حذار من دعوات الانفصال في اليمن
الثلاثاء, 26-مايو-2009
حسن طوالبة - في الثاني والعشرين من شهر أيار 1990 اتفق المسؤولون في اليمن الشمالي والجنوبي على وحدة الشطرين نظرا لما في وحدتهما من خير يعود على كل اليمنيين, وتشكل هذه الوحدة نواة يحذى حذوها في انحاء الوطن العربي, وقد قوبل الرئيس علي عبدالله صالح ونائبه علي سالم البيض بالتصفيق من الزعماء العرب الذين كانوا يحضرون مؤتمر قمة بغداد الثانية لمواجهة التداعيات التي كانت تحيق بالعراق آنذاك.

وتاريخ اليمن القديم والحديث يؤشر لنا أن الأقوام العربية التي عاشت في الجزيرة العربية كانت قد قدمت من بلاد اليمن السعيد بعد انهيار سد مأرب الكبير. وقد خضع اليمن للسيطرة الاستعمارية الغربية حاله حال الأقطار العربية الأخرى, وقد حكم البريطانيون عدن والمحميات المجاورة قرابة قرن وربع القرن, بحيث كانت عدن من الموانئ المهمة بالنسبة لبريطانيا العظمى التي تشكل نقطة وصل بين بلدان الشرق (الهند والصين) وبلدان أوروبا. وقد زادت أهمية ميناء عدن بعد تأميم قناة السويس في عهد جمال عبدالناصر ,1956 وفي الوقت نفسه كانت اليمن الشمالي محكومة من قبل نظام قبلي ديني متخلف, انتهى بقيام ثورة وطنية بقدرات محلية متواضعة, وقد ساند نظام عبدالناصر تلك الثورة نظرا لما يشكله اليمن من أهمية في التوازن الاستراتيجي في المنطقة, وزادت أهمية اليمن بعد الوحدة بين شطريه الشمالي والجنوبي, رغم تباين النظامين السياسيين الحاكمين فيهما.

ورغم التمرد الذي حصل في الجنوب 1994 في محاولة لاعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 22 أيار ,1990 إلا أن الرئيس علي عبدالله صالح وقف موقفاً صلباً في دفاعه عن الوحدة التي تحققت بإرادة أبناء الشعب اليمني, وتمكن من سحق التمرد وانهائه لصالح الوحدة.

واليوم تتعالى صيحات للانفصال بين شطري اليمن, كالانفصال الذي حدث بين مصر وسورية عام 1961 ودعوة أبناء اليمن في شماله وجنوبه إلى العصيان المدني, وبالمقابل يؤكد الرئيس صالح أن الوحدة راسخة رسوخ الجبال. وفي الوقت نفسه تتوالى حالات التمرد التي تقوم بها مجموعات الحوثي في مرتفعات صعدة, إضافة إلى تداعيات الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد اليمني النامي, والفساد المالي والإداري الذي يستشري في مؤسسات الدولة.

اليمن بموقعه الجغرافي في جنوب الجزيرة العربية, المطل على بحر العرب, والمسيطر على مضيق باب المندب, صار محط أطماع الدول الكبرى, للسيطرة على عقدة المواصلات البحرية بين الشرق والغرب. وفي محاولة من الرئيس علي عبدالله صالح التقرب من الولايات المتحدة وإدارة البيت الأبيض والاسهام معها في مكافحة الإرهاب, إلا أن هذه المحاولة لم تمنحه فرصة النمو والنهضة, رغم كثرة الخيرات الزراعية والمعدنية (النفط) والبحرية (الثروة السمكية), لكنّ اليمنيين يغلبون زراعة (القات) على المزروعات الأخرى ذات الاثر المهم في حياة المواطنين ولم يتحقق الكثير من الاصلاحات خلال قرابة عقدين من الوحدة كما أن الجنوبيين يشعرون بالغبن لعدم منحهم فرصة للمشاركة في الحكم.

