خلية حزب الله اللبنانى فى مصر .. تحديات التمدد عربياً
الأحد, 10-مايو-2009
د. حسن أبوطالب - يثير الكشف عن خلية سرية شكلها أحد أعضاء حزب الله اللبنانى فى مصر بتكليف من قيادة الحزب الكثير من الاسئلة حول المرحلة الجديدة لفكر الحزب وطريقة عمله وعلاقاته الخارجية. وهى مرحلة تجسد تطور مأزق الحزب فى تعامله مع الدولة اللبنانية من جانب، وطريقته فى توظيف القضية الفلسطينية لصالح قوى إقليمية من جانب آخر . ولا تخلو هذه المرحلة من تحديات سياسية وعملية.

إن هذه الخلية التى شكلها سامى شهاب فى مصر، وضمت مصريين وعرب كجزء من سياسة الحزب الجديدة تجاه دول الطوق التى تحيط بإسرائيل تعنى أن الحزب قرر أن يخرج من الساحة اللبنانية إلى ساحة أوسع، وأن يعمل كطرف مباشر فى إدارة الصراع مع إسرائيل بتسيق تام مع السياسة الايرانية، وذلك عبر التنظيمات والفصائل الفلسطينية التى تصر على مواصلة المواجهة العسكرية مع إسرائيل، وفى مقدمتها حركة حماس التى تسيطر على قطاع غزة منفردة منذ منتصف 2007 بعد أن طردت كل رموز السلطة الوطنية الفلسطينية ومؤسساتها من القطاع، وإصرارها على أن تُعامل كحكومة مستقلة فى القطاع وكطرف يرتبط بما يوصف بقوى الممانعة فى مواجهة قوى الاعتدال.

مرحلة التمدد عربيا
ويمكن وصف هذه المرحلة بأنها المرحلة الرابعة فى تطور عمل الحزب. وهى مرحلة التمدد عربيا، بعد التماهى الكامل مع السياسة الهجومية الايرانية فى الاقليم. ففى المرحلة الاولى، اتسم عمل الحزب بالتركيز على مواجهة الاحتلال الاسرائيلى فى الجنوب اللبنانى، ونال الدعم العسكرى المباشر من كل من إيران ولبنان. وهى المرحلة التى اكسبت الحزب وزعيمه السيد حسن نصر الله شعبية عربية واسعة، وصلت إلى ذروتها بعد تحرير كل الجنوب اللبنانى فى صيف 2000.

أما المرحلة الثانية فقد تلت تحرير الجنوب اللبنانى مباشرة، وفيها قرر الحزب ان يلعب دورا سياسيا مباشرا فى الاطار اللبنانى جنبا إلى جنب تمسكه بقواته العسكرية بعيدا عن سيطرة مؤسسات الدولة اللبنانية. ومن ثم شارك الحزب فى الانتخابات البرلمانية وشارك فى الحكومة اللبنانية، وفى الآن نفسه برر تمسكه بقواته العسكرية أنها لحماية لبنان من الاعتداءات الاسرائيلية، ولتحرير مزارع شبعا اللبنانية التى ما زالت محتلة، وأن قواته العسكرية لن تستخدم أبدا فى مواجهة الأطراف اللبنانية الأخرى، وأن الحزب لا يريد أن يحل محل الدولة لا فى الجنوب الذى تم تحريره ولا فى أى بقعة أخرى من لبنان.

وبالرغم من كل هذه التبريرات فقد تجسد مأزق الحزب لنفسه وللدولة اللبنانية ككل، حيث ظهر فى حالة مزدوجة كل منهما يتصادم سياسيا ودستوريا وعمليا مع الأخر. فقد أصبح فاعلا مهما فى معادلات السياسة اللبنانية، ويشارك من خلال البرلمان والحكومة فى تحديد التوجهات اللبنانية ككل وعبر الآليات الدستورية المتعارف عليها. وفى الآن نفسه ظل يتمتع بوضع خاص جدا. فهو الطرف السياسى الوحيد الذى يملك أداة عسكرية مجهولة التفاصيل بالنسبة للقوى السياسية الأخرى ولمؤسسات الدولة اللبنانية. ومن هنا واجهت الدولة اللبنانية معضلة الازدواجية فى اتخاذ قرار الحرب والسلام. وبات الأمر يمثل إشكالية سياسية ودستورية كبيرة. غير أن موازين القوى الداخلية اللبنانية المدعومة بتدخلات خارجية ساهمت فى استمرار هذا الوضع.

