الفرعون يرد على الضربة بمثلها: مصر في مواجهة حزب الله
الأربعاء, 13-مايو-2009
ديفيد شينكر - يعرف كل من راقب مؤتمر قمة عربي بأن الشرق الأوسط تسوده الانقسامات. وقد بلغ الصدام ذروته في قمة آذار/مارس 2009 في الدوحة حين وجه الزعيم الليبي معمر القذافي هجوماً شخصياً مطولاً ضد العاهل السعودي الملك عبد الله، ووصل ذلك إلى درجة من الشدة بحيث قام المضيفون القطريون بقطع التسجيل الصوتي في منتصف الكلمة.

لكن الانقسامات أعمق بكثير من العداوة الشخصية. فالعالم العربي متورط في حرب باردة، يقوم فيها حلفاء إيران وهم سوريا وقطر وحزب الله و«حماس» بالتأليب ضد الدول العربية "المعتدلة" الموالية للغرب، مثل مصر والسعودية والأردن. كما أن هناك معركة دائرة في كل من لبنان وفلسطين والعراق، بين الرؤى الإقليمية المتنافسة وهي "المقاومة" من ناحية والتنمية والتعايش المشترك من ناحية أخرى.

لدى واشنطن مصلحة واضحة في أن يفوز حلفائها في هذا السباق ويقومون بعكس الاتجاه الإقليمي الذي تقوده إيران نحو المقاومة. ومع ذلك، فقد ثبت صعوبة إبطاء الزخم الإيراني، ويعود ذلك جزئياً على الأقل إلى تراجع تأثير مصر الإقليمي التي هي حليفة واشنطن الرئيسية بين الدول العربية في المنطقة. لقد استغلت طهران تراجع الدور القيادي الذي تضطلع به مصر، عن طريق فرض نفسها على السياسات العربية. لقد أدى غياب مصر الفعلي باعتبارها حصناً ضد تشدد طهران إلى تعقيد جهود واشنطن لتعزيز الاعتدال ووقف مسيرة إيران نحو [امتلاك] سلاح نووي.

لكن التطورات الأخيرة تشير إلى أن مصر ربما [بدأت] أخيراً تتخذ خطوات لإعادة ترسيخ نفسها كعنصر توازن ضد طهران الجامحة. ففي 8 نيسان/أبريل، أعلنت السلطات المصرية بأنها كانت قد اعتقلت عشرات من عناصر حزب الله في سيناء في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. وقد رافق ذلك الإعلان إدانات مصرية لم يسبق لها مثيل للمنظمة التي تدعمها إيران وسوريا وقائدها الشهير، حسن نصر الله.

ويشير الاعتقال وما تلاه من حرب كلامية إلى أنه ربما تكون هناك جهود تقوم بها الدول العربية المعتدلة لدحر النفوذ الفارسي الضار والمتزايد في دول المشرق العربي.

ووفقاً للمصادر المصرية، فإن خلية حزب الله التي تم القبض عليها في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، كانت تتألف من 49 فرداً من بينهم 13 مواطناً لبنانياً وشخصين من سوريا. وقد خططت لمهاجمة السياح الإسرائيليين في منتجعات سيناء السياحية. وذكر المسؤولون المصريون أن عملاء حزب الله شوهدوا وهم يجرون تخطيطاً لما قبل التنفيذ العملي. وقد اتهم ممثلو الادعاء المصري هؤلاء العملاء أيضاً بإنشاء شبكة مراقبة لرصد حركة السفن في قناة السويس.

إذا كانت الهجمات المخططة ضد الإسرائيليين أو [ضد السفن العابرة] للقناة قد حققت مآربها، فما من شك أنها كانت ستلحق أضراراً جسيمة بمصر، التي تعاني بالفعل من عواقب التدهور الاقتصادي العالمي. إن حركة المرور في قناة السويس، التي تمثل ثالث أكبر مصدر دخل لمصر، قد انخفضت بالفعل بنسبة 25 بالمائة هذا العام. كما أن السياحة، وهي الصناعة الرائدة بمصر، تعتمد اعتماداً كبيراً على الأمن. ففي أعقاب مجزرة 1997 التي ارتكبتها حركة الجهاد الإسلامي وأودت بحياة 58 سائحاً أجنبياً في الأقصر، هوت سياحة مصر بنسبة 50 بالمائة تقريباً، مما يمثل كارثة لهذه الصناعة التي تبلغ قيمتها 3.7 مليار دولار.

وحتى قبل الإعلان عن عمليات الاعتقال، كان هناك ما يثير غضب القاهرة ضد حزب الله. فأثناء العمليات التي قامت بها إسرائيل في كانون الثاني/يناير الماضي في قطاع غزة، ورغم الضغوط [التي وُضعت عليها]، واصلت مصر اتباع سياسة تحظى بتأييد الغرب ومتمثلة بعزل «حماس»، حين رفضت فتح معبر رفح وتقديم الإغاثة للإسلاميين الفلسطينيين المحاصرين. وقد لاقى موقف مصر تنديد شديد من قبل نصر الله. ففي خطاب ألقاه في 28 كانون الأول/ديسمبر 2008، دعا المصريين إلى تحدي الحكومة و"فتح معبر رفح الحدودي بأجسادكم". وقد وصف وزير الخارجية المصري، أحمد أبو الغيط، بيان نصر الله بأنه بمثابة "إعلان حرب".

