ادعموا استقرار اليمن تحصنوا استقرار بلدانكم
الخميس, 20-أغسطس-2009
كلمة: صحيفة العرب - لم يحدّ مقدم الشهر الكريم الذي تُجمع مكونات الأمّة العربية بمختلف مذاهبها وطوائفها على إيلائه مكانة رفيعة، في الحد من دموية المشهد في بلاد العرب والمسلمين، فعلى مدار هذا الأسبوع واصلت آلة القتل الأعمى حصد أرواح العشرات من الأبرياء لأسباب لا يمكن بأي حال تفهّمها حيث تتراوح بين السياسي والشخصي، كما يعزى جلها إلى أوهام إيديولوجية تصور لأصحابها أنهم يمتلكون تفويضا إلهيا يخول لهم قتل من يخالفهم الرأي ولا ينصاع لنزواتهم.

وتشي الظاهرة بسقوط أخلاقي مدوّ وانزياح خطر عن القيم الدينية لأمّة بعث فيها خاتم النبيين بقرآن كريم تحث نصوصه على احترام الحياة، ويرد في إحدى آياته المحكمة "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا" وهي الآية التي تعمل جماعات من بني أمّتنا على تنفيذ عكس ما تنص عليه تماما فتلجأ إلى القتل المجاني لأغراض غامضة.. قتلٍ كثيرا ما يبدو مقصودا لذاته حين تستهدف فضاءات عمومية كالأسواق ودور العبادة بالسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة قصد إزهاق أكبر عدد ممكن من الأرواح.

ولا يختلف عن هواة القتل أولئك، من يعمدون إلى إشعال الفتن والتمردات في بلدانهم بناء على أوهام إيديولوجية لا وجود لها سوى في مخيلاتهم المريضة.. أوهام مستمدة من قرون خلت ولا تعني سواهم، ليورطوا الآلاف من أبناء وطنهم في حروب هم في غنى عنها وليحوّلوا جهودا كان أجدر أن تنصب على التنمية بما تعنيه من صحة وتعليم وسواهما مما يحقق تقدم الشعوب ورفاهها.

ويمثّل التمرد الذي يشعله أتباع الحوثي بشمال اليمن أياما قليلة قبل شهر رمضان المعظم أقرب مثال على ذلك.

وقد كان إصرار هؤلاء على الحرب واضحا حين سدوا كل منافذ الحوار وصمّوا الآذان عن مبادرة النقاط الست التي عرضتها عليهم الحكومة تجنبا للنزاع وحقنا للدماء، ولذلك فكل قطرة دم تسيل على أرض اليمن معلقة برقابهم ورقاب مموليهم الذين فضحتهم ووسائل إعلامهم قبل أن تكشف عنهم مصادر الحكومة اليمنية.

إن شلاّل الدماء الجاري على أجزاء من الأرض العربية –والإسلامية إذا أردنا توسيع الدائرة- وبأيد محلية غالبا، فضلا عن أيدي الأعداء والغزاة يوحي بمدى تدني قيمة الفرد عندنا وباستسهال رهيب للقتل وعدم احترام للحياة، فمقتل رضيع في بعض البلدان المتقدمة يمكن أن يفجر فضيحة سياسية وأن يسقط حكومة، بينما غدا مقتل العشرات منا لا يعني أكثر من رقم يذاع في نشرات الأخبار ثم يغلق الملف في انتظار مجزرة أخرى قادمة لامحالة.

بل الأدهى أن يقبل بعض أبنائنا المغرر بهم أن يتحولوا إلى "مقاولين" يمارسون قتل مواطنيهم لحساب الغير تنفيذا لأجندات سياسية لا علاقة لها بمصالح الأمة وأهدافها.

إن ظاهرة القتل الجماعي وما يلازمها من انخرام أمني وما يرافقها من صراعات مجانية لا تنتهي عادة بنتائج سياسية واضحة، وإن تركزت ببعض المناطق العربية دون سواها، تبقى منذرة بمخاطر أعم تتجاوز حاضر العرب جميعا إلى مستقبلهم.. تشهد بذلك تطورات أمنية بالغة الوضوح.

