تنظيم «القاعدة» اليوم
الأحد, 10-مايو-2009
أسف مغدم، فرهاد خسروخافار و ماثيو ليفيت - "في يوم 10 شباط/فبراير 2009 خاطب أساف مغادام، فرهاد خسروخافار وماثيو ليفيت منتدى السياسة في مأدبة غداء استضافها برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. وناقش المتكلمون وضع «القاعدة» في يومنا هذا، والوجه المتغير للتهديد الجهادي العالمي. الدكتور مغدم هو أستاذ مساعد وزميل بارز في مركز مكافحة الارهاب التابع للاكاديمية العسكرية الامريكية في ويست بوينت. الدكتور خسروخافار هو أستاذ علم الاجتماع في مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية في باريس، وهو حالياً أستاذ زائر في برنامج الدراسات القانونية الإسلامية في جامعة هارفارد. الدكتور ليفيت هو زميل أقدم ومدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن. فيما يلي خلاصة المقرر لملاحظاتهم". 

أسف مغدم
إن إحدى الأهداف الرئيسية لتنظيم «القاعدة» هو إحداث وقيعة بين الولايات المتحدة وحلفائها. وكمنظمة إرهابية متطورة سياسياً، ستحاول تحقيق هذا الهدف من خلال توسيع نطاق جمهورها واستمالتهم [لإيديولوجيتها]. وسيكون المفتاح الرئيسي لتنظيم «القاعدة» العمل على بناء تحالفات محلية في مناطق مختلفة، مع جماعات بارزة وغير معروفة على حد سواء. ومن المرجح أن يكون تنظيم «القاعدة» حذراً في هذه المهمة، بحيث يبتعد عن تكوين ترابطات مع جماعات مثل "تنظيم «القاعدة» في العراق"، الذي قد يكون لسلوكه تأثير سيئ على المنظمة. ومع ذلك، وعلى وجه العموم، تساعد هذه التحالفات تنظيم «القاعدة» على توسيع دائرة انتشاره، كما تساعده على أن يصبح أكثر مرونة، ويضاعف عدد قواته.
هناك اتجاه هام يتعلق بهيكل تنظيم «القاعدة». في السنوات المقبلة، سيكون تنظيم «القاعدة» متعدد الأقطاب، أقل ترابطاً، وكيان عالمي لا يركز على منطقة واحدة. وعلى الرغم أنه من المرجح أن تبقى منطقة افغانستان-باكستان المحور المركزي [لعمليات التنظيم]، فقد تكرر وجود تنظيم «القاعدة» في أربعة أو خمسة محاور إقليمية قامت باعتماد تكتيكاته القائمة على الهجمات الانتحارية واستخدام الانترنت لنشر الدعاية. إن ما ينطوي عليه هذا الاتجاه هو وقوع هجمات مستقبلية التي من المرجح أن تحدث في هذه المناطق أو حولها. وإذا لم تحدث أي مفاجآت، مثل اعتقال أو قتل أسامة بن لادن، ستواصل القيادة المركزية لتنظيم «القاعدة» تخطيط هجمات في جميع أنحاء العالم. ومن المرجح أزدياد الهجمات من قبل الجماعات المحلية التي تتبع النموذج "الملهم" لتنظيم «القاعدة»، وإن ليس في الولايات المتحدة، وستكون الناجحة من بينها فتاكة جداً.
لا يزال تنظيم «القاعدة» يتمتع ببعض القوة، ومن شأن ذلك أن يجبر الولايات المتحدة على التعامل معه في المستقبل المنظور. وسيستمر صدى الحجة القائلة بأن الولايات المتحدة تشن حرباً ضد الاسلام طالما بقيت القوات الامريكية في العراق وأفغانستان. وعلى الصعيد المحلي، استطاع تنظيم «القاعدة» زيادة استمالة العامة إليه من خلال وضع المظالم المحلية والوطنية في إطار يتخطى الحدود القومية. فمعتقداته هي "إيديولوجية اليوم" في وقت تتلاشى فيه إيديولوجيات أخرى (باستثناء القومية). كما عززت المجموعة الإرهابية من قوتها منذ أن أعادت تجمعها في افغانستان والمنطقة القبلية في باكستان.
