التكوينات السياسية والتحول الديمقراطي في اليمن
السبت, 29-مارس-2008
محمد العزي الحميري وطارق عبدالله ثابت - تعد التجربة اليمنية في مجال الديمقراطية والتعددية السياسية‏,‏ واحدة من أكثر التجارب العربية تميزا‏,‏ وتستند في ذلك إلي التمازج الواضح الذي شهدته هذه التجربة بين العملية الديمقراطية بمختلف جوانبها من جانب‏,‏ وبين التركيبة الاجتماعية للمجتمع اليمني من جانب آخر‏,‏ التي فرضت نفسها علي طبيعة التحول الديمقراطي‏,‏ الذي تعيشه اليمن‏,‏ مما أكسب هذه التجربة طابعا خاصا مستمدا من التراث الثقافي والحضاري للشعب اليمني‏.‏
وهو ما سنحاول إبرازه من خلال هذه الدراسة وذلك بتقسيمها إلي محورين أساسيين‏:‏ الأول‏:‏ يتعلق بواقع الخارطة السياسية و الحزبية اليمنية‏.‏ والثاني‏:‏ فيتناول القبيلة ودورها في الحياة السياسية اليمنية‏.‏

أولا‏:‏ واقع الخارطة السياسية والحزبية قبل قيام الوحدة‏:
ارتبط بروز وتطور الظاهرة الحزبية في اليمن‏,‏ ببدء ظهور الحركة الوطنية المعارضة لنظامي الحكم القائمين في كلا الشطرين قبل الوحدة‏-‏ تبعا لخصوصية التغيرات الحاصلة في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية‏,‏ ومن ثم السياسية في كل شطر منهما‏-‏ فمنذ النصف الثاني من عقد الثلاثينيات علي أقل تقدير‏-‏ برزت العديد من الجمعيات و التنظيمات الفكرية والسياسية شبه المنظمة‏,‏ الشطر الشمالي من اليمن‏(‏ كهيئة النضال ‏1935‏ والجمعية الأدبية لمحبي الأدب ‏1936,‏ وجمعية الإصلاح ‏1944)‏ وقد اتفقت في طروحاتها علي ضرورة إجراء إصلاح للنظام السياسي وتعديله‏-‏ في إطار حركة النقد السياسي والفكري القائمة‏-‏ بما يتناسب مع ما يحيط به من تطورات داخلية وخارجية‏,‏ ثم تطورت فيما بعد بسبب ازدياد حالات القمع والاضطهاد والتصفية الجسدية لعناصرها في ظل الحكم الإمامي‏-‏ تحت شتي المبررات‏-‏ إلي حركة رفض عنيفة للنظام‏,‏ اتخذت طابع العمل السياسي السري المنظم ونشطت في أوساط المدنيين والعسكريين علي السواء‏,‏ وقد مثل البعض منها امتدادا‏,‏ للتيار القومي النشط في الشطر الجنوبي من اليمن‏,‏ فبرز منها‏'‏ حزب البعث الاشتراكي ‏1958‏ وحركة القوميين العرب ‏1959‏ وحركة الضباط الأحرار‏1961',‏ وفي المقابل فقد شهدت الساحة السياسية في الشطر الجنوبي من اليمن عموما وعدن علي وجه الخصوص انفتاحا علنيا نسبيا‏,‏ كان له عظيم الأثر في تطور الحركة الوطنية في عموم البلاد‏,‏ وبرز منها أحزاب وحركات سياسية كـ‏'‏الجمعية الإسلامية‏'‏ (تيار إسلامي‏) والجمعية العدنية (تيار وطني) ‏1949,‏ وحركة القوميين العرب عام ‏1955‏ وحزب البعث الاشتراكي عام‏1956,‏ والحركة الناصرية‏‏ (تيار قومي‏),‏ والاتحاد الشعبي الديمقراطي‏1961'‏ (تيار يساري)(1).‏
وبمجيء عقد الستينيات وما تلاه دخلت الحركة الوطنية‏ منعطفا جديدا في العمل السياسي والحزبي‏,‏ ساهمت في ظهوره مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية بدرجات متفاوتة‏‏ عبر عنه ببروز ظاهرة الكتل الحزبية علي مستوي السلطة والمعارضة في كلا الشطرين‏,‏ من جراء اتفاق نظامي الحكم بعد الثورة علي وحدة ومركزية السلطة‏,‏ ونفي التعددية الحزبية‏,‏ مع المطالبة بالديمقراطية كأساس لإنجاز عملية التوحد الوطني‏(2).‏ واتخذت لها أشكالا ومسميات مختلفة‏,‏ لعل أبرزها ما يأتي‏:‏
