كيف تعاملت اليمن مع ظاهرة القرصنة البحرية في خليج عدن
السبت, 11-يوليو-2009
عايش عواس - أثار تزايد هجمات القراصنة الصوماليين على السفن التجارية, والسياحية في خليج عدن خلال السنوات الثلاث الأخيرة, مخاوف وقلق دول العالم قاطبة، واليمن منها على وجه الخصوص بحكم قربها الجغرافي من مسرح عمليات القرصنة البحرية, وما يترتب على هذه الحقيقة من تداعيات سلبية على أمن اليمن واقتصادها الوطني، وأبرز هذه التداعيات توافد السفن والبوارج الحربية الأجنبية إلي المنطقة بحجة تأمين حركة الملاحة، وزيادة نسبة التأمين على السفن القادمة إلي اليمن، ومن ثمّ ارتفاع قيمة السلع والبضائع في السوق اليمنية، وانخفاض الموارد المالية للدولة جراء تراجع عدد السفن الواصلة إلى الموانئ اليمنية في البحر الأحمر والبحر العربي، وتقييد حركة الصيادين اليمنيين, وتهديد حياتهم ليس من قبل القراصنة فقط, بل ومن قبل القوات الدولية الموجودة في المنطقة أيضاً. 

وإزاء ذلك، فإن تحرك اليمن لمواجهة ظاهرة القرصنة والقضاء عليها لا يعد خياراً، وإنما هو ضرورة ملحة لحماية أمنها والدفاع عن مصالحها القومية. والسؤال هنا هو كيف تعاملت اليمن مع المشكلة؟ وما طبيعة ونوع الوسائل المتخذة من جانبها لمواجهة الظاهرة والتخفيف من تداعياتها السلبية؟ وهل تحركاتها بهذا الخصوص توازي مستوى التحدي؟
وإذا ما بدأنا بمناقشة صلب الموضوع مباشرة ودون الإسهاب في مقدمات وحواشي لا حاجة إليها، يمكن القول أن تحركات اليمن لمواجهة القرصنة تسير حتى هذه اللحظة في اتجاهين أساسيين، أحدهما ذو طابع سياسي والاتجاه الآخر أمني.

فعلى المستوى السياسي أدانت اليمن بوضوح عمليات القرصنة, والسطو المسلح على السفن بمختلف أنواعها، واعتبرت هجمات القراصنة بأنها تندرج ضمن الأعمال والجرائم الإرهابية. كما شاركت في مختلف الفعاليات الإقليمية والدولية المتعلقة بمكافحة القرصنة، ووقعت على مدونة السلوك الخاصة بقمع القراصنة والسطو المسلح على السفن في منطقة غرب المحيط الهندي وخليج عدن, إلى جانب كل من جيبوتي, وأثيوبيا, وتنزانيا, ومرشيوس, والصومال, ومدغشقر, والمالديف, وكينيا. وتنص بنود هذه المدونة على ضرورة التنسيق بين الدول المطلة على غرب المحيط الهندي وخليج عدن والبحر الأحمر، واتخاذ بعض التدابير الأمنية اللازمة لحماية السفن وقمع هجمات القراصنة، وتنسيق الإنقاذ, وتشاطر المعلومات, وتبادل المساعدة بين الدول الموقعة على المذكرة.
بيد أن تعاطي اليمن مع ظاهرة القرصنة لم يستقر على موقف ثابت طوال الفترة الماضية، وإنما شهد تغيرات من مرحلة إلى أخرى. ففي بداية الأمر كانت اليمن ترى إمكانية مواجهة المشكلة واحتوائها من خلال التنسيق بين الدول العربية، وعليه فقد كثفت اتصالاتها مع هذه الدول، وبالأخص منها الدول المطلة على البحر الأحمر بهدف بلورة موقف عربي مشترك. وكانت زيارة الرئيس اليمني علي عبدالله صالح لكل من الأردن, ومصر أوائل شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2008, ومشاوراته قبل ذلك مع العاهل السعودي عبدالله بن عبدالعزيز تصب في هذا الاتجاه, لكن المساعي اليمنية لم يكتب لها النجاح بسبب الخلاف بين الأطراف العربية حول المنطقة الجغرافية التي يجب فيها التحرك لمواجهة القرصنة. 

ففي حين ترى اليمن أن التحرك العربي لابد أن يتم في البحر الأحمر, وخليج عدن كانت بقية الأطراف تفضل حصر التحرك في البحر الأحمر فقط، وكان هدف صنعاء من وراء هكذا تحركات هو مواجهة الظاهرة في إطار عربي بحيث تتولى الدول العربية مسئولية تأمين حركة الملاحة, ومواجهة ظاهرة القرصنة بعيداً عن أي تدخلات دولية, لكن موقف من هذا القبيل تجاوزه الوقت، ومن ثمّ فقد لجأت اليمن في مرحلة تالية إلى محاولة التنسيق مع دول شرق وجنوب أفريقيا, لكن النتيجة لم تكن أحسن حالاً من سابقتها؛ لأن الوجود العسكري الأجنبي في المنطقة أصبح بحكم الأمر الواقع. ناهيك عن أن حجم المشكلة, وتعقيداتها, واتساع مسرح عملياتها إلى نحو 6 .1 مليون كيلو متر مربع على خليج عدن والمحيط الهندي يفوق القدرات العربية, وقدرات دول المنطقة وإمكاناتها. 

