تدخل إيراني وغياب عربي... أين حق اليمن؟
الأربعاء, 13-مايو-2009
محمد الحمادي - في سعيها لبناء إمبراطوريتها الفارسية من جديد، يبدو أنه لا يحلو لإيران بناء هذه الإمبراطورية إلا من خلال العرب والدول العربية، متجاهلة الأرض العربية وطبيعة الصحراء القاسية والغادرة ورمالها المتحركة التي يمكن أن تبلع في أية لحظة أي طامع وجاهل بطبيعتها.

تحريض الشعوب ضد حكوماتها ودولها ليس من أخلاق الدول الكبيرة وليس من تصرفات الأنظمة المحترمة ولا يقوم بذلك إلا الدول الصغيرة والأنظمة المخربة التي تبحث لنفسها عن دور... وطهران ليس لها أي حق للقيام بالتحريض المستمر ضد اليمن أو مصر أو السعودية أو غيرها من الدول العربية، فالعرب يعرفون مدى الاستياء الإيراني الداخلي من حكم أحمدي نجاد ومن حكم الملالي، لكن لأن الدول العربية تحترم نفسها لم تدخل اللعبة القذرة بتحريض الشعب الإيراني على قيادته كما يفعل النظام الإيراني بشكل سافر لا ينم عن أي احترام للطرف الآخر، ذلك الطرف العربي الذي ما يزال منضبطاً ومتمسكا بالأخلاقيات الدبلوماسية وبمبادئ حسن الجوار، بالأفعال وليس كما يفعل جيرانه.

إن ما يحدث في اليمن هو حلم إيراني آخر بدولة فارسية و"جمهورية إيرانية" -تدعي أنها شيعية- في مكان جديد هو جنوب اليمن وفي جزيرة العرب، بعد أن فشلت أحلامها الوردية في العراق وأوشك أملها أن يتلاشى في بقائها هناك. إن الاستمرار في العمل على التحريض لفصل جنوب اليمن عن شماله هو عمل لا أخلاقي ومحكوم عليه بالفشل المسبق. وإن كان لبعض اليمنيين مبررهم في انتقاد جانب أو آخر من أداء حكومة بلدهم، إلا انه ليس لهم أي مبرر في وضع أيديهم بأيدي إيران، كما أن بعض تحركاتهم وإن كانت وطنية كما يعتقدون فإنها لا يمكن أن تكون كذلك طالما تماشت مع المخطط الإيراني التخريبي في اليمن. فالشعب اليمني لن يقبل لا تدخل طهران ولا غيرها من العجم والعرب في شأنه الداخلي وعندما تنكشف اللعبة الإيرانية -وهي بدأت في الانكشاف- سيظهر جلياً موقف الشعب اليمني من دعوات الانفصال.

الأحداث الأخيرة التي شهدتها المحافظات الجنوبية فتحت الباب لدخول إيران بصورة علنية بعد سنوات من تحاشيها الظهور العلني، وللإعلان عن تمددها المذهبي وعملها على تصدير الثورة الخمينية.. ففي الماضي لم تكن تتجرأ أن تفصح عن موقفها حول ما يحدث في اليمن، أما اليوم ومن خلال بوقها الإعلامي فإن إيران أصبحت تغذي التمرد بل وتحرض الشعب اليمني على قيادته وتدعو الناس إلى العصيان والانقلاب على الشرعية، وهذا تدخل آخر من طهران في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وهو ليس الأول من نوعه، فقناة "العالم" الإيرانية -التي تعبر عن حال النظام الإيراني- سبق أن تدخلت في الشؤون الداخلية لليمن عندما تكلمت عن "فراغ دستوري" وعن "انتهاء فترة البرلمان ومخالفته للدستور بالتمديد". فما دخل طهران بهذه الأمور؟! وهل بدأت تعمل كشرطي للمنطقة، تراقب هذه الدولة وتحاسب تلك؟ ومن سمح لها بممارسة هذا الدور وأخذِ هذا الحق؟!

إيران ما تزال تصر على استخدام الطائفية في تحركاتها التوسعية، السياسية والأيديولوجية. والمشكلة أن البعض القليل من الشارع العربي والإسلامي يصدق أكاذيب إيران حول ادعائها العمل على حماية الإسلام، والحقيقة أن إيران تحاول تأجيج صراع سني شيعي لتحقيق أهدافها السياسية... والكل يعلم أن السنة والشيعة عاشوا بسلام مئات السنين ولم تنبش خلافاتهم إلا إيران منذ نجاح الثورة الخمينية وبعد حرب العراق الأخيرة.