ومع ذلك يواجه تنظيم «القاعدة» بعض التحديات. فقد قامت العديد من الجماعات الإسلامية في باكستان والمملكة المتحدة بانتقاد المجموعة وإدانة تكتيكاتها في احتجاجات عامة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن تحدي طهران للغرب واستخفافها به وبراعة حزب الله العسكرية، تتحدى إصرار تنظيم «القاعدة» على أنه يمثل طليعة العالم الاسلامي.
إن النكسة الحادة التي أصابت تنظيم «القاعدة» هي ايديولوجية. فقد تنصل علماء سعوديون بارزون من [ممارسات] المجموعة، مستشهدين بقتل لا مبرر له لأعداد كبيرة من المدنيين المسلمين. وقد ركز هؤلاء العلماء على الأعمال التي يقوم بها تنظيم «القاعدة» وكيف أنها تضر بقضية المسلمين وتضعفها إلى حد كبير حيث قالوا: ستنجح الحركة بصورة أكبر في جذب أتباع لها اذا تمكنت من تحويل تركيزها باتجاه التعبير عن مظالمهم ضد الولايات المتحدة. 

فرهاد خسروخافار
لكي نفهم [الأعمال] الجهادية، لا بد من التفريق بين الجاليات الإسلامية في الشرق الاوسط وتلك المقيمة في أوروبا. فمعظم الذين ينضمون إلى الحركات الجهادية في أوروبا هم أناس مستأصَلين ثقافياً؛ يشعرون وكأنهم [أقلية] مضطهدة، ومواطنين من الدرجة الثانية، كما يشعرون بالظلم من معاملتهم في مجتمعات غير مضيفة. وينتاب شعور قوي للمنتسبين لهذه الجماعات المتطرفة بأنهم ضحية بصورة مبالغ فيها، وهذا هو مكون رئيسي للتطرف. وفي السياق الأوروبي، فإن تطرف الشبان المسلمين يسبق حدوث [الأعمال] الجهادية. فليس لدى هؤلاء الشباب تاريخ سابق يدل على أنهم من المسلمين الأتقياء، ومعظمهم يعرفون القليل أو حتى لا شيء عن الإسلام.
وفي المقابل، في منطقة الشرق الأوسط، يترابط انتشار [الأعمال] الجهادية والتطرف ترابطاً وثيقاً. فالجهاديون في منطقة الشرق الأوسط هم من طبقات اجتماعية عليا، وبسبب فهمهم للإسلام بصورة أكثر عمقاً، لا تقوم الشخصيات الدينية بتبسيط المواد لهم كما هو الحال بالنسبة للمسلمين في أوروبا. وهناك خلافات اخرى [حول مفهوم الأعمال] الجهادية بين العالمين؛ ففي أوروبا غالباً ما يصبح الجهاديون متطرفون في مؤسسات، مثل السجون، كما أن الذين يعتنقون [الإسلام] يصبحون أناساً أكثر راديكالية من غيرهم من أجل إثبات ولائهم للدين الجديد، وكل من هاتين الفئتين غير قائمة فى منطقة الشرق الأوسط.
في السنوات الأخيرة، أخد المثقفون الجهاديون يمزجون العمل الجهادي بـ[الدروس] النظرية، واستطاعوا أن يحققوا نجاحاً في تقديم نقد منهجي وفعال للديمقراطية. فالديمقراطية بالنسبة لهم ليست نظام للحوكمة، وإنما أيديولوجية مرتبطة بـ[العقيدة] المسيحية. وفي تحليلهم يجمعون بين التضحية والإذلال من جهة والعقائد الايديولوجية التي ترشد وتضفي الشرعية على استخدام العنف من جهة أخرى. نحن بحاجة لدعم الإصلاحيين المسلمين، لأنهم يؤمنون بإمكان تعايش الإسلام مع الديمقراطية. نحن بحاجة إلى مؤسسات دينية في الشرق الأوسط، تشجع على قيام وسيلة للتحكم في مجتمع قائم على نظام تعددي. 

