البطالة في اليمن: الأسباب والحلول
السبت, 19-يوليو-2008
محمد عبدالله محمد -

بعدد سكان يصل إلى نحو 23 مليون نسمة وبتنامي مستمر، تواجه اليمن قيوداً متزايدة يفرضها عليها ضعف وهشاشة اقتصادها لاسيما في ظل الحديث المتواتر عن نضوب النفط العائد الاقتصادي الأبرز والأكثر ثقلاً للبلاد في الوقت الحالي، وهو الأمر الذي دفع الحكومة اليمنية إلى الاعتماد بصورة متزايدة على الضرائب لزيادة العوائد.
وعلى الرغم من تبني الحكومات اليمنية المتعاقبة، في العقد المنصرم، برامج تثبيت اقتصادي في محاولة للاستجابة للصعوبات الاقتصادية المتزايدة. لكن لم تكن نتائج هذه التدابير حاسمة. ولعل استفحال ظاهرة البطالة في البلاد كانت شاهداً واضحاً على ذلك. فقد أظهر تقرير لوزارة التخطيط والتعاون الدولي، مؤخراً، أن البطالة في اليمن وصلت إلى نقطة حرجة إذ تراوحت بين 29 و34%، لافتاً إلى تركزها بصورة كبيرة بين الشباب إذ تصل نسبتها إلى 18%، وأنها تصل إلى أعلى مستوياتها بين النساء بمعدل 39.5 % مقارنة بالرجال الذين تصل النسبة في أوساطهم 13.1%.
واعتبر التقرير الأرقام مؤشراً خطيراً يكشف ضعف ومحدودية دور السياسات الاقتصادية الرامية إلى تحسين مستوى الأداء الاقتصادي. ومن بين قرابة 190 ألف شاب وشابة، هم مخرجات النظام التعليمي، ويحتاجون إلى وظائف بعددهم لشغرِها، لا يستطيع الاقتصاد اليمني توفير أكثر من 16 ألف وظيفة. وحذّر التقرير من أن البطالة توقع في الفقر، مشيراً إلى أن استمرار هذه الحالة وما يرافقها من حرمان ومعاناة تدفع الفرد إلى الانحراف وتصيبه بالاكتئاب فتدفعه للانتحار فضلاً عن ممارسة العنف والجريمة والتطرف والإرهاب. وقدّر التقرير متوسط الدخل الشهري للأسرة اليمنية في الحضر من جميع المصادر بـ 36.988 ألف ريال (185.8 دولاراً)، في حين بلغ متوسط الدخل الشهري للأسرة في القرى 26.654 ألف ريال (133.9 دولاراً).
وتشير الدلائل إلى أن إتباع الحكومة اليمنية لسياسة تجميد الوظائف وحدها من دون خلق مناصب شغل جديدة قد أدى إلى تفاقم ظاهرة البطالة، لاسيما أن الدولة ظلت على الدوام هي المُشغِّل الأول في بلدٍ تنمو فيه قوة العمل بشكل مضطرد، حيث يواجه سوق العمل ضغوطاً متزايدة ناجمة عن النمو السكاني المرتفع والبنية الهيكلية للسكان، الأمر الذي يؤدي إلى تنامي قوة العمل بمعدلات تفوق معدل النمو السكاني. وعليه فان هذا النمو لمعدل البطالة من جهة وتزايد معدل نمو قوة العمل من جهة ثانية، في ظل عدم كفاءة استيعاب سوق العمل لهذا التنامي لقوة العمل، كلها عوامل دفعت ظاهرة البطالة في اليمن إلى طرح نفسها كتحدٍ كبير أمام الجميع، لاسيما في ظل محدودية التأهيل والتدريب وقلة المهارات؛ فهناك نقص في الكفاءة وفي إدارة تشغيل القوى العاملة وتأهيلها. كما أن البطالة لم تعد تقتصر فقط على الداخلين الجدد إلى سوق العمل الذي يمثلون مخرجات التعليم والتدريب والمتسربين منه، بل أن هناك من فقدوا وظائفهم لأسباب مختلفة كالركود الاقتصادي وتآكل رأس المال.

