالية من الثلوج تتزامن مع معدلات مرتفعة من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. وتقول اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أنه "خلال مليون عام، تتغير مستويات ثاني أكسيد الكربون نتيجة للنشاط التكتوني".
ولكن على الرغم من أن البراكين تطلق أكثر من 130 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي كل عام إلا أن الأنشطة البشرية تطلق أكثر من 130 ضعف هذه الكمية، بحسب برنامج المخاطر البركانية التابع لمركز الرصد الجيولوجي الأمريكي.

الحقبة الصناعية
وأفادت اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أنه منذ بدء الحقبة الصناعية قرابة عام 1750، كان التأثير الإجمالي للأنشطة البشرية على المناخ باتجاه رفع درجة الحرارة. وقد ارتفع متوسط درجة حرارة سطح الأرض بمقدار 0.7 درجة سيلسيوس منذ أواخر القرن التاسع عشر.
وعلى صعيد المتوسط العالمي، حدث ارتفاع درجة الحرارة في القرن العشرين على مرحلتين: من 1910 إلى 1940 (0.35 درجة سيلسيوس)، وازدادت بقوة من فترة السبعينيات إلى الوقت الحاضر (0.55 درجة سيلسيوس). وقد ازداد ارتفاع درجة الحرارة على مدى الـ 25 عاماً الماضية، وقد تم تسجيل 11 من أكثر 12 سنة ارتفاعاً في درجات حرارة خلال الـ 12 عاماً الماضية.
وقد تم تحديد سبب ارتفاع درجة الحرارة مع ارتفاع ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. كما تم تحديد تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي على مدار الـ 650 ألف عام الماضية بدقة من خلال العينات الجوفية الجليدية في المحيط القطبي الجنوبي. وخلال هذه الفترة، تفاوتت نسبة تركيز ثاني أكسيد الكربون بين مستوى منخفض عند 180 جزء في المليون خلال العصور الجليدية الباردة، ومستوى مرتفع عند 300 جزء في المليون خلال العصور الدافئة البينية. 

ومن الملاحظ أنه على مدار القرن الماضي، ازدادت نسبة ثاني أكسيد الكربون بسرعة متجاوزة هذا المعدل حتى وصلت إلى 379 جزء في المليون. وبحسب اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ فإن زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي قد نجمت عن الأنشطة البشرية لأن خواص نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، خاصة نسبة ثقل ذرات الكربون إلى الذرات الخفيفة، قد تغيرت بطريقة يمكن أن تُعزى إلى إضافة الكربون الناتج من الوقود الأحفوري.
ويقدر العلماء أن احتراق الوقود الأحفوري، مع إسهام أقل من عمليات تصنيع الأسمنت، هي المسؤولة عن أكثر من 75 بالمائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تنتج عن الأنشطة البشرية.

اكتشاف العلاقة ما بين انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والتغير المناخي
وفي هذا الصدد، يقول المؤرخ العلمي سبينسر ويرت في مقال له بعنوان "أثر غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن ظاهرة الدفيئة"، أن جون تايندال، الفيلسوف الفيكتوري، كان من أوائل العلماء القلائل الذين ذكروا أن طبقات الجليد قد غطت في وقت ما معظم أوروبا، وأن الباحث السويدي، سفانت أرهينيس، هو أول من وصف ظاهرة الدفيئة في أواخر القرن الثامن عشر.
وقد أجرى أرهينيس حسابات ليؤكد أن تقليص كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي قد تخفض من درجة الحرارة في أوروبا بنحو 3 إلى 4 درجات سيلسيوس- وهو مستوى العصر الجليدي. لكن زميله، أرفيدهوجبوم، كان لديه فكرة رائعة: حيث قام بحساب كمية انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الأنشطة البشرية- من الصناعات وغيرها- واكتشف أنها هي المسؤولة عن الكمية ذاتها تقريباً من ثاني أكسيد الكربون مثلها في ذلك مثل العمليات الجيوكيمائية الطبيعية. بيد إن أحداً لم يُعر هذا الأمر الكثير من الاهتمام.
وفي عام 1938، قال المهندس الإنجليزي، جاي ستيورات كاليندار، أن مضاعفة مستويات ثاني أكسيد الكربون قد تؤدي إلى ارتفاع بنحو 2 درجة سلسيوس في درجة الحرارة في القرون المقبلة. ومرة ثانية لم ينتبه أحداً لذلك.
وعلى مدار العقود القليلة التي أعقبت ذلك، أجرت هيئات متعددة من العلماء بحوثاً متنوعة. وقال ويرت أن ارتفاع درجة الحراراة لم يظهر بجلاء إلا في فترة السبعينيات فقط، حيث بدأ الناس يعيرون الأمر اهتماماً لتحذيرات العلماء حول انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون.
في عام 1988 اجتمعت الحكومات من شتى دول عالم وشكلت ما عُرف باسم اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، والتي ضمت آلاف العلماء، بهدف التوصل إلى دليل قاطع وتقديم النصائح حول أفضل الإجراءات التي يمكن اتخاذها في هذا الصدد. وعلق ويرت بقوله: "بحلول عام 2001، استطاعت اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التوصل إلى إجماع مُصاغ بعناية بحيث يصعب على أي خبير الاختلاف عليه".

