حول الأرز وقوانين الذرة
الأحد, 13-يوليو-2008
ستيف إتش. هانكي -

كما يعرف كل إنسان، فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية ارتفاعاً دراماتيكياً في السنوات القليلة الماضية. وقد ساهم ارتفاع أسعار الأرز مساهمة كبيرة في ارتفاع الأسعار، حيث بلغ ضعف ما كان عليه منذ بداية العام. ومع إدراكنا لذلك، فإن الأسواق المستقبلية للأرز والتي ندرك بأنها متشعبة وهشّة تدل على أنه لا يوجد في الأفق نقص حاد في كميات الأرز المتاحة.
وبالنظر إلى الاضطرابات التي أحدثتها أزمة الغذاء، وزيادة حجم التغطية الإعلامية حول نقص كميّات الأرز والذعر السياسي الذي نشأ بسبب سياسات الأرز—فإن هذه الأخبار من أسواق الأرز المستقبلية تبدو مغايرة للأحداث.
إن اقتصاديات أسواق السلع تقدم لنا مفتاحاً لحل هذا اللغز. إن الكلفة الصافية لملء المستودعات تساوي نسبة الفائدة يُضاف إلى ذلك تكلفة التخزين الفعلية ناقص "المحصول الملائم."
المحصول الملائم يدفعه الطلب التحوطي للتخزين. عندما يكون المحصول التحوطي صفراً يكون السوق في حالة "تحميل كامل،" وفي هذه الحالة فإن الأسعار المستقبلية تتجاوز الأسعار الآنية، وتكون المستودعات مليئة بتلك السلع.
وعلى الخلاف من ذلك، عندما يكون الطلب التحوّطي لسلعة ما عالياً تكون الأسعار الآنية قوية وتتجاوز الأسعار المستقبلية، وتكون المستودعات في مثل تلك الحالة منخفضة بأكثر من المعتاد.
في معظم البلدان، فإن إنتاج الأرز والتجارة به يخضعان إلى مجموعة كبيرة من القوانين والأنظمة. الدعم الذي يُقدّم إلى مُنتجي الأرز وإلى مستهلكيه هو دعم واسع. والتعرفة على الاستيراد والتصدير شائعة مثلما هي شائعة الكوتات الخاصة بالاستيراد والتصدير.
كثير من تلك السياسات تتأتى عن منطق تأمين الطعام، والرغبة في الاحتفاظ بجزء كبير من إنتاج الأرز في الوطن. ونتيجة لذلك، فإن أسواق الأرز مُجزأة وتوجد فيها فروق واسعة في الأسعار (مكيّفة في ضوء النوعية ونفقات النقل) بين البلدان.
ليس غريباً إذاً أن نجد بأن جزءاً صغيراً نسبياً—فقط 6-7%—من الإنتاج العالمي للأرز هو ما يتم تصديره.
وحتى نفهم الاختلالات، وعدم الكفاءة والأعباء الاقتصادية والمالية الناتجة عن تدخل الحكومة في إنتاج الأرز في إندونيسيا والتجارة به، كل ما علينا فعله هو قراءة العدد الحالي من "نشرة دراسات إندونيسيا الاقتصادية" التي خرجت لتوها من المطابع. هذا العدد الخاص من النشرة مكرّس لسياسات الأرز الإندونيسية، وبعض من النتائج في هذا العدد يعطينا فكرة عن الموضوع:
تُنفّذ الحكومة سياسات من شأنها رفع أسعار الأرز المحلي في إندونيسيا من أجل حماية المزارعين وتخفيض نسب الفقر. هنالك مشكلة منبثقة عن سياسة الحكومة هذه: ألا وهي أن النتائج الميدانية تفشل في دعم تلك النظرية. وفي الحقيقة، وكما جاء في النشرة، فإن أسعار الأرز العالية تضر الغالبية العظمى من الإندونيسيين—ربما 80% منهم.
تحليل مفصّل للمعلومات الخاصة بإنتاج واستهلاك الأرز يدل على أن التقديرات المتعلقة بالفوائض والعجز هي تقديرات لا يُعتمد عليها. وفي الحقيقة فإنها من عدم الدقّة بحيث لا يمكن تقرير ما إذا كان هنالك فائض أم عجز. هذا أمر مثير لأن تقديرات الفوائض والعجز هي تماماً الأسس التي تعتمد عليها الحكومة في تقرير حجم الاستيراد الرسمي. وبإيجاز، فإن عدم مصداقية البيانات الخاصّة في الإنتاج والاستهلاك هي بكل بساطة تجعل استراتيجيات التخزين المرحلية، وغيرها من الخيارات والتي يقترحها الداعون إلى التخطيط المركزي، أمراً غير ذي جدوى.
وإذا كان كل ما تقدم ليس مثيراً للقلق بشكل كافٍ، فإن "نشرة دراسات إندونيسيا الاقتصادية" تقدم لنا من الدلائل ما يُظهر بأن تعاظم دور الديمقراطية البرلمانية في إندونيسيا قد زاد من القوة السياسية للمزارعين والمصنعين الزراعيين. هذه الحقيقة، جنباً إلى جنب مع اعتناق البرلمانيين للحمائية التجارية، قد أعطت قوّة للذين يؤيدون حماية صناعة الأرز.
والآن، وحيث أن الحكومات في البلدان المستهلكة للأرز قد قرعت جرس الإنذار، فإننا نشاهد تدافعاً لتقديم إجراءات أكثر تدخلاً وحلول ثبت فشلها من قبل مؤيدي التخطيط المركزي، ومزيد من الصفقات التجارية التي يتم التعاقد عليها بين الحكومات.
هذا يعني محاولة معالجة المشاكل التي سببتها الاختلالات الضخمة التي أوجدها تدخل الحكومة في أسواق تجارة الأرز عن طريق إدخال مزيد من الاختلالات. وإن من شأن ذلك دون شك تعظيم المشاكل الناشئة حالياً عن أزمة الأرز.
إن قوانين وأنظمة الأرز تسير الآن في الاتجاه الخاطئ. إنها تُعيدنا إلى قوانين الذرة البريطانية. كانت تلك القوانين قائمة على أساس تحكم حكومي شبه كامل في الزراعة البريطانية في مطلع القرن التاسع عشر.

لحسن الحظ، أن ذلك الكابوس قد أُزيل في عام 1846. لقد تم إلغاء تلك القوانين بفضل جهود ريتشارد كوبدين، وجون برايت، والرابطة المناوئة لقوانين الذرة. وقد أدى ذلك إلى تنمية التجارة الحرّة واستيراد الغذاء بأسعار منخفضة وإلى ارتفاع كبير في مستويات معيشة البريطانيين.
ما يحتاجه الأرز اليوم ليس مزيداً من التدخل الحكومي ولكن صيغة حديثة لما قامت به الرابطة المناوئة لقوانين الذرة.