الظروف الإقليمية والدولية الراهنة.. هل تدعم وحدة اليمن واستقراره؟
الأحد, 02-أغسطس-2009
عايش عواس - تثير التطورات التي تشهدها المحافظات الجنوبية أو عدد منها بالأصح منذ حوالي عامين تساؤلات عديدة حول الوحدة اليمنية ومستقبلها، وحدود الفرص المتاحة للمحافظة عليها وتعزيزها، ونظرا لصعوبة الإجابة على كل هذه التساؤلات في هذه المساحة المحدودة، فان تركيزنا سينصب على قراءة وتحليل البيئة الخارجية لمعرفة ما إذا كانت الظروف على المستويين الإقليمي والدولي تدعم بقاء وحدة اليمن وأمنه واستقراره أم أنها تفيد بغير ذلك؟.

المواقف الإقليمية
يمكن للفاحص المدقق لردود فعل دول المنطقة إزاء تطورات الأوضاع في المحافظات الجنوبية وحوادث العنف والعمليات الإرهابية التي شهدتها اليمن في الفترة الأخيرة أن يلاحظ بسهولة مدى الدعم والتأييد الذي تحظى به الوحدة اليمنية من قبل القوى الفاعلة في المنطقة.

السعودية ودول الخليج
بخلاف الفترة الماضية والتي كان فيها موقف دول الخليج من الوحدة محل تساؤلات فقد أظهرت السعودية وبقية دول مجلس التعاون في المرحلة الراهنة موقفا داعما ومؤيدا لوحدة اليمن وأمنه واستقراره من منطلق أن ما يضر اليمن يضر دول المجلس والعكس(1) ففي البيان الختامي للاجتماع الرابع المشترك لوزراء خارجية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والجمهورية اليمنية الذي استضافته العاصمة السعودية الرياض في شهر يونيو من هذا العام أكد وزراء خارجية دول المجلس "دعم دولهم للوحدة اليمنية وجهود الحكومة اليمنية الداعية للحوار وبما يؤمن استقرار اليمن ووحدة أراضيه"، وتتأكد مصداقية هذا الموقف بشكل أكبر من خلال اتجاه دول الخليج في الفترة الأخيرة إلى دعم المشاريع الاقتصادية والتنموية في اليمن حيث وصل إجمالي تعهدات دول المجلس والصناديق الإقليمية الخليجية إلى حوالي 3.5 مليار دولار لمشاريع الفترة (2007-2010) موزعة على أكثر من خمسين مشروعا وبرنامجا تنمويا كما وقع الجانبين مؤخرا على اتفاقيات بمبلغ يتجاوز 1.5 مليار دولار لتمويل مشاريع لإنتاج الطاقة الكهربائية والطرق والموانئ والمطارات([2])، وكذا مشاركة دول الخليج في المؤتمرات الدولية المخصصة لدعم مشاريع التنمية في اليمن ومساهمتها في تأهيل الاقتصاد اليمني لتسهيل عملية اندماجه مع اقتصاديات دول المجلس، ناهيك عد إبداء استعدادها مؤخراً لاستيعاب العمالة اليمنية وبالأخص الماهرة منها في السوق الخليجية، واتخاذها لعددٍ من الإجراءات ضد عناصر المعارضة المتواجدين على أراضيها الذين يؤيدون الدعوات المطالبة بالتشطير([3]) ومن ذلك قيام سلطنة عمان بسحب الجنسية من علي سالم البيض بسبب عودته لممارسة العمل السياسي.

