اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي: نحو مقاربة جديدة للعلاقات
الثلاثاء, 25-أغسطس-2009
عايش عواس - بفعل النزاعات الحدودية بين اليمن وبعض دول مجلس التعاون الخليجي من ناحية وتباين أنظمة الحكم، وتوجهات السياسة الخارجية بين الطرفين من ناحية ثانية فقد ظلت دول الخليج أو بالأصح البعض منها تنظر إلى اليمن كمصدر تهديد لأمنها أو كمنافس محتمل على الزعامة الإقليمية. 
ومن منطلق هذه الرؤية فقد تمحورت سياسات دول الخليج تجاه اليمن طوال النصف الثاني من القرن العشرين الماضي حول تحقيق هدف رئيسي واحد وهو احتواء اليمن حتى لا يتبني سياسات معادية لدول الخليج أو يذهب لعقد تحالفات مع قوى إقليمية أو دولية لا تربطها علاقات ودية مع دول المجلس، ولجأت في سبيل تحقيق هذا الهدف إلي وسيلتين: الأولى هي دعم القوى القبلية لمنع قيام سلطة مركزية قوية وقادرة على فرض سيطرتها الكاملة على كافة المناطق، وثاني هذه الوسائل هو تقديم الدعم والمساعدات الاقتصادية لليمن حتى لا تضطر الأخيرة تحت ضغط الضرورات إلى أطراف أخرى لسد احتياجاتها. لكن هذه السياسة لم تؤدى إلى تحقيق الغايات المرجوة، وإنما كان لها بالأصح نتائج عكسية والشاهد على ذلك أن العلاقات بين الطرفين ظلت في حالة تذبذب مستمر تتحسن تارة، وتتراجع تارة أخرى، بل لا نبالغ إذا ما قلنا أن السياسة المشار اليها أضرت بالعلاقات أكثر مما أفادتها. 

فمن جانب أدى دعم القوى القبلية إلى إضعاف سيطرة الحكومة المركزية على المناطق النائية، وبالذات على المناطق المحاذية للحدود السعودية، ومن ثم إلى إفساح المجال أمام مهربي الأسلحة والمخدرات وعمليات الهجرة غير المشروعة، وسهولة تنقل العناصر الإرهابية بين البلدين رغم الجهود المكثفة التي يبذلها البلدين لاحتواء المشكلة، فضلاً عن ذلك فإن ضعف تواجد الدولة في هذه المناطق أفسح المجال أمام عناصر تنظيم القاعدة باللجوء إلى هذه المناطق واستخدامها قاعدة انطلاق لضرب ومهاجمة مصالح يمنية وخليجية على حد سواء، ودون الإسهاب في المزيد من التفاصيل يمكن القول أن إضعاف سيطرة الحكومة المركزية لم يخدم مصالح دول الخليج بقدر ما يخدم مصالح أطراف أخرى معادية لها وهذه القوى على وجه التحديد هي القاعدة وإيران؛ فالقاعدة كما هو معروف لا تنتشر وتنمو إلا في مناطق الفراغ والفوضى والصراع، وهذه حقيقة لا تقبل الجدال كما أن ضعف سيطرة الحكومة أدى إلى تسلل النفوذ الإيراني إلى تخوم الحدود الجنوبية السعودية، حيث يوجد مؤشرات على أن التمرد في صعده يحظى بدعم وتأييد من طهران، بل ويذهب البعض إلى حد القول أن ما يحدث في صعده إنما هو بهدف إنشاء نموذج آخر لحزب الله في جنوب شبة الجزيرة العربية، حيث أبانت الوقائع خلال جولات الصراع الماضية استخدام جماعة الحوثي لأساليب وتكتيكات قتالية تعكس قدرة قتالية عالية مستوحاة من تكتيكات حزب الله، بل لا يستبعد البعض أن تكون تلك العناصر قد تلقت تدريبات علي أيدي عناصر من حزب الله، وبالتالي فإن تنامي قوة جماعة الحوثي في محافظة صعده سيمنح إيران ورقة ضغط قوية في جنوب شبه الجزيرة العربية إلى حد تهديد وحدة تراب دول الخليج واستقرارها خصوصا إذا ما اتجهت جماعة الحوثي إلى مد صلاتها بالطائفة الشيعية في جنوب وشرق المملكة العربية السعودية. 

