تراجع اليقظة: ظهور تنظيم «القاعدة» من جديد في اليمن
السبت, 01-أغسطس-2009
غريغوري جونسن - جددت التقارير الأخيرة التي تشير بأن مقاتلي تنظيم «القاعدة» يغادرون باكستان وأفغانستان، حيث تكبدت المجموعة انتكاسات خطيرة، المخاوف الدولية بأن اليمن تعود للظهور مرة أخرى كملاذاً إرهابياً رئيسياً وآمناً. وعلى الرغم من أن التقييمات حول معاودة ظهور "تنظيم «القاعدة» في اليمن" هي دقيقة، لا يعود تدهور الوضع إلى نجاحات الولايات المتحدة في أي مكان آخر، بل هو نتيجة تراجع الاهتمام الأمريكي واليمني على مدى السنوات الخمس الماضية. ويمكن أن يساعد تجديد التعاون بين صنعاء وواشنطن في التعامل مع تنظيم «القاعدة» ومعالجة مشاكل اليمن المنهجية، في الحد من جاذبية المنظمة الإرهابية في هذا البلد المضطرب.

الهزيمة الظاهرة لـ "تنظيم «القاعدة» في اليمن"
في أواخر عام 2003، هُزم "تنظيم «القاعدة» في اليمن" إلى حد كبير من خلال التعاون الوثيق بين الولايات المتحدة وقوات الأمن اليمنية. وبلغ هذا التعاون ذروته في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2002 عندما اغتالت وكالة المخابرات المركزية، رئيس التنظيم "أبو علي الحارثي"، ولكن وزارة الدفاع الأمريكية تجاوزت "رواية التغطية" المتفق عليها وسربت [تفاصيل] العملية إلى الصحافة. لقد كانت واشنطن تحتاج إلى [إظهار نوع من] الانتصار في وقت مبكر من الحرب على الإرهاب، وكان اغتيال زعيم "تنظيم «القاعدة» في اليمن" أكثر من أن يكون جيدأ لكي يبقى بدون اعتراف.

ولكن اليمن، نظرت إلى ذلك بأنه قد "تم بيعها" على حساب مصالح الولايات المتحدة الداخلية. وقد دفع الرئيس اليمني علي عبد الله صالح ثمناً باهظاً بسماحه للولايات المتحدة بتنفيذ الهجوم -- وهي [حجة] لا يزال تنظيم «القاعدة» يستخدمها في دعايته حيث يجد لها تأثير كبير – وقد استغرق اكثر من عام من الزمن لكي تعترف الحكومة علناً بأنها قد أذنت لواشنطن بتنفيذ [الاغتيال].

وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2003، كانت الولايات المتحدة لا تزال تدفع ثمناً لذلك الخطأ عندما اعتقلت اليمن في شوارع صنعاء "محمد حمدي الأهدل"، [الرجل الثاني في "تنظيم «القاعدة» في اليمن" الذي استلم] منصب القيادة بعد مقتل "الحارثي". وبدلاً من أن تمنح للمسؤولين الأمريكيين إمكانية الوصول المباشر إلى "الأهدل"، اضطر هؤلاء إلى العمل عن طريق وسطاء يمنيين؛ ومع ذلك، ففي الوقت الذي كان قد تم اغتيال قيادته أو كانت تقبع في السجون، وبنيته التحتية قد دمرت إلى حد كبير، ومقاتليه كانوا أكثر ميلاً للإنضمام إلى التمرد في العراق منه إلى الجهاد في الداخل، كان يبدو أن "تنظيم «القاعدة» في اليمن" قد هزم إلى حد كبير.

تنظيم «القاعدة» يعيد بناء صفوفه
لقد اعتبرت كل من الولايات المتحدة واليمن بأن ذلك الانتصار كان مطلقاً، حيث لم تدركا بأن عدواً مهزوماً ليس بالضرورة أن يكون مقهوراً. وفي الواقع، شُطب تنظيم «القاعدة» من قائمة أولويات البلدين، وتمت استعاضته بمواضيع مقلقة أخرى، كانت تبدو أكثر إلحاحاً. وبالنسبة لواشنطن، هيمنت الإصلاحات الديمقراطية وحملات مكافحة الفساد على جدول الأعمال الثنائي [بين البلدين] باعتبارها جزءاً من رغبة إدارة بوش في تجسيد شرق أوسط جديد. وبالنسبة لليمن، تحول الاهتمام بشكل متزايد إلى الحرب الأهلية الطائفية الدائرة في السنوات الخمس الأخيرة في الشمال، وإلى تهديدات الانفصال [التي ظهرت] مؤخراً في الجنوب. وخلال عامين متتاليين من الهدوء النسبي التي أعقبت [هزيمة تنظيم «القاعدة»]، تم بالتأكيد تجاهل التهديد الذي يشكله التنظيم، ولكن، ليس من الضروري بأنه قد تم نسيانه. وقد ازدهرت السياحة، وبادرت وزارة الخارجية الأمريكية بطرح برنامج [لتشجيع الأمريكيين] على الدراسة في اليمن.

