ثمن تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية
الثلاثاء, 17-مارس-2009
ديفيد ماكوفسكي - تدرس حركتا «فتح» و«حماس» إعادة النظر في تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية. وبالرغم من وجود العديد من السيناريوهات المحتملة -- تتراوح بين تقسيم كامل للوزارات وإلى إقامة حكومة تكنوقراط تتألف من وزراء غير معروفين -– يثير كل خيار قضايا جدية. ومع ذلك، فمن المرجح أن تبرز حركة «حماس» كالرابحة الأكبر، مع تضرر مكانة «فتح» بشكل كبير.

ما هي أسباب تكثيف الجهود من أجل الوحدة؟
هناك أسباب مختلفة من وراء تكثيف الجهود المبذولة لتشكيل حكومة وحدة وطنية في الوقت الحالي. أولاً، اندلاع الصراع في قطاع غزة في وقت سابق من هذا العام، دفع مصر للضغط بصورة كبيرة على «فتح» و«حماس» للتوصل الى اتفاق. وقد شملت هذه الجهود إجراء مناقشات حول وقف إطلاق النار، وفتح الحدود إلى غزة، وإطلاق سراح السجناء، وقيام مصر وباستضافة مؤتمر حول إعادة اعمار القطاع. وترى القاهرة أن من شأن استمرار الاقتتال الفلسطيني الداخلي أن يخلق فراغاً في غزة، الأمر الذي قد يؤدي إلى حدوث المزيد من أعمال العنف ويجلب الكثير من القلق لمصر.

ثانياً، انعقاد المؤتمر السنوي للقمة العربية في وقت لاحق من هذا الشهر في الدوحة، قطر، والقضية الفلسطينية هي [بطبيعتها] موضوع مثير للإنقسام. [وبما أن] هناك اختلاف على نطاق واسع في مواقف الأنظمة العربية تجاه «حماس»، كما أصبح ذلك بادياً للعيان خلال أزمة غزة، سيسعى القادة العرب للوصول إلى أرضية مشتركة. إن الجهد الحالي المبذول من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية يضع ضغوطاً هائلة على الرئيس الفلسطيني محمود عباس من أجل الوصول الى تفاهم مع حركة «حماس».

ثالثاً، دراسة إسرائيل موضوع الإفراج عن حوالي 450 معتقلاً من سجناء «حماس» المتشددين، مقابل الإفراج عن الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شليط. هناك حوالى 300 معتقلاً من بين هؤلاء السجناء الفلسطينيين الذين يقضون عقوبات بالسجن المؤبد بسبب مشاركتهم في هجمات قاتلة ضد المدنيين في السنوات الأخيرة أو قيادتهم لها. وإذا حدث هذا التبادل فمن الممكن أن يحقق كسباً مفاجئاً كبيراً لحركة «حماس». وإذا ساعدت إسرائيل على جعل ميزان القوى الفلسطينية يميل لصالح «حماس»، قد لا يكون أمام عباس خيار سوى استباق هذه الخطوة والتعامل بنفسه مع «حماس».

رابعاً، رَفْض وزيرة الخارجية الاسرائيلية وزعيمة حزب كاديما تسيبي ليفني الإنضمام الى حكومة يمين-الوسط الجديدة برئاسة عضو حزب الليكود بنيامين نتنياهو، قائلة أنه غير ملتزم بالحل القائم على دولتين. ويجعل هذا القرار قيام بعض العرب بالتساؤل فيما إذا كان ذلك سيلقي بظلاله على محادثات السلام المستقبلية ويجعلها عديمة الجدوى، وإذا ينبغي التركيز على الوحدة الداخلية الفلسطينية، عوضاً عن ذلك.

وأخيراً، الأمل الذي يتمناه بعض العرب بأن تكون إدارة أوباما الجديدة أكثر دعماً لحكومة وحدة وطنية من إدارة الرئيس بوش، التي عارضت بصورة نشطة، جهود الوساطة التي قامت بها السعودية في وقت سابق لتشكيل حكومة وحدة وطنية، حسب اتفاق مكة في عام 2007.