* تأثيرات التغير المناخي
من المتوقع أن ترتفع درجة حرارة الأرض بنحو درجتين مئويتين في كل عقد على مدى العقدين المقبلين، وذلك بحسب عدد من السيناريوهات التي أعدتها اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC. وحتى إذا ظل تركيز الغازات الدفيئة والهباء الجوي على ما كان عليه في عام 2000، فلا يزال من المتوقع أن ترتفع درجة الحرارة بنحو درجة مئوية واحدة في كل عقد.
وقد بدأ هذا الارتفاع في درجة الحرارة في التأثير على حياة الإنسان. وفيما يلي عرض موجز لكيفية حدوث ذلك.

الظروف المناخية الشديدة
يتسبب التغير المناخي في زيادة في الظواهر المناخية الشديدة مثل موجات الحر والجفاف والفيضانات والأعاصير. وتشير اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC إلى أن عدد موجات الحر قد ازدادت منذ عام 1950، وأن عدد الليالي الحارة قد ارتفع في جميع أنحاء العالم. كما أن عدد الأعاصير وقوة العواصف المدارية واستمراريتها قد ارتفع عن ذي قبل، مع تزايد الأعاصير المدارية منذ عام 1970.
وعلى مستوى العالم بدأ عدد الأعاصير التي تصنف قوتها من الدرجة الرابعة (حيث تتراوح سرعة الرياح بين 210 و 249 كلم في الساعة) والدرجة الخامسة (التي تصل سرعة الرياح فيها إلى أكثر من 249 كلم في الساعة) بالتزايد منذ عام 1970، خاصة في شمال وجنوب غرب المحيط الهادي والهندي. وفي مارس 2004 تم تسجيل أول إعصار مداري في جنوب المحيط الأطلسي قبالة سواحل البرازيل.
من جهة أخرى، أصبحت بعض أجزاء الكرة الأرضية تتعرض لتساقط كمية أكبر من الأمطار، إذ تشير كثير من الدراسات إلى إنه في الفترة من عام 1900 حتى 2005، ازداد هطول الامطار بدرجة ملحوظة في المناطق الشرقية من أمريكا الشمالية والجنوبية، وفي شمال أوروبا وشمال ووسط آسيا.
وباتت بعض أجزاء الكرة الأرضية أكثر جفافاً حيث انخفض هطول الأمطار في منطقة الساحل ومنطقة البحر المتوسط، وإفريقيا الجنوبية وأجزاء من جنوب آسيا. وبحسب بيانات اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فإن المناطق المتأثرة بالجفاف قد ازدادت منذ فترة السبعينيات.
وعادة ما يستخدم برنامج الأمم المتحدة للبيئة بحيرة تشاد التي تقع على حدود كل من تشاد والكاميرون ونيجيريا والنيجر مثالاً على ذلك. فهذه البحيرة كانت يوماً ما سادس أكبر بحيرة في العالم ولكنها أصبحت الآن أصغر حجماً وهو ما يوضح تراجع معدل هطول الأمطار في الساحل. وتشير الصور التي تم التقاطها بالأقمار الاصطناعية إلى إنه خلال الـ 35 عاماً الماضية، انكمش حجم البحيرة إلى عُشر حجمها بسبب الجفاف المستمر وزيادة الري الزراعي.