وحتى موضوع هروب ثلاثة وعشرين [محتجزاً]، من المشتبه بانتمائهم إلى تنظيم «القاعدة»، من السجن في مطلع عام 2006 - والذي ألقى فيه مسؤولون أمريكيون اللوم بصورة سرية على تعاون الحكومة اليمنية - تمت معاملته بصورة أكثر كعملية انحراف، من [اعتباره وسيلة] لفتح وابل معركة جديدة. وكان من بين الهاربين "قاسم الريمي" و "ناصر الوحيشي"، وهو سكرتير سابق لأسامة بن لادن وأحد المخضرمين من القتال في تورا بورا. وقد أوجد إهمال الحكومة الذي دام ما يقرب من عامين ونصف العام الكثير من المجال للرجلين لكي ينتظما من جديد ويعيدا بناء "تنظيم «القاعدة» في اليمن".

ويدل تورط "الريمي" و "الوحيشي"، إلى جانب عدد كبير من اليمنيين من مختلف أنحاء البلاد، إحدى أكثر الحقائق المثيرة للقلق حول التجسيد الحالي لتنظيم «القاعدة»: منظمة لها تمثيل أكبر في البلاد، حيث يتجاوز [وجود] "تنظيم «القاعدة» في اليمن"، المنزلة الطبقية، والقبيلة، والهوية الاقليمية، بشكل لا يمكن مظاهاته من قبل أي جماعة أو حزب سياسي في اليمن. وقد أثبت "الوحيشي" وغيره [من أعضاء القيادة] داخل التنظيم موهبة خاصة في التعبير عن سرد يهدف إلى جذب جمهور محلي، وذلك باستخدام كل شئ بدءاً من فلسطين ومحنة الشيخ مؤيد -- رجل دين يمني كان يعمل في جمعية خيرية واسعة الانتشار، ويقبع حالياً في سجن أمريكي بسبب توفيره الأموال للإرهابيين – من أجل زيادة جاذبيتهم الخطابية [لكي تستلهم] يمنيين شبان. لقد كانت حكومتا الولايات المتحدة واليمن عاجزتان عن التصدي لهذا النهج، ومن الناحية الفعلية تركتا الساحة [مفتوحة] لتنظيم «القاعدة».

وفي حزيران/يونيو 2007، أعلن تنظيم «القاعدة» رسمياً عن وجوده في البلاد وأن قائده هو "الوحيشي". وفي غضون أيام قليلة، شدد على نواياه بقيامه بهجوم انتحاري على فوج من السياح الأسبانيين. ومنذ ذلك الحين، ازدادت المنظمة قوة. ففي كانون الثاني/يناير 2008، قامت بإصدار العدد الأول من مجلتها النصف شهرية، "صدى الملاحم"، وفي ذلك الشهر نفسه شنت سلسلة من الهجمات، بلغت ذروتها في الاعتداء على السفارة الأمريكية في أيلول/سبتمبر 2008. وفي وقت سابق من هذا العام، قامت بهجومين انتحارين استهدفا مواطنين من كوريا الجنوبية، الأول ضد مجموعة من السياح والثاني ضد مسؤولين أرسلوا للتحقيق في الحادث [الأول].

وقد استفاد تنظيم «القاعدة» أيضاً من نجاحاته الأخيرة، بجذبه مجندين من كل من اليمن والمملكة العربية السعودية. وفي كانون الثاني/يناير [الماضي]، انضم اثنان من السجناء السابقين في معتقل جوانتانامو إلى الجماعة كقادة [ميدانيين]، وقادا عملية دمج الفروع المحلية في المملكة العربية السعودية واليمن إلى "وكالة" اقليمية واحدة. ومنذ ذلك الحين، قام أحد القادة، "محمد العوفي"، بتسليم نفسه إلى السلطات السعودية، ولكن يبدو أن لفتته اندفعت أكثر من الرغبة في حماية أسرته من حدوث تغيير في مواقفه.

