شعبٌ قارئ، ولكن...
السبت, 24-مايو-2008
جيمس روث - التعليم في العالم العربي هو خليط بين الأنباء الجيدة والسيئة. فمن ناحية، يواصل التعلّم التقدم على امتداد الإقليم مع تقدم بعض البلدان بأكثر من البعض الآخر. ومن ناحية أخرى، فإن العالم العربي ما زال متاخراً عن معظم بلدان العالم وهو يخرّج مواطنين غير مؤهلين للمشاركة في السوق العالمية التي تتطور سراعاً.
قطاع التعليم العالي ينمو في معظم الـ22 بلداً عربياً. هذا التوسع يبدو نتيجة لتجمع من المبادرات الخاصة والعامة الموجهة تجاه تعليم الأعداد المتعاظمة من الشبّان في كل بلد من تلك البلدان. ومع ذلك، وباستثناء حالات قليلة معزولة فإن الغالبية العظمى من تلك المؤسسات تفتقر إلى الجودة الضرورية في التعليم والقيادة المستقلة والمناهج التقدمية التي من شأنها تدريب الطلبة على مواءمة حاجات أرباب العمل المتوقعين. ففي دراسة قامت بها مجموعة تصنيف الخبراء الدولية ومؤسسة سياسات التعليم العالي في واشنطن، نالت جامعة عربية واحدة فقط موقعاً على قائمة تتألف من 3000 جامعة على امتداد العالم—وقد جاء ترتيبها في آخر تلك القائمة.
الخريجون العرب يجدون أنفسهم في مواضع غير ملائمة بشكل متزايد عندما يسعون إلى الدخول في أسواق العمل في بلدانهم، حيث لا تتطابق مهاراتهم في كثير من الحالات مع احتياجات السوق. على سبيل المثال، في المملكة العربية السعودية، حوالي 5.5 مليون عامل أجنبي يلعبون دوراً أساسياً في الاقتصاد السعودي—وبالأخص في قطاعي الخدمات والبترول. ومع ذلك، وعلى الرغم من سياسة الحكومة الداعمة بقوة لتعيين موظفين من حملة الجنسية السعودية، فإن البطالة المستمرة وفق الإحصاءات الرسمية تُشير إلى أنها تبلغ 13% بين السعوديين الذكور، ويعتقد الكثير من الخبراء المستقلين بأن هذه النسبة قد تكون عالية بما يصل إلى 25%.
الاستثمارات الكبيرة على امتداد سنوات عديدة التي قامت بها الحكومة السعودية لم تحقق نتائج مرضية. والنتائج السعودية هي مماثلة للنتائج التي تم تحقيقها في بلدان الخليج الغنية. فالإحصائيات تشير إلى أن الخريجين في كثير من الحالات غير قادرين على الاندماج بشكل ناجح في الاقتصادات الوطنية.
يعتمد تحسين التعليم العالي في العالم العربي على إصلاح المناهج ورفع توقعات الأساتذة من طلبتهم ليس فقط على مستوى الجامعات ولكن أيضاً على مستويات التعليم الابتدائي والثانوي. وكما تظهر التجارب العالمية، فإن علامات الطلبة العرب في المدارس الابتدائية والثانوية هي بين العشرينيات الأدنى في مادة الرياضيات والعلوم. نتائج المدارس الابتدائية العامة هي الأسوأ بما لا يقارن. إن حظ تلميذ يتخرج من مدرسة حكومية في القاهرة أو دمشق أو الخرطوم بأن يصبح رئيساً لشركة كبرى أو أن يصبح طبيباً متخصصاً هو ضعيف إلى أقصى الحدود. وإذا أخذنا في الاعتبار الكميات الكبيرة التي تنفقها تلك الحكومات على التعليم، فإن هذه النتائج المزرية والمؤشرات المرتبطة بها هي مفزعة بكل بساطة وتتطلب معالجة فورية.
ليس فقط أنه يتوجب إعادة تصميم المناهج بحيث تُعطى أولوية للرياضيات والعلوم، بل يتوجب على الأساتذة أيضاً أن يعتبروا مسؤولين عن أداء طلبتهم. أحد التفسيرات للعلامات الضعيفة التي حققها الطلبة العرب ناتجة عن أن توقعات الأساتذة هي منخفضة أكثر مما يجب. وفي الوقت الذي يواصل فيه القادة العرب السعي لإيجاد الطرق الكفيلة بتحسين التعليم، فإن التدقيق في سوية الأساتذة يصبح أمراً حيوياً. هل الغالبية العظمى من الأساتذة مؤهلة بأن يركن إليها تعليم الأجيال القادمة! ربما لا. إن استقطاب وتدريب كادرٍ جديد من الأساتذة من الدرجة الأولى، والذين يعوضون تعويضاً جيداً، يتطلب بحثاً معمّقاً.
لقد شهد العالم العربي في السنوات الأخيرة نمواً دراماتيكياً في عدد الجامعات الخاصة. لدى الأردن، على سبيل المثال، ما لا يقل عن 12 جامعة خاصة. هذه الجامعات التي أنشأت أخيراً سوف تسمح للبلدان من ذوي الدخل المتوسط بالاعتماد أكثر على المصادر الخاصة للإنفاق على التعليم العالي. ومع ذلك، فإن التخاصية وحدها ليست الجواب الشافي، وعلى غرار الجامعات الحكومية، فإن تلك المؤسسات الخاصة يجب أن تعتبر مسؤولة نحو تخريج طلبة يحققون الحاجات الوطنية المطلوبة. الحكومات، ربما على مستوى إقليمي، سوف تحتاج إلى إيجاد مستويات أداء تسمح للجامعات التعليمية، سواء كانت خاصة أو عامة، بأن تحقق حداً أدنى من المستويات.
محو الأمية كان يشكل رسالة مهمة في العالم العربي ما بعد الفترة الاستعمارية. لقد حقق العرب إنجازاً كبيراً على هذه الجبهة. وعلى الرغم من أن حوالي 7 ملايين عربي ما زالوا أميين، فإن هذا العدد يتناقص بسرعة. ومع ذلك، فهنالك فرق بين أن تُعلّم لتحقيق القراءة والكتابة وبين تقديم تعليم من سوية عالية. وعلى العموم، فإن العالم العربي لم يطور بعد أنظمته التعليمية من التركيز على محو الأمية من جهة إلى نظام يخلق مؤسسات ضرورية قادرة على دمج الفئات الشبابية في أسواق عملها وأن تدفع ببلدانها إلى ميدان التنافس العالمي.
وفي الوقت الذي يواصل فيه واضعو السياسة العربية معالجة مخططات التنمية المستقبلية، يتوجب عليهم التركيز على إصلاح وتحسين مؤسساتهم التعليمية. إن الفشل في تحقيق ذلك سوف يؤدي دون شك إلى زيادة الملايين من العاطلين عن العمل، وربما يهددون استقرار المنطقة. إن معالجة الإصلاح التعليمي يجب أن يُعطى الأولوية اليوم.
*جيمس روث: نائب رئيس مجموعة هورون الاستشارية للصحة والتعليم، شيكاغو، الولايات المتحدة الأمريكية. يقدم السيد روث خدمات استشارية لمؤسسات تعليمية في الولايات المتحدة والشرق الأوسط وآسيا.