التأثيرات
وتظهر الدراسات التي ذكرتها اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ووكالات الأمم المتحدة واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ UNFCCC، أنه كلما ازداد معدل حدوث الجفاف وأصبح أكثر شدة، فسوف تواجه إفريقيا تنامياً في ندرة المياه والإجهاد المائي، مع احتمالية زيادة الصراعات حول المياه. والجدير بالذكر أن معظم الأحواض النهرية الـ 50 في إفريقيا هي أحواض عابرة للحدود.
إضافة إلى ذلك، سوف ينخفض الإنتاج الزراعي الذي يعتمد بشكل رئيسي على هطول الأمطار لري المحاصيل في كثير من البلدان الإفريقية. ونتيجة لذلك ستنكمش المحاصيل بنحو 50 بالمائة بحلول عام 2020 في بعض الدول، وستتراجع العائدات الصافية بنحو 90 بالمائة بحلول عام 2100. كما سيتم فقدان الكثير من الأراضي الزراعية مما سيتسبب في معاناة الكثير من مزارعي إفريقيا وهذا سيؤثر سلباً على الأمن الغذائي في القارة.
ووفقاً للتقديرات الدولية، سيؤدي التغير المناخي إلى انخفاض المحاصيل الأساسية التي يعتمد عليها السكان كغذاء رئيسي مثل الذرة البيضاء في السودان وإثيوبيا وإريتريا وزامبيا والذرة الشامية في غانا، والدخن في السودان والفول السوداني في غامبيا. وقد أشارت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ إلى دراسة تفيد بأن الأفارقة ربما يشكلوا الأغلبية التي تضاف للأشخاص المعرضين للمجاعة بسبب التغير المناخي بحلول عام 2080. كما سيتراوح عدد السكان المعرضين للخطر جراء زيادة الإجهاد المائي بين 75 مليون إلى 250 مليون نسمة بحلول عام 2020، وما بين 350 إلى 600 مليون نسمة بحلول عام 2050، حسب توقعات اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
من ناحية أخرى، تتوقع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المتعلقة بتغير المناخ زيادة معدل هطول الأمطار على معظم آسيا، خاصة خلال موسم الرياح الموسمية الصيفية، وهذا قد يزيد المساحة المعرضة للفيضانات في شرق وجنوب شرق آسيا. ومن المتوقع أن ينخفض ناتج المحاصيل في وسط وجنوب آسيا، بنحو 30 بالمائة، الأمر الذي قد يزيد من خطر حدوث مجاعة في دول عديدة.

ارتفاع مستوى سطح البحر
ويعتبر التمدد الحراري للمحيطات (تتمدد المياه مع ارتفاع درجة الحرارة) وفقدان الجليد الأرضي، الذي يذوب بسرعة أكبر عن ذي قبل السببين الرئيسيين لارتفاع مستوى سطح البحر، بحسب اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. وتظهر الملاحظات التي يسجلها العلماء منذ عام 1961 أن متوسط درجة حرارة المحيطات في العالم قد ارتفع لأعماق تصل إلى 3 آلاف متر، وأن المحيط يستوعب أكثر من 80 بالمائة من الحرارة المضافة إلى النظام المناخي وذلك وفق اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وهو ما يتسبب في تمدد مياه البحر مع ارتفاع درجة حرارتها، ويؤدي إلى ارتفاع منسوب المياه فيها.
وقد أصبحت الطبقات الجليدية والثلجية التي تعلو الجبال أصغر حجماً في متوسطها في نصفي الكرة الأرضية، وهو ما ساهم في ارتفاع مستوى سطح البحر. وتشير البيانات الحديثة إلى أن هناك احتمال كبير بأن يكون ذوبان طبقات الجليد في جرينلاند والقطب الجنوبي قد ساهم في ارتفاع مستوى سطح البحر في الفترة من عام 1993 إلى عام 2003. وقد ارتفع مستوى سطح البحر في العالم بمعدل 1.8 ملم (1.3 ملم إلى 2.3 ملم) في العام في الفترة ما بين عامي 1961 و 2003. وهذا المعدل كان أسرع وتيرة في الفترة من عام 1993 إلى عام 2003 بنحو 3.1 ملم في المتوسط (2.4 ملم إلى 3.8 ملم) كل عام.