ولا شك أن موقف المملكة العربية السعودية ودول المجلس الداعم لوحدة اليمن واستقراره على النحو المشار إليه لا تمليه العواطف بقدر ما هو محكوم باعتبارات المصلحة، وضرورات الأمن. فإنهاء الوحدة اليمنية لن يؤدي إلى تشطير اليمن إلى كيانين كما كان الحال في السابق بل على الأرجح إلى ثلاثة أو أربعة كيانات، ومن ثم دخول البلاد في حالة من الصراع الدائم، على الأقل بسبب الخلافات بين هذه الكيانات على ترسيم الحدود السياسية فيما بينها، وبالتالي انتشار الفوضى وعدم الاستقرار، وأمرٌ كهذا لا يصب في صالح دول المجلس وإنما سيكون المستفيد طرفين رئيسيين كلاهما يحمل توجهات عدائية إزاء دول مجلس التعاون، وهما في هذه الحال تنظيم القاعدة وإيران، فالأول وكما هو معروف لا يقوى حضوره ويتعزز سوى في المناطق التي تتفشى فيها حالة الفوضى وعدم الاستقرار إلى درجة لا يستبعد في ضوءها تحول اليمن إلى مركز لنشاط التنظيم وقاعدة انطلاق لضرب المملكة ودول الخليج العربي نظرا للقرب الجغرافي والحدود المشتركة بين الطرفين، ويمثل اندماج فرعي تنظيم القاعدة السعودي واليمني في كيان واحد (تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب) مؤشراً على خطورة تدهور الأوضاع في اليمن على أمن واستقرار دول مجلس التعاون، فضلا عن ذلك فإن عدم الاستقرار في اليمن سيؤدي إلى تدفق مئات الآلاف من اللاجئين اليمنيين إلى دول الخليج وتزايد عمليات الهجرة غير المشروعة إلى أراضيها كون الحدود المشتركة مع السعودية وعمان تمثل أفضل البدائل المتاحة أمامهم للهروب من جحيم الحروب الصراع المسلحة، مقارنةً بحدود اليمن الغربية والجنوبية (البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب).

وإلى جانب ذلك فان عدم الاستقرار في اليمن سيؤدي إلى توجيه أنظار الدول الغربية، أميركا تحديداً نحو منطقة جنوب البحر الأحمر والتفكير في التدابير اللازمة لتأمين منابع إنتاج النفط في الخليج وحماية حركة الملاحة الدولية في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر ومن ثم إعطاء الفرصة لإيران لاستكمال مشروعها النووي وتعزيز نفوذها الإقليمي.

والأخطر من كل ذلك أن تدهور الوضع الأمني في اليمن قد يفضي إلى تنامي قوة التيار الشيعي المرتبط بإيران في محافظة صعدة، ولاسيما في ضوء التطورات التي تشهدها المحافظة والتي أفرزت حتى الآن صعود واضح للفكر الإثنى عشري في المنطقة المجاورة لحدود المملكة الجنوبية مما قد ينذر مستقبلا بجذب سكان نجران وجيزان باتجاه الجنوب بدافع الروابط المذهبية.

وفي كل الأحوال يخطئ من يعتقد أن الظروف الإقليمية السائدة اليوم هي نفس الظروف في عام 1994، فأجواء التوتر التي كانت تخيم على العلاقات اليمنية الخليجية إبان أزمة الخليج الثانية تلاشت، وقبول انضمام اليمن إلى عضوية عدد من المؤسسات التابعة لمجلس التعاون الخليجي ودعم دول هذا التكتل ومساهمتها في تأهيل الاقتصاد اليمني، وتوقيع الاتفاقيات الأمنية بين الطرفين، وتبادل تسليم المطلوبين شاهد على ذلك.

كما أن احتمال إعادة تشطير اليمن في اللحظة الراهنة يعتبر بنظر الدول الإقليمية رهاناً خاسر، فإذا كان مشروع الانفصال قد فشل أثناء وجود جيشين نظاميين لكل منهما أسلحته ونظامه الهيكلي الخاص، فإن من المستبعد نجاحه اليوم بعد مضي عشرين عاماً على قيام الوحدة.

إيران
ينظر العديد من المحليين إلى الموقف الإيراني بنوع من الريبة والشك بفعل ثلاثة أسباب رئيسية أولها هو تواتر المعلومات الأجنبية والمحلية التي تفيد بتدخل إيران في شؤون اليمن الداخلية عبر دعمها وتأييدها المعنوي لجماعة الحوثي في محافظة صعدة، وإن لم يتم تأكيد ذلك من جهات يمنية رسمية.

والسبب الثاني هو انحياز بعض وسائل الإعلام المحسوبة على إيران قناة العالم الفضائية منها على وجه التحديد إلى جانب الدعوات المطالبة بانفصال جنوب اليمن عن شماله ولاسيما في بداية العام الجاري 2009 وتبنيها أحياناً لمصطلحات وألفاظ متعاطفة مع تلك الدعوات.