ويلفت النظر هنا ملاحظتان، الأولى أن بعض القوى السياسية اللبنانية ذات الصلة بكل من سوريا وإيران أيدت هذا الوضع غير الدستورى واعتبرته أمرا طبيعيا طالما أن الحزب يبرره فى إطار حماية البلاد من الاعتداءات الاسرائيلية، ويقدم نوعا من الردع العسكرى الذى لا يستطيع الجيش اللبنانى بامكانيات المحدودة أن يقوم به.

والملاحظة الثانية، أن الوجود العسكرى السورى فى لبنان آنذاك كان يمثل مظلة حماية لهذا الوضع غير الدستورى لميليشيا حزب الله فى إطار الدولة اللبنانية. وبعد خروج القوات السورية من لبنان فى نهاية فبراير 2005 إثر اغتيال رفيق الحريرى وما تلاه من تغيرات سياسية وشعبية كبرى، اعتمد الحزب على تحالفاته الداخلية وعلاقاته الخارجية فى إبقاء الوضع على ما هو عليه. وبالرغم من دخول الاطراف اللبنانية فى نوع من الحوار الوطنى ما بين خريف 2005 وصيف 2006 شمل البحث فى مصير سلاح حزب الله، فقد ظهر أن من الصعوبة بمكان ان يتخلى الحزب عن سلاحه أو يسمح بدمج قواته فى إطار الجيش اللبنانى وفقا لمطالب القوى السياسية الاخرى لاسيما قوى 14 أذار.

معضلة سلاح الحزب .. فقدان دور الردع
بدت معضلة سلاح حزب الله جلية فى صيف 2006، الذى شهد بدوره العدوان الاسرائيلى الموسع على لبنان بعد إقدام الحزب على أسر جنديين إسرائيليين فى مزارع شبعا. وهو العدوان الذى انتهى عمليا بقرار مجلس الامن 1701 متضمنا انسحاب قوات حزب الله إلى شمال نهر الليطانى ونشر الجيش اللبنانى وقوات دولية فى الجنوب. وبذلك تم حرمان قوات حزب الله من ساحتها الطبيعية فى جنوب البلاد، وبات عليها ان ترتد بعيدا عن الحدود مع لبنان بعمق أكثر من 35 كم إلى الشمال. الامر الذى أعاد طرح إشكالية قوات الحزب فى إطار السياسة اللبنانية بطريقة مختلفة عما كانت عليه قبل العدوان الاسرائيلى.

فسلاح الحزب وقواته لم يعد يلعب دور الرادع فى مواجهة إسرائيل. وصحيح أن قوات الحزب كبدت الجيش الاسرائيلى خسائر كبيرة فى الجنوب حين حاولت التقدم لاحتلال شريط حدودى هناك. ولكن الصحيح أيضا أن الحزب هو الذى جلب أصلا العدوان على لبنان وجلب معه خسائر بشرية ومادية هائلة أيضا، وفرض على لبنان معركة لم يكن مستعدا لها، وأدت إلى انقسام سياسى كبير فى داخل البلاد، فضلا عن انقسام عربى ما زالت نتائجه وتداعياته مستمرة حتى اللحظة.

توظيف السلاح داخليا
بعبارة أخرى أن قوات الحزب باتت عبئا سياسيا واستراتيجيا على كل لبنان، مما زاد من حجم المطالبات الداخلية والدولية بضرورة حل هذه القوات أو إدماجها فى مؤسسات الجيش اللبنانى. لكن لم يتصور احد آنذاك أن الحزب حين ارتد بعيدا عن الجنوب وفقد بذلك ساحته الطبيعية، وظل محتفظا بجزء كبير من قواته وسلاحه، التى أعيد تنظيمها وتسليحها بصورة أفضل مما كانت عليه قبل حرب صيف 2006، أنه سوف يوظف هذه القوات فى صراعه السياسى الداخلى، وهو ما حدث بالفعل فى السابع من مايو 2007، مدشنا بذلك المرحلة الثالثة فى تطور سياسات الحزب لبنانيا.

لقد استخدم الحزب قواته فى إعادة بلورة معادلات سياسية جديدة داخلية بدت نتائجها مباشرة فى قبول قوى الرابع عشر من آذار قبول ما يعرف بالثلث المعطل فى الحكومة، وتنازلات أخرى فى بعض الدوائر الانتخابية لارضاء حلفاء حزب الله من القوى المسيحية لاسيما ميشيل عون، كما جرى فى اتفاق الدوحة. الذى انهى الازمة الدستورية فى البلاد وما شهدته من فراغ رئاسى استمر اكثر من نصف عام.