ومن جانب أخر، فإن المنح والمساعدات الاقتصادية التي قدمتها دول الخليج لليمن خلال فترة السبعينات والثمانينات، ورغم دورها الإيجابي في عملية التنمية في اليمن، إلا أن النتيجة النهائية ظلت دون المستوى المطلوب ولم تؤدى إلى تعزيز العلاقات وتقويتها بين اليمن ودول المجلس لأنها لم تقم على مبدأ تبادل المصالح والمنافع، فطرف يعطي وآخر يستفيد وهو أمر لا ينسجم مع معطيات الواقع وحقائق العصر، بل إن هذا النوع من العلاقات أدى في بعض الأحيان إلى أثارة شيء من التوتر المكبوت من باب أن دول الخليج ظلت تشعر بأن اليمن هي الطرف المستفيد الوحيد، وفي المقابل فإن اليمنيين ظلوا يشعرون بأن اشقائهم الخليجيون يمنون عليهم، ومن هنا حدث اللبس وسوء الظن. 

وعليه فإن السبيل الوحيد هو وجود مصالح مشتركة للطرفين باعتبار ذلك الضمانة الوحيدة لتنمية العلاقات وتطويرها لأن الجميع سوف يحرص على بقائها وديمومتها والعكس صحيح إذا ما كانت تصب لصالح طرف واحد فقط .
وفوق هذا وذاك فإن سياسة الاحتواء التي اعتمدتها دول الخليج تجاه اليمن في الفترة الماضية استبعدت اليمن من المشاركة في الترتيبات الأمنية، وحصرت دائرة الأمن في حدود ضيقة ولم توسعها لتشمل كل دول شبة الجزيرة العربية، وهذا خطأ فادح لأن رؤية من هذا النوع تتناقض مع حقائق الجغرافيا وتجارب التاريخ ومعطياته؛ فإذا ما أمعنا النظر في الخريطة نجد أن اليمن ودول الخليج الست (السعودية، الإمارات، البحرين، قطر، الكويت، عمان) تضمهم منطقة جغرافية واحدة وهي شبة الجزيرة العربية وتجمعهما وحدة الدين واللغة والثقافة والعادات والتقاليد، وبالعودة إلى التاريخ نتبين بغير عناء حقيقة الترابط بين أمن اليمن وأمن الخليج؛ فعلى سبيل المثال لم تبسط بريطانيا نفوذها وسيطرتها على منطقة الخليج إلا بعد أن كانت قد أحتلت قبل هذا التاريخ جنوب اليمن، وقبل هذا التاريخ لم يتمكن الأحباش من الوصول إلى قلب الجزيرة العربية في عام الفيل كما أخبرنا بذلك القرآن الكريم إلا أثناء وجودهم على الأراضي اليمنية. 

وفي ضوء ما سبق يتضح مدى الحاجة إلي إيجاد مقاربة جديدة للعلاقات اليمنية الخليجية ولكن ماهي طبيعة هذه المقاربة، وما هي إمكانية تجاوز السياسات القديمة التي حكمت العلاقة بين الطرفين طوال الفترة الماضية. 

نحو مقاربة جديدة
تقوم المقاربة الجديدة على مرتكزين أساسيين: الأول هو ضرورة توسيع دول الخليج لدائرة الأمن الإقليمي لتشمل كافة دول شبة الجزيرة العربية، ليس استناداً إلى حقائق الجغرافيا ومعطيات التاريخ فقط، وإنما من كون ذلك ضرورة لمواجهة المخاطر والتحديات الجديدة التي أفرزتها المتغيرات علي الساحتين الإقليمية والدولية، وأهمها تنامي ظاهرة الإرهاب الدولي، وتزايد بؤر التوتر والصراع في المنطقة، ناهيك عن الحقائق الجديدة المتمثلة بتداخل الأمن الوطني والإقليمي في المرحلة الراهنة، وصعوبة الفصل بينهما حيث ولم يعد بمقدور الدول تحقيق أمنها الوطني ضمن حدودها السياسية وتحقيق ذلك من خلال: 