والسبب الأخير مرتبط بمعيار المصلحة حيث يرى البعض أن إيران مستفيدة من توتر الأوضاع في اليمن والمنطقة بشكل عام باعتبار أن واقع كهذا يحول دون تركيز أنظار أميركا والدول الغربية على الملف النووي الإيراني ومن ثم إعطاء طهران المزيد من الوقت لإنجاز مشروعها الاستراتيجي.

ومع ذلك لا يمكن الجزم بصحة ما سبق الحديث عنه على وجه اليقين فالدعم المالي لجماعة الحوثي إن وجد لا يأتي من جهات رسمية في الدولة الإيرانية، وإنما من شخصيات أيديولوجية، هذا من ناحية ومن ناحية ثانية لا يجد المراقب الموضوعي أي مصلحة حقيقية لإيران من وراء تشطير اليمن وإنهاء وحدته، فلا هو بالدولة المعادية لإيران ولا هو في وضع المنافس لها على الساحة الإقليمية، وزيارة علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الإيراني لصنعاء منتصف شهر مايو من العام الجاري 2009 تعزز مصداقية هذا الرأي وتؤكد مدى حرص طهران على وجود علاقات حسنة مع صنعاء.

وبغض النظر عن صحة هذا الرأي أو ذاك فإن الوقائع الأخيرة توحي بإمكانية تراجع وانكماش الدور الإيراني في المرحلة القادمة وخصوصا إذا ما تصاعدت حدة الخلافات داخل النظام الإيراني، أو وجهت ضربة عسكرية لمفاعلاتها النووية من قبل قوى خارجية.

مصر
دور مصر وثقلها على المستوى الإقليمي من الحقائق التي لا سبيل إلى إنكارها، ولهذا السبب دائما ما تؤخذ مواقفها تجاه أي قضية من القضايا بعين الاعتبار، وفي الوقت الراهن تؤكد جمهورية مصر العربية على لسان مسئوليها بمختلف مستوياتهم وقوفها إلى جانب اليمن ووحدته وأمنه واستقراره ورفضها لأي محاولات للتدخل من أطراف خارجية في الشأن اليمني بقصد زعزعة الأمن والاستقرار الداخلي، وتبني مصر لهذا الموقف تمليه ثلاثة اعتبارات أولها هو إدراكها أن عدم الاستقرار في اليمن وضعف دولته سيترتب عليه تزايد مصادر التهديدات لحركة الملاحة في المدخل الجنوبي في البحر الأحمر، وتقليل عدد السفن المارة بقناة السويس، وبالتالي انخفاض عائدات مصر من دخل القناة والتي تساهم بحوالي 20 في المائة من إجمالي الناتج القومي سنوياً، والاعتبار الثاني نابع من شعور القيادة المصرية في اللحظة الراهنة بأن أي محاولات لتجزئة اليمن أو أي قطر عربي آخر إنما يخدم شانئيها والراغبين في تهميش دورها وحضورها الإقليمي، وما حل بالعراق منذ عام 2003 يدعم صحة مثل هذا الرأي، وآخر هذه الاعتبارات يتعلق بحالة التجاذبات وسياسات المحاور التي تشهدها المنطقة([4]) في هذه المرحلة، حيث تظهر الوقائع اليوم وجود محورين على المستوى الإقليم: المحور الأول تمثله إيران وسوريا وقطر وحزب الله وحركة حماس، ويسمى بالمحور المقاوم، فيما يمثل المحور الثاني كلاً من السعودية ومصر والأردن ويسمى محور المعتدلين، ويبدو أن صنعاء وسط هذه الأجواء قررت الانحياز للمحور الثاني، وهو ما تجسد من خلال امتناعها عن المشاركة في قمة غزة الطارئة التي استضافتها العاصمة القطرية الدوحة في يناير 2009، بهدف وقف العدوان الإسرائيلي حينها على قطاع غزة والتي حضرها زعماء دول المحور الأول وغاب عنها قادة دول المحور الثاني، وبالتالي فان موقف مصر المؤيد لوحدة اليمن وسلامة أراضيه واستقراره تمليه حالة الشد والجذب التي تعيشها المنطقة في هذه المرحة من الزمن.