التأثيرات
وتتوقع اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تسارع ارتفاع مستوى سطح البحر بنحو 0.6 ملم أو أكثر بحلول عام 2010. وإذا لم يتم حماية السواحل، فربما تزداد الفيضانات التي تنتج عن ارتفاع مستوى سطح البحر إلى عشرة أضعاف أو أكثر بحلول عام 2080، مما سيؤثر على أكثر من 100 مليون نسمة سنوياً.
وسيصبح سكان مناطق الدلتا عرضة لهذه العوامل أكثر من غيرهم، إذ سيتسبب ارتفاع مستوى سطح البحر في زيادة ملوحة المياه الجوفية ومصبات الأنهار، وهو ما يعني انخفاض كمية المياه العذبة المتوفرة للإنسان والأنظمة الإيكولوجية في المناطق الساحلية. وربما يعاني أكثر من 158 ألف نسمة في أوروبا من تآكل السواحل أو الفيضانات بحلول عام 2020، فيما يتوقع أن تختفي نصف الأراضي الرطبة الساحلية في أوروبا.
وفي تايلاند، قد يؤدي فقدان الأرض جراء ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار 50 سم إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنحو 0.36 بالمائة (أي نحو 300 مليون دولار)، فيما قد يتسبب ارتفاع منسوب المياه بنسبة 100 سم إلى خسارة 0.69 بالمائة (حوالي 600 مليون دولار) سنوياً. وتقدر التكلفة السنوية لحماية سواحل سنغافورة من 0.3 إلى 5.7 مليون دولار بحلول عام 2050، لتصل ما بين 0.9 و 16.8 مليون دولار بحلول عام 2100.
وطبقاً لما ذكرته اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، قد يؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار 50 سم في مدن مثل الإسكندرية ورشيد وبورسعيد التي تقع على ساحل دلتا نهر النيل في مصر إلى تهجير أكثر من مليوني نسمة من ديارهم وفقدان 214 ألف وظيفة وضياع أراضي تُقدر قيمتها بأكثر من 35 مليار دولار.
وقد يؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر إلى زيادة الفيضانات في إفريقيا، خاصة على طول السواحل الشرقية، وهو ما سيزيد من تعرض المدن الساحلية للأخطار الاجتماعية والاقتصادية والطبيعية، بما في ذلك الانعكاسات الصحية على سكان هذه المناطق. وقد تصل تكلفة التكيف مع هذه الظاهرة إلى ما لا يقل عن 5 إلى 10 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.

الثلوج والجليد
وقد أظهرت الدراسات على مدار سنوات كثيرة انخفاض الثلوج والجليد خاصة منذ عام 1980، مع انخفاض أسرع وتيرة خلال العقد الماضي. وبحسب اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فإن معظم الطبقات الجليدية التي تغطي الجبال في حالة تراجع (منذ عام 1850). كما تتراجع الطبقات الثلجية في بداية فصل الربيع وينكمش الجليد البحري في المنطقة القطبية الشمالية في جميع الفصول، وأكثرها حدة في فصل الصيف- كما توجد تقارير عن تقلص مساحة الأرض دائمة التجمد، وأحياناً الأرض والأنهار والبحيرات المتجمدة.

التأثيرات
وعلى المدى القصير، يزيد ذوبان الطبقات الجليدية في جبال الهيمالايا من خطر حدوث الفيضانات وتآكل للتربة، مع انهيارات طينية في نيبال وبنجلاديش وباكستان وشمال الهند خلال موسم الأمطار. ولأن ذوبان الثلوج يتزامن مع الرياح الصيفية الموسيمة، فإن أي تركيز للرياح الموسمية أو زيادة في الذوبان قد يسهم في حدوث الفيضانات في مناطق تجمعات المياه في منطقة الهيمالايا.
وعلى المدى الطويل، قد يؤدي الاحتباس الحراري إلى ارتداد خط الثلوج، واختفاء الكثير من الطبقات الجليدية مما يلحق ضرراً جسيماً بالسكان الذين يعتمدون على الأنهار الرئيسية في آسيا، والتي يتغذى الكثير منها من المياه الذائبة من الهيمالايا. ونتيجة لذلك قد يعاني أكثر من مليار نسمة عبر آسيا من نقص في المياه أو تدهور الأراضي أو الجفاف بحلول عام 2050.

التغير المناخي والصحة
وتشكل عوامل الخطر التي تتأثر بالتغير المناخي والأمراض من بين أكثر العوامل التي تسهم في زيادة عبء الأمراض والأوبئة في العالم، بما في ذلك نقص التغذية (الذي يتسبب في وفاة نحو 3.7 مليون نسمة سنوياً)، والإسهال (1.9 مليون نسمة) والملاريا (0.9 مليون نسمة)، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
وتشير اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أن ارتفاع درجة الحرارة وكثرة الظواهرالمناخية الشديدة قد يؤدي إلى زيادة الأمراض المتأثرة بالمناخ، وهناك احتمال بأن يواصل التغير المناخي تأثيره السلبي على صحة الإنسان في آسيا.
ومن المتوقع أيضاً أن تتسبب أمراض الإسهال التي ترتبط بشكل أساسي بالتغير المناخي في وفاة أعداد متزايدة من السكان في جنوب وجنوب شرق آسيا في ظل ارتفاع درجة حرارة المياه الساحلية وزيادة الأمراض المنقولة بواسطة المياه مثل الكوليرا في هذه المناطق. ومن المحتمل أن تتسبب الموائل الطبيعية للأمراض المنقولة بواسطة المياه في شمال آسيا في زيادة تعرض السكان للأمراض.
ورغم أن بعض الدراسات تُظهر أن الملاريا قد تنتشر في منطقة إفريقيا الجنوبية وهضاب شرف إفريقيا، فليست الأنباء كلها سيئة. إذ تظهر توقعات اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أنه بحلول عام 2050، وحتى عام 2080، من المحتمل أن يصبح جزء كبير من منطقة شرق الساحل وأجزاء كثيرة من جنوب ووسط قارة إفريقيا، بيئات غير مناسبة لانتقال الملاريا.

