أوباما ونهاية الحرب على الإرهاب
الثلاثاء, 27-يناير-2009
دانا بريست -

قبل أيام، ألغى الرئيس باراك أوباما تلك الوسائل الأكثر إثارة للجدل التي استخدمها سلفه ضد المتهمين بالإرهاب، فبجرة قلم أعلن رسمياً انتهاء ''الحرب على الإرهاب''، باعثاً برسالة واضحة إلى العالم بأن المدى الذي ستذهب إليه الحكومة الأميركية في محاربة أعدائها لن تكون له حدود.
وفيما أوضح أوباما أنه لا ينوي تقليص عمليات مكافحة الإرهاب في الخارج، إلا أن فكرة التفاف الرئيس الجديد على قوانين راسخة في الولايات المتحدة فقط قد تم وقفها نهائياً بأمر رئاسي صادر عن المكتب البيضاوي. ويبدو أن العناصر الأساسية للبنية السرية التي طورها الرئيس بوش هي بصدد الزوال، أهمها على الإطلاق معتقل جوانتنامو في كوبا الذي سيسدل عليه الستار بعدما انتُهكت فيه الحقوق الأساسية للمعتقلين، وحُرموا من المحاكمة العادلة التي يكفلها لهم القانون، ومنعت في هذا الإطار أيضاً وكالة الاستخبارات المركزية من الإبقاء على سجونها السرية في الخارج، وفي ضربة قاسية لمحامي إدارة بوش ألغى أوباما الاستشارات القانونية التي سوغت ممارسة التعذيب منذ 11 سبتمبر 2001.
وعلى كل حال كانت تلك نهاية سريعة ومباغتة لمرحلة كانت تزحف نحو نهايتها من تلقاء نفسها بسبب المشاعر الشعبية المنزعجة من سوء استخدام السلطات التنفيذية من قبل إدارة الرئيس بوش. فقد انطلق النقاش أول مرة حول التقنيات المستخدمة ضد ''القاعدة'' قبل أكثر من ست سنوات عندما طفت معلومات، أريد لها البقاء في السر، إلى السطح وتسربت تفاصيلها إلى العلن. ففي ذلك الوقت ساد إجماع داخل الكونجرس وفي أوساط الرأي العام بأن الولايات المتحدة ستتعرض لهجوم آخر، وبأنه على الحكومة القيام بكل ما يلزم لدفع التهديد ودرء الخطر. وهكذا طلبت وكالة الاستخبارات المركزية التي كانت تتزعم عمليات مكافحة الإرهاب حول العالم، من الأجهزة الأخرى تسهيل عمل عناصرها السريين ووحداتها الخاصة في رصد وقتل أو اعتقال مشتبه بهم بالإرهاب. وفي هذا الإطار أقامت الوكالة أول مركز للاستنطاق داخل معسكر تحفه أسوار عالية في قاعدة باجرام بأفغانستان، بالإضافة إلى قواعد أخرى صغيرة على طول البلاد وعرضها توفر إمكانية استجواب المعتقلين بعيداً عن القوانين العسكرية ومواثيق معاهدة جنيف التي توضح معايير التعامل مع أسرى الحرب.
وقامت الوكالة أيضاً بتوظيف مجموعة من العناصر الشابة والطواقم الطبية للعمل ضمن فرق الاستنطاق، كما تقدم قادتها بطلبات إلى الحلفاء في تايلاند وأوروبا الشرقية لإقامة سجون سرية يتم فيها استنطاق أناس ضالعين في الإرهاب، وذلك بعزلهم عن العالم وحرمانهم من النوم وإخضاعهم لشتى الممارسات مثل الإيهام بالإغراق والإذلال الجنسي، وهي التقنيات التي لا تسمح بها القواعد العسكرية ولا مواثيق معاهدة جنيف لأسرى الحرب.
ومع مرور الوقت تمكن بعض الموظفين الفيدراليين خارج فرق الاستنطاق من الاطلاع على تقارير عمليات الاستجواب، وفيما رضي البعض منهم بما عرفوا، أبدى البعض الآخر امتعاضه، وهاله ما كشفته التقارير، وبدأوا في إثارة الموضوع علناً، وإنْ كان بحذر شديد، علّهم يوقفون تلك الممارسات وينقذون ما يمكن إنقاذه. وفي الأخير وصل انزعاجهم إلى مجموعة من الصحفيين الذين تصادف أنهم يسعون إلى إثبات إشاعات عن اختفاء بعض الأشخاص سواء في باكستان، أو على الحدود مع مقدونيا، حيث اكتُشف أن شركات وهمية كانت تخفي نظاماً سرياً للطيران يقوم بنقل المتهمين بالإرهاب إلى أماكن مجهولة تحت مسمى الترحيل الاستثنائي.
وخلافاً للموظفين الفيدراليين الذين يواجهون عقوبة السجن في حال كشفهم عن برامج سرية، يتمتع الصحفيون بحماية يضمنها لهم الدستور، لكن مع ذلك توالت الضغوط الحكومية لمنع النشر وعدم الكشف عن البرامج السرية، حيث استدعى الرئيس بوش ومعه مدير وكالة الاستخبارات، كبار محرري ''واشنطن بوست'' للضغط عليهم والحؤول دون فضحهم لشبكة المعتقلات السرية التي تستضيفها بعض الدول.
وفي أوروبا بدأت التقارير المشيرة إلى وجود سجون أميركية فوق أراضيهم تثير العديد من التساؤلات، وفُتحت تحقيقيات في جميع العواصم الأوروبية تقريباً، كما تصاعدت الضغوط على واشنطن مطالبة بإقفال السجون السرية، وسارع المسؤولون الحكوميون في وكالات الأمن القومي والسياسة الخارجية الذين لم يكونوا على بينة بالبرامج السرية إلى معرفة التفاصيل، فيما شرعت مجموعة من الأصوات داخل وكالة الاستخبارات المركزية في التساؤل عن قدرة نظام المعتقلات السرية على البقاء في ظل الضغوط الدولية والداخلية، وبدأوا في صياغة الخطط البديلة للتعامل مع المتهمين. وفي ذلك الوقت كانت التحذيرات من الإرهاب قد أوقفت، واختفت عناصر الشرطة من نقاط التفتيش حول العاصمة، وتحولت واشنطن إلى قبلة سياحية يزورها الملايين من السياح ليغير العديد من أعضاء الكونجرس ''الديمقراطيين'' عبارة ''الحرب على الإرهاب''، واستبدلوها بلغة تركز على الحذر والمثابرة دون الإشارة إلى معركة عسكرية دائمة.
وفي 6 سبتمبر 2006 أعلن الرئيس بوش نقل 14 معتقلاً بارزاً من السجون السرية إلى جوانتنامو، وعلق برنامج وكالة الاستخبارات المشرف على المعتقلات السرية، وعلى مدى السنتين ونصف الأخيرتين وبعد سيطرة ''الديمقراطيين'' على الكونجرس وتراجع الدعم الشعبي للرئيس بوش ثم انخفاض العنف في العراق وتلاشي الخوف من هجوم إرهابي جديد، بدأ يعلو نقاش حاد حول تقنيات الاستنطاق المتبعة والسجون السرية، هذا النقاش الذي عكسه أوباما بشكل واضح في خطاب التنصيب عندما قال ''وبالنسبة لدفاعنا المشترك أرفض الاختيار بين سلامتنا ومثلنا''.