وعندما أُعلن عن الاعتقالات في أوائل نيسان/أبريل، ألقى نصر الله خطاباً تلفزيونياً تم بثه من على قناة "المنار" التابعة لحزب الله. وقد اتخذ الأمين العام للحزب خطوة غير معتادة وأعلن عن مسؤوليته عن العملاء. ومع ذلك، فبدلاً من الاعتذار عن ذلك الحادث المُحرج، لم يُبد نصر الله ندماً، بل كان [حاداً] و "مستعداً للقتال". وخلافاً للإدعاءات المصرية، قال إن الخلية كانت تهرب الأسلحة والمتفجرات إلى حركة «حماس» في غزة ولم يكن لديها أية نوايا لتنفيذ هجمات داخل الأراضي المصرية، مضيفاً "إذا كانت مساعدة الفلسطينيين جريمة، فأنا فخور بها."

وكان الرد على خطاب نصر الله في وسائل الإعلام المصرية التي تسيطر عليها الحكومة سريعاً وقاسياً. ففي 12 نيسان/أبريل، كتبت صحيفة "الجمهورية" الرائدة، وهي جريدة يومية حكومية، [مقالاً] هاجمت فيه حزب الله بوصفه عميلاً لإيران، قام بتقويض السيادة اللبنانية وكان مسؤولاً عن مقتل المئات من اللبنانيين في عام 2006 بعدما أثار حرباً مع إسرائيل، كما [قامت قواته] بقتل عشرات الأبرياء أثناء غزوه بيروت في أيار/مايو 2008.

وقد كانت "الجمهورية" محددة على وجه خاص في نقدها لنصر الله، حيث وصفت زعيم حزب الله بأنه "شيخ «قرد»" و"ابن قُم" الذي هو "ليس زعيم مقاومة" بل رئيس "تنظيم إرهابي" الذي هو حليف أيديولوجي لتنظيم «القاعدة». [ومن جهة أخرى] كتب محرر مجلة "روز اليوسف" التابعة للحكومة بأنه يتعين على لبنان "تسليم [نصر الله] بوصفه مجرم حرب".

وقد جاءت الاعتقالات والانتقادات العامة القاسية بمثابة طلقة مصرية تحذيرية لإيران الراعية لحزب الله. لقد شهدت العلاقات المصرية الإيرانية توتراً منذ اتفاقيات كامب ديفيد في عام 1978. ففي أعقاب الثورة الإيرانية [في عام 1979]، وفرت مصر ملاذاً لشاه إيران المخلوع مما أثار حفيظة طهران. بالإضافة إلى ذلك، هناك لوحة جدارية ضخمة في طهران، تم وضعها منذ عقود، وكذلك شارع يحمل اسم خالد الاسلامبولي، قاتل الرئيس المصري السابق أنور السادات؛ وقد أثارت [هذه الخطوات مجتمعة] إزعاج القاهرة. وفي الآونة الأخيرة، وأثناء الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة في كانون الثاني/يناير 2009، أعلنت منظمة تابعة للحرس الثوري الإيراني عن مكافأة قدرها 1.5 مليون دولار لمن يغتال الرئيس مبارك؛ وقد جاء ذلك في إعلان تم إطلاقه على الموقع الإلكتروني لوكالة أنباء فارس التابعة للحكومة الإيرانية.

وبالنسبة إلى مصر، يرتبط العداء [بالتطورات السياسية] الحالية أكثر من ارتباطه بالماضي. فالقاهرة قلقة بصفة أساسية من التقدم الإيراني لامتلاك سلاح نووي. كما أن هناك مؤشرات - مثل الإتهام الموجه ضد أعضاء الخلية التي أُلقي القبض عليها - بأن مصر منزعجة من محاولات إيران "نشر التشيع" في وادي النيل.

ويبدو أن هذه المخاوف كانت وراء قيام المبادرة المصرية في أواخر عام 2007 وأوائل عام 2008 لتحسين العلاقات الثنائية مع طهران. ففي كانون الأول/ديسمبر عام 2007، قام رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، بزيارة القاهرة. وبعد ذلك اتصل مبارك بنظيره الإيراني، محمود أحمدي نجاد. لكن محاولة التقارب - التي لم تدم طويلاً - باءت بالفشل، حيث أدت الاعتقالات التي جرت في الشهر الماضي إلى إحياء العداء من جديد بين البلدين.