* كيفية قياس التعرض لخطر تغير المناخ؟
تم طرح قضية معقدة وهامة في محادثات الأمم المتحدة لتغير المناخ في بون بألمانيا، وهي ايجاد مقياس يحدد مدى ضعف الدول النامية تجاه خطر تغير المناخ الأمر الذي سيساعد على تخصيص التمويل اللازم للتكيف على نحو لائق. وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال جان كوالزيج من منظمة أوكسفام وهي منظمة تنموية مقرها المملكة المتحدة أنه يجب الاتفاق على الحاجة إلى مؤشر يقيس مدى التعرض للخطر من حيث المبدأ لأن ذلك يمثل "حلقة الوصل بين التكيف وآليات التمويل".
وأضاف أنه يجب قبول الفكرة من جانب جميع الدول وإدراجها في اتفاقية المناخ العالمي النهائية التي سيتم التوصل إليها في كوبنهاجن في ديسمبر. وستصبح الاتفاقية سارية المفعول بعد عام 2012 بعد انتهاء المرحلة الأولى من بروتوكول كيوتو الخاص بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة.
وقد تم طرح مسألة قياس ضعف الدول في الاستجابة لتغير المناخ في اليوم الثالث من محادثات بون من قبل ممثل صندوق البيئة العالمية وهو الآلية المالية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ والذي قال أن المرفق يدرس إمكانية استخدام مؤشر الضعف من أجل توزيع الموارد بصورة عادلة.
ويقوم صندوق البيئة العالمية بإدارة صندوقين خاصين من خلال اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ وهما صندوق الدول الأقل نموا والصندوق الخاص بتغير المناخ وكلاهما يقوم بصرف الأموال لمشروعات التكيف. ولكنه من المتوقع أن تأتي المبالغ الكبيرة من صندوق التكيف والذي ستتم إدارته أيضا من قبل صندوق البيئة العالمية الذي سيقوم بجمع المال من ضريبة قيمتها حوالي 2 بالمائة على ديون الانبعاثات طبقاً لآلية التنمية النظيفة التي تم إنشاؤها في إطار بروتوكول كيوتو.
وتسمح الآلية للدول الصناعية باكتساب وتبادل أرصدة الانباعاثات عن طريق تنفيذ مشروعات في الدول المتقدمة أو الدول النامية واستخدام تلك الأرصدة لتعويض قصورها في الوصول للحد المستهدف لانبعاثات الغازات الدفيئة.

أي المؤشرات أفضل؟
قال سليم الحق رئيس مجموعة تغير المناخ في المعهد الدولي للتنمية والبيئة ومقره لندن أن "المبدأ جيد لأنك تحتاج إلى طريقة لوضع أولويات التمويل". ولكن هناك العديد من المؤشرات للاختيار من بينها.
"ومن الممكن أن يصبح غاية في الصعوبة: فمن الممكن أن تكون هناك مناقشات على سبيل المثال حول ما إذا كان يجب إعطاء الأولوية للبلدان التي توجد فيها أعداد كبيرة من الناس المتضررين مثل الهند أو لدولة مثل توفالو (جزيرة في المحيط الهادي) حيث الأعداد صغيرة ولكن البلاد معرضة بدرجة كبيرة لخطر ارتفاع مستوى سطح البحر".
قالت اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ وهي جهة علمية دولية في تقرير التقييم الرابع لها أن ضعف مجتمع ما تجاه الأخطار المتعلقة بتغير المناخ يتأثر بالمسار التنموي لذلك المجتمع وتوزيع موارده ومؤسساته الحكومية والاجتماعية. 