كما أنه من غير المعقول بعد أن أصبحت ظاهرة القرصنة تشكل تهديداً للأمن الدولي, وليس الأمن الإقليمي فقط, أن تكتفي دول العالم, لاسيما الكبرى منها على وجه التحديد بالجلوس على مقاعد المتفرجين، وترك الأمر لدول المنطقة تواجهه وحدها, خصوصاً وأن مشكلة القرصنة بدأت تهدد مصالحها الحيوية. فعمدت اليمن في ضوء ذلك إلى تعديل موقفها، وعبرت عن قبولها الضمني بتواجد القوات الدولية في المنطقة, واستعدادها للتعاون معها لتأمين وحماية حركة الملاحة الدولية، واتجهت لتوثيق تعاونها مع الدول التي لها تواجد عسكري في خليج عدن والسواحل الصومالية, مع محاولة البحث لنفسها عن دور في إطار هذا المتغيرات، وتجلى هذا التحول في الموقف اليمني من خلال تصريحات الرئيس علي عبدالله صالح التي دعا فيها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى تشكيل قوة دولية لمحاربة القرصنة بالتعاون مع دول المنطقة باعتبار مواجهة القرصنة والقضاء عليها أمر يهم كل دول العالم, وليس اليمن فقط. 

كما حاولت اليمن استغلال المعطيات الجديدة لتسويق نفسها للعب دور أكثر فاعلية في مكافحة القرصنة, وبرزت مؤشرات هذا التوجه مع تكرار دعواتها لتشكيل مركز إقليمي لمكافحة القرصنة يكون مقرة اليمن, وإبداء استعدادها "لمكافحة أعمال القرصنة في أعالي البحار" إذا ما قدم لها المجتمع الدولي المساعدات التقنية والفنية اللازمة.
وفي إطار تحركها لمواجهة القرصنة, حرصت اليمن على التأكيد باستمرار في مختلف المحافل الدولية والإقليمية على أن الحل يكمن في إقامة الدولة المركزية في الصومال, وإعادة مؤسسات الدولة في هذا البلد كشرط أساسي للقضاء على حالة الفوضى والانفلات الأمني, وما نجم عنها من مشاكل أمنية خطيرة تمثل ظاهرة القرصنة إحدى تجلياتها.

أما على المستوى الأمني فقد تمثلت أهم الإجراءات المتخذة، في هذا الإطار، في تكثيف الدوريات الأمنية على مدار الساعة في الشريط الساحلي المحاذي لخليج عدن وباب المندب, ونشر ما يقارب من 1000 جندي من قوات خفر السواحل مع تزويد هذه القوات بزوارق حربية مجهزة بمختلف المعدات, وسرعة وتيرة العمل في مجال البنية التحتية لخفر السواحل وإنشاء أربعة مراكز إقليمية لرصد عمليات القرصنة في كل من صنعاء, وعدن والحديدة, والمكلا, بحيث تتولى هذه المراكز جمع البيانات والمعلومات حول ظاهرة القرصنة وتحليلها. 

ونظراً لصعوبة حماية وتأمين الحدود البحرية على طول الشريط الساحلي؛ فقد عمدت اليمن في ضوء شحة الإمكانات لديها إلى إنشاء حوالي 13 محطة لمراقبة حركة السفن على طول الشريط البحري الممتد من البحر الأحمر, وحتى الخليج العربي يفصل مابين المحطة والأخرى 200 كيلومتر, وتم تزويد هذه المحطات بمناظير مراقبة يبلغ مداها من عشرة إلى اثني عشر ميل. 

وبالتزامن مع ذلك، رفعت اليمن من مستوى جاهزية قواتها البحرية, وتفعيل التواصل والتنسيق بين هذه القوات وقوات خفر السواحل، وتمثل عملية تحرير أربع سفن يمنية من أيدي القراصنة بعد مرور أقل من أربع وعشرين ساعة على اختطافها أحد أهم وأبرز المؤشرات على قدرة وجاهزية القوات اليمنية. 

لكن التعويل على الزوارق البحرية للقيام بمهمة تأمين المياه الإقليمية والشريط الساحلي أمر مبالغ فيه لأنه غير ممكن في الوقت الحالي وكذلك على مدى السنوات القادمة أن توفر اليمن 250 زورقاً بحرياً هي مجموع ما تحتاجه لحماية سواحلها, ولذا يبقى أقرب الخيارات المتاحة توفير طائرات مروحية تقوم بدوريات علي مدار الساعة, وبالذات في المناطق التي يقل فيها عدد دوريات خفر السواحل.