وفي أعقاب تلك الاعتقالات، سربت مصادر أمنية مصرية معلومات للصحافة مفادها أنه من المرجح، وبشكل كبير، أن يكون لإيران "ارتباطات" بالخلية التي أُلقي القبض عليها. وفي الوقت نفسه، قام كبار المسؤولين في حزب الله باتهام القاهرة "بافتعال" القصة و"إخراج الأمر عن نطاقه".

إذا نظرنا إلى الضغوط الاقتصادية المتزايدة وفترة الانتقال السياسي الوشيكة، سنتفهم مغزى قيام مبارك بوصف تواجد حزب الله على أراضيه بأنه مناورة إيرانية تستهدف "تهديد أمن مصر القومي وتقويض استقرارها". وخلال كلمة ألقاها أمام ضباط الجيش في أواخر نيسان/أبريل المنصرم، تعهد مبارك [موجهاً خطابه] إلى إيران بأن مصر سوف "تكشف جميع مكائدكم وترد على حيلكم" مضيفاً بكلمات منمقة، "احذروا غضب مصر".

وما من شك في أن هذه الاعتقالات سوف تعزز من أمن مصر. كما تحقق [عملية] "تطويق" خلية حزب الله فائدة للقاهرة [في صلاتها] مع واشنطن، وتعزز من وضع مصر في المنطقة. وتسعى القاهرة إلى تحسين علاقاتها مع واشنطن، ويبدو أنه من المرجح أن يكسبها ذلك ثقة لدى [الإدارة الأمريكية مع وجود] الرئيس أوباما في البيت الأبيض.

وفي الوقت نفسه، ربما كان التحرك ضد حزب الله أمراً محسوباً للتأثير على جمهور الناخبين في لبنان - حيث تواجه الحكومة الموالية للغرب منافسة متقاربة مع المعارضة بقيادة حزب الله المدعوم من إيران - في الانتخابات المقرر إجراؤها في السابع من حزيران/يونيو. وفي الواقع، أشار وزير الخارجية الإيراني، منوشهر متقي، إلى أن الحكومة المصرية افتعلت الاتهامات ضد خلايا حزب الله خصيصاً لهذا الغرض.

كما كانت هناك ميزة إضافية أخرى، ربما غير مقصودة ولكنها عادت بالنفع على نظام مبارك، ألا وهي، على ما يظهر، استجابة غير مدروسة من قبل المعارضة الإسلامية على الاعتقالات. ويبدو أن جماعة الإخوان المسلمين - التي ظهرت مؤيدة لجهود حزب الله لدعم «حماس» في غزة رغم انتهاكاتها للسيادة المصرية – قد أخطأت الحكم على المشاعر الشعبية.

لقد جاء اعتقال عملاء حزب الله من قبل السلطات المصرية في وقت حرج، حيث بدأت إدارة أوباما تشرع في سياسة مثيرة للجدل حول الانخراط الدبلوماسي مع طهران. ويراقب حلفاء واشنطن العرب في الشرق الأوسط هذا الأمر عن كثب، حيث يساورهم الخوف من أن يختار الرئيس الجديد الوئام بدلاً من المواجهة مع طهران. ورغم أن هذا سيشكل تغيراً غير مرجح في السياسة الأمريكية، لا يبدو إحتمال استعداد واشنطن على التعايش مع إيران النووية تطوراً سترحب به مصر والسعودية والأردن وغيرها من الدول العربية المعتدلة، على أقل تقدير.

كانت التصريحات المصرية العلنية ضد حزب الله مؤشراً على أن القاهرة قد رسمت على الأقل خطاً أحمراً لإيران. وإذا ما حالفها قليل من الحظ، قد يؤدي إصرار مصر على رغبتها في مواجهة طهران، إلى تشجيع حلفاء واشنطن الإقليميين الآخرين على التدخل وتسهيل الجهود الدولية لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي.

وبالنسبة لواشنطن، يعد هجوم القاهرة بمثابة أنباء طيبة ينبغي تشجيعها بخطوات ملموسة لدعم الجهود المصرية الرامية إلى مواجهة المزيد من عمليات التسلل والتخريب الإيرانية. وسوف تكون زيارة مبارك إلى واشنطن في وقت لاحق من هذا الشهر فرصة جيدة لاستكشاف الطريقة الأفضل لمتابعة تلاقي المصالح بين الطرفين.

وكما تشير التطورات في مصر، يساور حلفاء واشنطن العرب قلق متزايد بشأن التدخلات الإيرانية في دول المشرق العربي. [لذلك] يتوجب أن يكون الحفاظ على الأصدقاء العرب الذين يخوضون المعركة، عنصراً رئيسياً لاستراتيجية الولايات المتحدة، في الوقت الذي تشرع فيه واشنطن في سياستها للتعاطي مع طهران. ولن يؤدي هذا فقط إلى تعزيز وضع واشنطن على طاولة المفاوضات مع طهران، لكنه سيضمن وجود جبهة عربية قوية عندما تفشل المفاوضات في نهاية المطاف.


* ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسات العربية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. 

ويكلي ستاندارد, 11 أيار/مايو 2009.