أي نوع من الوحدة؟
طُرحت على الطاولة أربعة اقتراحات مختلفة بشأن تشكيل حكومة وحدة وطنية: الأول ينطوي على وحدة كاملة وفقاً لشروط اتفاق مكة، يتضمن قيام «حماس» و«فتح» بتقاسم جميع الوزارات فيما بينهما -- أي اتفاقية من نمط "مكة - 2". نص ثاني يتضمن تشكيل حكومة تكنوقراط، ذات اتجاهات وتعاطفات سياسية معروفة لحركتا «حماس» و«فتح»، بحيث تكون غير منحازة رسمياً إلى أي منهما. وبموجب هذا الاقتراح، الذي عارضه مسؤولي «حماس»، قد يكون رئيس الوزراء رجل أعمال فلسطيني. نهج ثالث، والذي يبدو من غير المرجح حدوثه، هو الطلب من رئيس الوزراء الحالي سلام فياض البقاء في منصبه، مع توليه وزارات الأمن والمالية، وتقسيم بقية الوزارات بين تكنوقراط آخرين. وثمة احتمال رابع، هو مشاركة «حماس» في حكومة وحدة وطنية بعد موافقتها على شروط اللجنة الرباعية الدولية، وهو اقتراح من غير المرجح أيضاً حدوثه.

الآثار المترتبة على إقامة حكومة وحدة وطنية
من الواضح أن تشكيل حكومة وحدة وطنية حسب اتفاقية من نمط "مكة - 2" أو حكومة تكنوقراط يترأسها رئيس وزراء غير مختبر، سيخلق تحديات عميقة لسياسة الولايات المتحدة تجاه القضية الفلسطينية. ومن المحتمل أن تشكل أياً من هاتين الحكومتين انتصاراً كبيراً لحركة «حماس»، وربما توجه ضربة قاتلة لاحتمالات التعايش الفلسطيني مع إسرائيل. [ولذلك] هناك حاجة لإنشاء معايير رئيسية لتقييم مثل هذه الحكومة.

"الأساس الذي تستند عليه الحكومة". هل يمكن لحركة «حماس»، التي رفضت المبادئ التي وضعتها اللجنة الرباعية الدولية في عام 2006 – الاعتراف بإسرائيل وقبول الاتفاقات السابقة، ونبذ العنف – أن توافق فجأة على نفس الأفكار التي رفضتها مراراً وجهاراً؟ هذا أمر مشكوك فيه، لأن قادة «حماس» كانوا قد عبروا عن موقفهم بصورة ثابتة حول رغبتهم في الحفاظ على اتفاق وحدة يفسح المجال لـ"المقاومة"، أو بعبارة أخرى، [القيام بأعمال] العنف. وقد أوضح كل من الرئيس باراك أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بأنهما، مثل إدارة الرئيس بوش، لن يتعاملا مع حكومة فلسطينية لا تقبل شروط اللجنة الرباعية الدولية. وعلاوة على ذلك، فإن قيام حكومة فلسطينية ملتزمة بـ"المقاومة" قد تعطي المبرر لحكومة نتنياهو لعدم الإنخراط في عملية السلام، وتسمح لها تجنب الضغط الدولي حول توسيع المستوطنات.

"الأمن". من الصعب تصور اتفاقية من نمط "مكة - 2" لا تنطوي على اندماج حركة «حماس» في الاجهزة الأمنية. وقد قال أحد كبار القادة الفلسطينيين، بأن ذلك سيكون "انتحاراً" إذا سمحت به السلطة الفلسطينية. إن قيام أي حكومة فلسطينية لا يتولى فيها سلام فياض المسؤولية الأمنية والمالية، قد يضع حد للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة بقيادة اللفتنانت جنرال كيث دايتون لتدريب مسؤولين في أجهزة الأمن الفلسطينية. كما من شأن ذلك أن ينهي التعاون الأمني بين إسرائيل والفلسطينيين، الذي امتد إلى غالبية مدن الضفة الغربية. ويصر فتحي حماد، العضو في قيادة «حماس» في غزة، على قيام السلطة الفلسطينية بإطلاق سراح جميع السجناء من أعضاء «حماس» المعتقلين في سجون الضفة الغربية. وإذا قررت إسرائيل الإفراج عن سجناء حركة «حماس» المحكومين لأسباب "أمنية مشددة" فإن ذلك سوف يضمن تقريباً قيام عباس بالحذو حذوها.

"التمويل". يحظى فياض باحترام [كبير] على الصعيد الدولي لالتزامه بالشفافية الحكومية، وتحسين الظروف الاقتصادية في الضفة الغربية. وعلى هذا الأساس قدمت له الولايات المتحدة مبلغ 300 مليون دولار في العام الماضي، كما التزمت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في الاسبوع الماضي بتقديم مئات الملايين من الدولارات [كمعونات] إضافية. وحسبما ذكرت كلينتون سوف لن يسمح الكونغرس الاميركي بتمويل حكومة فلسطينية لا تقبل بمبادئ اللجنة الرباعية الدولية.

