أشباح الأفغان في خرائب الصومال
الأحد, 12-يوليو-2009
مطيع الله تائب - في أوائل مايو 1992، كانت حكومة المجاهدين الأفغان قد تسلمت للتو مقاليد الحكم في العاصمة الأفغانية كابول بعد سقوط الحكم الشيوعي، لكن تيارا مهما داخل الحركة الإسلامية الأفغانية وأحد أهم الأحزاب الجهادية في أفغانستان لم يكن راضيا عن شكل التغيير الحاصل فخرج عن الإجماع، وآثر أن يحاصر العاصمة ويمطرها بوابل من الصواريخ كل يوم، والسبب أن حكومة المجاهدين لم تكن "إسلامية" كما يجب، بل كانت برأيه متحالفة مع الشيوعيين، ولم تكن تحقيقا لشعارات "الجهاد"، ولم ترق لمعايير "الإسلام الصحيح".
وهكذا شكل الحزب الإسلامي الأفغاني بقيادة "غلبدين حكمتيار" الرقم الصعب في معادلة الإسلاميين في أفغانستان؛ حيث ظل أخوة "الحركة الإسلامية" و"الجهاد" يتقاتلون فيما بينهم بعد سيطرتهم على أفغانستان، وفشلت محاولات الوساطة من الشخصيات الإسلامية ووفود الحركات الإسلامية من حول العالم، بل حتى الاتفاق داخل الكعبة نفسها في تقريب وجهات النظر والاتفاق على تقاسم السلطة، إلى أن جاءت حركة طالبان لتسحب الفراش من تحت أرجلهم جميعا بعد عدة سنوات.

وبعد 17 عاما، تكرر المشهد، لكن هذه المرة في صورة اقتتال الإسلاميين في الصومال، وبدأنا نشاهد صورا مماثلة بين المشهدين، وتصريحات قريبة من تلك التي كنا نسمعها بالأمس في أفغانستان، والمواقف والتبريرات تقريبا نفسها صدرت بين إخوة الجهاد في أفغانستان بالأمس وتصدر اليوم من إسلاميي الصومال الذين يتقاتلون فيما بينهم بعد أن كانوا حتى الأمس القريب أخوة السلاح والجهاد في "المحاكم الإسلامية" لوضع حد للفوضى العارمة وفيما بعد في "تحالف إعادة تحرير الصومال" ضد الاحتلال الإثيوبي.

ما أشبه الليلة بالبارحة
قد نختلف حول التفاصيل، وقد نذهب طرقا شتى في تفسيراتنا لما حصل في المسرح الأفغاني، وما يحصل اليوم بعد 17 عاما في المعترك الصومالي، لكن من الصعب أن ننكر نقاط الشبه بين المشهدين:

- فأطراف الصراع الأصلية في كلا الصورتين هم "إسلاميون" ويريدون إقامة "حكومة إسلامية" ويسعون لتنفيذ الشريعة الإسلامية، وقد حملوا السلاح ضد الاحتلال الأجنبي، ويعتبرون أنفسهم "مجاهدين"، فحتى أسماؤهم تتشابه، فهناك الحزب الإسلامي الأفغاني، وهنا الحزب الإسلامي الصومالي، وهناك "الاتحاد الإسلامي لتحرير أفغانستان"، وهنا "تحالف إعادة تحرير الصومال".

- روافدهم الفكرية وشعاراتهم وبرامجهم السياسية واحدة أو قريبة في كلا المشهدين، ففي أفغانستان هم جميعا أبناء الحركة الإسلامية التي نشأت في الستينيات والسبعينيات في جامعة كابول كردة فعل على الحراك اليساري النشط هناك، وتعتبر متأثرة بحركة الإخوان في مصر والجماعة الإسلامية بقيادة المودودي في باكستان.

وفي الصومال فمعظمهم متأثرون بالحركة الإسلامية بشقيها الإخواني والسلفي والتأثير الإخواني واضح في أدبيات إسلاميي الصومال بجانب الأفكار السلفية الجهادية منها والعلمية. ولقد كان شعار الجهاد وإقامة الحكومة الإسلامية واضحا في برامج الأحزاب الجهادية في أفغانستان كما هو واضح اليوم في برامج إسلاميي الصومال.

- شكل المذهب الحنفي الخلفية الفقهية للمجاهدين الأفغان جميعا، بينما يشكل المذهب الشافعي الخلفية الفقهية لإسلاميي الصومال الذين يتقاتلون اليوم.

- وبينما كانت حكومة المجاهدين المؤقتة بقيادة برهان الدين رباني زعيم "الجمعية الإسلامية" تتلقى الدعم من بعض العواصم الإقليمية مثل طهران وطشقند ونيودلهي حسب تحالفاتها الداخلية، كان غريمه حكمتيار زعيم "الحزب الإسلامي" يتحرك بدعم من باكستان وربما بعض الدول الخليجية آنذاك.

واليوم تحظى الحكومة الصومالية المؤقتة بقيادة الشيخ شريف شيخ أحمد بدعم جيبوتي ودول إقليمية أخرى مثل كينيا، بينما تدعم إريتريا الحزب الإسلامي الصومالي وحركة شباب المجاهدين.

- لقد شكل حجم الدمار، وارتفاع الضحايا المدنيين في أفغانستان نقطة سوداء في صفحات إسلاميي أفغانستان، رغم تحميل كل طرف الآخر مسئولية ما حصل، وما هو ما يحدث اليوم في المشهد الصومالي الدموي؛ حيث تراق دماء الأبرياء في قتال الإسلاميين في مقديشو ومدن أخرى وسط تبرئة كل طرف نفسه من إراقة دماء المدنيين ومسلسل دمار البيوت والأحياء والأسواق.

