هل يطيح اليورو عرش الدولار؟
الاثنين, 07-يوليو-2008
ويليام ل. سيلبر* - إن القدر الأعظم من هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على التمويل العالمي ينشأ من وضع الدولار باعتباره عملة نقدية دولية. وإن التزام أمريكا بأسواق رأس المال الحرة، وحكم القانون، واستقرار الأسعار يمنح الدولار مصداقيته كمستودع للقيمة. إلا أن العادات الأمريكية في الإنفاق كانت سبباً في إضعاف مكانة الدولار وسمعته، في الوقت الذي أدى فيه الفائض المعروض منه في الأسواق العالمية إلى انخفاض سعره. ففي هذا الربيع بلغ سعر صرف اليورو أمام الدولار أعلى معدلاته على الإطلاق، كما بادرت البنوك المركزية إلى زيادة حصة اليورو في احتياطياتها من العملات الدولية. تُرى هل يوشك الدولار على خسارة تاجه كأداة تمويل عالمية لصالح اليورو؟

الحقيقة أن التاريخ يؤكد العكس، على الرغم من ضعف الدولار.

إن التفوق الأمريكي المالي في القرن الواحد والعشرين يشبه مركز بريطانيا في عالم التمويل العالمي منذ قرن من الزمان. فقبل اندلاع الحرب العالمية الأولى في العام 1914، كان الجنيه الإسترليني يخدم كعملة مرغوبة في عقد الصفقات الدولية، تماماً كما هي الحال مع الدولار اليوم، وكان المقترضون من كل أنحاء العالم يزورون مدينة لندن لجمع رأس المال.

كان عالم الاقتصاد البريطاني جون ماينارد كينيز يخشى أن تمتنع الدول عن استخدام الإسترليني في تسوية الحسابات التجارية في ما بينها إذا ما تغيرت نظرتها إليه باعتباره مستودع للقيمة جدير بالثقة. وكان كينيز يرى أن وضع مدينة لندن في المستقبل مرهون باستمرار الجنية الإسترليني في خدمة عالم الأعمال باعتباره معادلاً للذهب. وكانت بريطانيا تحافظ على قابلية تحويل الجنيه الإسترليني إلى ذهب وقت اندلاع الحرب العظمى، في محاولة لصيانة جدارته كوسيط للتبادل الدولي.

ما كان الدولار ليتمكن من تحدي دور الجنيه الإسترليني كعملة للعالم لو لم يكتسب سمعة طيبة لا تقل عن سمعة الإسترليني. وفي أغسطس/آب من العام 1914 لاحت له الفرصة. آنذاك، كان تدفق الذهب إلى الخارج على نحو لم يسبق له مثيل منذ جيل كامل سبباً في تعريض قدرة أمريكا على سداد ديونها في الخارج لخطر عظيم. وبسبب خشية الدوائر المالية العالمية من تخلي الولايات المتحدة عن معيار الذهب فقد هبط سعر الدولار إلى الحضيض في الأسواق العالمية.

إلا أن وزير الخزانة ويليام جي. ماكادو نجح في إنقاذ السمعة المالية الأمريكية في أغسطس/ آب العام 1914، حين قرر عدم التخلي عن معيار الذهب، بينما تخلى الجميع، باستثناء بريطانيا، عن التزاماتهم. ولكن على الرغم من الثقة التي اكتسبها الدولار، إلا أن الأمر استغرق ما يزيد على العقد من الزمان حتى أصبحت العملة الأمريكية تضاهي العملة البريطانية كوسيط دولي للتبادل.

كان تحول بريطانيا من دائن دولي إلى مدين دولي أثناء الحرب العظمى بمثابة جولة ثانية ربحها الدولار في معركته مع الإسترليني. واضطرت بريطانيا إلى التخلي عن قابلية تحويل الجنيه إلى ذهب في إبريل/ نيسان العام 1919 وهو الانسحاب التكتيكي الذي كان مقصوداً منه تمهيد الطريق أمام عودة الجنيه الإسترليني إلى سابق قوته لكي يعادل 4ر8665 دولار أمريكي. بعد ستة أعوام، وبالتحديد في إبريل/ نيسان العام 1925، أكدت بريطانيا مصداقيتها النقدية وعادت إلى معيار الذهب. إلا أن الجنيه الإسترليني كان قد تعرض بالفعل لضرر لا يمكن إصلاحه.

