كيف وظف كتاب الأمير لتكريس مفاهيم السيطرة والولاء؟
الأحد, 19-يوليو-2009
سيد أمين - لم يدر بخلد نيقولا ميكيافيللي فلورنسا أن كتابه "الأمير" الذي انتهي من كتابته قبيل وفاته بأربع عشرة سنة سيصبح مرجعا سياسيا مهما لكل حكومات الدنيا عقب الثورة الصناعية العالمية.

بل إنه لم يخيل له أن يصير كتابه صغير الحجم مباشر المعني اعظم كتاب تحدث في فلسفة الحكم السياسية بل انه الدعامة الاولي لفلسفة التاريخ باجماع المحللين.

وكما جاء في مقدمة الكتاب بقلم كريستيان غاوس صار هذا الكتاب سوءة لكاتبه في حياته وبعد مماته. فقد عاش مكيافيللي فقيرا جائعا أواخر حياته نتيجة غضبة الحاكم عليه رغم أنه سليل أسرة دبلوماسية وكان شخصا وديعا رقيق المشاعر دافق الاحاسيس متوقد الذهن عاشق لم يولد في الدنيا كلها عاشقا مثله.

انه عاشق ايطاليا الموحدة وليست تلك الدولة المقسمة إلى امارات وتيجان كثيرة لا هم لها أو لامرائها سوي تثبيت عرشهم بدم الايطاليين.. كان نموذجا قوميا يحتذي به والدولة القومية التي يطمح اليها ميكيافيللي هي نفسها التي اعتبرها هيجل غاية ونهاية للتطور التاريخي وقال عنها "ليس لشعبه من الشعوب ان يتحرك إلا داخل نطاقها وليس له أن يحاول تحقيق مصالحه إلا عن طريقها".

لقد آثر في نفس ميكيافيللي أن يري بلاد الرومان العريقة على هذا النحو من التفكك والانهيار لا لشيء سوى لارضاء نزوات الأمراء المتصارعين والدماء الايطالية المراقة واحدة.

فكتب نصائحه وأفكاره مستشفا فهمه لحركة التاريخ وطبائع النفس البشرية وملاحظاته الجغرافية والإدارية وضمنها جميعا في كتابه الامير مبتغيا في تلك الكتابات وصف الامير الذي تبتغيه وحدة ايطاليا.

لقد كان ميكيافيللي شديد الكراهية للظلم عميق الأخلاق وهو ما يتضح من قراءة مسرحيته العجيبة الضاحكة "تفاح الجن" وكان متدينا.. كان متدينا شديد التدين!!

و"لعل تدينه وقوميته جعلاه عرضة طيلة الخمسة قرون الماضية لسهام القبح والتضليل.

إذ ان المستعمر عادة ما يدعو للتدويل والعولمة.. والعولمة هي الحجة الخادعة البراقة لتذويب القوميات وفرض ثقافته عليها بوصفها ثقافة العالم المتمدين.. العارف ببواطن الأمر وما امامها ايضا.

و"حتى على المستوى الاقتصادي فالاقتصاد القومي للبلدان النامية هو الآن خاضع فعلا لعمليات تدويل مفروضة عليه فرضا من الخارج ولا تراعي مصالح هذه البلدان لأن من يهيمن ويسيطر على آليات التدويل وعلى تشغيله سيهيمن على الاقتصاد العالمي وإذا كانت المراكز الرأسمالية قد شيدت شركاتها العملاقة لتتجاوز حدودها القومية ولتنظيم تدويل العمليات الاقتصادية ثم لتأكيد هيمنتها على هذا التدويل وعلى التقسيم الدولي للعمل بكل تكويناته الاقتصادية والاجتماعية".

وربما كانت قومية وتدين ميكيافيللي هما سبب الهجوم الظاهري على نحو ما سنتبينه فيما بعد عليه من قبل قوى الاستعمار حيث ان الاوربيين لم يعتبروا غير الأوربيين كائنات انسانية مثلهم على حد تعبير نقد باسبرز للاستعمار الأوربي الذي اضاف ان الغرب ينظر على أن المسيحيين هم وحدهم لهم حق الحياة والبشر اما عداهم فهم متوحشون.

وكانت قومية مكيافيللي في حد ذاتها هدف نبيل إلا أن الساسة فيما بعد استخدموا تلك النصائح للاعتداء على القوميات الأخرى ولعل بيان هذه النقطة هي السبب الرئيسي لهذه الدراسة فلسنا بصدد الدفاع عن شخص مكيافيللي هنا ولكن بما اتيح لنا من رصد مواقف سياسية دولية واضحة خاصة لدول كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا واسرائيل وروسيا ..سنتناول تطبيقاتها لنصائح مكيافيللي الواردة في كتابه "الامير" الذي يحتوي على ستة وعشرين بابا محاولين بذلك استشفاف مدى التطابق أو التطبيق بين سياسة تلك الدول على أرض الواقع وبين نصائح مكيافيللي بين سطور كتابه مع اعتبارنا لكل ما تقدم مجرد مقدمة.