أسباب البطالة في اليمن
والحقيقة أن البطالة في اليمن تعود إلى أسباب عديدة وغالباً ما تكون مركّبة، منها أن العمالة اليمنية تحتوي على نسبة كبيرة غير ماهرة، في حين أن الوظائف الحديثة وظائف تقنية وتتطلب مهارات نوعية، وهذا يؤدي إلى زيادة نسبة العاطلين. ومن تلك الأسباب ضعف التأهيل الفني لقوى العمل، وهو ما بدأت اليمن بعلاجه في الأعوام الأخيرة من خلال إنشاء المعاهد الفنية. وكذلك غياب التخطيط السليم لمخرجات التعليم الجامعي، إذ إن الطاقة الاستيعابية للكليات الإنسانية (غير العلمية) مفتوحة على مصراعيها بينما هناك تضييق شديد بفرص القبول في الكليات العلمية كالطب والهندسة والحاسوب وغيرها، لذلك يندفع الفائض إلى الكليات الإنسانية لكي لا يضيع عليهم عام دراسي.
ومن أسباب البطالة أيضاً عدم العمل بالتشريعات القانونية المنظمة للعمالة غير اليمنية؛ فهناك تراخيص عمل تمنح لأجانب تحت عنوان «مُزارع» أو «شغّالة»، لكن في الحقيقة أغلبهم يزاولون مهناً أخرى لا يسمح لغير اليمني بمزاولتها. والحال أن وجود آلاف الأشخاص من هذا النوع يعني حرمان عدد مماثل من اليمنيين من استحقاقهم في العمل. كما أن هناك قوانين تحدد نسب معينة للعمالة اليمنية في الشركات الاستثمارية الوافدة، لكن لا توجد رقابة أو جهة تلزم هذه الشركات بالتقيد بالنسب المعلنة، فتحل محلها عمالة أجنبية، علاوة على عدم توفير الحماية للعمال من استغلال الشركات لظروفهم.
ومن الأسباب المهمة التي فاقمت من ظاهرة البطالة في اليمن الفجوة التنموية الواضحة في بعض المحافظات. فمثلاً هناك نشاط اقتصادي كثيف في العاصمة وعدن والحديدة وحضرموت، ونوعاً ما في تعز، فيما تفتقر محافظات أخرى إلى المصانع أو الموارد الطبيعية التي تساعد على قيام نشاط اقتصادي كالموانئ والثروات النفطية والزراعية، الأمر الذي يضعف فرص أبناء هذه المناطق في العمل.
كما أن هناك تأثراً بتدهور النشاط الزراعي، إذ إن الهجرة من الريف إلى المدينة تعني حرمان عدد كبير من الأيدي العاملة من العمل لأن الزراعة تتطلب عمالة كبيرة. بالإضافة إلى عدم وجود تشجيع لزراعة المحاصيل التي تستقطب الأيدي العاملة كزراعة القطن أو المنتجات البقولية، بجانب ضعف حركة استصلاح الأراضي التي عادة ما تكون بدعم حكومي. ونتيجة لذلك، تزداد ظاهرة هجرة أفواج من العمال الشباب إلى المدن، ومعها تبرز مشكلة النمو السكاني الكبير في المدن اليمنية الذي يصل - بحسب بعض الدراسات - إلى حوالي 7% سنوياً، لترتفع بذلك نسبة السكان الحضر إلى حوالي 26.5% من إجمالي سكان البلاد، وهو أمر يؤدي لتنامي عدد من الظواهر السلبية في كل من المناطق الحضرية والريفية تتمثل في عمل الأطفال والتسول.

نحو حلولٍ ناجعة لمشكلة البطالة
يقول العالِم الشهير ألبرت أينشتاين: "لا يمكن حلّ المشكلات التي نواجهها بنفس أسلوب التفكير الذي كنا عليه ساعة نشوئها". وهذه المقولة الذكية صائبة ولا شك. وثمة ما يشير إلى أن الإدراك السياسي في اليمن، أخذ يُقرّ - وإن ببطء - بأن مشكلة البطالة تتطلب حلولاً جذرية وعاجلة لا تقبل التسويف، ومع هذا ظلت كل الحلول المطروحة غير ناجعةٍ إلى حدٍّ كبير.
وهذا الإدراك ينسجم مع الإدراك السائد في المنطقة العربية لخطورة المشكلة التي أخذت تتفافم بصورة ملحوظة في السنوات الأخيرة، وتبعاً لذلك فإن التجارب العربية في علاج مشكلة البطالة، اختلفت وتفاوتت نتائجها وفقاً لظروف كل دولة، وحجم المشكلة لديها؛ ففيما لجأت الدول الخليجية إلى توطين العمالة الوطنية محل الأجنبية تدريجياً، مُحققة نجاحاً ملموساً، انتهجت الدول التي تتفاقم فيها الظاهرة سياسة متعددة الأبعاد من خلال تشجيع إنشاء الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وحثّ الشباب للتوجه للعمل الخاص، أو من خلال إنشاء المشروعات القومية الكبرى القادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من الداخلين إلى سوق العمل سنوياً.
لكن هذه المعالجات قد لا تكون كافية أو مُجدية تماماً في دولة ضعيفة اقتصادياً كاليمن، إذ إن المفتاح الرئيسي لتخفيض معدلات البطالة في هذا البلد يظل كامناً في تحقيق نمو اقتصادي قوي يكفي لتوليد فرص عمل مثمرة، والقيام بتنفيذ إستراتيجية فعالة لتشغيل القوى العاملة، وبحيث تشمل تخفيض معدل النمو السكاني المرتفع، وإدخال المزيد من النساء لسوق العمل، وتحسين مستوى جودة التعليم والتدريب، وتشجيع الاستثمارات الخاصة، والتركيز على القطاعات غير النفطية مثل الزراعة والثروة السمكية والسياحة.
ومهما يكن من أمر، لا بد من القول إن معظم أسباب البطالة في اليمن - كما في دول العالم أجمع - ليست قدراً محتوماً، والعلاج على صعيد الماكرو يكمن في مواصلة الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بشكل متوازٍ وحثيث. ويمكن الإشارة هنا إلى عدد من التوصيات المهمة والتي يغلب عليها الطابع المباشر:
- التسليم بتراجع قدرة قطاع الدولة على تأمين استيعاب الأعداد المتزايدة.
- تنشيط الاستثمار في الموارد البشرية، وإصلاح انساق التعليم، والانتقال التدريجي إلى التعليم المُعصرن.
- تخفيض كلفة استخدام التكنولوجيا، وتقريبها من العامة.
- تشجيع القطاع الخاص ليوفر الجزء الأكبر من العمالة القادمة؛ فإذا كان القطاع الحكومي غير قادر على توفير أكثر من 20% من فرص العمل، فإن توفير فرص عمل للنسبة الباقية يقع على عاتق القطاع الخاص.
- التركيز على الحل "السحري" الذي اتبعته بعض الدول، وهو الاهتمام بالمشروعات الفردية والصغيرة، دعماً وتمويلاً، خاصة بعد تزايد دورها على صعيد الاقتصاديات العالمية.
- محاربة الفساد بكل أشكاله دون هوادة، وترسيخ حكم دولة القانون التي تتيح الفرص المتساوية لجميع مواطنيها ودون أدنى تمييز.