باكستان على شفا الهاوية: الآثار المترتبة على السياسات الأمريكية
السبت, 09-مايو-2009
سايمون هندرسون - أثار تطبيق الشريعة في وادي «سوات» في باكستان وتقدم مقاتلي طالبان على بعد ستين ميلاً من العاصمة إسلام أباد في الشهر الماضي، مخاوف من تزايد التهديدات الإرهابية على الولايات المتحدة وقلق حول أمن الأسلحة النووية الباكستانية. ويبدو أن باكستان، الذي سيجتمع رئيسها آصف زرداري مع الرئيس باراك أوباما في واشنطن يوم 6 أيار/مايو، قد أصبحت أول تحد يواجه السياسة الخارجية للإدارة الجديدة. لقد جرت بالفعل مناقشات مكثفة في البيت الابيض، وتشير بعض الآراء التي طرحت في وقت مبكر حول هذا الموضوع بأن الأحداث التي وقعت في باكستان تؤثر أيضاً على جوانب كثيرة من السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.

مكافحة الارهاب
من الواضح أن حجم الملاذات الآمنة المتاحة للإرهابيين على طول الحدود الافغانية - الباكستانية قد توسع وراء «المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية» (FATA)"فاتا"، والمنطقة المتاخمة لأفغانستان حيث يتم تطبيق القانون القبلي بدلاً من القانون الوطني. وعلى الرغم من أن باكستان كانت قد شنت قصف جوي ومدفعي لكي تجبر مقاتلي طالبان على التراجع، من المرجح أن تبقى "فاتا" والمنطقة المحيطة بها خارج السيطرة الحكومية التامة. وفي 27 آذار/مارس، قال الرئيس أوباما عند إعلانه عن استراتيجيته الجديدة للوضع في أفعانستان وباكستان، "إن [تنظيم «القاعدة»] قام باستخدام هذه المناطق الجبلية كملاذ آمن للإختباء، لتدريب الإرهابيين، للتواصل مع أتباعه، للتخطيط لشن هجمات، وإرسال مقاتلين لدعم التمرد في أفغانستان. بالنسبة للشعب الأمريكي، أصبحت هذه المنطقة الحدودية أخطر مكان في العالم". وحذر الرئيس منذراً بالسوء بـ "أن العديد من التقديرات الاستخباراتية كانت قد حذرت من أن تنظيم «القاعدة» يخطط بصورة نشطة لشن هجمات على «الولايات المتحدة الوطن الأم» من ملاذ آمن في باكستان". وتعد المنطقة بمثابة قبلة للمقاتلين الإسلاميين من كافة أنحاء الشرق الأوسط ووسط آسيا وحتى من أوروبا، ولكن يبدو أن مستوى القلق لدى إسلام أباد هو أقل بكثير من مستواه لدى واشنطن. ففي 22 نيسان/أبريل، انتقدت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون حكومة باكستان، بقولها إن إسلام أباد "تتنازل أساساً إلى حركة طالبان والمتطرفين".

الأمن النووي وانتشار الأسلحة النووية
بالرغم من أن الرئيس أوباما كان قد قال في الاسبوع الماضي بأنه واثق من أن الأسلحة النووية الباكستانية لن تقع في أيدي المسلحين الإسلاميين، من المؤكد بأن المخاوف لا تزال قائمة. فالأسلحة النووية الباكستانية التي يقدر عددها بنحو 150 [رأس]، مصممة لكي تُنقل عن طريق صواريخ مركبة على منصات أرضية متنقلة ومقاتلات قاذفة. ومن المرجح أن تكون معظم الرؤوس الحربية مخزونة بقرب روالبندي، المدينة التوأم لإسلام أباد، التى تعد بمثابة مقر الجيش الباكستاني، أو في قواعد جوية وعسكرية في ولاية البنجاب، جنوب شرق العاصمة. كما أن هناك عدة مصانع لتخصيب [اليوارنيوم] بواسطة الطرد المركزي بالقرب من إسلام أباد، بما فيها منشأة "كاهوتا" الرئيسية، ومواقع تجميع القنابل النووية. ويرى الجيش الباكستاني بأن الهند هي خصم البلاد الأولي، وبالتالي تشكل التهديد الرئيسي لأمن هذه الأسلحة. (ويستمر - إلى حد كبير - تقليل التهديد المحلي الذي تشكله طالبان، وهي الحركة التي قام "جهاز المخابرات الباكستانية" بتكوينها في التسعينات من القرن الماضي من أجل الحصول على نفوذ في أفغانستان).