حقيقة أهداف إيران واضحة جداً ومن كلام "رحيم صفوي" عندما يتكلم عن الإسلام السياسي والتشيع السياسي الذي من خلاله يخدعون بعض المتحمسين من العرب، شيعة أو سنة. فقد قال صفوي، قائد الحرس الثوري، منذ أيام، إن "إيران تخوض مواجهة مفتوحة مع أميركا وقوى الاستكبار لأنهم يحاولون منعها من نشر الإسلام السياسي بالمنطقة". ووصف صفوي إيران بأنها "القلب السياسي للعالم الإسلامي وقوة عظمى بالشرق الأوسط"... فما الذي يمكن أن يفهمه أي منصف من هذا الكلام الواضح؟

قناة "المنار" من بيروت تتدخل في شؤون مصر الداخلية وشقيقتها الكبرى قناة "العالم" تتدخل من طهران في شؤون اليمن الداخلية وتتجرأ على دعوة اليمنيين إلى الالتفاف حول الحوثيين وتقويتهم، وتحرضهم ضد رئيسهم قائلة: "يجب أن يتعامل المواطنون اليمنيون مع الرئيس صالح بعكس ما يريد"، وتضيف: "يجب توعية الشعب اليمني على أن النظام القائم لا يعبر عنه"، فهل تعبر عنه إيران إذن! غريب هذا المنطق؟ ماذا تريد إيران؟ وإلى أي حد تستخف بعقول البشر؟! هذا جزء يسير من كلام كثير وتدخل لا يليق ببلد إسلامي كبير وبجارة كبيرة يفترض أن تكون عنصر استقرار في المنطقة لا عنصر توتر وتخريب.

المشكلة الحقيقية أن الأفق القريب للسياسة الإيرانية غير مطمئن، فحتى الانتخابات التي ستجري في 16 يونيو المقبل لا يمكن أن تعول عليها دول المنطقة في حدوث أي تغيير في سياسة إيران الخارجية، لأن "آية الله العظمى" سيبقى موجوداً ولن يتغير أي شيء بدون إرادته.
لذا لا أريد أن أستمر في لعن الظلام، وأعتقد أن علينا أن نوقد شمعة، والشمعة تكون بالتأكيد على أن الدول العربية ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل أخص، معنية بما يحدث في اليمن وهي مستهدفة بطبيعة الحال، فالجار الإيراني لا يترك مجالا وفراغاً يمكن من خلاله تعكير صفو المنطقة العربية إلا ويستغله أسوأ استغلال، ويتدخل بشكل سافر لا ينم عن أي احترام للجيران الذين يدعي دائماً أنه يسعى إلى حسن الجوار معهم وهو لا يسعى إلى ذلك بل إلى عكسه كما تقول أفعاله.

الجميع يتفق على أن أمن اليمن جزء لا يتجزأ من الأمن الخليجي والعبث بأمن هذا البلد الغالي من الوطن العربي هو مساس بأمن المنطقة العربية... لهذا فإننا اليوم بحاجة إلى أفعال تترجم هذا الموقف الواضح. وهنا لا يمكن أن نتجاهل دور الدولة اليمنية ذاتها في الحفاظ على وحدة أرضها، ليس من خلال الكلام والشعارات، ولا من خلال العمل العسكري فقط، فاليمن بحاجة إلى إصلاح اقتصادي وسياسي واجتماعي لتعزيز وضعه الداخلي. ففي ظل وجود جيوب من الفقر والإحباط كثيراً ما يتدخل المغرضون، الغرباء والمخربون، فيستغلوا حاجات الناس ويلعبوا على الأوتار الحساسة التي يمكن استغلالها بسهولة في بلد يعاني بعض المشكلات... وهنا يأتي دور دول الخليج العربية في سرعة التحرك لإيقاف هذه الانتهاكات ومن ثم دعم الحكومة اليمنية بما يساعدها على تنفيذ الخطط التنموية التي تعود فائدتها على الشعب. ويجب أن نعترف بوجود تقصير عربي خليجي تجاه اليمن، فلليمن حق علينا جميعاً، وهو عمق استراتيجي عربي مهم للغاية يجب عدم تعريضه للتدخلات الخارجية التي تضر بمصالحه وبمصالح جيرانه من دول الخليج ومصالح الدول العربية الأخرى. 

* محمد الحمادي: كاتب وصحفي  إماراتي.

عن:  الاتحاد الإماراتية.