يتوجب على العرب إجبار الدول على العمل
الثلاثاء, 25-أغسطس-2009
دليلة مهداوي -

ألقى تقرير جديد نشر في 29 تموز/يوليو 2009 برعاية برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، باللائمة على المشاكل البيئية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى ضعف الشرق الأوسط وسهولة تعرضه للاحتلال الأجنبي أو التدخل العسكري، للتخلف التنموي في العالم العربي.

ورغم أن النتائج التي توصّل إليها التقرير ليست جديدة، إلا أن "تقرير التنمية البشرية العربية 2009، تحديات الأمن البشري في الدول العربية" أعاد تنشيط حوار هام حول من يتحمل مسؤولية التنمية والأمن أو انعدامهما في العالم العربي. ويقترح التقرير الذي قام بإعداده أكثر من مائة من المفكرين العرب البارزين، أن الدول العربية فشلت في واجبها بتوفير الأمن الضروري لمواطنيها لرعاية اقتصادات ودول قوية.

ويشكّل لبنان مثالاً رئيسياً لدولة عربية حيث الدولة غير فاعلة بشكل ظاهر. وقد برزت نتيجة لذلك مجموعات دينية مُسيّسة ومجتمع مدني مزدهر، إضافة إلى القطاع الخاص، برزت من هذا الفراغ لتقدم خدماتها التي عادة ما توفرها الحكومة.

ومن الأمثلة على ذلك حزب الله، الأمر الذي يفسّر شعبيته الهائلة. ففي نهاية المطاف تمكن حزب الله، وليس القوات المسلحة اللبنانية سيئة التسليح، من إجبار إسرائيل على الانسحاب وإنهاء احتلالها للجنوب عام 2000. وحزب الله، وليس الدولة اللبنانية هو الذي يوفر اليوم الرعاية الصحية والتمثيل السياسي والإسكان وغيرها من الخدمات الاجتماعية للشيعة المهمّشين الذين يمثلهم.

إذا أرادت الدول العربية تقليص الدعم الشعبي الذي تتمتع به حالياً منظمات المنطقة المتعددة في مجال الإسلام السياسي تحت عيون الدولة، يتوجب عليها أن تثبت بأن حكوماتها يمكن الاعتماد عليها لتوفير الخدمات الأساسية، وأن مؤسسات الدولة يمكن أن تقوم بدورها وأن الجيش يمكنه توفير الحماية.

وتشكّل فرص العمل ناحية لها أهميتها بشكل خاص حيث يتوجب على الحكومات العربية أن تتصرف لضمان أمن شعبها. ويقول التقرير أن نسبة مرعبة تبلغ 60% من سكان العالم العربي هم دون سن الخامسة والعشرين. وفي العام 2005/2006 كان حوالي 30% من الشباب العرب عاطلين عن العمل، مقارنة بمعدل عالمي يبلغ 14%. تُجبِر البطالة والمصاعب الاقتصادية أفضل الأدمغة العربية العالمية على الهجرة إلى الخارج، وتدفع آخرين إلى وظائف غير رسمية لا توفّر الأمان، أو إلى أحضان التطرف. يتوجب على العرب الشباب أحياناً قبول وظائف أقل من مستوياتهم العلمية تدفع رواتب منخفضة.

ومن أسباب معدلات البطالة المخزية في المنطقة ركود الاقتصاد العربي. وحسب الإحصائيات الواردة في التقرير، لم يكن هناك تقدم اقتصادي يذكر في المنطقة منذ العام 1980. "تظهر بيانات البنك الدولي أن الدخل المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد ... نما بواقع 6,4% خلال فترة 24 سنة من عام 1980 وحتى عام 2004"، وهو رقم محزن لا يصل حتى 0,5% سنوياً.

يتوجب على الدول العربية دخول قطاعات آخذة في النمو مثل تكنولوجيا المعلومات والأعمال المصرفية الإسلامية والسياحة المسؤولة بهدف تحديد مجالات فرص العمل إذا ما أرادوا أن يوفروا نمواً مستداماً وفرصاً اقتصادية لمواطنيها. ويمكن للدول العربية المصدّرة للبترول الثرية أن تقدّم المزيد من الدعم للاقتصاد الوطني من خلال الاستثمار في أسواق المال العربية والمشاريع الثقافية أو المشاريع طويلة الأمد الأقرب إلى الوطن. بالنظر إلى تقديرات الأمم المتحدة بأن الدول العربية سوف "تحتاج لواحد وخمسين مليون فرصة عمل جديدة تقريباً بحلول العام 2020" ليس هناك وقت يمكن إضاعته في تطبيق إجراءات كهذه.

وفي الوقت الذي يتوجّب فيه مدح مساهمات المجموعات العربية غير الحكومية بل وحتى تقويتها، فإن الإصلاح مسؤولية يجب أن تتسلمها الدولة بالدرجة الأولى. لقد أرست المنظمات غير الحكومية أركان كفاح المنطقة ضد التمييز في النوع الاجتماعي والتغيير المناخي والإفلات من العقوبات السياسية أو القضائية. يتوجب على الدول العربية اليوم أن تبني على هذه الأسس.

لا يتوجب على حكومات العالم العربي أن تتحمل مسؤولياتها فحسب، بل يتوجب على المواطنين العرب مساءلة زعمائهم. ففي لبنان، تلك الدولة بالغة الصغر التي لا يتجاوز عدد سكانها 4,5 مليون نسمة، لا يحصل هؤلاء السكان على ضمانات بتوفير الكهرباء والماء لمدة 24 ساعة في اليوم. ومما يؤمَل به أن الحقائق الكئيبة التي يقدمها تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي هذا سوف تطلق شرارة غضب المواطنين العرب الضروري لإجبار حكوماتهم على العمل. يشكّل الصمت المستمر حيال عيوب المنطقة موافقة على الوضع الراهن وسكوتاً عليه.

إلا أنه في نهاية المطاف يعتمد أمن العرب على سلام دائم في الشرق الأوسط. وطالما أن مصادر رزق ملايين الفلسطينيين والعراقيين والسودانيين والصوماليين واليمينيين وغيرهم مهددة بسبب الاحتلال أو النزاع فلن تكون للإصلاحات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية سوى القليل من الأهمية الفورية للعرب.

* دليلة مهداوي صحفية في الديلي ستار، صحيفة لبنان الوحيدة باللغة الإنجليزية. كُتب هذا المقال لخدمة Common Ground الإخبارية.

مصدر المقال: خدمة Common Ground الإخبارية، 21 آب/أغسطس 2009