‏(‏أ‏)‏ التنظيمات السياسية الرسمية‏:‏
‏1-‏ الشطر الشمالي‏:‏ برزت صيغة المؤتمر الشعبي برئاسة المشير عبد الله السلال رئيس الجمهورية عام ‏1964‏ وهو عبارة عن تنظيم سياسي بديل للأحزاب السياسية القائمة بكل اتجاهاتها‏,‏ تغيرت إلي صيغة الاتحاد اليمني في عهد الرئيس عبد الرحمن الأرياني عام ‏1973,‏ وأخيرا استقرت تحت صيغة المؤتمر الشعبي العام في عام‏1982(3).‏ واتسمت هذه المرحلة بحالة من الهدوء والاستقرار النسبي‏,‏ التي انعكست في بعض مظاهرها بتبني السلطة للصيغة الليبرالية غير المعلنة في التعامل مع باقي الأحزاب والقوي السياسية وإجراء انتخابات المجالس البلدية عام ‏1979‏ والنيابية‏ 'مجلس الشوري‏'‏ عام ‏1988,‏ وإنشاء العديد من المنظمات النقابية والعمالية والمهنية والجمعيات التعاونية‏(4).‏
‏2-‏ الشطر الجنوبي‏:‏ برزت صيغة الحزب الاشتراكي اليمني عام ‏1978,‏ باعتباره الصيغة النهائية لحالات الاندماج التنظيمي الحاصل بين فصائل الحركة الوطنية‏,‏ ابتداء بحركة القوميين العرب مع بعض القوي السياسية عام ‏1963(5).‏ ومرورا بظهور صيغة منظمة التحرير المكونة من‏'‏ حزب الشعب الاشتراكي ورابطة أبناء الجنوب اليمني وهيئة تحرير الجنوب اليمني المحتل في عام ‏1964‏ وانتهاء ببروز صيغة جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل من جراء اندماج الجبهة القومية ومنظمة التحرير عام ‏1966'‏ وفي‏30‏ نوفمبر‏1967‏ حصل الشطر الجنوبي من اليمن علي استقلاله من الاحتلال البريطاني‏,‏ واحتل الطابع الإيدولوجي مكانا بارزا علي الصعيد الداخلي لحكومة الاستقلال تجسد بالصراع بين قوي اليمين واليسار حول تحديد هوية النظام الجديد‏,‏ انتهي بتغلب الجناح اليساري في الجبهة القومية بعد حركة‏22‏ يونيو‏1969(6).‏ وبرزت أهم مظاهر هذه المرحلة في وضع برنامج شامل للإصلاحات السياسية والاقتصادية المزمع تحقيقها قطفت أولي ثمارها من خلال توسيع الممارسة الديمقراطية والحزبية داخل الحزب الاشتراكي‏(7).‏
(‏ب‏)‏ التنظيمات السياسية غير الرسمية‏:‏
‏1-‏ برزت في الشطر الشمالي في صورة أحزاب معارضة تعمل في الداخل‏,‏ تراوحت بين ثلاثة تيارات رئيسية‏:‏ الأول تيار قومي مثله كل من حزب البعث العربي الاشتراكي بجناحيه العراقي والسوري والحركة الناصرية‏,‏ والثاني تيار يساري‏,‏ مثله حزب الوحدة الشعبية والذي ضم في عضويته عدة فصائل وأحزاب سياسية‏,‏ والثالث‏:‏ تيار إسلامي‏,‏ مثله جماعة الإخوان المسلمين‏.‏
‏2-‏ أما أحزاب المعارضة في الشطر الجنوبي‏,‏ فقد شكلت جبهة واحدة‏'‏ التجمع القومي لجنوب اليمن‏'‏ والذي ضم في عضويته القوي والتنظيمات المعارضة في الخارج‏,‏ واتخذ من القاهرة مقرا له‏(8).‏

(‏ج‏)‏ واقع الخريطة السياسية بعد الوحدة‏:‏
جاء الإعلان عن إعادة توحيد شطري اليمن في‏22‏ مايو‏1990,‏ متلازما مع إعلان شريكي المنجز الوحدوي تبني النهج الديمقراطي والتعددية الحزبية كخيار رئيسي للتداول السلمي علي السلطة‏,‏ وهو ما مثل تتويجا نهائيا لمجمل التحولات والخطوات الإصلاحية السابقة‏.‏
