التنسيق الجامعي في أمريكا
الخميس, 20-أغسطس-2009
كندال سكوت - أضحت عملية التقدم للكليات في الولايات المتحدة الأمريكية غاية في التعقيد والصعوبة، والتي كانت فيما مضى آلية بسيطة للانتقال من الدراسة بالمدارس العليا للدراسة الجامعية. وأصبح طلاب المدارس العليا من مختلف أنحاء الولايات المتحدة في إبريل من كل عام ينتظرون ببالغ القلق رسالة قبولهم في إحدى الكليات التى قاموا بالتقدم إليها.

ويُعزى ذلك التعقيد في التقدم للكليات بالولايات المتحدة؛ لتزايد عدد البرامج الدراسية والتخصصات بصورة مضطردة ليصل إلى الآلاف في الآونة الأخيرة، بما جعل الاختيار فيما بينها مسألة غير يسيرة. كما لم يعد التقدم للجامعة ليس إلا ملأ استمارة للقبول. فعلى الطالب أن يحدد مكان الكلية والانتماء الديني للجامعة التي يرغب في الالتحاق بها، وكذلك تكلفة الدراسة التي يمكن أن يتحملها، والتخصص الرئيس الذي يرغب بدراسته.

تنوع الكليات وصعوبة الاختيار

تختلف الكليات الأمريكية في هيكلها ما بين الكليات الريفية وكليات الإقامة ذات السعة الاستيعابية المحدودة من الطلاب بحيث لا تتجاوز بضعة آلاف وبين الجامعات الكبرى Metropolitan Universities التي تستقبل الواحدة منها ما يزيد على 30 ألف طالب أمريكي في العام. كما يسهم ارتفاع تكاليف الدراسة في استبعاد بعض الجامعات من دائرة الاختيار، وإن كانت المساعدات المالية والمنح الدراسية في بعض الأحيان يمكن أن تسهم في تخفيف وطأة الأعباء المالية.

تبدأ المرحلة الثانية للتقدم للكليات في الولايات المتحدة في وقت مبكر من السنة الدراسية من خلال اجتياز الطلاب لاختبارات القبول لبعض الكليات وكتابة المقالات وإعداد السير الذاتية الخاصة بهم أملاً في الالتحاق بالكلية التي يرغبون بها ولاسيما في الجامعات ذات الشهرة الأكاديمية الواسعة النطاق مثل جامعتي ييل Yale وهارفارد Harvard التي تتسم بالانتقائية الصارمة في اختيار طلابها ولا يتم قبول سوى أقل من 10% من الطلاب المتقدمين للالتحاق بها كل عام.

ويمكن التأكيد أن اختيار الطالب منذ البداية لمدرسته العليا التي تمنحه ميزة تنافسية مع زملائه وأداء الطلاب دراسيًّا في تلك المدرسة تُعد محددات هامة لمدى قدرته على الالتحاق بالجامعات الكبرى. وكذلك فإن الحصول على تقديرات مرتفعة وممارسة الأنشطة الإضافية غير الدراسية تدعم فرصته في الالتحاق بالجامعة التي يرغبها.

هل فقد اختبار السات أهميته؟

يُضاف إلي ذلك ضرورة اجتياز الطالب لاختبار الكفاءة المدرسية Scholastic Aptitude Test ( السات) SAT الذي يثير رعب طلاب المدارس العليا في مختلف أنحاء الولايات المتحدة. ويتم التقدم له في خريف أو شتاء العام الدراسي النهائي. ويتكون هذا الاختبار من ثلاثة أقسام رئيسة هي: الرياضيات والقراءة والكتابة ويستغرق إنهاؤه حوالي ثلاث ساعات و45 دقيقة، ويتم تقييم كل قسم بالاعتماد على مقياس من الدرجات يتراوح بين 200 درجة كحد أدنى و800 درجة كحد أقصى.