كانت دول الخليج تنظر إلى إيران والعراق كمصادر تهديد محتملة لأمنها بحكم اختلال موازين القوى بين دول التكتل من جهة وإيران والعراق من جهة أخرى، وكانت ترى في ضوء ذلك، أن إشراك اليمن في الترتيبات الأمنية وربما ضمها إلى مجلس التعاون لن يؤدي إلى تعديل موازين القوى في المنطقة، وبالتالي فقد ركزت اهتمامها نحو بناء تحالفات مع أميركا والدول الغربية باعتبارها الأطراف المؤهلة لامداد دول الخليج بالأجهزة والمعدات والقوى البشرية اللازمة لضمان وحماية أمن دول المجلس، وهذا أمر فيه شيء من الواقعية غير أن التهديدات التي تواجهه دول مجلس التعاون اليوم، ليس مصدرها فاعلين وأنظمة رسمية بحيث يمكن التصدي لها بالوسائل والتقليدية، وإنما تأتي من فاعلين غير رسمين لا يتمركزون في منطقة جغرافية معينة، ويمتلكون القدرة على تجاوز الحدود وتوجيه الضربات بشكل مفاجئ وغير متوقع ومواجهة مثل هذا التحدي لا يتم بالطائرات والدبابات أو بجهود فردية بحكم أن هذه الجماعات تضم في عضويتها عناصر من جنسيات مختلفة والتخطيط لعملياتها يأخذ طابعاً إقليمياً ودولياً، قد يكون المنفذون من دولة، والتمويل من دولة ثانية، والأسلحة التي يحصلون عليها من دولة ثالثة، وهكذا. هذا الواقع الذي بات يحكم عمل هذه المنظمات الارهابية، صعّب القضاء على الظاهرة بجهود ذاتية، وإنما يتطلب الأمر تعاون إقليمي ودولي لمواجهة مثل هذا التحدي والتصدي له، وكل ذلك يؤكد ولا شك حقيقية التداخل بين الأمن الوطني والإقليمي، وصعوبة الفصل بينهما بحيث لم يعد بمقدور الدول تحقيق أمنها الوطني ضمن حدودها السياسية. 

وتحقيق مثل هذا الهدف يتطلب بدايةً القيام بالخطوات التالية:
1- عقد لقاءات تشاورية دورية بين الجمهورية اليمنية ودول مجلس التعاون الخليجي بخصوص القضايا الاستراتيجية، وتطورات الأحداث في المنطقة بهدف تنسيق المواقف والسياسات إزاءها.
2- تعزيز مستوى التعاون والتنسيق الأمني بين الطرفين لجهة إحكام السيطرة على المناطق الحدودية المشتركة أو في مجال تبادل المعلومات والمطلوبين، والامتناع عن توفير ملاجئ آمنة للخارجين على القانون، وكذا المعارضين السياسيين.
والمرتكز الثاني: هو تغيير المعادلة التي حكمت العلاقات الاقتصادية بين الطرفين خلال فترة الثلث الأخير من القرن الماضي، والتي كانت تقوم على قيام دول المجلس بتقديم المنح والقروض والمساعدات لليمن أي طرف يأخذ وطرف يعطي، وإحلالها بمعادلة جديدة تتركز أساساً على مبدأ التبادلية وتحقيق المصالح والمنافع المشتركة، ونقصد بذلك على وجه التحديد ضرورة توجه دول الخليج في الفترة المقبلة إلى ضخ استثمارات كبيرة إلى اليمن لإقامة مشاريع في مختلف المجالات السياحية والصناعية والزراعية والتعدين وغيرها بحيث يكون لها عائد منفعة من وراءها، ويكون منفعة اليمن رفع مستوى دخل الفرد وتوسيع فرص العمل أمام قوى العمل المحلية وزيادة الناتج القومي. 

إن صعوبة استقبال دول الخليج في الوقت الراهن لنفس حجم العمالة في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي والتي كان يقدر عددها بحوالي مليون مغترب نظراً لاستكمال مشاريع البنى التحتية والتي كانت تحتاج إلى كثافة عالية من العمالة، فقد أصبح المتاح اليوم لحل مثل هذه الإشكالية هو العمل على إيجاد فرص عمل للعمالة اليمنية داخل الأراضي اليمنية عبر تدفق الاستثمارات الخليجية إلى اليمن، كما ينبغي التعاون بين الطرفين على تدريب وتأهيل العمالة اليمنية بما يلبي متطلبات سوق العمل الخليجية عبر التوسع في إنشاء المعاهد الفنية والتقنية في مختلف المحافظات والمناطق اليمنية، والعمل على تطوير التعليم الفني والمهني وبما يضمن تأهيل العمالة اليمنية لسد احتياجات سوق العمل في دول مجلس التعاون، والجانب الآخر هو المسارعة إلى إقامة مناطق تجارة حرة وبالأخص في المناطق الحدودية المشتركة بين اليمن من جهة وعمان والسعودية من جهة أخرى. 

[email protected]