ومن هنا فقد شهدت الساحة السياسية اليمنية ميلاد العديد من الأحزاب والتنظيمات السياسية‏,‏ التي أعلنت عن نفسها كأحزاب مستقلة‏,‏ مستندة في شرعيتها إلي دستور دولة الوحدة‏,‏ إما علي أساس أنها أحزاب قائمة تمارس العمل السياسي بصورة علنية كـ‏'‏ المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني‏'‏ أو أنها امتداد للأحزاب والتنظيمات المعارضة التي أنشئت قبل الوحدة بصورة غير دستورية والتي يأتي في مقدمتها الأحزاب المنظوية تحت راية التيارات القومية واليسارية والإسلامية‏-‏ كما أسلفنا سابقا‏-‏ أو أنها تشكلت في ظل الوحدة ودستورها‏(9).‏ وساهم حزبا السلطة في ظهورها‏,‏ كجزء من مخرجات اللعبة السياسية الدائرة في ظل ما اتفق علي تسميتها من قبل البعض بـ‏"سياسة تفريخ الأحزاب‏"(10).‏
إلا أنه بعد إعادة بلورتها‏ طبقا لمدي حضورها وفعاليتها في الساحة السياسية سواء علي مستوي السلطة أو خارجها حتي عام ‏2003,‏ برزت أربعة تيارات رئيسة،‏ كما يأتي‏(11):‏
‏1-‏ التيار الوطني مثله حزب المؤتمر الشعبي العام ومجموعة أخري من الأحزاب السياسية التي ظهرت في مطلع التسعينيات مثل التنظيم السبتمبري الديمقراطي‏,‏ حزب القوي الوحدودية اليمنية‏,‏ الجبهة الوطنية الديموقراطية‏,‏ حزب التجمع الوحدوي اليمني‏.‏ وقد برز المؤتمر الشعبي كحزب بعد فقدانه لطابعه الجبهوي الموحد‏,‏ من جراء خروج الأحزاب‏,‏ التي كانت منضوية تحت رايته إلي العلن‏,‏ وسعيها المتكرر نحو إعادة بناء هيكلها التنظيمي والفكري‏,‏ بما يتواءم مع التغيرات المحيطة‏.‏

‏2-‏ التيار اليساري مثله الحزب الاشتراكي اليمني ومجموعة أخري برزت في ظل الوحدة مثل‏'‏ الحزب الثوري اليمني‏,‏ تنظيم الطلائع اليمني‏,‏ جبهة التحرير‏,‏ حزب رابطة أبناء اليمن‏,‏ الجبهة الشعبية للإنقاذ‏,‏ منظمة فتيان اليمن‏,‏ حزب جبهة التحرير‏,‏ جبهة التصحيح الثوري‏..'.‏
‏3-‏ التيار الإسلامي أعلن عن نفسه عام‏1990,‏ ومثله ما يربو علي خمسة عشر حزبا وتنظيما سياسيا‏,‏ لكن معظمها قد انسحبت من الساحة أو ظل حضورها محدودا وموسميا‏,‏ باستثناء التجمع اليمني للإصلاح‏,‏ وهو عبارة عن‏'‏ تجمع يضم ثلاث قوي سياسية متحالفة‏,‏ هي الجناح القبلي الذي يشكل الهيئة العليا السياسية للتجمع‏,‏ وتيار الإخوان المسلمين الذي يشكل الجناح التنظيمي والفكري‏,‏ وشريحة التجار وأصحاب رؤوس الأموال‏.‏ إضافة إلي مجموعة أخري مثل‏'‏ حزب الحق الذي أعلن حل نفسه مؤخرا‏',‏ حزب العمل الإسلامي واتحاد القوي الشعبية و اتحاد القوي الإسلامية الثورية وحزب النهضة الإسلامي‏(12).‏
‏4-‏ التيار القومي مثلته مجموعة من الأحزاب والتنظيمات السياسية والتي يأتي في مقدمتها التنظيمات البعثية بجناحيها العراقي والسوري والتنظيمات الناصرية‏(13).‏ التي يربو عددها عن الـ‏13‏ حزبا‏,‏ اكبرها التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري‏,‏ بالإضافة إلي مجموعة أخري مثل‏'‏ التنظيم الشعبي التقدمي العربي‏,‏ الحزب القومي الاجتماعي‏,‏ حزب الوحدة القومي العربي‏...'.‏
‏(‏د‏)‏ الأحزاب السياسية وواقع المشاركة السياسية في الانتخابات‏:‏
