الأزمة الاقتصادية: رد تنظيم «القاعدة»
السبت, 14-مارس-2009
ريتشارد باريت - أدى تفاقم الأزمة المالية العالمية إلى تركيز الاهتمام الدولي على الشركات المنهارة، وارتفاع معدلات البطالة، وهبوط أسواق الأوراق المالية بصورة مذهلة. ومع ذلك فقد أعطي القليل من الاهتمام، إلى التأثيرالكبير لهذا الانخفاض على الجماعات الإرهابية مثل تنظيم «القاعدة»، والتي غيرت رسالتها المركزية وتواجه تضاؤل في مواردها المالية. وبالمثل، على الرغم من أن الظروف الاقتصادية قد أثرت أيضاً على جهود الحكومات والقطاع الخاص في مكافحة الإرهاب، إلا أنه حتى في هذه الأوقات العصيبة، بالإمكان اتخاذ خطوات لتحسين نظام التمويل الحالي لمكافحة الإرهاب.

الخلفية
لقد كان رد فعل تنظيم «القاعدة» الفوري على الأزمة المالية هو الإدعاء بالفضل لنفسه بسبب محن الغرب الاقتصادية. ويقول "التنظيم" أن المشاكل المالية الراهنة هي من العواقب المترتبة على اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر، وتكلفة الحروب اللاحقة في العراق وأفغانستان. لقد كان قادة تنظيم «القاعدة» ينظرون دائماً إلى [عادات] الغرب الاستهلاكية كعنصر ضعف رئيسي، ويتبنون هجمات ضد أهداف اقتصادية بصورة ثابتة. وعلى الرغم من شكواهم بأن موارد العالم الاسلامي تفيد الدول الغربية وحلفائها أكثر من إفادتها للمجتمع الإسلامي، يعتبر زعماء الإرهاب أن النفط هو كنز خلافتهم المستقبلية.

والجدير بالملاحظة أن كل من "أسامة بن لادن" و "أيمن الظواهري" كان قد أصدر بيان شجع فيه على القيام بهجمات على مصافي النفط في الأشهر التي سبقت الاعتداء الفاشل على "مجمع أبقيق لمعالجة البترول" في المملكة العربية السعودية في شباط/فبراير 2006. وإذا يُأخذ بنظر الأعتبار بأن "مجمع أبقيق" يُعد أكبر مرفق من نوعه في العالم، ويمثل 60 في المائة من الانتاج اليومي للمملكة العربية السعودية، فإن من شأن هجوم إرهابي ناجح هناك أن يؤدي إلى اضطراب كبير في إمدادات الطاقة العالمية. وقد أصدر تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية بياناً عقب الهجوم، ذكر فيه بأنه كان جزءاً من "الحرب ضد الصليبيين واليهود لوقف نهبهم لثروات المسلمين".

من المرجح أن يصبح تركيز تنظيم «القاعدة» على الأهداف الإقتصادية أكثر حدة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، مما سيدفع لمزيد من الهجمات على المنشآت النفطية على اليابسة أو ضد السفن في عرض البحر – وهي قابلية سبق وأن أظهرت قدرتها من خلال الهجوم على ناقلة فرنسية قبالة سواحل اليمن في تشرين الأول/أكتوبر 2002 .

تغييرات في الرسالة
بدأ قادة تنظيم «القاعدة» في التواصل مع الأشخاص الذين يواجهون صعوبات اقتصادية، بدافع الأزمة المالية [العالمية]. وحتى الآن، كان تنظيم «القاعدة» يناشد الفرد بوصفه عضواً في المجتمع، ولكن التصريحات التي أدلى بها مؤخراً "الظواهري" و "عبد الملك دروكدل"، زعيم تنظيم «القاعدة» في المغرب الإسلامي، حاولت إقناع الأفراد الذين هم في ضائقة مالية بأن معاناتهم الشخصية هي نتيجة استغلال الغرب. ويتحدى هذا التحول في التركيز -- من تهديد للمجتمع إلى تهديد للفرد -- مبدءاً رئيسياً في رسالة تنظيم «القاعدة»، تلك الرسالة التي كانت تركز حتى الآن وبصورة دائمية على واجب الفرد تجاه الله وليس تجاه نفسه.