تناول مكيافيللي في هذا الباب أنواع الحكم المختلفة ووسائل اقامتها ويقول "والممتلكات التي اكتسبت بهذه الطريقة -أي بالضم -إما انها قد ألفت حكم أمير آخر فيما سبق أو كانت ولايات حرة يلحقها الامير بممتلكاته.. إما بقوة أسلحته هو أو بقوة اسلحة غيره أو يسقطها في يده حسن الطالع أو قدرة خاصة".

ويقول برنارد شو " مشكلة أمريكا أنها البلد الوحيد في التاريخ الذي انتقل من البربرية إلى الانحلال دون أن يمر بعصر الحضارة " فمن حسن الطالع بالنسبة لأمريكا في طريق استوحاشها وقيادتها العرجاء للعالم هي وراثتها للامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس عقب حسمها للحرب العالمية الثانية حيث ان بريطانيا كانت قد أرادت رفع يدها عن المستعمرات التي تتبعها في العالم والاكتفاء بما نهبته من ثرواتها وما خلفته فيها من قيمها وثقافتها ونخبتها.. الذين هم من بني جنس هذه المستعمرات التي سلمتها مقاليد الحكم. بعد ذلك تنازلت بريطانيا طواعية عن مستعمراتها إلى مستعمرتها الابن "أمريكا" وذلك لأن امريكا التي نالت الاستقلال عام 1081 ميلادية عن بريطانيا ما هي سوى بريطانيين خصوصا وأوربيين عموما جنسا وثقافة ماعدا بعض من الزنوج الذين جلبوا في أساور حديدية من افريقيا لخدمة البيض.

وهذا التنازل الطوعي البريطاني لصالح أمريكا هو ما يمكن ان نسميه "حسن الطالع" وكان قد سبقه نمو الاقتصاد الأمريكي بشكل مذهل بسبب احداث الحرب العالمية الأولى ولقد توافرت لدى الولايات المتحدة بالاضافة لحسن الطالع "القدرة الخاصة " وذلك لأن الشعب الأمريكي هو مزيج من كل مغامري أوربا أو المارقين فيها على وجه أدق بالاضافة إلى توافر المساحات الشاسعة من الأراضي الزراعية والجبلية مما ميزها بالتنوع والوفرة في المحاصيل والمعادن بالاضافة لقلة عدد السكان وتوافر الأيدي الأفريقية العاملة الرخيصة.

كل ذلك من قدرات خاصة جعل أمر الابداع والابتكار يسيرا خاصة مع تنامي ظاهرة هروب العقول المحاصرة في القارات القديمة بالنظم السياسية والاجتماعية المتخلفة أو المقيدة.

ولما توافرت القدرات الخاصة مع حسن الطالع استطاعت أمريكا أن تصبح احدى القوى الكبرى بل إنها القوة الوحيدة في العالم. تقول مادلين أولبرايت وزير خارجية أمريكا سابقا تصف استعدادات امريكا الحالية " انني امثل امريكا صاحبة المسئوليات العالمية والأمة المستعدة لفعل كل شيء وقتما تريد وليعلم الجميع اننا نفعل ما نريد وبغير ما نريد لا تقف في طريقنا عقبة واحدة لأن العالم لنا .. العالم لأمريكا".

ومما يعزز قولنا من وراثة الولايات المتحدة للاستعمار القديم خاصة البريطاني منه ما قاله ج. هالكر وفرجسون في كتابهما المشترك ثورات امريكا اللاتينية حيث قالا "ومع بروز وتعاظم تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في امريكا اللاتينية مع بداية القرن العشرين حل الاستغلال الامريكي محل الشكل الأوربي التقليدي القديم للاستعمار واصبح الوجه الامريكي للاستغلال بديلا عن الوجه الاوربي".

وكما يقول رضا هلال في دراسته المسيح الأمريكي الصهيوني ان المسيحية التي يدين معظم سكان الولايات المتحدة بما اصطبغت باليهودية فالمهاجرون الأوائل كانوا من البروتستانت الذين حملوا إلى العالم المتهود بتأثير حركة الاصلاح الديني التي قادها مارتن لوثر في القرن الـ61 ورءوسهم محشوة برؤية توراتية لدرجة جعلتهم يطلقون على امريكا في البداية بأرض الميعاد واسرائيل الجديدة.

ونقصد من ذلك ايجاد الشبه لرؤية التكامل بين اسرائيل وامريكا من ناحية كما قصدنا من قبل اظهار رؤية وراثة امريكا لبريطانيا. حيث ان ما يزيد على ثلاثة ارباع المستعمرين البيض كانوا في عهد الثورة الامريكية من ذوي الدم البريطاني". " على ان قلة من المستعمرين ظلوا حتى عشية الثورة لا يفطنون إلى أن شخصية امريكية كانت في تطور ونمو وكانوا يرون انفسهم رعايا بريطانيين ذوي ولاء أولا لها ثم فيرجينيين أو نيويوركيين أو أبناء رود ايلاد وفي هذا كتب مؤلف "قلوب بلوط فرجينيا" يقول: بالرغم من اننا نستمتع بالأطايب ونسمن على ارض امريكا فإننا ننتمي إلى جزيرة بريطانيا الجميلة كرعايا ومن الذي يبلغ به السخف أن ينكر علينا هذا وثمة بريطاني اصيل في كل عرق من عروقنا".

