ما الذي يمكن أن يقدمه الدين للسياسة؟
الثلاثاء, 07-يوليو-2009
أنتوني ليرمان - لم يمض زمن طويل على تواري الدين والتقدم الحتمي لمسيرة العلمانية التي اعتبرت أمرا بديهيا لا مفر منه. بالنسبة لبعض الناس فإن العالم لا زال يبدو كذلك حتى و كأن أسوأ أزمة اقتصادية يشهدها العالم منذ الكساد الكبير لم تكبح شهوة الناس للاستهلاك و ثقافة الاحتفال و الأمور المادية الأخرى. إن هذه الإغراءات قد لا تكون متوقفة حاليا بالنسبة للكثيرين منا, و لكن لا زال بإمكاننا أن نتمتع بهذه الأمور عن بعد من خلال رؤيتنا للأغنياء يقومون بالعمل نيابة عنا, و يتحملون عبء ضمان أن أرباح المحال التجارية سوف تزدهر مرة أخرى. 

و لكن الأحداث التي تدور في إيران تعطينا رسالة تذكير حول العودة الجديدة للدين على المسرح العالمي, ليس فقط على شكل دين القاعدة المتشدد. هناك, إنها قوة حاكمة و تحتاج إلى الشرعية من خلال صناديق الانتخابات, و ليس وارد في حساباتها كلمة لا. إن النظام قد يكون في مواجهة أصعب تحدي منذ وصوله إلى السلطة, ولكن من الواضح أن الإسلام لا زال موجودا و يحكم المجتمع و يفضله ملايين الناس. و في أماكن أخرى فإن المسيحية تزدهر في أشكال أخرى. و قد كتب الدكتور إيريك كوفمان ما يلي :" إن الطبقة الصينية الوسطى تتوجه نو المسيحية". وفي كوريا نمت نسبة معتنقي البروتستانتية من ما لا يزيد عن 2% من نسبة السكان عام 1950 إلى 20% حاليا.
ويضيف الدكتور كوفمان :" في جميع أنحاء العالم النامي فإن أشكال التعاطف الأقوى للمسيحية تتمتع بالعودة, مع وجود حركة تجديد مسيحية تقود الأمور, إن ثُمن البرازيل و 20% من غواتيمالا تعتنق هذا المبدأ الآن".
إن هناك العديد من الدول تعتبر حكوماتها أن عودة الدين تشكل تحديا جديا لشكل المستقبل الذي سيسطر على مجتمعاتهم. و عدد كبير من هذه الدول موجود في أوروبا. قبل أيام قليلة فقط, ألقى نيكولاس ساركوزي خطابا قويا حول النقاب الذي تلبسه المرأة المسلمة و الذي يغطي جميع أجزاء الجسد, و الذي كما قال ليس مرحبا به في فرنسا :" إنه رمز للعبودية, و إشارة على الذل". 

بالنسبة لساركوزي فإن الأمر يعتبر هجوما على قيم الجمهورية الفرنسية. إن مثل هذا الرد يلعب على المخاوف من أن الدين المتطرف يستغل التسامح الذي يعم في المجتمعات الديمقراطية الحرة. ما أن يتم التأسيس لأمر ما, فإنه سوف يتطلب مزيدا و مزيدا من إيجاد حاجات دينية حتى تصبح الأمور في وضع يكون فيها بمقدور هؤلاء الأشخاص تخريب وتعديل الحرية التي سمحت لهم بموطئ قدم في بداية الأمر. 

إن ميكلوس هاراستزي يعطي مثالا حول هذا الأمر في المسرح العالمي :" في 26 مارس مرر مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قرارا يدين فيه "تشويه الأديان" كخرق من خروق حقوق الإنسان, و ذلك على الرغم من المخاوف الواسعة من أن هذا الأمر قد يستخدم لتبرير وضع القيود على حقوق الإنسان. وقد تبنى المجلس القرار بصيغة غير ملزمة, و قد طرحته باكستان بالنيابة عن الدولة الإسلامية, و صوت لصالح القرار 23 دولة مقابل 11 دولة ضد القرار, و امتنع 13 عضوا عن التصويت" . و قد قال هاراستزي أن هذا الأمر "يدعم سيطرة الحكومات المستبدة" و يؤدي إلى التحكم بحرية التعبير في الوقت الذي يبدو فيه متسقا مع الديمقراطيات المتقدمة متعددة الثقافات". 

و ما إذا كان أسلوب ساركوزي العدواني هو الطريقة الصحيحة للتأكد من أن الدين يعرف مكانه في السياسة و المجتمع هو أمر يمكن النظر فيه. و بالتأكيد فإن العالم قد تغير كثيرا بما لا يكفي للاعتماد على الفهم الضمني للتأسيس لإطار عمل يمكن فيه للمجموعات الدينية أن تناقش فيه مبادئها. كما أنه من غير الكافي لافتراض أن الفصل ما بين الكنيسة و الدولة أو إبعاد الدين يمكن أن يؤدي المهمة أيضا. أنا لا أقول بأن الترتيبات الحالية لا يمكن أن تقوم بالمهمة, و لكن الظروف الحالية تجعل من مناقشة هذه القضية علنا في المملكة المتحدة أو في أي مكان آخر أمرا مهما.