تشير خبرة العام 1914 إلى أن البديل الجدير بالثقة يمكنه أن يحل محل عملة دولية راسخة، خصوصاً بعدما ضعفت تلك العملة بسبب عجز ضخم في الميزان التجاري. إلا أن الإطاحة بعرش ملك التبادل الدولي لابد وأن تستغرق وقتاً طويلاً.

إن اليورو اليوم وهو عملة بلا وطن يفتقر إلى سجل طويل الأمد من المصداقية. يُستخدم اليورو في ثلاثة عشر بلداً من بلدان الاتحاد الأوروبي كعملة مالية. إلا أن التزام هذه الكيانات السياسية المستقلة باليورو لا يضاهي تاريخ التزام أمريكا بالدولار.

يتمتع البنك المركزي الأوروبي، الذي تأسس في العام 1998، بالصلاحيات التي تؤهله لإدارة العملة الجديدة على النحو الذي يضمن استقرار الأسعار. إلا أن البنك المركزي الأوروبي يحتاج إلى الوقت حتى يتمكن من إثبات قدرته على مكافحة التضخم. ولا يستطيع اليورو أن يمتطي الذهب كما فعلت أمريكا منذ قرن من الزمان. وعلى هذا فإن اليورو لابد وأن يكتسب سمعته الطيبة من أزمة إلى أخرى حتى يتمكن من مجابهة هيمنة الدولار باعتباره العملة المفضلة في الصفقات الدولية.

كانت الخبرة الحديثة في التعامل مع اليورو، باعتباره أصلاً احتياطياً رسمياً، مفيدة إلى حد كبير. ففي الفترة ما بين العام 2000 والعام 2005 خسر الدولار ما يزيد على %25 من قيمته في مقابل اليورو. وفي الوقت نفسه ارتفعت حصة الاحتياطيات الدولية من اليورو من %18 إلى %24، وهبطت حصة الدولار في الاحتياطيات الدولية من %71 إلى %66. باختصار، أحرز اليورو سبقاً على الدولار أثناء هذه الفترة التي شهدت عجزاً في السداد في الولايات المتحدة، إلا أن هذا يعكس نوعاً من الانحدار النشوئي لهيمنة الدولار، وليس تحولاً ثورياً للنظام.

ولكن ما الذي قد يؤدي إلى تلقي الدولار لضربة قاضية في الأسواق العالمية؟ بينما لا يبدو من المرجح أن تحدث حالة بيع مفاجئة واسعة النطاق للدولار من جانب كبار حامليه في الخارج في الصين على سبيل المثال إلا أن حدثاً مأساوياً شبيهاً باندلاع الحرب العظمى في العام 1914 قد يدفع الناس إلى البحث عن وسيط تبادل دولي جديد. وفي عصرنا الحديث الذي يتم فية السداد آلياً، فقد تقع الكارثة نتيجة لهجمة إرهابية تستهدف مرافق التحويل المالي العاملة بالكمبيوتر والتي يقوم عليها النظام المصرفي الدولي. ومما لا شك فيه أن فقدان السجلات الإلكترونية من شأنه أن يدمر مصداقية الدولار باعتباره وسيطاً للتبادل الدولي.

لا نستطيع أن نجزم الآن ما العملة التي قد تحل محل الدولار في مثل هذه الظروف. ذلك أن ضياع سجلات الكمبيوتر سوف يجعل اليورو في موقف الدولار نفسه. إلا أن الذهب، مستودع القيمة المنيع على التحريف أو الاختلاط المادي، قد يعود إلى ممارسة دوره القديم إذا ما حدث ذلك. على أية حال، نتمنى أن يظل هذا السيناريو محض افتراض.

**أستاذ علوم التمويل والاقتصاد في كلية شتيرن لإدارة الأعمال في جامعة نيويورك.