القوى الدولية
يتسم النظام الدولي في المرحلة الراهنة بثلاث خصائص رئيسية أولها هو غياب مبدأ التعددية القطبية الذي ظل سائدا على مدى قرون طويلة من الزمن وظهور نظام دولي جديد يقوم على مبدأ الأحادية القطبية تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ولا يلوح في الأفق ما يشير إلى إمكانية عودة ظاهرة تعدد الأقطاب لا في المدى القريب ولا المتوسط ما لم تحدث تغيرات خارج إطار ما يمكن أن يتوقعه العقل البشري .

وبهذا الخصوص نستطيع القول إن نظام الثنائية القطبية في النصف الأخير من القرن الماضي ساهم بدور لا ينكر في تجزئة وتقسيم العديد من شعوب وبلدان العالم بفعل حالة الاستقطاب التي كانت سائدة وقتها وابرز الأمثلة على ذلك بطبيعة الحال ألمانيا وكوريا واليمن؛ فالأولى تم تقسيمها عقب نهاية الحرب العالمية الثانية إلى شطرين شطر يتبع المعسكر الغربي الذي كانت تقوده الولايات المتحدة الأميركية والشطر الآخر (ألمانيا الشرقية) يتبع المعسكر الاشتراكي الذي كان يتزعمه حينها الاتحاد السوفيتي سابقا، كذلك فقد حدث الأمر نفسه مع كوريا التي لازالت تعاني التشطير، ولم يقتصر التأثير السلبي للثنائية القطبية على فرض حالة التجزئة والتشطير بل إنه أعاق أي محاولات للملمة الشمل وإعادة التوحد بين أبناء الوطن الواحد خشية أن يتم ذلك لصالح معسكر بعينه وكان اليمن من بين أكثر الدول تأثيرا بهذا الواقع، بل لا نبالغ إذا ما قلنا إن تلك الظروف مثلت واحدا من أهم الأسباب التي حالت دون تحقيق الوحدة اليمنية، حيث كان الاتحاد السوفيتي من جانبه يرى أن اندماج شطري اليمن في كيان واحد قد يؤدي إلى قيام نظام سياسي موالي للغرب، والعكس صحيح بالنسبة لأميركا والدول الغربية التي كانت ترى من جهتها أن قيام الوحدة قد يؤدي إلى سيطرة المد اليساري على عموم اليمن ومن ثم وقوع البلاد تحت مظلة النفوذ السوفيتي، ولذا لم يكن مستغربا اقتران قيام الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م بانتهاء فترة القطبية الثنائية، وزيادة على ذلك فان حالة الاستقطاب التي ظلت سائدة في الساحة الدولية أثناء فترة الحرب الباردة كانت تفسح المجال لنشوب الصراعات بين القادة السياسيين في دول العالم الثالث نتيجة شعورهم بإمكانية الاستفادة من حالة التنافس بين القوتين العظميين، والخاصية الثانية هي ظهور قضايا وتهديدات جديدة للأمن والسلام الدولي وأبرزها بطبيعة الحال ظاهرة الإرهاب الدولي التي باتت تمثل في الوقت الحالي الشغل الشاغل للمجتمع الدولي، والهم الرئيسي لقواه العظمى.

