ليس بهذه السرعة: إعادة التفكير في سقوط أمريكا
الثلاثاء, 12-مايو-2009
دافيد كامبف - هل وصلنا فعلا الى مرحلة نهاية الهيمنة الأمريكية؟ بالنسبة الى الذين يفكرون بهذه الطريقة,فإن علامات انحدار أمريكا و ظهور قوى جديدة موجودة في كل مكان. و بحسب هذه الطريقة في الجدل, فإن القوة العالمية العظمى قد استسلمت للتعب و الإرهاق. إن فشل الولايات المتحدة في "الحرب على الإرهاب" يظهر حدود القوة العسكرية الأمريكية, بينما الدور الذي تلعبه في إثارة الأزمة الاقتصادية العالمية يكشف عن القصور في القيادة الأمريكية الاقتصادية.
و كنتيجة لهذا الأمر, فإن القوى الصاعدة حول العالم تشعر بالجرأة بشكل مفاجئ نتيجة للضعف الأمريكي الذي يمكن ملاحظته. لقد ألقى الرئيس البرازيلي اللوم على "الأشخاص ذوي البشرة البيضاء و العيون الزرقاء" و اتهمهم بأنهم السبب في أزمة الكساد العالمي الحالية, كما نادت كل من روسيا و الصين الى إنشاء احتياطي عملة عالمية جديدة لكي تحل مكان الدولار. حتى الرئيس أوباما اعترف بأنه " إذا كان هناك تجدد للنمو, فإنه الولايات المتحدة لن تكون المحرك لوحدها", يبدو أن نعي أمريكا قد كتب, و أن القوى العالمية العظمى الجديدة قد توجت بشكل واقعي.
ليس بهذه السرعة. إن سقوط أمريكا أمر مبالغ فيه, و يجب العودة الى زيادة الأسئلة والفرضيات التي تدور حول السقوط الوشيك لأمريكا:

* هل كشفت الأزمة المالية العالمية الضعف النسبي لدى الولايات المتحدة؟
تماما عكس ذلك, في الواقع إن الاضطراب الاقتصادي العالمي يؤكد أهمية الولايات المتحدة – للأفضل أو للأسوأ- للسوق العالمي. أينما تمضي الولايات المتحدة يمضي العالم. عند انفجار الفقاعة الأمريكية فإن السرعة التي تنتشر فيها محتوياتها خارج حدود الولايات المتحدة هو مثال على ذلك.
إن الحكمة التقليدية تعتبر أن الفترة الأخيرة من الإنفاق العالي و تراخي الأنظمة و عمليات البيع و الشراء في سوق الإسكان تكشف عن ضعف النموذج الأمريكي الاقتصادي. إن المحللين يتساءلون عن الحكمة في فتح الاقتصاديات و التحرر عندما "تجمع بكين" على أن سيطرة حكومية اكبر و تدخلا أكبر من قبل السلطة أثبت أنه أكثر فعالية في تعزيز النمو مع وجود تقلبات محدودة.
في حين أن هناك خللا في النموذج الأمريكي, فإن المسلمات الأساسية سوف لن تتغير في القريب العاجل. إن السوق العالمية والمعايير الدولية سوف تتغير بصورة بطيئة, و لكن استعادة العافية تعتمد على القيادة الأمريكية. إن المؤسسات المالية العالمية تعتمد على الدعم الأمريكي, و نجاح المنتجين على مستوى العالم متوقف على قوة الطلب لدى المستهلك الأمريكي و سوف يستمر الدولار في لعب دور الاحتياطي النقدي العالمي.

* هل العالم في مرحلة تغير من أحادية القطب الى تعددية الأقطاب؟
إن الوقت مبكر لقول ذلك. إن ظهور الدول النامية و عودة ظهور القوى العالمية السابقة و التأثير المتنامي للغرب أمور لا يمكن نكرانها. و لكن لا يمكن لحد الآن مجاراة تأثير الولايات المتحدة عالميا و قوتها العسكرية.
إن الصين مستمرة في توسيع و دعم قواتها المسلحة كما أنها تكتسب تقنيات دفاعية جديدة, بينما بدأت روسيا في تحديث قدراتها الدفاعية و إعادة التسلح. بحسب أرقام من معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام فإن الولايات المتحدة لا زالت تنفق على الدفاع مبالغ تفوق إنفاق الجيوش العالمية ال 14 الكبرى. إن إنفاق الولايات المتحدة على الدفاع يفوق 40% من نسبة الإنفاق العالمي العام.
بعد الفترة التي قامت بها الولايات المتحدة بنشر قوتها بصورة غير متكافئة, و النتيجة لذلك في تصاعد العداء لأمريكا في العالم فإنه من المنطق افتراض أن القوة الناعمة الأمريكية سوف تعاني بشكل دراماتيكي. و لكن استطلاعا أخيرا للرأي العام أجري في 5 دول آسيوية بما فيها الصين و اليابان أجراه مجلس شيكاغو للشئون العالمية وجد أن القوة الناعمة للولايات المتحدة و التأثير الذي تفرضه بقي سائدا في المنطقة.
و أخيرا, فإن "لحظة أحادية القطب" كانت أمرا فيه الكثير من المبالغة. إن الولايات المتحدة لا يمكن أن تملي على الشئون الدولية الى الدرجة التي يفترضها البعض.

* هل ستتفوق القوى الصاعدة على الولايات المتحدة وتعيد تشكيل ميزان القوى العالمي؟
أمر صعب. إن صعود البرازيل و روسيا و الهند و الصين أمر ليس حتميا. إن البرازيل معاقة بالجريمة و انعدام المساواة. كما أن روسيا تواجه انكماشا في عدد السكان و فسادا منتشرا. و الهند مصابة بالفقر الهائل لدى السكان و انعدام الأمن و عدم وجود بنية تحتية. كما أن عدم وجود مساواة في الصين إضافة الى انعدام الحرية السياسية يجعل من المستحيل قيامها بثورة اجتماعية.
من هذه القوى الأربعة فإن التحدي الحقيقي المحتمل الذي يواجه السيادة الأمريكية هو الصين. و لكن و مع انها تشكل الاقتصاد الثالث عالميا إلا أن الصين لا زالت تعتبر دولة فقيرة. و إذا صدقت التوقعات الحالية فإن الاقتصاد الصيني سوف يفوق الاقتصاد الأمريكي خلال 30-40 سنة. و لكن بالاعتماد على حصة الفرد فإن الصين سوف تبقى متخلفة بشكل كبير في القرن ال21.

* هل نحن على أعتاب نظام عالمي جديد؟
ليس بعد. إن الولايات المتحدة لا زالت القوة العالمية المسيطرة و سوف تكو كذلك في المستقبل المنظور. و لكن هذا لا يعني أن القوى الموجودة و الصاعدة هي أمر غير مهم. إن الولايات المتحدة لا يمكن أن تتعامل مع التهديدات العالمية بما فيها الكساد العظيم و التغير المناخي و الانتشار النووي و الفقر و الإرهاب لوحدها, و سوف يكون عليها أن تعتمد على التعاون مع الآخرين.و كما هو الحال في السنوات الأخيرة, فإن المشاكل العالمية سوف تتطلب حلولا عالمية, و لكنها تتطلب قائدا عالميا إضافة الى ذلك. و لا زال هذا هو الدور الذي تضطلع به الولايات المتحدة في الوقت الحالي.

عن: وورلد بوليتيكس ريفيو .