من الممكن أن يصبح غاية في الصعوبة: فمن الممكن أن تكون هناك مناقشات على سبيل المثال حول ما إذا كان يجب إعطاء الأولوية للبلدان التي توجد فيها أعداد كبيرة من الناس المتضررين. وأشار تقرير اللجنة إلى أن "جميع المجتمعات لديها قدرات كامنة للتعامل مع تغيرات معينة في المناخ ولكن قدرات التكيف غير موزعة بالتساوي سواء بين البلدان أو داخل المجتمعات".
وقد قال الخبراء أن الرقم القياسي للضعف البيئي Environmental Vulnerability Index الذي وضعته لجنة العلوم الأرضية التطبيقية لجنوب المحيط الهادئ وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة وشركاؤهم يمكن أن يستخدم لهذا الغرض.
ويستخدم الرقم القياسي للضعف البيئي 50 مؤشراً تغطي العديد من الجوانب مثل الفترات الجافة والرياح العاتية والنزاعات والسكان لتحديد أهم العوامل المؤثرة في تعرض الدول للخطر ووضع أولويات للإجراءات اللازمة للتعامل مع النطاق الكامل للمخاطر الطبيعية والبشرية التي يمكن أن تؤثر على البيئة.
وقال أورسولا كالي الذي يعمل في مشروع الرقم القياسي للضعف البيئي أن المشروع لديه مؤشر فرعي لتغير المناخ. ولو تم استخدام ذلك لقياس تعرض بلد ما للخطر "فإنه لن يتطلب أي تعديل بخلاف تحديث البيانات- لقد تم تصميم الرقم القياسي للخطر البيئي على أساس إعادة حسابه كل خمس سنوات وقد تم آخر حساب في نهاية عام 2004".

ما هو الضعف؟
وقد وصف تقرير التنمية البشرية لعام 2007 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية "الضعف" في سياق تغير المناخ بأنه "عدم القدرة على إدارة المخاطر بدون الاضطرار إلى القيام بخيارات تعرض سلامة الإنسان للخطر بمرور الوقت".
ومصطلح "الضعف" أو Vulnerability أصله كلمه لاتينية معناها "يجرح" سواء معنويا أو جسديا. وقال سليم الحق رئيس مجموعة تغير المناخ في المعهد الدولي للتنمية والبيئة أن النقاش حول أي من المؤشرات العديدة يجب استخدامه يمكن أن يأخذ منعطفا سياسيا. وقد علق كوالزيج من منظمة أوكسفام قائلاً: "هذه قضايا فنية يمكن التعامل معها بعد كوبنهاجن".

* ما الذي نفعله حيال تغير المناخ؟
في الدول النامية التي يكون فيها البقاء على قيد الحياة غالبا صراع يومي، لا يقدر الناس على تحمل انتظار حكوماتهم لكي تقوم بإنقاذهم. ويعيش العديد من الناس تحت قبضة تغير المناخ محاولين التغلب على موجات الجفاف المتكررة والفيضانات الغزيرة والأعاصير القوية والظواهر الجوية الشديدة الأخرى وقد وجدوا سبلا للتكيف:
• في بنجلاديش تقوم المزارعات اللائي يواجهن فيضانات متكررة ببناء "حدائق طافية" ويزرعن عليها الخضروات في المناطق المعرضة للفيضان.
• في سريلانكا يقوم المزارعون بتجريب أنواع مختلفة من الأرز يمكنها أن تتغلب على قلة المياه ومستويات الملوحة العالية فيها.
• في مالاوي قام صغار المزارعون الذين يعتمدون على الزراعة التي تروى بماء المطر بالبدء في زراعة الذرة سريعة النمو من أجل التغلب على المزيد من موجات الجفاف المتكررة.
ولكن على النطاق العالمي لا تزال الحكومات تقف في طريق مسدود بشأن قضية خفض انبعاث الغازات الدفيئة الخطرة مثل بخار الماء وثاني أكسيد الكربون والأوزون والميثان والتي تجعل الأرض أكثر دفئا. وطبقا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية للأمم المتحدة فإن العقد من 1998 إلى 2007 كان الأكثر دفئا على الإطلاق.

تشكيل اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ
بدأت الحكومات في النهوض والانتباه للبيئة منذ 30 عاما مضت. وفي عام 1972 في استكهولم تم اتخاذ قرار بإنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة. وبعد سبعة أعوام أشار المؤتمر العالمي الأول للمناخ الذي تم تنظيمه من قبل المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى أثر النشاط الإنساني على الأرض ودعا إلى تعاون دولي لاستكشاف مستقبل مناخ الأرض.
وقد دعا برنامج الأمم المتحدة للبيئة والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية والمجلس الدولي للعلوم وهو منظمة غير حكومية إلى اجتماع في عام 1985 لمناقشة "تقييم دور ثاني أكسيد الكربون والغازات الدفيئة الأخرى في التغيرات المناخية والآثار المرتبطة بها".
وقد توصل المؤتمر إلى أنه "كنتيجة لزيادة الغازات الدفيئة يُعتقد الآن بأنه في النصف الأول من القرن القادم (القرن الـ 21) يمكن أن يحدث ارتفاع في متوسط درجة الحرارة العالمية سيكون أكبر من أي ارتفاع في تاريخ الإنسان".
وفي عام 1987 أدرك المؤتمر العاشر للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية الحاجة إلى تقييم علمي لأثر الغازات الدفيئة على البيئة وكذلك الآثار الاجتماعية والاقتصادية لها. وقد قام برنامج الأمم المتحدة للبيئة والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية بتنسيق آلية حكومية دولية لوضع هذه التقييمات وتوصلوا إلى أنه بجانب الأبحاث العلمية سيكون هناك حاجة أيضا إلى استراتيجيات لمساعدة بعض الدول بصفة خاصة والعالم بأسره بصفة عامه على الاستجابة للأزمة.

اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ
لعبت النتائج التي توصل إليها تقرير التقييم الأول للجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ دورا حاسما في صياغة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ التي تم اعتمادها في مؤتمر قمة الأرض عام 1992 في ريو دي جانيرو بالبرازيل.
وقد كانت الاتفاقية أول محاولة عالمية لعلاج تغير المناخ حيث توصلت إلى أن النظام المناخي هو مورد مشترك يمكن أن يتأثر استقراره بالانبعاثات الصناعية مثل ثاني أكسيد الكربون والغازات الدفيئة الأخرى. وقد دخلت الاتفاقية- التي تتمتع بعضوية عالمية تقريباً حيث صدقت عليها 192 دولة- حيز التنفيذ في عام 1994.
وينقسم أعضاء الاتفاقية الـ 192 إلى مجموعات:
دول الملحق الأول وهي الدول الصناعية- الدول الـ 24 الأعضاء الأصليين في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والاتحاد الأوروبي و14 دولة ذات اقتصاد يمر بمرحلة انتقالية. (وقد انضمت كرواتيا وسلوفينيا وموناكو وليختنشتاين إلى الملحق الأول في عام 1997 كما حلت جمهورية التشيك وسلوفاكيا محل تشيكوسلوفاكيا).
دول الملحق الثاني وهي الدول التي لديها التزام خاص بتقديم موارد مالية وتسهيل نقل التكنولوجيا إلى البلدان النامية. وهذا الملحق يشمل الدول الـ 24 الأعضاء الأصليين في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي.
وجدير بالذكر أن الدول غير المدرجة في الملحق الأول قامت بالتصديق على أو انضمت إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ ولكنها غير مدرجة في الملحق الأول للاتفاقية. ويقوم عدد من المؤسسات التي تم إنشاءها بموجب الاتفاقية بتسهيل ومتابعة تنفيذ الاتفاقية. وهذه المؤسسات تشمل الهيئة الفرعية للمشورة العلمية والتكنولوجية والهيئة الفرعية للتنفيذ، في حين أوكلت الآلية المالية إلى مرفق البيئة العالمي.

بروتوكول كيوتو
في حين شجعت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ أعضاءها على تثبيت انبعاث الغازات الدفيئة، قام بروتوكول كيوتو بإلزامهم بذلك. ويضع البروتوكول أهدافاً ملزمة لـ 37 دولة صناعية والاتحاد الأوروبي -تسمى تلك الدول بأعضاء الملحق الثاني- من أجل تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة التي يجب خفضها خلال فترة خمسة سنوات بدءا من عام 2008 إلى عام 2012 بمتوسط خمسة بالمائة تحت مستويات عام 1990.
وقد تم اعتماد البروتوكول في كيوتو باليابان عام 1997 ودخل حيز التنفيذ في عام 2005 وصدقت عليه 180 دولة حتى الآن. وقد توصلت الاتفاقية إلى أن الدول المتقدمة هي المسئول الرئيسي عن المستويات المرتفعة الحالية لانبعاثات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي كنتيجة لأكثر من 150 عام من النشاط الصناعي. وتضع الاتفاقية عبء أكبر على الدول المتقدمة وفقا لمبدأ "مسئوليات مشتركة ولكن متباينة".

أدوات لخفض الانبعاثات
يقدم البروتوكول ثلاثة أدوات لمساعدة الدول المتقدمة على الوصول إلى أهدافها:
• التبادل الدولي للانبعاثات بين البلدان التي لديها أهداف.
• التنفيذ المشترك لمشروعات خفض الانبعاثات.
• آلية التنمية النظيفة.
وهذه الآلية الأخيرة تسمح للدول الصناعية بكسب وتبادل إعفاءات الانبعاثات عن طريق تنفيذ مشروعات في الدول المتقدمة الأخرى أو الدول النامية، واكتساب نقاط مقابل ذلك تساعد تلك الدول في تحقيق الهدف المحدد لها بطريقة غير مباشرة.
ويجب التوضيح هنا أن الدول غير المدرجة في الملحق الأول ليس لديها أهداف ملزمة قانونيا لخفض أو تقييد انبعاثاتها للغازات الدفيئة خلال فترة الالتزام الأولي.