وعادة ما تشترط الكليات ذات الإقبال من جانب الطلاب الحصول على 700 درجة أو أكثر في كل قسم من هذا الاختبار. في حين لا يتجاوز المعدل الوطني لاجتياز 500 درجة في كل قسم. ولمساعدة الطلاب على اجتياز اختبار السات تتم إتاحة الكتب والدورات التدريبية والمواقع على شبكة المعلومات الدولية لمساعدة الطلاب على تحسين أدائهم. وغني عن البيان أن الاستعداد لاجتياز هذا الاختبار وتكرار التقدم له لتحسين درجاتهم يستغرق قدرًا كبيرًا من الوقت، ناهيك عن الضغط النفسي للاختبار.

وعلى الرغم من الأهمية الحيوية التي يتمتع بها امتحان السات في التقدم للجامعات، فقد ثار جدل حول تحقيقه لتكافؤ الفرص بين الطلاب. ففي حين يدعم مؤيدو هذا النظام تحقيقه للمساواة في معيار تقييم الطلاب، فإن معارضي تلك الآلية يركزون على تصاعد تكلفة الدورات التدريبية للإعداد لاجتياز الاختبار بما يحقق للطلاب الأكثر ثراء فرصة أكبر للحصول على أعلى الدرجات. وهو ما أكدته دراسات إحصائية متعددة أثبتت أنه كلما زاد دخل الأسرة كلما حصل أبناؤها على درجات أعلى في اختبار السات. وهو ما يعزى إلي الدراسة بمدارس أفضل واهتمام الوالدين المتصاعد بالمستوى الدراسي لأبنائهم والاعتياد على اجتياز اختبارات مماثلة. ومن ثم لجأت عديد من الكليات لوقف الاعتماد على اختبار السات في تقييم الطلاب المتقدمين للجامعة، أو الاعتماد على اختبارات بديلة أكثر كفاءة في تقييم الطلاب مثل اختبار السات 2SAT II أو اختبار الجامعات الأمريكية American College Testing المسمى اختصارًا أكت ACT.

كيفية المفاضلة بين الطلاب المتقدمين

بالإضافة لتقديرات الاختبارات الموحدة، فإن غالبية الكليات تطلب ملأ استمارة للتقدم للجامعة تتضمن بيانات شخصية عن الطلاب وخبرتهم العملية والأنشطة الإضافية التي قاموا بأدائها. فضلاً عن خطاب للتذكية من أحد الأستاذة، ومقال حول أحد الموضوعات من اختيار الطالب بحد أدنى 250 كلمة، ومقال آخر مختصرة عن تجربة مؤثرة في حياة الطالب بحد أقصى 150 كلمة.

وعلى الرغم من اعتماد غالبية الجامعات على آلية استمارات التقدم في المفاضلة بين الطلاب بالتوازي مع العوامل الأخرى سالفة الذكر فإن تلك الآلية لا تمثل في بعض الجامعات الأكثر انتقائية سوى جزء من قائمة مطولة من الوثائق المطلوبة. وتضيف تلك الجامعات تقديم مقالات إضافية أو نسخًاً من بيان درجات الطالب في المراحل الدراسية المختلفة. كما تكون النماذج الفنية والتسجيلات الموسيقية وتسجيلات الفيديو الرياضية الخاصة بالطالب عناصر مساعدة لترجيح كفة مرشح على حساب آخر

وفي هذا الصدد يُؤكد مسئولو ومستشارو المدارس العليا في مختلف أنحاء الولايات المتحدة أن الكليات لم تعد تبحث فقط عن الطالب المؤهل أكاديميًّا للالتحاق بها وإنما تركز على تنوع ودينامية الهيكل الطلابي بها، وخاصة مع تقدم عدد كبير من الطلاب الحاصلين على درجات مرتفعة في الاختبارات المختلفة، فيتم اللجوء للمفاضلة بينهم على أساس السمات الشخصية مثل القيادة ووجهة النظر المميزة الخاصة بكل طالب وآليات أخرى أقل اعتمادًا على الدرجات مثل المقابلات الشخصية وكتابة المقالات في موضوعات متعددة.

