الهوية ..وجدلية سؤال: الأخ من وين؟!
الثلاثاء, 07-يوليو-2009
خالد وليد محمود - يقول أحدهم: "المستوى الأعلى للإنتماء ليس الثقافة وإنما اعتبار الشخص لنفسه أنه ابن أم كل الأمم التي هي الإنسانية وابن أب كل الأوطان الذي هو العالم"، تذكرت هذا القول بعد قدوم موظف جديد لينضم إلى مكان عملي السابق وما أن بدأ التعارف حتى أخذ نفساً عميقاً وأدار وجهه لي متسائلاً : من أين الأخ؟! هذا قبل أن تتواتر الأسئلة واحدة تلو الأخرى : من الأخ؟ماذا تعمل؟ووين ساكن؟متزوج ولا لأ؟ما هو تخصصك؟...الخ، ولاحظوا أن الأسئلة التي تتعلق بوظيفتك ومركزك بالعمل ومهنتك ومسماك الوظيفي كانت تالية لسؤال الإنتماء والإنتساب...والأدهى من ذلك أن أخينا لكنته "نابلسية" وكنت متأكداً بعد هذه الأسئلة أن يطرح سؤالاً : مدني ولا فلاح؟ ويستدرك قبل أن أجيب : كل الناس خير وبركة!!

الأسئة أعلاه لا يكاد يمر يوم واحد إلا أن تسمعها وعدة مرات في مواقف عديدة ومختلفة، فلا تكاد تجلس في عرس، أو مأتم أو حتى مقهى و صالون حلاقة، أو مع سائق تكسي" إلا ويبدأ ويبدأ "أصحاب الفضول" بالهمس وما أن تلتفت لأحدهم مبتسماً حتى يفاجئك بسؤال : الأخ من وين؟
يستوقفني هذا السؤال مطولاً، وأحتار عندما أسأل نفسي هل نحن بلا هوية حتى نُسأل هذا السؤال؟ ام ماذا؟لم أجد معياراً ثابتاً يحدد هويتي التي أصبحت تتلاطم على ألسنة العامة في عالم الهمس والعلن!وأخشى ما أخشاه أن نصل يوماً فيه بعد أن تركب "التكسي" وقبل ان يسألنا السائق عن وجهتنا وإلى أين سيقلنا سيبادر : من وين حضرتك؟!!

تطلب من صديقك أن يحدثك عن زملائه في العمل، وقبل أن تكمل السؤال يقول لك : " في قسمي 5 موظفين" واحد خليلي، والثاني وحده من نابلس، والثالث من اربد، والرابع أصله شامي والخامس لبناني بس أبوه سلطي! لكأنني بحاجة أن يسرد لي كل تاريخ العائلة ويفصل لي الأنساب والمنابت والأصول!

حقيقة هذا الموضوع يحظى بحضور كثيف في النقاشات والحوارات وثمة مستويين لذلك الحضور الأول رسمي تتخلله جلسات المجاملة والثاني حقيقي يشطح فيه المتحدثون فيما بينهم.

عند دراستنا في الجامعات عرفنا أن المواطنة ما هي الا علاقة تربط بين الفرد والدولة أي علاقة تبادلية تعتمد أساساً على الحقوق والواجبات المنصوص عليها قانونياً والمواطنون يختلفون عن غيرهم من السكان بأنهم يتمتعون بحقوق كاملة في مجتمعهم السياسي أو الدولة التي يحملون جنيسيتها عن طريق امتلاكهم الحقوق الأساسية للمواطن وهي أيضاً معرفة بمنظومات قانونية دولية . فأساس المواطنة هو الفردانية "Individualism"، وهناك من يرى أن ثمة توجهان متناقضان في تكوين الهوية للشخص، الأول هو البناء على الضد. تتشكل الهوية فيه على أساس الإختلاف مع الآخر وقد يتم الانتظام في دوائر متباعدة يكون "الفرد" مركزها وذلك على جملة من العلاقات الموضوعية مثل الجنس واللون واللباس واللغة...الخ. أما التوجه الثاني فهو البناء على المماثل، إذ تتشكل هوية "الفرد" على شبهه مع الآخر وقد ينتظم في دوائر هو مركزها في الشكل واللون واللغة والمعتقدات..الخ.

في كل مجتمع من مجتمعات هذا العالم إذا تنازعت فيه الهويات تغدو هويات هدامة بينما إذا تكاملت مع بعضها تحول الفرد إلى مواطن صالح بكل ما يحمله هذه المصطلح من معاني.
شخصياً لم أتذكر أي حادثة أو ذكرى مرت بي بالماضي تثبت بأنني كمواطن وكإنسان قد تعرضت لأي شكل من أشكال التمييز بسبب هويتي وأصلي وجذري ..وأقول لكل أصحاب الأقلام كفاكم عزفاً على هذه المسألة وكفاكم رش الملح على الجروح وإثارة جدل انقسامي يتجاوز الحقائق الموضوعية على الأرض.

أحدهم أعجبتني إجابته في الرد على سؤال "الأخ من وين"، ليرد: أنا من بلد الحكايات المحكية ع المجد ومبنية ع الألفة..."،وهذا اقتباس لسؤال كانت قد طرحته فيروز على وديع الصافي في المسرحية الغنائية "سهرية حب"، وكيف انتهت تلك المسرحية بنهاية سعيدة للطرفين! 

المصدر: مشروع "منبر الحرية".