المعركة
ينتهي سريان مفعول مرحلة الالتزام الأولى لبروتوكول كيوتو في عام 2012 وقد بدأت الدول محادثات للتفاوض على أهداف خفض الانبعاثات للمرحلة القادمة. ولكن العملية قد وصلت إلى طريق مسدود حيث أن الولايات المتحدة المعروف عنها أنها واحدة من أكبر دول العالم المسببة لانبعاثات الغازات الدفيئة لم تصدق على البروتوكول بعد.
وقد اعترضت الولايات المتحدة لأن البروتوكول استثنى الصين والهند- وهما من أسرع الاقتصادات نموا في العالم ومن بين أكبر دول العالم المسببة للتلوث- من التوقيع على تعهدات ملزمة بأهداف لخفض الانبعاثات. وعلى العالم الانتظار لتنفيذ التخفيضات الحالية المتفق عليها حتى قمة تغير المناخ المقرر عقدها في كوبنهاجن بالدنمرك في ديسمبر 2009 حيث من المتوقع أن يتم الموافقة على اتفاقية جديدة لما بعد عام 2012 لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة.
وطبقا للعديد من المنظمات البيئية غير الحكومية فإن أي من الدول الصناعية الكبرى لا تعمل بما فيه الكفاية لتحقيق هدف خفض انبعاثات الغازات الدفيئة لتجنب الوصول إلى حد المخاطر غير المقبولة لتغير المناخ الكارثي. وقد اقترحت اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ خفض الانبعاثات بنسبة تتراوح ما بين 20 إلى 40 بالمائة حتى عام 2020 لتجنب حدوث ارتفاع في درجة الحرارة العالمية بمقدار درجتين مئويتين وهو ما يتوقع أن يؤدي إلى تدمير 30 إلى 40 بالمائة من كل الفصائل المعروفة وحدوث موجات حرارة وجفاف شديدة ومتكررة ومزيد من الظواهر الجوية الشديدة كالفيضانات والأعاصير.
واقترح معظم العلماء بما فيهم أعضاء اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أنه ينبغي على البلدان النامية الموافقة على الالتزام بخفض الانبعاثات بحلول 2050. وقد قالت البلدان النامية الكبرى مثل الصين والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل أنهم مستعدون للالتزام بنسبة الخمسين بالمائة الإلزامية لخفض الانبعاثات بحلول عام 2050 إذا وافقت الدول الغنية على الالتزام بنسبة 25 إلى 40 بالمائة على الأقل لخفض الانبعاثات تحت مستويات 1990 بحلول عام 2020.

التكيف ونقل التكنولوجيا والتمويل
تحتاج الدول النامية إلى معونة دولية لدعم أنشطة التكيف ويشمل ذلك التمويل ونقل التكنولوجيا والتأمين وأيضا الموارد للحد من مخاطر الكوارث وزيادة قدرة المجتمعات على التكيف مع الظواهر الجوية الشديدة والمتزايدة.
صندوق الدول الأقل نموا الذي يديره مرفق البيئة العالمي هو أحد الصندوقين الذين تم تأسيسهما من قبل اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ لمساعدة تلك الدول على التكيف مع الاحتباس الحراري.
يمول الصندوق الخاص بتغير المناخ المشروعات المتعلقة ببناء القدرات ونقل التكنولوجيا ويساعد الدول التي تعتمد بدرجة كبيرة في دخلها على الوقود الحفري على تنويع مصادر دخلها، ولكن تقرير التنمية السنوي لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية لعام 2007 أشار إلى أن القليل من هذه الأموال قد تم تسليمها بالفعل للبلدان النامية.
وقد علقت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ آمالها على صندوق التكيف الذي تم إنشاؤه بموجب بروتوكول كيوتو لدعم التكيف مع تغير المناخ في الدول النامية. ويتم تمويل الصندوق بفرض رسوم قيمتها 2 بالمائة على قيمة الإعفاءات الناتجة عن مشروعات الحد من الانبعاثات في إطار آلية التنمية النظيفة.
وتشير تقديرات اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ إلى أن الصندوق سوف يجمع ما يقرب من 300 مليون دولار سنويا بحلول عام 2030 تبعا لمستوى الطلب في تجارة الانبعاثات. ومع ذلك فقد أشارت منظمة أوكسفام للتنمية إلى أن احتياجات إثيوبيا العاجلة فقط للتكيف مع تغير المناخ ستصل إلى 800 مليون دولار.

حقوق الطبع والنشر © شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين". جميع الحقوق محفوظة.