الوضع المالي لتنظيم «القاعدة»
ليس لدى قادة تنظيم «القاعدة» في الوقت الحاضر موارد مالية كبيرة، خلافاً للموارد التي تتمتع بها حركة طالبان التي تستضيفهم والمرتبطة بشدة بتجارة المخدرات المربحة. (يتناقض الوضع المالي الحالي لقادة تنظيم «القاعدة» تناقضاً حاداً مع الوضع الذي كانوا عليه قبل هجمات 11 أيلول/سبتمبر، عندما كانت الميزانية السنوية لتنظيم «القاعدة» تتراوح بين 20 و 30 مليون دولار، والتي ذهبت عدة ملايين منها إلى الطالبان). وعلى الأرجح، تؤثر الأزمة المالية على مبلغ التبرعات التي يتلقاها تنظيم «القاعدة»، في الوقت الذي تقل فيه موارد المانحين، وتزداد الطلبات من ملتمسين آخرين.

نظراً لحالته المالية الواهية، غالباً ما يقوم تنظيم «القاعدة» بالتماس المال [اللازم لعملياته]. كما أن "مصطفى أبو اليزيد" -- المعروف أيضاً باسم "الشيخ سعيد"، والذي حدده تقرير لجنة الحادي عشر من أيلول/سبتمبر كالممول الرئيسي لتنظيم «القاعدة»، والذي يعتبر الآن رئيس عمليات «القاعدة» في أفغانستان -- كثيراً ما يقوم بتوجيه نداءات من أجل التبرعات. فعلى سبيل المثال، ذكر في مقابلة أجراها في منتصف عام 2008، بأنه كان هناك العديد من الانتحاريين المحتملين [الذين انضموا إلى] «القاعدة» لكن "التنظيم" افتقر إلى الموارد اللازمة لتجهيزهم [بما يحتاجونه للقيام بأعمالهم الانتحارية]. وفي كثير من الأحيان يوجه أيضاً "أبو يحيى الليبي" -- الذي يعتبر السلطة الدينية الرئيسية في تنظيم «القاعدة» -- في تصريحاته نداءات من أجل التبرع بالمال، قائلاً بأن التبرع يُعد كافياً تماماً وبديلاً مقبولاً عن القيام بأعمال قتالية.

تلحق المشاكل المالية أضراراً فادحة على قدرة «القاعدة» على إدارة تنظيمها على نحو فعال. ويتحتم على قيادة التنظيم في منطقة الحدود الافغانية-الباكستانية أن تدفع ثمن الطعام والسكن والإقامة لأسر الرفاق الذين فقدوا أرواحهم، [وكذلك مصاريف] الأمن، سواء من حيث توظيف الحراس أو في شراء صمت جيرانهم. بالإضافة إلى ذلك، يحتاج القادة إلى الأموال لتجنيد وتدريب العاملين والقيام بالعمليات [الإرهابية].

التأثير على جهود مكافحة الارهاب
إنه لمن المؤسف له، أن يكون هناك أيضاً احتمال لحدوث عواقب من الأزمة المالية على جهود مكافحة الارهاب. ففي الوقت الذي تتعرض فيه الميزانيات الرسمية لضغوط متزايدة، من المحتمل أن تنخفض الاستثمارات الضخمة في مجال مكافحة الارهاب على مدى السنوات السبع الأخيرة. وقد توافق بعض الحكومات على درجة أشد تعرضاً لخطر الإرهاب في ظل مواجهة خطر أكبر من الانهيار الاقتصادي. وفي حين أن الاحتياطات الزائدة عن الحاجة والمتخذة حالياً في مجال مكافحة الارهاب، قد تسمح بالقيام ببعض التخفيضات [في الموازنة] دون حدوث تدهور كبير في الحماية [الأمنية]، سيكون من المهم بمكان أن يتم تجنب خفض هذه التدابير التي هي ضرورية لإحباط هجمات ارهابية.