ماثيو ليفيت
بالرغم من أن الولايات المتحدة قد حققت تقدماً ملموساً في مجال مكافحة الإرهاب، إلا أن التهديد الذي يمثله الإرهابيون الجهاديون على المستوى العالمي لا يزال خطيراً. فالإرهاب هو مشكلة دائمة التطور. ففي عام 2008، نجح تنظيم «القاعدة» في اكتساب قوة وتحسين قدرته عن طريق تعميق تحالفاته في المناطق القبلية من باكستان، وتجديد كوادره بمساعدين من المستوى المتوسط، ووضع خطط تتابع وخلافة بصورة تفصيلية، وتحديد وتدريب ناشطين من الدول الغربية.
وقد شهدت الجهود العالمية لمكافحة الارهاب بعض التقدم: فقد هُزم تنظيم «القاعدة» - فرع السعودية إلى حد كبير وكذلك تم إحراز تقدم كبير في جنوب شرق آسيا. كما اضطر تنظيم «القاعدة» إلى التعامل مع العدد المتزايد من الأصوات المرتفعة التي تتحدى المنظمة. ولعل الأهم من ذلك، أن عدداً من أنصار «القاعدة» الأكثر دعماً للتنظيم كانوا من ضمن أولئك النقاد الذين تحدوا المنظمة. ومن المتوقع أن تستمر شعبية «القاعدة» في التضاؤل.
وفي حين أن التوقعات الطويلة الأجل لجماعات ارهابية مثل تنظيم «القاعدة» قد لا تكون واعدة، ما زالت هذه الجماعات تشكل تهديداً تقليدياً فورياً وتبقى عازمة على الحصول على أسلحة الدمار الشامل. وفي حين يركز كبار المسؤولين الامريكيين بصورة واضحة على التهديدات العالية المخاطر، إلا أنهم يشعرون بالقلق أيضاً إزاء الهجمات المنخفضة المخاطر في الولايات المتحدة. وتتزايد أيضاً مشاركة جماعات إرهابية في نشاطات إجرامية؛ ويؤدي تنامي الروابط بين الجماعات الإرهابية وعالم الإجرام إلى جعلها ليس فقط أكثر تعقيداً، ولكن أيضاً أكثر خطورة.
كما أن بناء خلايا إرهابية محلية من الأساس، بدأ يعتمد بصورة متزايدة على التمويل الذاتي؛ وفي المقابل، قبل هجمات 11 أيلول/سبتمبر، كانت النواة المركزية لتنظيم للـ«القاعدة» تقوم بتمويل الخلايا الإرهابية والمؤامرات بصورة مباشرة. ولدى بعض هذه الخلايا المحلية صلات بالقيادة العليا لتنظيم «القاعدة» ولكنها مستقلة وممولة محلياً، في حين يعمل البعض الآخر بصورة منفردة في مجتمعات "بدون قيادة". وفي الوقت الحاضر بينما يقوم فريق مكافحة الإرهاب في إدارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما بتقييم التهديد الذي يشكله الإرهاب، سيجد أنه في حين تم إنجاز الكثير، لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به. ويبقى الارهابيون الجهاديون في جميع أنحاء العالم عازمون على القيام بأعمال عنف مثيرة [للاشمئزاز]، واستهداف الولايات المتحدة وحلفائها. وعلى الرغم من أنه لا يبدو بأن لدى الارهابيين اليوم القدرة على القيام بهجوم يستعملون خلاله أسلحة الدمار الشامل، فإنهم يبقون ملتزمين بتحقيق هذا الهدف.
إن شن حملة ناجحة لمكافحة الإرهاب سيقلص مجال البيئة العملية ويعطل النشاط الذي يخطط اليوم، كما سيقوم بمواجهة فكر التطرف الراديكالي لمنع القيام بتخطيط مؤامرات غداً.