إن هذه المنظمة الإقليمية الجديدة، التي تطلق على نفسها اسم "تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية"، تدل على تنامي طموح "الوحيشي". فطوال العامين الأولين من قيادته، كان يعمل بجد لتهيئة بنية تحتية دائمة يمكنها أن تبقى حيوية بعد فقدان قادة رئيسيين. وقد ثبت نجاحه في هذا المجال من خلال الواقع العملي بأنه حتى مع خسارة المنظمة لـ "حمزة الكويتي"، قائداً محلياً ماهراً بصورة خاصة، في تبادل لاطلاق النار جرى مع قوات الأمن اليمنية في آب/أغسطس 2008، كان التنظيم لا يزال قادراً على شن هجوم على السفارة الأمريكية بعد شهر واحد فقط من مقتله. وينظر حالياً "الوحيشي" إلى استخدام المناطق اليمنية "المحكومة بصورة جزئية جداً" كنقاط انطلاق لشن هجمات، ليس في اليمن فحسب ولكن أيضاً في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية والقرن الأفريقي.

الدروس المستفادة
لا ينبع ظهور تنظيم «القاعدة» من جديد في اليمن من نجاحات الولايات المتحدة في إزاحتهم من أماكن اخرى. وبدلاً من ذلك، من الضروري أن تفهم الولايات المتحدة وحلفائها بأن هزيمة جيل واحد من تنظيم «القاعدة» لا يزيل الخطر تماماً. يجب على واشنطن أن تضع استراتيجية ذات مسارين للقضاء على "تنظيم «القاعدة» في اليمن" بالتعاون مع اليمن وحلفاء الولايات المتحدة بين دول "مجلس التعاون الخليجي". وعلى المدى القصير، يجب على الولايات المتحدة أن تشارك مرة أخرى مع كل من اليمن والمملكة العربية السعودية بصورة منفصلة، لاستهداف قيادة تنظيم «القاعدة» وبنيته التحتية. وعلى الرغم من أن النجاح في ذلك سيكون أصعب بكثير في المرة الثانية، إلا أنه بالإمكان تحقيق ذلك عن طريق شن ضربات دقيقة ومنسقة.

ومع ذلك، فإن تنفيذ النهج الطويل الأمد هو أكثر أهمية وأكثر صعوبة على حد سواء. ولدى التجسيد الحالي لـ "تنظيم «القاعدة» في اليمن" عدداً أكبر من المجندين – والذين هم أصغر سناً -- من أي وقت مضى، نظراً للدعاية القوية التي يقوم بها "الحويشي"، فضلاً عن انعدام الفرص والانهيار الأولي للسلطة الاجتماعية التقليدية. وعلاوة على ذلك، فإن اليمن منشغلة، وأجهزتها الأمنية مرهقة بدعوات الانفصال عن الجنوب التي تزداد عنفاً، وبتهديدات لتجدد القتال في الشمال، والأهم من ذلك، [تعاني] من اقتصاد متعثر يجعل الأساليب التقليدية لاتباع حوكمة من "نمط الرعاية والحماية" شبه مستحيل. كما تواجه الولايات المتحدة واليمن جماعة من تنظيم «القاعدة» أصبحت الآن أكثر قبولاً كمنظمة مشروعة. وسيكون قتل أو إلقاء القبض على قادة "تنظيم «القاعدة» في اليمن"، وتفكيك بنيته التحتية خطوة هامة إلى الأمام، ولكن من غير المرجح القضاء على هذه المشكلة على المدى البعيد. وستكون معالجة القضايا الأساسية، وإن كانت صعبة جداً، عنصراً رئيسياً لضمان عدم ظهور تنظيم «القاعدة» مرة أخرى من جديد في اليمن.


* غريغوري جونسن، حاز سابقاً على منحة فولبرايت في اليمن، وهو مؤلف مشارك لـ "بلوغ" weblog «واق الواق» عن اليمن، والآن مرشح لنيل درجة الدكتوراه في دراسات الشرق الأدنى في جامعة برينستون.