وبالنظر لتاريخ البلاد المتعلق [بالتعاون في مجال] التجارة النووية مع الصين وإيران وليبيا وكوريا الشمالية، تبقى المخاوف من تسرب الأسلحة والتكنولوجيا قائمة. وعلى الرغم من أنه كان قد ألقي اللوم في الماضي، على انتشار الإسلحة النووية على أنشطة [العالم الباكستاني] عبد القدير خان، المتقاعد في الوقت الحاضر والذي لا يزال مقيد [في تحركاته]، مما لا شك فيه أن حكام البلاد العسكريين والسياسيين كانوا أيضاً متواطئين. ويُنظر كثيراً بأن الترسانة النووية الباكستانية هي أيضاً متاحة لحليفة البلاد المملكة العربية السعودية، من أجل مواجهة إيران، حيث تعتبر هذه الترسانة بديلة للضمانات الأمنية [التي تقدمها] الولايات المتحدة. ولا يزال يتعين [على الأوساط المختلفة] التفكير في الآثار الكاملة [الناتجة عن قيام] نظام راديكالي حقيقي في باكستان؛ وإذا حدث هذا، ستواجه الرياض معضلة، لكنها من المرجح أن تسعى [إلى الوصول] إلى حل "إسلامي" – وذلك بالوقوف إلى جانب إسلام أباد -- رغم أنه قد يكون حل غير مرضي وقصير الأجل.

أفغانستان
يعد "ممر خيبر" في الاقليم الحدودي الشمالي الغربي من باكستان، بمثابة الطريق اللوجستية الرئيسية للإمدادات التي تُرسل إلى الولايات المتحدة وقوات حلف شمال الاطلسي في أفغانستان. وفي الآونة الأخيرة، واجهت قوافل شاحنات العتاد، التي تصل عن طريق البحر إلى ميناء كراتشي، هجوم وأعمال تخريبية في المنطقة. وفي الأسبوع الماضي، قتل أكثر من ثلاثين شخصاً في اشتباكات عرقية في كراتشي، مما أثار المزيد من القلق. إن الرد على السؤال الذي طرحه الرئيس أوباما في الآونة الأخيرة -- "ما هو هدفنا في أفغانستان؟" – معناه تفكيك وهزيمة تنظيم «القاعدة» ومنعه من العودة. فقد اعتبر الرئيس الأمريكي أن الطريق إلى الأمام يتمثل بتقوية الحكومة الافغانية وإزالة دور المخدرات غير المشروعة في الاقتصاد. ولكن سوف تتضاءل احتمالات [تحقيق] نجاح من هذا القبيل في أفغانستان، دون وجود دعم سياسي ولوجستي من باكستان. (هذا، وسيجري الرئيس الافغاني حامد كرزاى محادثات هذا الأسبوع أيضاً في واشنطن).

قد يؤدي فرض التركيز على قضايا السياسة العامة الناشئة من باكستان إلى قيام إدارة الرئيس أوباما بالحد من تركيزها وتغيير أولوياتها في جوانب أخرى من السياسات [المتعلقة بـ] الشرق الأوسط. وهذا يمكن أن يشمل:

"العراق". [تتمثل] النظرة العالمية للرئيس أوباما، والتي أعرب عنها في كثير من الأحيان خلال الحملة الانتخابية، بأنه كان ينبغي على إدارة الرئيس بوش أن تركز على تنظيم «القاعدة» وأفغانستان بدلاً من غزو العراق للإطاحة بنظام صدام حسين. ومن المرجح أن يكون الرئيس أوباما قد عزز رؤيته هذه بسبب الأحداث الأخيرة في باكستان. ففي المؤتمر الصحفي [الذي عقده] في 29 نيسان/أبريل، قال أنه "يشعر بقلق بالغ" حول استقرار الحكومة الباكستانية، في حين فيما يتعلق بموضوع العراق فقد قال: "لقد بدأنا بإنهاء الحرب".