فحين يتزامن اشتعال التمرد الحوثي بشمال اليمن، مع اكتشاف خلية مسلحين تخطط لزعزعة أمن واستقرار المملكة العربية السعودية، وأخرى تخطط لتنفيذ عمليات داخل الكويت.. وحين يترافق كل ذلك مع حادثة إعلان "إمارة إسلامية" في غزة -التي لا تساوي مجمل مساحتها مساحة محافظة- مع ما رافق ذلك الإعلان من مشهد بالغ العنف..

وحين ينضاف إلى ذلك كله المشهد العراقي بالغ الدموية، والمشهد الصومالي حيث يتقاطع الرصاص على غير هدى وفي كل اتجاه.. حينذاك يقف المرء على حقيقة أن العنف غدا في كثير من بلاد العرب "لغة التخاطب" المفضلة والوسيلة الأنجع لمعالجة الاختلافات السياسية والايديولوجية، بل أحيانا لمجرد تنفيذ أغراض شخصية على غرار حادث حريق خيمة العرس الذي أودى بحياة العشرات من الكويتيين الأبرياء.

إن دماء العرب والمسلمين حين تهون على بعضهم البعض، لن تكون إلا رخيصة لدى أعدائهم، وهذا ما هو حادث على أرض الواقع بدليل ما فعلته آلة الحرب الإسرائيلية بأهل غزة، وقبلها ما فعلته نظيرتها الأمريكية بالعراقيين قبل أن تحوّل بعضهم، وبالتعاون مع قوى إقليمية، إلى وكلاء قتل مجاني لمواطنيهم.

صحيح أن الخارج متورط في ما يدور على أرضنا العربية من مجازر، لكن الصحيح أيضا أن منا من فقد حصانته الأخلاقية والدينية وقبل أن يكون أداة قتل وتخريب بيد أعداء أمّته بعد أن أعمته إيديولوجيات متطرفة إلى الحد الذي جعله يتصور أن قتل إخوانه في الدين والوطن طريق لنيل المكانة في الآخرة.

وإن لظاهرة تفشي ثقافة العنف والقتل بين الأجيال العربية جانبا أخطر يتجاوز سلوك الأفراد إلى الدول. فمن جهة لا تبذل هذه الأخيرة ما يكفي من جهد سياسي وثقافي وديني لتطويق الظاهرة، ومن جهة أخرى يكتفى بعضها بدور المتفرج على ما يجري بأقطار مجاورة مرتاحا لأن الظاهرة لا تعنيه، وفي ذلك خطأ استراتيجي جسيم حيث ثبت أن شرارة العنف لا تعترف بحدود بدليل شبكات العنف المنظم التي يتوالى تفكيكها تباعا في أكثر من دولة عربية.

ومن هذا المنطلق نكرّر ما سبق ونبهنا إليه أكثر من مرّة على أعمدة صحيفة "العرب" من أن الأمن القومي العربي وحدة متكاملة لا يمكن فصلها، وعلى أساسه قلنا إن ما يجري على أرض اليمن من تهديد لوحدته واستقراره ليس شأنا يمنيا محضا بل هو شأن عربي يعني بالدرجة الأولى جواره الخليجي ويتطلب تقديم الدعم العاجل له ماديا وسياسيا في حربه على قتلة شعبه ومهددي مستقبله، فشرارة العنف في اليمن لن توقفها الحدود إذا أصابت رياحا مؤاتية.

فادعموا اليمن ودافعوا عن أمنه واستقراره تحصنوا بلدانكم وتحفظوا استقرارها ووحدتها وتنتصروا على التطرف والتشدد وما ينطبق على اليمن يشمل العراق ولبنان وغزّة والصومال.

نقلا
 عن صحيفة العرب