- لقد راجت زراعة المخدرات وتجارتها في أفغانستان في تلك الفترة، كما هو الحال في زراعة القات ورواج القرصنة البحرية في الصومال اليوم في ظل الفوضى العارمة والقتال المدمر.

- لقد لعبت العرقية والقومية دورا خفيا في صراع الإسلاميين في أفغانستان رغم خلو شعاراتهم من هذا اللون من الانتماءات، فالحزب الإسلامي بقيادة حكمتيار اضطر إلى اللعب بورقة العرقية البشتونية في صراعه ضد الجمعية الإسلامية بقيادة برهان الدين رباني، الذي ينحدر من الطاجيك هو ووزير دفاعه القائد الأفغاني الأشهر "أحمد شاه مسعود"، والذين استخدموا الورقة نفسها في صراعهم الدموي على السلطة بعيدا عن كل المبررات.

وتعتبر ورقة القبيلة من أهم أوراق الصراع الدائر في الصومال اليوم بدءا من التحالفات السياسية إلى جبهات القتال.

- لقد توافد العديد من المقاتلين الأجانب إلى أفغانستان فترة الجهاد، ورغم مغادرة الكثيرين منهم الأراضي الأفغانية بعد سقوط الحكم الشيوعي، إلا أن عددا منهم آثر البقاء هناك والقتال بجانب الحزب الإسلامي بقيادة حكمتيار ضد حكومة المجاهدين المؤقتة بقيادة الرئيس رباني، وتشهد الصومال اليوم وجود مقاتلين أجانب يقفون مع الحزب الإسلامي الصومالي والشباب المجاهدين ضد حكومة الشيخ شريف الإسلامية.

وهكذا تتشابه الصور ما بين كابول ومقديشو، وتتقاطع الخطوط بين حكمتيار زعيم الحزب الإسلامي الأفغاني وعمر إيمان زعيم الحزب الإسلامي الصومالي أو شيخ طاهر عويس زعيم التحالف الصومالي المعارض، وبين برهان الدين رباني رئيس حكومة المجاهدين المؤقتة وشيخ شريف شيخ أحمد رئيس حكومة الصومال المؤقتة، وبين جيبوتي أو إرتيريا وباكستان أو إيران، وتتكرر التصريحات والمواقف بعد 17 عاما ما بين أفغانستان والصومال.

الدرس الأفغاني المنسي
لقد شكل الجهاد الأفغاني مساحة غنية بالتجارب للإسلاميين من شتى الأطياف خلال حقبة الثمانينات وحتى منتصف التسعينيات، حيث توافد إلى المنطقة وفود من معظم إسلاميي العالم لأغراض متعددة بدءا من المشاركة في الجهاد المسلح إلى التدريب إلى الإغاثة والتعليم وحتى الوساطة والتقريب.
ويذخر إعلام الإسلاميين في تلك الفترة بالاحتفاء بالجهاد الأفغاني و"آياته"، وبالمجاهدين الأفغان و"كراماتهم"، وأصبحت التجربة الأفغانية نموذجا يقتدى به، ومحفزا للشعوب المضطهدة، كما أصبحت أسماء قادة الجهاد على لسان كل "إسلامي" في العالم، وتذكرهم بالصحابة وقادة الإسلام العظام عبر التاريخ.

وبحجم الاحتفاء والتعظيم أخذت الصدمة والدهشة أوساط معظم الإسلاميين عبر العالم حينما بدأ أخوة الجهاد الأفغاني يتقاتلون على تقاسم السلطة، بعد أن فشلوا على إيجاد وسائل تكفل مهمة قطف ثمار الجهاد بطريقة سليمة، وفشلت الجهود الإسلامية القريبة والبعيدة في تقريب مواقفهم المتصلبة وإيجاد آليات سلمية لإدارة خلافاتهم بدل القتال المسلح.
لم تستمع جماهير الإسلاميين آنذاك كثيرا لتبريرات "حكمتيار" زعيم الحزب الإسلامي، ولا لأدلة "رباني" زعيم الجمعية الإسلامية والرئيس الأفغاني السابق، و"سياف" زعيم الاتحاد الإسلامي، و"مسعود" قائد المجاهدين ووزير دفاع حكومة المجاهدين، وأصبح الإسلاميون يحاولون عبثا تخفيف آثار هذه النكسة لدى أجيالهم التي تربت على تعظيم التجربة الأفغانية.

ويبدو أن الدرس الأفغاني لم يتم فهمه بالشكل الصحيح، ولم يتم توريثه للجيل الجديد من الإسلاميين الذين يخوضون تجربة مماثلة كما هو الحال في الصومال اليوم؛ حيث يكررون التجربة الفاشلة نفسها في إدارة خلافاتهم ليلاقوا مصيرهم الحتمي في تضعيف قواهم عبر مواصلة الاقتتال البيني والدخول في تحالفات إقليمية "مشبوهة" حتى لا يبقى لهم وجود حقيقي في الساحة الصومالية بعد فترة من الزمن، ويذوبوا في أتون الصراعات الداخلية والتحالفات السياسية والمقايضات الإقليمية والدولية كما حصل لإخوانهم في أفغانستان. فهل وعينا الدرس؟؟.

* كاتب ومحلل سياسي أفغاني.