لم تعد الكليات الأمريكية تبحث عن طالب متميز أكاديميًّا مهتم فقط بالحصول على الدرجات وتحقيق تقديرات مرتفعة في كل المقررات الدراسية وإنما إثراء المناقشات والبيئة الجامعية بمختلف الآراء والتوجهات، ولذا لم يعد القبول في جامعة معينة رهنًا بإثبات الطالب قدرته على العمل بشكل متميز داخلها وإنما يتعلق بمدى الفائدة التي تحققها تلك المؤسسة من قبول ذلك الطالب.

التقدم للجامعات وتحقيق المنافسة الكاملة

على الرغم مما تتسم به عملية التقدم من طول مدتها، وما يقترن بها من ضغوط على الطلاب فإنها تحقق نجاحًا بصورة عامة في توجيه الطالب المناسب للكلية التي تناسب قدراته وتوجهاته. وفي المقابل يُمكن القول إن هناك أوجهًا للقصور لهذه العملية تتمثل في عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية بين الطلاب، حيث تصل تكلفة البرامج الدراسية بالجامعات الأمريكية إلى مستويات مرتفعة تتراوح بين عشرات ومئات الآلاف الدولارات. 

ورغم إمكانية تقدم الطلاب للحصول على منحة دراسية أو قرض دراسي أو برامج العمل الدراسية فإن ذلك لا يمكن الطالب من تغطية كافة تكاليف دراسته.

أما الوجه الآخر لقصور تلك العملية فيتمثل في الإجراءات التمييزية لصالح الأقليات على أساس العرق، والتي تُعد من أكثر الجوانب إثارة للجدل في عملية التقدم للجامعات. حيث يعتبر بعض الأمريكيين هذه الإجراءات آلية تصحيحية لتفادي عدم التوازن في القبول للطلاب المنتمين لأقليات معينة لاسيما السود، وتحقيق التنوع داخل الجامعات الأمريكية، فإن آخرين يرونها عائقًا أمام تحقيق التنافسية بين الطلاب، وأن تجاوز مرحلة الانقسامات على أساس العرق واللون يتطلب تحقيق تكافؤ الفرص على أساس تنافسي لا يأخذ في الاعتبار الاختلافات في العرق بين الطلاب. ومن المرجح أن يستمر الجدل حول هذا الموضوع طالما اشتدت المنافسة بين الطلاب الأمريكيين في الالتحاق بالجامعات الكبرى.

إن التقدم للجامعات قد يكون مثيرًا للجدل للاعتبارات سالفة الذكر وبسبب الالتزام الذي يعكسه نظريًّا بتحقيق تكافؤ الفرص بين الطلاب وفق قدراتهم، إلا أن تحقيق المنافسة الكاملة قد لا يتحقق واقعيًّا بالنظر إلى أن التساوي في الفرص لا يتحقق بصورة آلية ويتطلب التدخل وتعديل مسار عملية التقدم للجامعة لتأخذ في اعتبارها التفاوت في الأحوال الاقتصادية والاجتماعية للطلاب والاختلافات العرقية. وهذه التعديلات لا يتم التوافق حولها بسهولة لأن أوجه عدم المساواة متعددة ومعقدة وترتبط بالواقع السياسي وعمل جماعات الضغط والمصالح الشخصية. وعلى الرغم من أوجه القصور سالفة الذكر يظل نظام التعليم بالولايات المتحدة من بين أفضل النظم على مستوى العالم. ومن المؤكد أن دعم التنوع العرقي والاقتصادي والجغرافي في الجامعات الأمريكية سوف يؤدي لمردود إيجابي على المجتمع التعليمي الأمريكي. وبينما لا يمثل التقدم للجامعات بالولايات المتحدة علمًا بحد ذاته ولن يحقق العدالة الكاملة فمن الممكن القول إنه يتيح الفرص لراغبي بذل الجهد. وما قد يبدو للوهلة الأولى نهاية العالم بالنسبة لبعض الطلاب من حيث الجهد والوقت والضغط النفسي، يُعد تكلفة ضئيلة للالتحاق ببرنامج دراسي بالكلية الملائمة وهي في نهاية الأمر غاية تستحق العناء. 



 تقرير واشنطن