تحت عنوان في الامارة الوراثية يقول " نيقولا ميكيافيللي ان الصعوبة في المحافظة على الدول الوراثية التي الفت حكم أسرة حاكمة أقل بكثير منها من حكم الملكيات الجديدة لأنه يكفي ألا نتجاوز أوضاع السلف وان نتهيأ للطوارئ المقبلة.

ومجازا لو اسقطنا من الولايات المتحدة صفة الجمهورية واعتبرناها ملكية لقلنا ان المستعمرات البريطانية السابقة ما هي إلا حلائف لها وبالتالي أحلاف امريكية حتى عقب الاستقلال "فحين انسلخت هذه البلدان عن النظام الاستعماري القديم تشكلت علاقات جديدة بينها وبين المراكز الامبريالية عرفت بالاستعمار الجديد وتمت صياغتها على اساس التخلف ــ الهيمنة واستمر التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ضاربا جذوره في هذه البلدان المستقلة". ولو كان هذا الاستقلال فاقدا ايضا القدرة على الفعل السياسي.

وباقتراحنا السابق باعتبار الولايات المتحدة مملكة وليست جمهورية هو اقتراح ظني نابع من ما هو معروف من سيطرة الاقتصاد الصهيوني على كافة مجالات الحياة الامريكية مؤثرا في ذلك على صناعة القرار.. للدرجة التي جعلت "ليسي أسبن " وزير الدفاع الامريكي السابق يقول" ان اسرائيل تواجه تهديدات أمنية جديدة من السكين إلى الصاروخ وأن الرئيس بيل كلينتون تعهد لرئيس وزراء اسرائيل اسحق رابين بالعمل لمواجهة هذه المخاطر.. وكلفه تدعيم الشراكة الاستراتيجية بين البلدين" ويلاحظ لفظ "تعهد "وما يعنيه من علاقة الولاء بل أحد الصحفيين الأمريكان سأل عضوا بالكنيست الاسرائيلي عن قرارها بضم الجولان إليها وهل ستتعرض لمشاكل مع الولايات المتحدة فقال له " الدول الأخرى لا تستطيع تجاهل الولايات المتحدة والنفوذ الأمريكي الهائل وهو عنصر في كل قضية دولية لكن ماذا تستطيع الولايات المتحدة أن تحقق في الشرق الأوسط إذا كان الزعماء الاسرائيليون يدركون انهم يستطيعون تهديد المصالح الأمريكية دون خوف من الزعماء الأمريكيين؟".

وتقول صحيفة الرفيق السويسرية " طالما أن اسرائيل تتبع سياسة الاحتلال في قلب الوطن العربي فالحرب مستمرة ولأن الولايات المتحدة الأمريكية هي الأداة التي يمارس يهوذا بها بطشه فإنه يحتمل أن يهدد كل شعوب العالم حريق عالمي.. إن مؤسسة القهر في ولايات اسرائيل المتحدة لا ترغب في السلام".

ومع اعتبار امريكا ملكية ومع اعتبارها وريث للملك البريطاني ومع اكتشافنا مدى التأثير اليهودي عليها نستطيع بذلك فهم مدى سيطرة اسرائيل على امريكا وبريطانيا معا وفهم ان هذه القدرة الصهيونية السرية والعلنية ايضا الضاغطة في الولايات المتحدة تكاد تشكل ملكا حقيقيا خفيا يدير أمريكا عبر الريموت كونترول من جهاز الموساد الاسرائيلي بتل ابيب ومع ايماننا بأن هناك حكومة خفية تدير امريكا نكون قد وصلنا إلى لب ما نحن بصدده من أحقية وراثة الملك في امريكا للملك في بريطانيا متمتعا بكل حقوقها الاستعمارية.

وما أردنا التوضيح له في هذا الباب هو انه لولا التركة البريطانية من السياسات والمستعمرات والأحلاف ما كان للولايات المتحدة الامريكية سلطانها الذي وصلت إليه.
وعذرا لنزق التشبيه بين النظام الجمهوري في أمريكا وبين الملكية لكن ذلك جاء لكي تكتمل الصورة المتقاربة بين نماذج ميكيافيللي في كتابه الأمير وبين امريكا محل الحديث هنا وربما اشارت كثير من الدراسات الى تركيز السلطة الاقتصادية والسياسية والاعلامية الامريكية في يد نخبة تعد علي الاصابع طبعا هم اليهود، وهوما دفعنا لخلق هذا التشبيه.

"في الامارة المختلطة" تحت هذا العنوان كتب مكيافيللي "ولكن حين نستولي على ممتلكات في منطقة تختلف معنا في اللغة والقوانين والعادات فإن الصعوبات التي لابد من التغلب عليها عظيمة".

