نظم التعليم العربية تكشف عن خللها
الأحد, 17-مايو-2009
توم جي. بالمر و رجا كمال - أذهلَ قاض ٍ سعودي مؤخرا العديد من السعوديين، كما صَعَقَ الرأي العام العالمي، من خلال إتمامه عقد زواج بين طفلة تبلغ من العمر ثمان سنين ورجلٍ عمره سبعة وأربعون عاما. فقد ذكّر ذلك الحُكم الرأي العام بممارسة مقيتة لطالما كانت متوارية عن الأنظار، وبعيدة عن النقد العام والمناقشة العلنية.

لم تكن تلك القضية فريدة من نوعها. فهناك قضية أخرى في اليمن هزّت الرأي العام مؤخرا، حيث طالبت طفلة تبلغ من العمر عشرة أعوام المحكمة بالطلاق، بعد أن أجبرها والداها على الزواج من رجل يبلغ الثلاثين من العمر، استغّل هذا الامتياز الذي حصل عليه بموجب عقد الزواج ليغتصبها وينتهك شرفها. إنه لمن المخزي أن يُسمح بحدوث مثل هذه "الزيجات" القسرية الفاضحة. ومع ذلك، فإن المطلعين على الأنظمة التعليمية في العالم العربي لم يتفاجأوا.

إن الأنظمة التعليمية المخزية التي تقمع التفكير النقدي السليم هي التي جعلت مثل هذه الممارسات الرجعية تتواصل دونما رادعٍ، تتحصن خلف النظرة الدينية المحلية الضيقة الغير الخاضعة للتحقيق. إن مثل هذه الأحكام و نظيراتها في العربية السعودية ما هي إلا نتائج للنظام التربوي الفاشل.
لقد فشلت بعض المجتمعات العربية، وبشكل بائس، في خلق أجيال معدّة أعدادا جيدا، لتكون قادرة على اللحاق بركب العالم بشتى مجالاته. فالمناهج التربوية الدينية في السعودية، التي تزاوج إستظهار النصوص وحفظها عن ظهر قلب مع القبول السلبي للممارسات القبلية بلا نقد ولا مراجعة، هي التي أدت إلى تخلف البلاد. فهي لا تهيأ الطلبة لمواكبة الحداثة والسير في ركبها، ولا تأهلهم للإسهام الفعّال والمنتج في المنظومة الاقتصادية العالمية.

وعلى الرغم من سيل المليارات تلو المليارات من أموال النفط التي تُنفق على النظام التعليمي العام، لا يزال الطلبة السعوديون يقبعون وبشكل مستمر في أدنى المراتب ولا سيما في الرياضيات والعلوم. والمذنب الأكبر الذي يتحمل وزر هذا الأمر هو القمع؛ قمع التفكير النقدي، فضلا عن قلة التعاطي مع الرياضيات والعلوم. فالمحصلة هي ضياع استثمار كبيرٌ في البنى التحتية للتعليم العالي وعدم إتيان أكله. يبدو الأمر كما لو أن الدولة قد اشترت أحدث جهاز الحاسوب، ولكنها أهملت برنامج الاستعمال المناسب لتشغيله.

تفشل معظم الأنظمة التربوية العربية في إعداد خريجيها للحياة العملية الإنتاجية. فيتخرج في كل عام آلاف الطلبة من الجامعات بشهادات في الشريعة الإسلامية أو الأدب العربي. ولكن السواد الأعظم من هؤلاء الخريجين سيلتحق بصفوف البطالة، أو سيشعل مناصب لا تناسبه، أو يوَظّف في القطاع الحكومي المترهّل، مما يسهم أيضا في ضعف الأداء الحكومي الذي يعاني مسبقا من عدم الكفاءة. لقد أُضعفت وروح المبادرة والاستقلال و التفكير الذاتي التي تعتبر الدعائم الأساسية لإذكاء روح المقاولة والممارسة الديمقراطية. فلا عجب إذن من أن يقوم القضاة بالحكم على الفتيات البريئات بمثل هذه المصائر المفجعة.

على العربية السعودية وغيرها من الدول العربية أن تنظر إلى سياسات الولايات المتحدة والهند التي حوّلت التعليم وجعلت منه قوة فاعلة وأساسية في تحقيق النمو الاقتصادي.

أوضحت كلاوديا غولدن ولورنس كاتز من جامعة هارفارد أن العائدات الاقتصادية للاستثمارات التعليمية هي عائدات ضخمة. إذ يكسب خريجي الجامعات، في الأنظمة التعليمية الموائمة لسوق العمل، عائدات جيدة جراء استثماراتهم للمال والوقت اللازمين. كما أن رغبة الأمريكيين في الاستثمار في الرأسمال البشري، نخبة كانوا أم عامة الشعب، حفّزت الإزهار الأمريكي وسارعت وتيرته. ولكن المفتاح لم يكن كمية الاستثمار فقط، بل في التفكير النقدي الموضوعي الذي جعله ذلك الاستثمار ممكنا. وعلى العكس من ذلك، نجد أن العربية السعودية تُغدقُ الإنفاق على التعليم العام المجاني، بهدف إدامة نوع من المعتقدات الدينية التقليدية التي يقوم بتدريسها معلمون ضعفاء الإعداد.

لقد أدى استثمار الهند في التعليم إلى انتشال مئات الملايين من البشر من حالة الفقر المدقع عبر نمو اجتماعي حقيقي مثير للإعجاب. فقد قالت رئيسة الوزراء الهندية الراحلة إندريا غاندي: "إن التعليم هو قوة مُحررة، وفي عصرنا هذا هو قوة دفع صوب الديمقراطية أيضا، فهو يتخطى حواجز الطبقات والفرق والطوائف، مما يخفف من حدة التباينات التي تُفرَضُ بالولادة و عبر إكراهات أخرى " غير أن تلك القوة المُحرِّرَة لم تكن تلقى تمويلها من الدولة فقط، كما لاحظ جيمس تولي من جامعة نيوكاسل في بحثه الميداني وفي كتابه الأخير الموسوم الشجرة الجميلة. فقد استثمر الفقراء بشكل كبير من مواردهم الشحيحة ليؤمّنوا التعليم الملائم لأطفالهم. فكانت إحدى ثمار هذا التعليم الموجه صوب المهارة والتفكير النقدي هي نمو الصناعات التكنولوجية المتطورة في الهند، وهو فرصة لم يكن أحدا يحلم بها قبيل أعوام قليلة.

إن المهمة التي تواجه العديد من البلدان العربية هي الإقرار بأهمية التعليم وأولويته على التدريس المجرد. وليس السر في إنفاق المزيد من المال. فالكيمياء لم تفشل نتيجة نقص في الاستثمار في الأكاديميات المتخصصة بعلم الكيمياء. والمناهج التربوية التي تركّز على الحفظ والاستظهار و النقل لا بد من إصلاحها لكي تسمح بالتفكير النقدي الدي يعتبر عنصرا أساسيا للتخلص من براثن التخلف. كما أن هذا الأمر نفسه ينطبق على تخلّف النظام القضائي و على التخلف الاقتصادي. فالإصلاح العميق والمتأني – الذي لا يقتصر على الجانب المالي فحسب بل يضع نصب عيناه التفكير النقدي الحر – يمكن أن ينتج قضاة حكماء. أما الاستظهار فلا ينتج و يكرس سوى التخلف.

* صحيفة ذي ديلي ستار ومنبر الحرية.