الشرق الأوسط: لا خيار سوى الديمقراطية
الثلاثاء, 07-يوليو-2009
مايكل غيرسون - في بدايات العام 2005 كان التقدم فيما يخص الحرية في الشرق الأوسط يأخذ شكل الحتمية. فقد تظاهر عشرات الآلاف في بيروت للمطالبة بإنهاء الاحتلال السوري. كما صوت 8.5 مليون عراقي بأصابعهم التي ختم عليها باللون الأرجواني. حتى الرئيس المصري حسني مبارك سمح بانتخابات متعددة الأحزاب. و هكذا فقد تكلم الناس عن "ربيع العرب".

و لكن و مع حلول 2006, ما بدا أمرا حتميا رفض بشكل مذهل. فقد انحدر العراق الى حرب أهلية, و الظاهر أن هذا الأمر نتج عن الانتخابات التي عززت الانقسامات الطائفية. و قد جلبت الانتخابات في الأراضي الفلسطينية حماس الى السلطة. أما مبارك – الصياد الكبير- فقد أدار ظهره لمعظم الحريات التي منحها قبلا.

بعض المحافظين الأمريكان وجدوا دروسا "بوركينية"* في تلاشي جدول أعمال الحرية, مصممين على أن الديمقراطية هي وردة هشة تنمو فقط في التربة الثقافية الخصبة وهو ما مال إليه أتباع جيفرسون و هاملتون. الكثير من الليبراليين بدوا مرتاحين لأنه لم يثبت صحة ما كان يقوم به الرئيس بوش بعد كل ما حصل, على الرغم من أن هذا الأمر قد انضوى على تراجع عالمي فيما يخص الحريات السياسية. قد يبدو غريبا أن يشعر الانسان بالإثارة عندما تتعثر مبادئ أمته. و لكن دعونا لا نكون الخصم والحكم

الآن فإن الربيع يعود. إن الانتخابات في شهر يناير في العراق فضلت الوطنيين العلمانيين على الأحزاب الدينية. و في لبنان, انهزم حزب الله في انتخابات مفتوحة و نشيطة. و قد انتخبت نساء من الكويت في البرلمان لأول مرة في تاريخ البلاد. و في إيران, فقد بين رجال و نساء شجعان أن الديمقراطية و ليس العدمية هي التي تنتج الشهداء في العالم الإسلامي.

و إذا كان هناك درس من سنوات الثنائية القطبية, فإنه ما يلي: إن الخبراء سوف يترجمون الأحداث من أجل إثبات وجهات النظر الموجودة من قبل. إن أي لقطة سريعة في هذه العملية التاريخية المعقدة هي صورة دائمة. كل شخص مثالي سوف يكون له نهاره؛ و كل شخص واقعي سوف يكون له ليله.

و لكن وبينما أن التطور في الديمقراطية في الشرق الأوسط لا يسير بشكل خطي, فإنه ليس عشوائيا أيضا. إنه يتقدم بخطوات و لكنها متصاعدة. لنأخذ معا – الديمقراطية العراقية الدستورية و حركة الإصلاح القوية في إيران و الانجازات من دول المشايخ الخليجية الى لبنان- إن هذه الفترة هي أعظم فترة من التقدم الديمقراطي في تاريخ المنطقة. و نظرا لحالات الانتشار الدائمة, فإنه يبدو جليا أن الشرق الأوسط الكبير ليس لديه مناعة للعدوى الديمقراطية. و هناك أسباب تدعو الى أن تبقى الأجندة الديمقراطية مركزية لسياسة أمريكا الخارجية, بغض النظر عن المزاج اللحظي.

أولا, إن التقدم في الشرق الأوسط الكبير ليس ممكنا دون وجود إصلاح سياسي و اقتصادي. إن الناتج المحلي الإجمالي الكلي للشرق الأوسط الغني بالمصادر و شمال إفريقيا (عدا اسرائيل) هو أقل من الناتج المحلي في إيطاليا. إن متوسط العمر المتوقع في المنطقة هو أقل ب 16 سنة عما هو عليه في اسرائيل. ترى ما هو النظام السياسي و الاجتماعي الذي يمكن أن يعكس هذه الصورة؟ هل هي الدكتاتورية العسكرية أم صدام أم الأسد؟ أم الحكومة الدينية في إيران و التي تعتمد الآن في شرعيتها على ديماغوجية غير مستقرة؟ لم يكن هناك أية بدائل واقعية لحرية استعادة الازدهار الإقليمي و تحسن الوضع.

إن السبب بسيط: إن النظم الاجتماعية و السياسية و التي تكافئ إبداعية الانسان تؤدي الى خلق الثروة و تقود الى التقدم. إن مثل هذا التقدم لا تحكمه القوى التاريخية. إن الديمقراطية ليست حتمية مثل ما يقال عن الشيوعية؛ إنها حتمية مثل الأمل.

ثانيا, إن تقدم الحرية في الشرق الأوسط هو أفضل أمل لأمريكا. إن الأنظمة التي تضطهد شعوبها تشكل تهديدا في الغالب لجيرانها و تدعم الجماعات الإرهابية و تغذي العداء لأمريكا و للسامية من أجل صرف النظر عن الفشل الذي تواجهه في الداخل , و تبحث في العادة عن أسلحة الدمار الشامل. إن الديمقراطيات الأخرى لا تقوم دائما بما نأمله منها. و لكن الدول التي تقوم على رضا المحكومين تكون بكل بساطة مسالمة أكثر من الأمم التي تحكم بأهواء الطغاة.
بالطبع فإن هناك تحديات في نشر الديمقراطية, ما هي أفضل طريقة لتقوية المجتمع المدني و كيف يمكن دعم ليس فقط الانتخابات و لكن الدستورية أيضا و ماهية تسلسل الإصلاحات.

و لكن دعم نشر الديمقراطية هو التزام أمريكي ثابت. و هو يشكل إجماعا في السياسة الخارجية ظهر منذ الحرب العالمية الثانية, إن هناك اعتقادا حزبيا عاما بأن الولايات المتحدة تستفيد من توسيع المجتمعات و الاقتصاديات الحرة و نظام التجارة الحر. و هذا الاعتقاد قاد رؤساء أمريكا الى إعلان هدف الحرية العالمية حتى عندما يتم في بعض المناسبات التعامل مع الدكتاتوريين. لقد جلس فرانكلين روزفلت مع ستالين في الوقت الذي كان يعرف فيه بالحريات الأربع التي يمكن أن تطبق في أي مكان في العالم. و قد تعامل ريغان مع قائد سوفيتي حتى عندما كان يتوقع سقوط الاتحاد السوفيتي. إن مثاليتهم الديمقراطية لم تمنعهم من التعامل مع الشيطان, و لكنها منعتهم من الاعتقاد بأن الشياطين يمكن أن تمتلك المستقبل.

إن نشر الديمقراطية أمر صعب و قد يكون له نتائج عكسية. و لكنه أيضا ليس جديدا أو اختياريا.

* يمكن العودة الى الموقع التالي من أجل التعرف على أفكار "إديموند بوركي".
http://en.wikipedia.org/wiki/Edmund_Burke

مصدر المقال: واشنطن بوست 26/6/2009