ثم اشار إلى مزايا اقامة الامير في الأرض الجديدة.. ولما تعذر تطبيق ذلك على مستعمرات عصرنا فقد أخذوا بالوسيلة الثانية والتي يبقي فيها الامير بداخل امارته الأم مع الاحتفاظ بمستعمرات رمزية في الامارة الجديدة ــ المستعمرة ــ وفي ذلك يقول ميكيافيللي "والعلاج الآخر واحسن العلاجين هو اقامة مستعمرات في مكان أو مكانين من تلك الأمكنة التي هي مفاتيح البلاد لأنه لابد من احد أمرين إما أن تفعل ذلك أو تحتفظ بقوة كبيرة مسلحة وهو بذلك لا يضر سوي اولئك الذين قد اخذت منهم أراضيهم ومنازلهم".

ويكاد مكيافيللي يشير إلى اسلوب الدعاية بالترهيب وهو يتحدث عن أن من لم تؤخذ ارضه منه لاقامة مستعمرة عليها سيحتفظ بالولاء له أي للأمير والخوف من أن تؤخذ منه أرضه مثلهم.

وأسلوب الترهيب اسلوب قديم معتمدا على الدعاية برع في استعماله الأمويون في مطلع العصر الاسلامي وقبل ظهور مكيافيللي بألف سنة وكان الهدف الرئيسي للأمويين من سياسة التهديد والعنف هذه هو إلقاء الرعب في قلوب المعارضة حتي لا تفكر في الخروج عليهم".

كما طبقه جوبلز وزير الدعاية في ألمانيا النازية في العصر الحديث "وقد أدى الخوف والرعب اللذان انتشرا من الفوهرر الألماني إلى تدفق اللاجئين إلى الشوارع في فرنسا وعرقلوا بذلك حركة الحلفاء ومعداتهم العسكرية وعجلوا بهزيمة فرنسا".

أما عن التطبيقات الأمريكية والاسرائيلية محل الدراسة فأسلوب الترهيب قد يكون العامل المميز لها.

ففي حرب الخليج الثانية بين العراق وبين الولايات المتحدة الامريكية بشأن المسألة الكويتية استخدمت الولايات المتحدة الترهيب عدة مرات فقد بدا قائد القوات المشتركة "التحالف الأوروبي والخليجي" نورمان شوارزكوف واثقا وهو يقول للصحفيين "نحن نقترب من الحرب مع دولة من العالم الثالث ولكننا نضع خططا وكأنها ستكون الحرب العالمية الثالثة" وكذلك ما فعلته باليابان عام 1945 من توجيه ضربة نووية قاصمة لها جعلت العالم كله يشعر بالرعب منها أما اسرائيل فهناك خطر داهم يتهدد الأمة العربية بأسرها بسبب احتكار اسرائيل للسلاح النووي وليس أدل على ذلك من اعلان زعماء اسرائيل ومنهم شيمون بيريز عام 1948 بأن "جميع العواصم العربية من مراكش إلى بغداد رهينة في يد اسرائيل "ومن اعلان يؤوال نئمان الملقب بأبو القنبلة النووية الاسرائيلية بأن "اسرائيل تستطيع تدمير المنطقة العربية عدة مرات".

ومن مزايا انشاء معسكرات تحتل اجزاء من المستعمرة عن نشر قوات فيها أي نشر قوات ضخمة في كل أراضيها وكما هو الحال في الخليج الآن حيث توجد معسكرات امريكية ولكن لا يوجد احتلال وذلك لأن احتلال مساحة من الأرض لاقامة معسكر أقل ضررا للسكان المحللين من نشر قوة ضخمة كما أن القوة الضخمة ستمارس اعمال سلب ونهب لصالحها الشخصي مما قد يحرض السكان على الثورة ضد الاحتلال فيتم الحاق الضرر بالامير وحده.

كما أن المستعمرات تأخذ أراضي قلة بينما الأكثرية الذين لم تؤخذ أرضهم سيصيبهم الرعب من مصادرة أراضيهم إذا تمردوا فيقوموا بتوخي الحرص والسلامة.. وربما تأمينا لذلك يقومون بالتقرب إلى الأمير ويغدقون عليه العطايا.

وعلى أي متابع أن يلاحظ كيف تتصرف امريكا في الخليج.. فسيجد ثمة تشابها في أفكار مكيافيللي وتطبيقات امريكا.

ويقول مكيافيللي "ولذا فإن اهانتنا لإنسان لابد ان تكون اهانة تعنينا عن أن نخشي انتقامه "وهو هنا يريد أن يقول التنكيل بالخصم ويقول في موضع آخر ينبغي لحاكم اقليم اجنبي أي مستعمرة لا يتفق معها في لغة أو جنس أن يتزعم جيرانه أي جيران هذه الامارة المستعمرة الضعفاء ويدافع عنهم.. وأن يعمل على اضعاف جيرانه الاقوياء.. وأن يحذر من أن يغزوهم جار اقوى منه" ويقول "وليس عليه سوى ان يحترس من ان ينالوا سلطانا مفرطا وقوة " ويقول "ويظل هو فيصل تلك المنطقة في جميع الأمور" ويقول" ايضا ان كل من يكون سببا لأن يصبح غيره قويا يهلك هو نفسه".