التماهى مع السياسة الايرانية
لم يتوقف استخدام فائض القوة لدى الحزب عن هذا الحد. فقد تأكد أن الحزب دخل مرحلة جديدة بعد أن تم اغتيال أحد أبرز عناصره العسكرية، وهو عماد مغنية فى قلب دمشق رغم كافة الاحتياطيات الامنية التى كانت تحيط به. قوام هذه المرحلة البحث عن رد على إسرائيل التى أكدت الشواهد المختلفة انها اغتالت عماد مغنية. وتشير تقارير عديدة أن الحزب ونظرا لما كشفه اغتيال قيادة عسكرية بحجم عماد مغنية من اختراق امنى داخلى لا يعرف مداه، ونظرا لان إيران هى مصدر التسليح الرئيسى وممول اساسى لانشطة الحزب المختلفة، وفى ضوء سياساتها الساعية إلى التمدد عربيا وإقليميا بكل الطرق الممكنة، فقد تم وضع الحزب تحت قيادة فيلق القدس الايرانى، وهو الفيلق الذى يتحدد عمله فى الاطار الاقليمي. وأصبح طبيعيا أن يتحول الحزب بدوره إلى التمدد عربيا، وان يوظف القضية الفلسطينية كتبرير لهذا التمدد.

لقد أراد حزب الله ان يرد عسكريا او عبر عملية نوعية على إسٍرائيل التى اغتالت مغنية، غير أن هذا الرد فى ظل أضاع الجنوب اللبنانى التى حددها القرار الدولى 1701، يعد مستحيلا. وهنا اجتمع الامران؛ الخضوع لقيادة فيلق القدس الايرانى، واستحالة الرد على إسرائيل عبر الجنوب اللبنانى. وقاد الامران إلى تشكيل ما بات يعرف بوحدة دول الطوق التى اقر بها سامى شهاب عضو الحزب الذى كُلف تشكيل خلية خاصة فى مصر، كان من مهامها الاولى رصد أهداف إسرائيلية فى سيناء بهدف الانتقام منه، ثم تم التراجع عن هذا الامر لاحقا، واقتصر الامر على تقديم دعم لوجستى وفقا للتعبير الذى استخدمه زعيم الحزب حسن نصر الله للفلسطينيين فى غزة عبر تهريب السلاح والافراد عبر الانفاق من سيناء.

انكشاف الحزب سياسيا وأمنيا
لقد أدت محدودية الخيارات أمام حزب الله للرد على إسرائيل مباشرة إلى توظيف الوضع الفلسطينى وحصار غزة تحديدا للتحول إلى طرف مباشر فى الحالة الفلسطينية ومن خلال أراضى عربية أخرى، هى مصر. وكما اعتاد الحزب تجاوز الدولة فى لبنان، تصور أنه يمكن تجاوز الدولة فى مصر عبر العمل السرى وانتهاك القوانين والحدود، وهو ما لم يستطع تحقيقه. إذ كشفت السلطات الامنية المصرية هذه الخلية، ووضعت الحزب مباشرة أمام مسئولياته اللبنانية والعربية فى آن واحد.

فمن ناحية أن ما يصلح بالنسبة للبنان أو يتم فرضه دون رضاء من قطاعات عريضة من الشعب اللبنانى، لا يجوز ولا يصلح لدولة عربية كبرى لا تعرف ظاهرة الميليشيات المسلحة ولا تقبل بها، ولا يتصور انها تتخلى عن سيادتها وتسمح بأعمال سرية مخالفة للقانون أيا كان المبرر والتفسير لذلك.

ومن ناحية ثانية فإن تصور الحزب أن مصر تسعى عبر تحويل اعضاء الخلية للقضاء لممارسة دور اقليمى فقدته لصالح إيران وتركيا، إنما يعبر عن قصور شديد فى إدراك قيمة الدولة فى مصر ودورها عربيا وإقليميا أيا كان ما يفعله الأخرون وهو قطعا من أجل مصالحهم الذاتية وليس من اجل مصالح العرب أو الفلسطينيين.

ويظل السؤال مطروحا، فإذا ما كانت مصر فقدت دورها فلماذا كل هذا الحرص من قيادة حزب الله على المطالبة بتسوية سياسية للخلية عير وسطاء عرب كثيرين، ولماذا كل هذا السعى من أجل ان تغلق مصر ملف القضية؟ يبدو أن القلق مما ستكشفه المحاكمة العلنية لأعضاء الخلية من أسرار ومعلومات ستهز حتما مكانة الحزب لبنانيا وعربيا هى الدافع الحقيقى وراء المطالبة بتسوية ترفضها مصر جملة وتفصيلا. وليأخذ القضاء مداه، وليواجه كل طرف مسئولية ما يفعل.