وبهذا الخصوص نتساءل هل وحدة اليمن واستقراره يدعم الجهود الدولية الرامية لمكافحة الإرهاب أم العكس هو الصحيح، بمنتهى الموضوعية نقول إن تجزئة اليمن ستفضي حتما إلى خلق حالة من الضعف والصراع الدائم وتفشي الفوضى وعدم الاستقرار في البلاد وعلى مستوى منطقة جنوب البحر الأحمر بشكل عام، وإذا ما حدث ذلك سيترتب عليه أمرين في غاية الخطورة على مصالح الدول الكبرى وأميركا والدول الغربية منها على وجه التحديد، فمن ناحية وكما هو معروف لا تقوى التنظيمات الجهادية ويتعزز نشاطها كما ذكرنا سابقاً سوى في المناطق التي تعمها الفوضى وعدم الاستقرار إلى درجة يمكن معها القول بوجود علاقة طردية بين المتغيرين. وبعبارة أخرى فإنه كلما اتسعت مساحة الفوضى وعدم الاستقرار كلما اتسع نشاط تلك التنظيمات والعكس صحيح، والمشكلة في هذا الجانب أن تعزيز حضور تلك التنظيمات في اليمن سيفسح المجال أمامها لضرب المنشآت النفطية في السعودية ودول الخليج إضافة إلى تهديد خطوط إمدادات النفط نظراً لإطلال اليمن على البحر الأحمر الذي يمر بها ما يقارب 30% من احتياجات العالم من الطاقة سنويا فضلا عن ذلك فان تجزئة اليمن في ظل المشاعر الشعبية المؤيدة للوحدة قد يؤدي إلى تحول اليمن إلى صومال أخرى، وبالتالي إلى اتساع ظاهرة القرصنة البحرية ومن ثم تزايد التهديدات ضد حركة الملاحة الدولية في غرب المحيط الهندي وخليج عدن وباب المندب وكل ذلك يدفع دول العالم إلى تأييد وحدة اليمن وأمنه واستقراره، وفي المقدمة منها الولايات المتحدة الأميركية التي أكد مسئوليها بمختلف مستوياتهم بما فيهم الرئيس باراك أوباما وقوف أميركا إلى جانب اليمن ووحدته وأمنه واستقراره،([5]) باعتبار ذلك يخدم الأمن والاستقرار في المنطقة والأمر نفسه ينطبق على بقية الدول الغربية صحيح أن هناك بعض الشكوك حول موقف بريطانيا بهذا الشأن بسبب استضافتها لبعض المعارضين من المحافظات الجنوبية ودعمها لبعض الصحف ذات النزعة المناطقية. غير أن رؤية بريطانيا وموقفها في المجمل لا يمكن أن يتعارض بأي حال من الأحوال مع الرؤية والموقف الأميركي وخصوصاً في القضايا الإستراتيجية والأمنية، أما بالنسبة لروسيا فهي وان كان لدى البعض ما يدفعهم للاعتقاد بإمكانية عودتها إلى مناطق نفوذها القديمة عبر دعم القوى ذات التوجهات القريبة منها، إلا أن خيار كهذا يفتقد إلى المنطق والمصداقية لسببين اثنين أولهما هو حساسية روسيا الشديدة في الوقت الحالي تجاه أي دعوات لتجزئة وتقسيم الدول بحكم إدراكها لواقع تركيبتها السكانية ومجتمعها التعددي، حيث وفتح هذا الملف قد يؤدي إلى دفع سكان بعض الأقاليم في روسيا إلى المطالبة بالاستقلال، والسبب الآخر هو أن مجال اهتمام روسيا المركزي في الوقت الراهن ينصب في جوارها القريب والعمل على وقف توسع نفوذ حلف الناتو في مجالها الحيوي المتمثل بالدول التي كانت تنضوي تحت حكم ما كان يعرف سابقا بالاتحاد السوفيتي، مضافاً إلى ذلك فان سياسات روسيا وتحركاتها على المستوى الدولي اليوم ليست محكومة بالايدولوجيا كما كان عليه الأمر أثناء فترة الحرب الباردة بقدر ما تحدده المنافع والمصالح. ومن هذا المنطلق يحق لنا أن نتساءل هل توجد لروسيا مصلحة من وراء تشطير اليمن؟ وما هي طبيعة ونوع المصلحة التي قد تجنيها من وراء تشطيره، الإجابة باختصار شديد لا توجد أي مصلحة.

الاتحاد الأوربي
الرؤية الإستراتيجية لدول الاتحاد الأوربي تجاه اليمن والمنطقة بشكل عام لا تختلف من حيث المبادئ والأهداف عن الرؤية الأميركية هذا إن لم تكن في حالة تطابق تام معها، وبإيجاز غير مخل يمكن القول بهذا الشأن إن الهم الرئيسي لدول الاتحاد الأوربي والكبرى منها داخل هذا التكتل على وجه التحديد هو إحلال الأمن والاستقرار في المنطقة، فهل الوحدة اليمنية تخدم تحقيق هذا الهدف أم التشطير؟ من منظور عقلاني تعد الوحدة اليمنية عنصر مهم لتحقيق الاستقرار الإقليمي لا من كونها الأمر الطبيعي لشعب تجمعه وحدة الأصل والجغرافيا والدين وإنما لكونها أيضا تمثل رغبة مشتركة لكل أفراد المجتمع وفئاته.