والمتتبع يجد أن الولايات المتحدة الامريكية هي اكثر الدول في العالم الاستعماري اتبعت اسلوب التنكيل بشكل مفرط.. نكلت باليابان قتلت مائتي الف نسمة في ساعة واحدة.. قتلت 600 فيتنامي ومليون ونصف المليون عراقي عبر سياسة التجويع والحصار والقتل المباشر.. رغم أن الجرم لم يكن بحجم العقاب.. وكأنها تقول يجب إعادة العراق إلى العصر الحجري لأنها تجرأت بالخروج عن الجيتو المفروض على المنطقة العربية.. نفس ما فعلته بريطانيا واسرائيل وفرنسا تجاه مصر في عصر عبدالناصر فأمريكا خاصة والغرب عامة لا يعادي شخصيات بقدر ما يعادي السياسات المتمردة على طاعته.

كما أن الولايات المتحدة الامريكية بعدما تأكد لها تأمين وجودها وسيطرتها على مقاليد الأمور في الخليج و بعدما دمرت قدرة العراق العسكرية وبعدما ايضا حيدت مصر ترأى لها بعد ذلك أن ثمة قوة إيرانية يجب تدميرها ولا أدل على ذلك التوجه من قول وليام بيري وزير الدفاع الأمريكي الاسبق "علينا أن نبقى مستعدين لمواجهة التهديدات التقليدية من جانب ايران والعراق تلك الدول التي تملك الجيش الأول في المنطقة" وقول الصهيوني باريف "ان نبوخذ نصر ـ ملك بابل ـ قد حارب اليهود الايرانيين قبل ثلاثة آلاف سنة واخذهم اسرى ومن مصلحتنا أن نحارب العدو المشترك ـ العرب".

وقول هارون ياريف مسئول المخابرات العسكرية الإسرائيلية ورئيس مركز الدراسات الاستراتيچية بجامعة تل ابيب "لابد أن نعد ايران عضوا في التحالف العربي الاسلامي ضدنا" ورغم أن الولايات المتحدة هي التي دمرت العراق فإنها ذاتها تحميها من أي غزو ايراني أو تركي أو حتى إسرائيلي.. فأمريكا تريد جيرانًا ضعفاء لمستعمراتها وغزو أية دولة للعراق سيزيد من قوتها.. وبخصوص إسرائيل فهي لاتريد التصادم مع أية دعوة للجهاد في العالم الإسلامي... أما غزو إسرائيل للعراق فهو مكشوف وفاضح ومستفز.

حتى الدول التي تتعامل معها أمريكا في الخليج تعاني من الضعف العسكري المخطط من قبل الإدارة السياسية للولايات المتحدة.. فهي تسلح هذه الدول بأسلحة تقليدية مراعية التفوق الإسرائيلي الواجب.. وإن كانت تريد حماية هذه البلدان حقًا لقامت بتسليحها نوويا.

وهي بذلك تعمل بالحكمة المكيافيلية القائلة "من كان سببًا في قوة غيره هلك ".. أما فيما يخص تبنيها لإسرائيل فهو نابع من رؤية دينية توراتية: تقول الباحثة الأمريكية "جريس هالسل" إن الاصولية الانجيلية والمسيحية اليهودية مستعدة بل راغبة بكل قواها في اشعال حرب نووية بشأن إسرائيل. ولايفوتنا أن نذكر أن المهاجرين البيوريتانيين من أصحاب مذهب "جون كالفن" المتأثر بمرشد نيرون الروحي والذي يدعي "سنيكا" الذي تبنى نظرية ابادة السكان الاصليين في فتواه.. لايفوتنا أن نذكر أن معظمهم من أنصار واتباع هذا المذهب.. فارين من ملوك انجلترا الكاثوليك ولايفوتنا أيضا أن نذكر تأكيد "هنتنجتون" في اعماله العديدة على أن الأمريكيين هم العرق البشري الأرقي بيولوجيا.. وبرر ـ بوقاحة ـ عمليات ابادة الهنود الحمر تحت نظرية "الازاحة الطبيعية للعنصر البشري غير الراقي من قبل الانجلوساكسون الحيويين".. لقد ابيدت 400 ثقافة مختلفة في أمريكا راح ضحيتها 21 مليون نسمة في اوسع عملية ابادة منظمة في التاريخ.

تحت عنوان "لماذا لم تثر مملكة داريوس.. وقد احتلها الاسكندر على خلفائه عقب وفاته" كتب نيقولا مكيافيلي يقول "الممالك التي عرفها التاريخ قد حكمت بطريقتين.. إما حكمها أمير واتباعه يساعدونه في حكم المملكة كوزراء بفضله وإجازة منه.. او حكمها أمير ونبلاء يتبوءون مراكزهم بدون مساعدة من الأمير.. ولكن لقدمهم.. ولمثل هؤلاء النبلاء ولايات ومواطنون لهم خاصة يعترفون بهم سادة عليهم بطبيعة الحال.. وللأمير في تلك الولايات التي يحكمها أمير واتباعه سلطان أكبر من سلطان الأمير الثاني.. لأنه لايوجد فوقه سواه".

في لبنان فلم تنجح كثير من المؤامرات ضدها بسبب أن رئيس الدولة خلفه صف ثان متمثل في طائفيات واحزاب قوية.. رغم أن رئيس الدولة هناك محدود السلطات تنفيذيا.
وفي نموذج لبنان ذلك نفسر أسباب هزيمتها لإسرائيل التي جلت عن جنوبها مجبرة عام 2000 .