"إيران". تركز المخاوف من النوايا النووية الإيرانية على احتمال أن تكون طهران قادرة على تخصيب ما يكفي من اليورانيوم لإنتاج أول قنبلة نووية بحلول العام القادم. ولكن خلال المؤتمر الصحفي الآنف الذكر الذي عقده الرئيس أوباما، لم يتم ذكر إيران سوى بصورة عابرة. ويؤدي وجود أزمة متفاقمة مع باكستان إلى صرف النظر عن التركيز في جدول الأعمال على الملف النووي [الإيراني]، الحالي والملح، ولكنها تعرض مجالاً جديداً عن إمكانية الحوار بين الولايات المتحدة وإيران: هذا ويعيش البلوش العرقيين على جانبي الحدود المشتركة [بين إيران وباكسنان]، حيث كانت لهم من الناحية التاريخية علاقات صعبة مع طهران وإسلام أباد على حد سواء.

خيارات السياسة العامة
تكبح باكستان المتعددة الأعراق والمختلة القيادة، وضع سياسة أمريكية تجاه تلك البلاد. وقد تؤكد الزيارة التي سيقوم بها الرئيس زرداري - [الذي يظهر أنه] في عزلة متزايدة - إلى واشنطن هذا الاسبوع جانب من هذه المشكلة. ويبدو أن القائد العسكري المبهم الجنرال أشفق كياني غير راغب في العمل بشكل وثيق مع زرداري. كما لا يقوم كياني بمرافقة رئيسه خلال زيارته للولايات المتحدة. ويبدو أن النموذج التقليدي [المتمثل بقيام] النخبة العسكرية والبيروقراطية الباكستانية بتوفير الاستقرار في البلاد بصرف النظر عن التحول الطارئ في القيادة السياسية الباكستانية، لم يعد صالحاً.

تخطط الولايات المتحدة لتقديم المزيد من المساعدات العسكرية إلى باكستان، وخاصة إلى القوات القادرة على العمل ضد حركة طالبان بدلاً من مواجهة الهند. كما أن هناك أيضاً مخطط لتقديم مساعدات اقتصادية من أجل الإنفاق على [البرامج] الاجتماعية والتعليمية، التي من المتوقع أن يبلغ حجمها 1.5 مليار دولار في السنة، [وهي مساعدات ضئيلة نسبياً]، والتي من المحتمل أن يكون لها أثر قليل في بلد يبلغ تعداد نفوسه نحو 176 مليون نسمة. كما يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار التدابير التي يجب اتباعها لتأمين الأسلحة النووية الباكستانية ومرافق التصنيع. ويُنظر بصورة متزايدة بأن تدمير هذه الترسانة أو الاستيلاء عليها من قبل القوات الأمريكية الخاصة، يمثل جزءاً ضرورياً من خطط واشنطن وليس خياراً خيالياً.

ومن منظور أوسع، من المحتمل أن يُنظر إلى حدوث "انفجار ضمني" في السلطة السياسية في باكستان بأنه فشل للسياسة الاميركية والقيادة الدبلوماسية، مع آثارها المترتبة على الصعيدين الإقليمي والعالمي. وقد أُفيد بأن مسؤولين شبهوا الوضع الحالي في باكستان بثورة 1979 الإسلامية في إيران، عندما فشل الشاه في إعطاء الأوامر إلى قواته العسكرية باتخاذ إجراءات ضد المتظاهرين. لقد كان سقوط الشاه نكسة بالنسبة للولايات المتحدة والتي لا تزال لها صدى [في أوساط كثيرة]. وقد لعبت دول الخليج العربي العربية الحليفة لكل من واشنطن وإسلام أباد، مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، دوراً محدوداً ولكن مفيداً عموماً في التأثير على باكستان، ولكن يبدو أن تلك المهمة أصبحت كبيرة جداً. يجب على الهند أيضاً أن تكون قلقة بصورة كبيرة، حيث التزمت حتى الآن الصمت - في أغلب الأحوال - بشأن الأزمة. ومن الجدير بالذكر أن الهند وباكستان كانا قد اقتربا من شفا حرب نووية في عام 2002. وعلى الرغم من أن التحدي الحالي يختلف عن سوابقه، لكن يمكن القول بأنه أكبر.


* سايمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج والطاقة التابع لمعهد واشنطن. وقد تتبع الأحداث التي وقعت في باكستان منذ عمله في إسلام أباد مراسلاً لهيئة الإذاعة البريطانية وصحيفة فاينانشال تايمز.