ويلعب القطاع الخاص دوراً محورياً وريادياً في التصدي لعمليات تمويل الإرهاب، وفي مرحلة ما بعد انتهاء التحقيقات في الحوادث. فلدى المصارف معلومات عن عملائهم أكثر من أي هيئة مهنية أخرى: فهم يعرفون كيف وأين ومتى يحصل عملاؤهم على أموالهم، وكذلك كيف وأين ومتى ينفقونها. وستكون أعمال مكافحة الإرهاب أكثر صعوبة وأقل نجاحاً بدون تعاون المصارف.

ومع ذلك، وبسبب الأزمة المالية، يواجه القطاع الخاص خطر اتخاذ تدابير أقل صرامة في مجال مكافحة الإرهاب. إن حماية الموظفين والمباني والمرافق بصورة تامة هي أمراً مستحيلاً، وتكاليف محاولة تحقيق هذه الأهداف الأمنية هي تكاليف باهضة. ونتيجة لذلك، قد تقرر الشركات الخاصة تخفيض معاييرها الأمنية كوسيلة لتوفير المال. أما القطاع المالي فيشكل مشكلة من نوع خاص: فليس فقط يتحتم عليه ألا يقتصر على توفير الحماية المادية للموظفين والممتلكات، يتعين عليه أيضاً أن يتحمل "تكاليف الإمتثال المضافة" المتعلقة بمكافحة الارهاب. وتشمل هذه التدابير الاستثمارات التي تٌظهر عائدات منخفضة جداً، كما أن "القضايا المتعلقة بالإمتثال" تكلف أموالاً، ولكنها لا تجلب أعمالاً جديدة -- وفي الواقع، هي أكثر عرضة بأن تُبعد الأعمال. وفي مثل هذه الأوقات اليائسة [التي يمر بها العالم بسبب الأزمة الأقتصادية]، قد تميل المصارف، إلى رؤية ميزة مزدوجة في تقليص الإمتثال للوائح الحكومية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

الإستفادة من الأزمة
لكي يتم الحصول على بعض المزايا خلال الأزمة المالية، ينبغي على "المنظمين الحكوميين" البحث عن سبل للعمل بشكل وثيق مع المؤسسات المالية الخاصة لضمان فهمهم لعمليات تمويل الإرهاب بصورة واضحة، ومعرفتهم الأماكن الأكثر احتمالاً لحدوثها. وينبغي أن يقوم "المنظمين" بتشجيع هذه المؤسسات لكي تُبلغ عن أي نشاط مشبوه، وذلك من خلال استخدام تقييمات حسنة الاطلاع وخالية المخاطر وليس عن طريق التطبيق الآلي للقواعد. هذا من شأنه أن يوفر المال [اللازم] للمؤسسات المالية [الواجب لآليات] الإمتثال ويحد من الإنفاق الحكومي من خلال تقليص تدفق التقارير غير المفيدة أو غير ذات الصلة.

وتسعى «القاعدة» لاستغلال الأزمة الحالية من خلال إعادة صياغة رسالتها، على أمل جذب مجندين جدد وجمع الأموال من أجل تعزيز تنظيمها. [إن العمل] من أجل ضمان استمرار تركيز الحكومات والقطاع الخاص على منع تنظيم «القاعدة» في هذا الجهد سيكون حاسماً لنجاحنا المستمر في التقليل من التهديد الذي يشكله هذا التنظيم الخطر على العالم المتحضر.

* ريتشارد باريت هو منسق أعمال "فريق الرصد لمراقبة نظام الجزاءات المفروضة على تنظيم «القاعدة» وحركة طالبان" الذي تم تشكيله من قبل الأمين العام للأمم المتحدة لدعم لجنة [العقوبات] المشكلة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1267.