حتى أمريكا نفسها ومنذ استقلالها لم يحكمها سوى حزبين يتبادلان السلطة فيها "الجمهوري ـ الديمقراطي" وإن كان هذان الحزبان اليمينيان يتفقان في كل السياسات الخارجية إلا أن ثمة معالجات غير مهمة هي مصدر الخلاف بينهما.. وهذان الحزبان يمثلان قوة المال والسلطة.

فهل خلت أمريكا من الأحزاب؟.

ولايفوتني أن أكرر مقولة برناردشو "أمريكا هي البلد الوحيد الذي انتقل من البربرية إلى الانحلال دون المرور بعصر الحضارة".

كما أن النظام الرئاسي الأمريكي ومنذ عصر چورچ واشنطن المؤسس الأول يعتمد على وجود رئيس للدولة واتباع له.. فچورچ واشنطن استعان بهاملتون كقيادة عسكرية وجيفرسون كقيادة فكرية وفلسفية وكان لقبهما سكرتيري الرئيس .. ولا مناص من استبدالهما وإن كانا هما من أشد المخلصين للدولة وللرئيس حتى أنه لما حدث خلاف بين چورچ واشنطن وهاملتون بسبب معركة مونماوث اثناء حرب التحرير الأمريكية لم يثر چورچ واشنطن له عندما تم قتله في مبارزة بينه وبين آرون بير. حتى أن چورچ واشنطن لم يكن في الحكم وقتها لكنه كان قادرا على اتخاذ القرار بوصفه المؤسس للدولة.

"في طريقة حكم المدن والبلاد التي كانت تعيش قبل احتلالها في ظل قوانينها الوطنية" تحت هذا العنوان كتب مكيافيللي يقول "وعندما تكون تلك الولايات التي قد استولينا عليها معتادة على الحياة الحرة في ظل قوانينها الخاصة فثمة ثلاث طرق للسيطرة عليها إما أن يخربها الأمير والثانية أن يذهب يعيش هناك بشخصه والثالثة أن يجيز لها أن تعيش في ظل قوانينها الوطنية ويحصل منها على الجزية ويقيم في داخل البلاد حكومة من عدد قليل يحافظ عليها صديقه له ولما كانت هذه الحكومة صنيعة الأمير فهي تعلم أنها لا تستطيع أن تبقي بدون صداقته أو حمايته".

وما اردنا الاسترسال والتوضيح فيه في الباب الثاني سنوضحه هنا.

فمكيافيللي يطرح ثلاثة اساليب لاخضاع المستعمرات الجديدة التي لانتفق معها في لغة أو جنس.. وهي التخريب ـ نقل السلطة اليها ـ تتويج حكومة عملية.

تخريب الدولة: وتاريخيا من أبشع النماذج التي قامت بسياسة تخريب المستعمرات هو نموذج التتار حتى يخضعوها بشكل حاسم للهيمنة.

أما حديثا فإن الولايات المتحدة الأمريكية اتبعت هذا الاسلوب في مواقع عدة.. في اليابان التي القيت عليها قنبلتان ذريتان.. مما جعل الحكومة اليابانية تسلم بالغزو الأمريكي دون قيد أو شرط اثر مقتل مائتي الف ياباني في ساعة واحدة وتدمير جزيرتين بشكل شامل.

وكذلك في فيتنام حيث اغارت 600 طائرة حربية ولمدة 21 يوما وبشكل متواصل ومكثف مع مساعدة بريطانية.

وفقدت فيها فيتنام 600 ألف قتيل.. معظمهم من المدنيين. وفي العراق.. ومع حد تعبير جيف سيمونز المفكر الأمريكي حيث يقول "أحدث العرض الشامل للأسلحة المتطورة مجزرة جماعية لعدو ـ يقصد العراق ـ لاحول له ولا قوة عموما ووقع معظم القتلة بعد الوقت الذي كانت الدبلوماسية تستطيع فيه وضع نهاية للصراع تضمن تحرير الكويت .. استعملت فيها قذائف اليورانيوم المنضب والنابالم والقنابل العنقودية ومتفجرات الهواء ذات النطاق النووي والقنابل التقليدية التي القت طائرات بي 25 كميات كبيرة منها واسقطت البحرية الأمريكية وحدها أكثر من 4400 قنبلة عنقودية وألقت طائرات الجاكوار البريطانية الهجومية آلاف القنابل العنقودية من طراز بي الـ577 المصممة لتقطيع اوصال البشر" وكذلك اطلاق يد اللصوص لتخريب بغداد عقب احتلالهم لها 2003.
والمعروف أن القنبلة العنقودية الواحدة تنشطر إلي ألفي شظية عالية السرعة تمزق الشظية الفرد تمزيقًا.

وقد وصف مايكل كلير خبير أسلحة حرب 1990 المسماة بحرب الخليج بأنها حرب أخذت مستويات شبه نووية من التدمير بدون إثارة اشمئزاز الناس. حتى أن جيمس بيكر وزير خارجية أمريكا أثناء الحرب أخبر طارق عزيز وزير خارجية العراق في 9 يناير 1991 بأن أمريكا "ستحول العراق إلى دولة متأخرة وضعيفة".