وعليه فان أي محاولة للمساس بها ستفضي إلى ردة فعل شعبية مناهضة ونشوب مواجهات وصراعات داخلية وربما إقليمية لا يمكن السيطرة عليها أو التحكم بمجرياتها، وفي حال ما حدث مثل هذا الأمر فإن مصالح الدول الأوربية ستتضرر من جانبين، الجانب الأول هو تهديد المصادر التي تغطي احتياجاتها من الطاقة (النفط)، واليمن بحكم موقعه الجغرافي في الركن الجنوبي لشبه الجزيرة العربية يشرف على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر أهم طرق إمدادات النفط إلى أوربا كما ترطبه بدول الخليج حدود برية مشتركة يصل طولها إلى نحو 1856 كليو متر، ونظرا لعلاقة التأثير المتبادل بين اليمن ومنطقة الخليج العربي فان عدوى الفوضى وعدم الاستقرار قد تنتقل إلى المنطقة البرية والبحرية المجاورة لليمن وبالتالي توقف عمليات إنتاج النفط وخطوط إمداداتها، وهذا ما لا تستطيع أوربا احتماله أو السكوت عنه.

والجانب الآخر يتعلق بتهديد مصالح بعض دول الاتحاد الأوربي في شرق إفريقيا ومنها على وجه التحديد فرنسا، فعند اقرب نقطة التقاء بين الشاطئين اليمني والإفريقي توجد قاعدة عسكرية فرنسية (في جيبوتي) هي الأكبر في القارة من بين ست قواعد أخرى موجودة فيها، وهذا القاعدة في غاية الأهمية لفرنسا لا من كونها نقطة وثوبها، ومدخلها إلى شرق القارة ووسطها فقط، وإنما من كونها إلى جانب ذلك تعطي فرنسا ميزة إستراتيجية في الحسابات الدولية وهذه الميزة هي التواجد في الجزء الجنوبي من البحر الأحمر أهم طرق المواصلات البحرية في العالم وحلقة الوصل بين الشرق والغرب، وإذا كانت الأزمة الصومالية والصراعات الإقليمية في منطقة القرن الإفريقي تمثل عامل قلق لفرنسا ومعظم الدول الأوربية ولاسيما في ضوء تزايد هجمات القراصنة على السفن في خليج عدن والمحيط الهندي فان من شأن الفوضى وعدم الاستقرار في اليمن أن يضاعف حجم التهديدات ومساحة الفوضى لتشمل المنطقة الممتدة من حدود كينيا إلى جنوب شبه الجزيرة العربية إلى درجة قد تصبح معها القاعدة الفرنسية والقوات الأوربية المتواجدة لمكافحة القرصنة في وضع حرج وقد يصل الأمر إلى تهديد حركة المبادلات التجارية بين دول الاتحاد ودول جنوب وشرق آسيا.

ولاشك أن دخول الجماعات الجهادية على خط الأحداث في المحافظات الجنوبية من خلال إعلان تنظيم القاعد في جزيرة العرب على لسان زعيمها ناصر الوحيشي دعمه وتأييده للحراك في تلك المحافظات وحثه قياداته على مواجهة الحكومة المركزية قد ضاعف المخاوف من خطورة تدهور الأوضاع في اليمن وانفراط وحدته ليس لدى دول الاتحاد الأوربي فقط بل وكافة دول المنطقة والعالم.

إحالات:
(1) الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية بالمملكة العربية السعودية، وكالة الأنباء السعودية.
(2) الأرشيف الالكتروني لوكالة الأنباء اليمنية سبأ.
(3) أبو بكر القربي وزير الخارجية اليمني، جاء ذلك في كلمته التي ألقاها في افتتاح الاجتماع الرابع المشترك لوزراء خارجية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والجمهورية اليمنية الذي عقد في الرياض.
(4) حسام زكي، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصري، الأرشيف الالكتروني لوكالة سبأ .
(5) الأرشيف الالكتروني لوكالة الأنباء اليمنية سبأ.

* المصدر: موقع مركز سبأ للدراسات الإستراتيجية.