"غزة". لقد أوضحت حركة «حماس» بأنها لن تسمح لمحمود عباس باستئناف السيطرة على غزة، حيث تعتبر «حماس» بأن سيطرتها على القطاع هي من الأمور الغير قابلة للتفاوض. وبدلاً من ذلك، سوف تسمح فقط لوجود سلطة فلسطينية رمزية على الحدود بين مصر وغزة كغطاء لإعادة الإعمار. وعلاوة على هذا، من شأن قيام حكومة وحدة وطنية أن يزيد التمويل العربي المباشر المقدم إلى «حماس». ونتيجة لذلك، من المرجح ان يزداد التمويل الذي يأتي من قطر، والذي يزود «حماس» بـ 20 مليون دولار شهرياً، حسبما يقول مسؤولون في الحكومة الفلسطينية. كذلك من المحتمل ان يزداد دعم إيران لحركة «حماس».

"سلام فياض". قدم فياض استقالته من رئاسة الحكومة الفلسطينية يوم السبت الماضي، لكنه بقي في منصبه بصورة مؤقتة كرئيس حكومة تصريف أعمال، ويريد أن يؤكد بأنه لا يشكل عائق أمام قيام حكومة "توافق وطني". وفي حين قد يبقى فياض في منصبه، اعتماداً على الكيفية التي سيتنهي إليها الوضع، من الواضح أنه قد قرر بأنه ليس من الحكمة أن يجعل نفسه "نقطة خلاف" خلال المفاوضات الحساسة سياسياً بين حركتا «فتح» و«حماس».

الخاتمة
إذا تم تشكيل حكومة وحدة وطنية تقبل بمطالب «حماس»، ستكون الحركة هي الرابح الأكبر، والخاسرون هم محمود عباس، وسلام فياض، وأولئك الذين يفضلون التعايش مع اسرائيل. وإذا نجحت «حماس» في تحقيق مكاسب سلطوية بدون قبولها مبادئ اللجنة الرباعية الدولية، فإنها ستكتسب الشرعية بدون أن تدفع أي ثمن. وعلى هذا النحو، سوف تبقى مسيطرة على قطاع غزة بصورة محكمة، وستسعى للسيطرة على الأموال المخصصة لإعادة إعمار غزة، وستكون في وضع يمكنها من كشف الإصلاحات الأمنية والمالية الحاسمة التي يقوم بها سلام فياض [في الضفة الغربية]، وستضمن بقاء فرص السلام "[في المياه] الباردة". كما أن الفرص الوشيكة والغير متوازنة لتبادل الأسرى مع اسرائيل سوف تدعم أيضاً [مركز] «حماس» في المخيمات الفلسطينية -- على حساب [مكانة] محمود عباس.

وبالنسبة لأولئك الذين لا يريدون أن يُدفع عباس إلى وضع يفقد فيه سيطرته على الموقف، يمكن طرح سؤال عما إذا كانت واشنطن ستبقى على الهامش أو تفصح عن وجهات نظرها المعروفة بقوة في القاهرة، ورام الله، والرياض، والقدس. ففي "مناخ المؤامرة" الذي يعاني منه الشرق الأوسط، من المحتمل أن يتم تفسير سلبية واشنطن كعدم اكتراث الولايات المتحدة [لما قد يحدث] لمحمود عباس. ومع ذلك، وفضلاً عن أهمية التصور، فإن قيام نموذج خاطئ لحكومة وحدة وطنية قد يشكل ضربة قوية لمصالح الولايات المتحدة داخل المنطقة وخارجها. لقد اعتبرت إدارة أوباما أن عملية السلام في الشرق الأوسط هي إحدى المقومات الأساسية لسياستها الإقليمية. وبما أن قيام نموذج "خاطئ" لحكومة وحدة وطنية من شأنه أن يقوض السياسة الشرق أوسطية لإدارة الرئيس أوباما، يتعين على الحكومة الامريكية التعبير الآن [عن سياستها] بصورة جازمة، وليس فقط انتقاد القرارات [بعد اتخاذها من قبل الأطراف المعنية].


* ديفيد ماكوفسكي هو باحث أقدم في معهد واشنطن ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط التابع للمعهد. وقد شارك مع دينيس روس في تأليف الكتاب المقبل "الخرافات والأوهام، والسلام: البحث عن اتجاه جديد لأميركا في الشرق الأوسط".