أما عن نموذج اقامة الأمير بنفسه في المستعمرة فهو نموذج واضح في سياسة إسرائيل وسعيها الدءوب لتهويد القدس من ثم احتلالها ونقل الحكومة إليها.. يقول تيودور هرتزل مفكر الصهيونية "إذا حصلنا يوما علي القدس وكنت ما أزال حيا وقادرا على القيام بأي شيء فسوف أزيل ماهو غير مقدس لدى اليهود فيها وسوف أحرق الآثار التي مرت عليها القرون" ويقول شلومو جورين حاخام الجيش الإسرائيلي "إن حلم الأجيال اليهودية قد تحققت فالقدس لليهود ولن يتراجعوا عنها وهي عاصمتهم الأبدية".

ولاننسى كفاح إسرائيل من أجل نقل حكومتها إلي القدس واعتزام أمريكا نقل سفارتها في إسرائيل من تل ابيب إلى القدس مما يعتبر اعترافا أمريكيا لكون القدس عاصمة لإسرائيل.

والمعروف أن العاصمة هي مقر الحكومة وبالتالي الحاكم.
وأما النموذج الثالث وهو الخاص بتولية حكومات عميلة في المستعمرات فحدث ولاحرج.. فلم يكد ينتصف القرن العشرون حتي قامت بريطانيا بالجلاء عن معظم المستعمرات وتولية نظم حكم عميلة لها في هذه البلدان.

في الخمسينيات جلت بريطانيا عن العراق ولكنها نصبت الحكم في عبد الكريم قاسم.. وهو أحد حلفائها.. ولذلك تصدى جمال عبد الناصر له حينما أراد غزو الكويت.. بوصف أن ضم الكويت للعراق هو زيادة لنفوذ المستعمر.وقد تكرر ذات الامر بعد احتلالها للعراق وافغانستان .

يقول كوامي نكروما "وحقيقة الوضع أن معظم دولنا الأفريقية الجديدةتجد نفسها وقد ولدت من رحم الاستعمار مذعورة من عالم الفقر والجهل والمرض والافتقار إلى الموارد المالية والتقنية التي خلفها الاستعمار فترة وفي قطع الشعرة الباقية التي تشدها إلى الآم الامبريالية التي ولدتها".

والواقع أن هناك نموذجا عربيا بالغ الوضوح على هذه القاعدة الثالثة في نظرية مكيافيللي .. فالشريف حسين الذي فر من هجمات آل سعود من منطقة الحجاز في اعقاب قيام الدولة السعودية الثالثة مطلع القرن العشرين.. تلقته القوات البريطانية قرابة نهر الأردن وعرضت عليه عدم التعرض لليهود في فلسطين مقابل حمايته من هجمات آل سعود وإقامةحكم محدود له في منطقة شرق نهر الاردن.. فوافق الشريف حسين وقدم لبريطانيا خدمات جليلة اثناء الحرب العالمية الأولى حتى ساعد الجنرال اللنبي في طرد العثمانيين من شبه الجزيرة العربية والشام.. بل إنه ساهم في قمع مظاهرات الفلسطينيين بعد صدور وعد بلفور 1917 طمعا في أن يعطيه الانجليز لقب أمير وحدث له ذلك بعد الحرب.