وفي ضوء تلك الظروف القاسية حاول النظام في اليمن حل المشكلات الحدودية مع المملكة العربية السعودية, إثر الأزمة الحادة التي نشبت بين البلدين وأدت إلى طرد مئات ألوف اليمنيين من المدن السعودية. كما عرض على زعماء دول الخليج العربي الانضمام إلى اتحاد دول الخليج العربي, لكن أمانة الاتحاد أرجأت النظر في الطلب, لحين توافر المؤهلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تنسجم مع دول الخليج التي قطعت شوطاً في مسيرة العمل الاتحادي.

إن وحدة اليمن أثلجت صدور المؤمنين بالوحدة العربية, في وقت صار الحديث عن الوحدة كحكم لمن يريد أن يمسك القمر بيديه وبات الحديث عن الوحدة غريباً لا يقوله إلا القوميون الذين نذروا أنفسهم للنضال القومي وآمنوا بأن الوحدة العربية هي سبيل نهوض الأمة واستعادة دورها الرسالي الذي ساد العالم, ومنحت البشرية عطاءات الخير والسعادة.

واستعراض سريع لتاريخ الأمة العربية يؤكد أنها عاشت أبهى أدوارها عندما كانت موحدة وقوية. فالقوة المادية والروحية, تمنح الأمة القدرة على المبادأة والتعرض للأعداء أولاً, ولا تكتفي بالدفاع المستكين, لأن مثل هذا الدفاع اعتمدته النظم العربية فكانت نتائجه النكسات والهزائم لأنه دفاع ضعيف أمام قوى ذات امكانات كبيرة.

إن الوحدة لا تتحقق إلا بالنضال والعمل الجاد, لأننا إذا سلمنا قدر الوحدة للظروف, فإن الظروف التي تحيط بالأمة منذ خروجها من الهيمنة العثمانية, لا تسمح بقيام وحدة أبداً. فالتحديات الخارجية والداخلية تحول دون قيام الوحدة, لكن الأمم الحية تواجه التحديات بعمل تاريخي بمستوى تلك التحديات, يبقى انموذجاً للأجيال اللاحقة.

الوحدة ليست تجمعاً عددياً أو جمع الجزئيات في وعاء أكبر, بل هي وحدة روحية تعتمد العقل والوجدان معاً, وتحتاج إلى تربية طويلة للنفس, لخلق أجيال تؤمن بالوحدة, وتكون مستعدة للتضحية في سبيلها وتملك طاقات خلاقة لتحقيقها وخلق الظروف المواتية لحمايتها عندما تتحقق.

ومن الخطأ أن ينظر إلى الوحدة انها مجرد خارطة سياسية, في حين أنها كائن حي نضالي يُعاد بناء الأمة من خلاله. وفي هذا المجال لا بد من التمييز بين مستويين في العمل الوحدوي, الأول: سياسي, والثاني تاريخي.

التصور المبدئي التاريخي للوحدة, هو الرد على كل ما أصاب الأمة العربية خلال تاريخها الطويل, حيث كانت ضحية أضخم ظلم عرفه العصر الحديث, ولا يمكنها أن تحارب ظلماً بهذا الحجم التاريخي وأن تتغلب عليه, إلا إذا عمقت نضالها حتى يلامس جذور انسانيتها, ويلتقي نضالها بكل نضال إنساني.

وينطلق التصور التاريخي من أن العرب أمة واحدة في الشعور وفي التراث وفي الثقافة وفي العمق الحضاري, وأن هذه الأمة قامت بدور مجيد في حمل رسالة إنسانية عظيمة. وعندما يتوحد العرب فإن وحدتهم تؤهلهم أن يستعيدوا دورهم التاريخي, لا أن يتركوه لأمم لم يكن لهم قصب السبق في لعب دور حضاري تاريخي كالذي لعبته الأمة العربية.