و ما أعنيه بالظروف الجديدة على سبيل المثال هو: أولا إن نهاية الحرب الباردة تركت العالم دون أي تفريق كامل ما بين الخير و الشر و قد خلقت هذه الحالة السوق الحر في الأفكار بحيث يمكن لأي مجموعة قوية بما فيه الكفاية أن تصل إلى الإعلام و أن توصل أفكارها للصالح العام. إن أولئك الذين استفادوا من هذا الأمر هم المجموعات الدينية, خصوصا المجموعات الإنجيلية و الأصولية. إن هذا التوجه لن يذهب بعيدا. ثانيا, مهما كان تقدم المجتمع فإن الأزمات المتعددة في السنوات الأخيرة قد أظهرت أن الأيدلوجيات الراشدة و العلمانية لا تمتلك جميع الإجابات للمشاكل الاجتماعية و السياسية. هل يمكن أن يكون صوابا منع مجموعات دينية معينة يغض النظر عن مدى اعتمادها للديمقراطية من أن تُسمع في مثل هذه المشاكل؟ ثالثا, إن التوجه المتنامي للمجموعات الدينية التي تلعب دورا قويا أكبر في المجتم ليس بالظاهرة العابرة لأنهم أتقنوا التكنولوجيا و أساليب الاتصال الحديثة. رابعا, في بعض الدول, و التي فيها الحكومة غير قادرة أو غير راغبة في تكوين شبكة أمان اجتماعية ذات كفاءة فإنها تكون مصدرا حيويا لدعم الرعاية الاجتماعية لملايين من الناس الفقراء. 

على كل حال فإنه سيكون من الخطأ التفكير في أن التحدي الديني قادم فقط من المتطرفين الأجانب. على سبيل المثال فأنا أعتقد أن العمل حول حقوق الإنسان قد أصبح وسيلة حاسمة من أجل ضمان أن القيم العالمية المشتركة يمكن أن تؤدي إلى تجاوز التصرفات الظالمة لبعض الجماعات. و لكن ثقافة حقوق الإنسان البريطانية قد أصبحت تحت الهجوم في المملكة المتحدة من قبل مصادر مسيحية و يهودية. 

لقد قال جون سينتماو رئيس أساقفة يورك في عام 2008 بأن " حقوق الإنسان دون وجود مرجعية تشير إلى الله تميل إلى التأسيس لحقوق يمكن أن تضر بحقوق أناس آخرين عندما يتغير المزاج العام". و في الفرق في الكرامة فقد وضع الحبر الأكبر الحاخام جوناثان ساكس نقطة مشابهة عندما كتب أن الشيفرة العالمية لحقوق الإنسان "تتغاضى عن صعوبة و ضرورة خلق مجال للغرباء و هو الأمر نفسه الذي كان مصدرا للعنصرية و الإقصاء الذي شهده كل مجتمع عرفه التاريخ". إن النتيجة الضمنية بأن القيم المشتقة من الدين سوف تكون أكثر قدرة على حماية الضعفاء و المضطهدين عرقيا هي ليست نتيجة يؤكدها التاريخ. 

و لكن بغض النظر عمن هو على صواب في هذه النقطة, فإنه لدينا هنا صوتان دينيان مؤثران جدا و سائدان يناديان بحزم لإيجاد دور أكبر للدين في السياسة. إن بريطانيا لن تذهب في طريق إيران, و لكن السؤال حول كيفية إدارة دور الدين في المجال العام يحتاج إلى اهتمام مفتوح و مستعجل. أعتقد أن البداية الجيدة هي وجهة نظر عالم الاجتماع الألماني يورغين هابرماس و الذي قال بأنه ليس من مهام الدولة العلمانية أن تمحي دور الدين من جميع مجالات الحياة العامة. بل على العكس, فإنه من الواجب عليها أن تجعل هناك إيمانا لدى الناس وهو الإيمان الذي لا يميز ما بين القناعات الدينية و السياسية " من أجل أخذ دور في تشكيل الإرادة السياسية". و إذا حاولت الدولة استثناء مثل هذه الأصوات من المجال العام فإنها قد "تقطع المجتمع عن مصادر نادرة لجيل من المعاني و تشكيل الهويات". 

و لكن الدور الذي على الدولة أن تلعبه هو أن تكون بمثابة مصفي للمقترحات الدينية الملهمة من أجل تشكيل الصالح العام و أن تترجمها إلى لغة علمانية إذا كان لها تأثير على الأجندة السياسية للدولة. أعتقد انه سيكون من الأفضل لو تجنبنا النهج الذي يعتمد على نظرة خاطئة عن الإسلام بأنه دين أحادي ويفرض هيمنته أينما وجد, و القيام بتوفير مستوى من الأرضية لجميع المجموعات الدينية التي تتمنى المشاركة في النقاشات السياسية حول خلق مجتمع جيد. 

مصدر المقال: الجارديان 26/6/2009 
http://www.guardian.co.uk/commentisfree/2009/jun/26/religion-politics-britain-public