جوانب القصور
ومع كل ذلك، يظل عدم توفير الحماية للصيادين اليمنيين وخاصة في المياه الإقليمية اليمنية واحداً من أبرز جوانب القصور, بل ومشكلة يجب تلافيها بقدر ما أمكن. فعلى مدى الفترة الماضية تعرض هؤلاء لمخاطر وتهديدات عديدة؛ البعض منهم خطفت سفنهم, والبعض الآخر تعرضوا للتهديد بالاختطاف, وهناك من قتلوا بالفعل ليس على أيدي القراصنة فقط, وإنما أيضاً على يد القوات الدولية الموجودة في المنطقة، وإذا كان سقوط ضحايا على أيدي القراصنة أمر متوقع فإن الغريب في الأمر أن يستمر قتل الصيادين من قبل قوات صديقة، أليس بالإمكان تجنب مثل هذه المخاطر من خلال التنسيق مع تلك القوات إما عبر إلزام الصيادين برفع أعلام أو إشارات أو أرقام معينة يتم الاتفاق بشأنها مع تلك القوات, وقوات خفر السواحل أو عن طريق توعية الصيادين من المناطق الخطرة. 

كما يؤخذ على الحكومة اليمنية في إطار مساعيها لمكافحة القرصنة أنها في بعض الأحيان تطرح أهدافاً غير واقعية, وأكبر بكثير من إمكاناتها وقدراتها, ومن ذلك قول بعض المسئولين اليمنيين أن "بإمكان اليمن مكافحة القرصنة في أعالي البحار إذا ما وفر لها المجتمع الدولي المساعدات اللازمة", وهذا أمر غير واقعي في ظل ما تمتلكه اليمن من قوات بحرية في الوقت الحالي, كما أن المجتمع الدولي لا يطالب اليمن بدور كهذا, وجلّ ما يرغب فيه هو قيام اليمن بحماية وتأمين مياهها الإقليمية في المرحلة الحالية، ونحن إذا ما ركزنا الجهود على ذلك فإن مصداقيتنا لدى الغير ستكون أكبر, وربما نحصل على مساندة ودعم أفضل. 

وإلى ذلك فإن تغير الموقف اليمني من وقت لآخر على نحو ما سبق ذكره, وعدم ثباته على رأي معين, ولو لفترة من الزمن بقدر ما يعكس المرونة والقدرة على التكيف مع المتغيرات بقدر ما يؤكد في الوقت نفسه حاجتنا للتأني عند اتخاذ المواقف, ورسم السياسات وقراءة الوقائع, والمعطيات المحيطة من زوايا مختلفة بحيث تكون تحركاتنا فيما بعد مدروسة ومخططة، وليس مجرد ردود فعل لما يحدث من حولنا. 

ولعل من بين الأمور التي ينبغي على صانع القرار اليمني أخذها بعين الاعتبار في إطار تعاطيه مع ظاهرة القرصنة, أو في إطار إعادة تقييم مصادر التهديد التي تواجه الأمن القومي أن اليمن بلد ساحلي بدرجة أساسية مما يفترض معه، وخصوصاً مع بدء تصدير الغاز الطبيعي المسال من ميناء بلحاف في محافظة شبوة والتوجه لاستغلال الثروة النفطية من الأحواض البحرية, إعطاء القوات البحرية وخفر السواحل أهمية خاصة في ميزانية وزارتي الدفاع والداخلية بحيث تكون هذه القوات في المرتبة الأولى من ناحية التسليح والجاهزية, لأن ضعف القوات البحرية سيجعل هذه المشاريع الإستراتيجية, والأمن البحري اليمني بصفة عامة في حالة انكشاف أمني خطير. 

كما يتطلب الأمر إلزام وزارة الثروة السمكية، وجمعيات الصيادين بتوعية الصيادين من المخاطر المحتملة جراء الاصطياد في المياه الخطرة, وما قد يترتب عليها من مصادرة للقوارب والممتلكات الشخصية من قبل القراصنة أو من قبل القوات الدولية الموجودة في السواحل القريبة من منطقة القرن الأفريقي. والأهم من كل ذلك المسارعة من قبل الجهات المعنية لوضع خطة متكاملة لاعمار وتسكين أهم الجزر اليمنية أو أغلبها على الأقل حسب الأهمية, لأن الوجود الدائم هو الضمانة الأمثل لحمايتها مع توفير مستلزمات الإقامة, ومصادر العيش المناسبة فيها.

مراجع:
1- القرصنة البحرية في السواحل الصومالية وخليج عدن، تقرير غير منشور صادر عن مجلس الشورى.
2- "القرصنة اصومالية في خليج عدن"، ورقة خلفية في التقرير الإستراتيجي اليمني لعام  2008 (صنعاء، المركز اليمني للدراسات الإستراتيجية، 2009).
3- حسين الحبيشى، مقابلة في مجلة أبواب اليمنية، آذار/ مارس 2009.