الوحدة المنشودة بتصور مبدئي تاريخي ثوري تحرري, ليس جمعاً منفعلاً أو عاطفياً, أي ربط الأجزاء ربطاً شكلياً, ولا يُلغي الشخصيات الوطنية في الأجزاء, ولا تلغي الطاقات المبعدة فيها, بل هي التي تبث الحياة في الجزء وتضعه في مكانه الصحيح في الكل. وبهذا المعنى هي عمل مستقبلي وتصحيح مسار سياسي خاطئ وتحويله إلى مسار جهادي بالاعتماد على طاقات أبناء الشعب في هذه الأمة.

ولما صارت الوحدة فكرة وحلما في نظر السياسيين الذين رضوا واقع التجزئة وقبلوا العيش داخل أسوار القطرية الضيقة, مكتفين بإمكانات القُطر المحدودة, معتمدين على حماية القوى الدولية (أمنياً), وعلى مساعدات الدول (اقتصادياً) وصارت أسوار القُطريات مهترئة منخورة يدخل منها كل التيارات الفكرية (العولمة) التي تناقض الوحدة فكراً ونضالاً, في ضوء هذا الواقع غير السليم, صار المسار السياسي هو البديل عن المسار المبدئي التاريخي الثوري الذي غاب عن فكر السياسيين, وصار العمل التضامني هو البديل عن العمل الوحدوي. وحتى العمل التضامني صار أمنية في أوقات عديدة, وصار الحد الأدنى من التضامن مطلبا ملحا في زمن ساد فيه الانهيار والانقسام والتراجع والفرقة. حتى أن عقد مؤتمر قمة للزعماء العرب صار حلماً وأمنية نفرح له, وكأن عقد قمة عربية صار هدفاً لا وسيلة لتحقيق أهداف وأمانٍ تاريخية.

فالتضامن مطلوب لإيقاف التدهور الذي تعيشه أقطارنا العربية في علاقاتها الثنائية والجماعية, وهو خطوة ملحة دائماً لوقف التداعي والانهيار والتراجع, فالإقرار بالمتيسر أو الحد الأدنى كخطوة أولى إلى أمام أمر مقبول ضمن الظروف الصعبة التي نعيشها هذه الأيام. كما أن برنامج العمل المشترك يحتاج إلى دعم مالي من المقتدرين, وتجاوز الأنانية والذاتية. ولا ننسى أبداً أن طريق الجهاد يظل المسار المهم في حياة الأمة العربية, فهي أمة جهاد من أجل الحق والخير والعدل ورفع الظلم والحيف.

وإذا كان التضامن مطلباً ملحاً هذه الأيام كي يواجه العرب كل التحديات الكبيرة التي تعترض مسيرة تقدمهم, فإن الوحدة اليمنية المتحققة مكسب عظيم لا يجوز التنازل عنه أبداً. ولا بد أن يحافظ النظام اليمني على ما تحقق من وحدة الشطرين, والحفاظ على الوحدة ليس بالقوة العسكرية فحسب, بل بالعمل السياسي الوطني الصادق, والحوار مع قوى المعارضة وقبول منطقها والتحاور معها مراعاة للمصالح اليمنية الوطنية, وعدم إقصاء أي طرف ينتمي إلى هذا الوطن.

الحفاظ على الوحدة مسؤولية كل الوحدويين في اليمن, ولهم من القوميين العرب كل الإسناد المعنوي والروحي والوقوف معهم ضد كل دعوات الانفصال التي ستقود (لا سمح الله) إلى تفتيت اليمن إلى إمارات ومشيخات وحارات قبلية متعصبة ومرتعاً للإرهاب كما هي الحال في العراق والصومال, فالحرص على الوحدة يستلزم الإصلاح الحقيقي وتحقيق العدل والمساواة لكل أبناء اليمن ومحاربة الفقر والفساد والمحسوبية.


عن:  العرب اليوم الأردنية.