في هذا الباب الذي سماه مكيافيللي "في الولايات التي قد اكتسبت بأسلحة الأمير الخاصة وقدراته" يقول "وسوف يصنع المرء صنع الرماة العارفين الذين يصوبون إلي نقطة أعلى من تلك التي يرغبون في اصابتها عندما تكون بعيدة جدًا.. ويعرفون مدي اطلاقهم للسهم.. لا لكي يصيبوا بسهمهم هذا الارتفاع ولكن ليصيبوا بواسطته الهدف المرغوب فيه" ويتحدث عن انتهاز أوضاع الشعب وتسخيرها لإقامة امارة جديدة ويقول "وهكذا كان من الضروري أن يجد موسى شعب إسرائيل عبيدًا في مصر يضيمهم المصريون حتى يصبحوا على استعداد للسير خلفه لكي يتخلصوا من العبودية" ويضيف "وكان لابد من أن يجد قورش ـ ملك فارس ـ الفرس ساخطين على إمبراطورية الميديين وأن يجدوا هؤلاء منحلين من جراء السلم الطويل" ويشرح ميكافيلي أن من ينشيء إمارة بصعوبة بالغة يؤمنها بسهولة والعكس صحيح أيضا ويشرح أن الأمير يجب أن يعتمد على قدراته الخاصة وقوته لتأمين حب الناس له حيث يقول "ومن هنا لزم ترتيب الأمور بحيث يمكننا استخدام القوة لنكرههم على الايمان بما ارتدوا عنه.. ولو كان موسى وقورش وتيسيوس ورمونوس عزلا لما استطاعوا أن يجعلوا غيرهم يراعون دساتيرهم أمدًا طويلا".. كما يدعو مكيافيللي الأمير إلى مهاجمة خصومة بحماس شديد في كل فرصة.. ويقرر حقيقة ثابتة بأن الناس لايؤمنون بأي جديد ايمانا صادقا حتى يجربونه.. تعرف بريطانيا وأمريكا أنها لكي تصيب الهدف يجب أن توسع دائرة الاشتباه ولا ننسى تاريخيا أن أزمة الطاقة التي تفجرت مابين عامي 1971و 1973 كانت مجرد ذريعة أمريكية لم تكن مقصودة لذاتها ولكن كانت "من أجل اعداد المواطن الأمريكي بوجه خاص والأوربي الغربي بوجه عام اعدادا نفسيا لتقبل أية مخططات عدوانية ضد البلدان المنتجة للبترول وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط.. وتصفية حركات التحرر بهذه الحجة والاستعانة بالأمم المتحدة ـ اذا لزم الأمر في محاولة لتدويل البترول وتحويله من سلعة محلية إلى سلعة دولية استراتيجية بحيث تدخل الأمم المتحدة طرفًا بين المنتج والمستهلك .. كما تستغل الولايات المتحدة الحاجة المتزايدة إلى الطاقة في أوربا لفرض زعامتها وسيطرتها على القارة الأوربية مع ربط منطقة الشرق الأوسط الغنية بالبترول ربطًا وثيقًا بها".. فلماذا "ثم تنفجر أزمة الطاقة فيما بين عامي 71 ـ 1973 في أوربا واليابان بالصورة المفاجئة والمدبرة التي تفجرت بها في الولايات المتحدة برغم ان الولايات المتحدة دولة غنية بتروليًا ولديها فائض تدفنه تحت الأرض في حين أن بلدان أوربا تستورده لحاجتها الماسة له" .

إذن .. حينما أرادت الولايات المتحدة فرض سيطرتها علي الخليج العربي قامت بإثارة أزمة عالمية اسمتها بالطاقة.

وليس ببعيد نفس الأسلوب الذي فعلته أمريكا باثارة أزمة عالمية عن الإرهاب عام 2001 ليس إلا لكي تتخذها ذريعة إنسانية مهذبة وتحظى بدعم دولي بضرب كل الدول الإسلامية الخارجة عن الدوران في فلكها العالمي .. مع القيام بتصفية الحركات الإسلامية تحت نفس المسمى وهو حرب الإرهاب .. بل تصفية أية حركات للمقاومة ضد المصالح الغربية الامبريالية.

ولا يفوتنا أن الحكومة الفرنسية حتى تستطيع أن تكسب معركتها ضد قوى التحرر في الجزائر تراءى لها أن ضرب مصر يساعدها كثيرًا في كسب المعركة بل إن رئيس وزرائها صرح عام 1956 واثناء العدوان الثلاثي على مصر بأن "فرنسا تضرب مصر لكي تكسب الجزائر" .. وذلك لأن مصر هي الدولة العاصمة الداعمة في قضايا التحرر لكل البلدان العربية والأفريقية.

أما فيما يخص قيام الولايات المتحدة الأمريكية بتسخير الشعوب لتحقيق أهدافها فهو يتضح من نموذجين الأول داخليا وهو تسخير شعبها نفسه كما حدث في أزمة الطاقة العالمية عامي 71 ـ 1973 وخارجيًا وهو الخاص بتسخير شعوب الدول المستعمرة ذاتها للوصول منها إلي دعم إضافي.

وذلك عن طريق نسبة كل سييء إلى هذه البلدان ونسبة كل حسن إليها.

ولا يخفي دور الإعلام وتأثيره كسلاح فتاك في يد الاستعمار العالمي الذي تتزعمه الولايات المتحدة بما تحتله من امتلاكها لـ70% من أصول الطيف الإذاعي والتليفزيوني والمطبوع عالميا.

"ولكن الأخطر والأقسى وطأة في العمل الإعلامي الاستعماري هو الوصول بأبناء البلدان النامية إلى كراهية بلدانهم .. ومن ثم يمكن إيجاد المناخ الملائم للاستغلال أمام الاحتكارات العالمية .. ان الصعوبات والأخطاء التي تقابل عملية التنمية تفرض مضايقات شتى لشباب هذه البلدان الذي يصاب بخيبة أمل كبيرة في قياداته السياسية ويصاب بإرهاق نفسي ومادي من سوء الإدارة يوميًا .. ومن هذا الوضع يستغل الإعلام الاستعماري فرصة نادرة لتضخيم النقد والبعد تمامًا عن ذكر الايجابيات حتى يصل المواطن النامي بنفسه إلى كراهية وطنه".

ولا يتوقف الأمر عند هذا المستوى بل إنها تستغل الظروف الخاصة لبلدان تستعمرها بالفعل ضد بلدان تطمح في استعمارها.

فالذي يغذي الأكراد في شمال العراق بالسلاح هو أمريكا بينما التي تآمرت للقبض على زعيمهم "عبدالله أوجلان" وسلمته لتركيا ليتم إعدامه هو الموساد والـ"سي.أي.إيه" كما كشفت التحقيقات وقتها

نقلاً
   عن موقع العرب إونلاين