سوف يجري التركيز هنا علي بعض المؤشرات ودلالاتها المأخوذة من تجربتي الانتخابات النيابية والمحلية‏,‏ نظرا لما مثلته من عامل حاسم في مدي جدية وفعالية التنظيمات والأحزاب العاملة في الساحة‏,‏ سواء من حيث المشاركة في معظم مراحل العملية الانتخابية من‏ '‏إعداد‏,‏ وإشراف‏,‏ وتقديم برامج انتخابية‏,‏ ومرشحين‏'‏ أو من خلال ما حصلت عليه من مقاعد تحت قبة البرلمان والمجالس المحلية مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك مجموعة من العوامل والمتغيرات الداخلية والخارجية‏,‏ التي شكلت بمجملها البيئة التي تفاعلت في ظلها الأحزاب مع بعضها البعض سواء أكان ذلك في السلطة أو في المعارضة سلبا أو إيجابا‏,‏ ومن خلال هذا التفاعل تم وضع المعالم الرئيسية الحاكمة للعملية السياسية‏,‏ والتي يبرز منها علي المستوي الداخلي السمات الآتية‏:‏
‏-‏ معاناة معظم الأحزاب السياسية من أزمات داخلية مستفحلة‏,‏ كانت سببا وراء الانقسامات المتكررة‏.‏
-‏ استمرار هيمنة السلطة التنفيذية علي بقية السلطات‏,‏ وتنامي قوة وفعالية القيود والضوابط الدستورية والقانونية المحددة لمبدأ تداول السلطة‏,‏ وكذا لقدرة هذه الأحزاب علي ممارسة وظائفها وأدوارها المنوطة بها‏,‏ وتغلغلها الجماهيري‏,‏ وهو ما أفضي‏-‏ في المحصلة النهائية‏-‏ إلي إفراغها من مضمونها الحقيقي‏,‏ وتماثل برامجها وضيق مساحة تحركها‏,‏ وبالتالي بقاءها أسيرة للأزمات‏.‏
-‏ تحول الساحة السياسية إلي ميدان للمنافسة بين الأحزاب السياسية الثلاثة الفاعلة‏,‏ مستفيدة من ذلك مما تستحوذ عليه من إمكانات‏,‏ وحضور فاعل في الحياة السياسية اليمنية‏(14).‏
-‏ ومن واقع ما أحرزته تجربة الانتخابات النيابية الثلاثة في الأعوام ‏1993,‏ و‏1997‏ و‏2003,‏ والمحلية عام‏2001,‏ من نتائج ودلالات‏,‏ مع الأخذ بنظر الاعتبار مجمل الظروف المحيطة بكل دورة انتخابية علي حدة‏,‏ يتضح لنا ما يأتي‏:‏
‏1-‏ إن مدخلات ومخرجات عملية الانتخابية النيابية الأولي لعام ‏1993,‏ قد مثلت المحطة الرئيسية‏,‏ التي رسمت المعالم الرئيسية للواقع السياسي اليمني‏,‏ وحددت مساره طوال الـ‏13‏ سنة من حيث‏:‏
أ‏-‏ لم يتعد عدد الأحزاب التي تقدمت ببرامج انتخابية ومرشحين الـ‏14‏ حزبا‏,‏ بالإضافة إلى ‏7‏ أحزاب أخري تقدمت بمرشحين دون برامج من إجمالي عدد الأحزاب التي حظيت بتزكية قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية الصادر عام‏1991‏ طوال الـ ‏13‏ سنة‏,‏ وفي حين بلغ عدد المرشحين في الإجمالي نحو الـ‏(4781)‏ مرشحا‏,‏ إلا أن الأحزاب لم تحظ منها‏,‏ إلا بأقل من الثلث‏.‏ أما باقي الأحزاب الـ‏25,‏ فقد بقيت خارج العملية الانتخابية وعلي هامش الحياة السياسية‏.‏
ب‏-‏ إن مخرجات هذه العملية قد أعادت رسم الخارطة السياسية لـ‏21‏ حزبا‏,‏ وتصنيفها عموديا إلي أحزاب مركزية فاعلية حصلت علي أعلي عدد من المقاعد ‏(‏مؤتمر‏,‏ اشتراكي‏,‏ إصلاح‏)‏ وأحزاب فاعلية نسبيا يأتي في مقدمتها‏-‏ حزب البعث العربي الاشتراكي القومي التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري‏,‏ وأخري هامشية غير فاعلة التي لم تحظ بأية مقاعد‏.‏
جـ‏-‏ إن بروز ظاهرة المستقلين وارتفاع نسبة مرشحيهم إلي أكثر من‏72%‏ من إجمالي عدد المرشحين‏,‏ فضلا عن حصولهم علي الترتيب الرابع تحت قبة البرلمان‏,‏ قد ألقي بظلاله علي مدي جدية العملية السياسية والقائمين عليها في آن واحد‏.‏
أما مدخلات ومخرجات العملية الانتخابية النيابية للأعوام‏1997‏ و‏2003,‏ فعلي الرغم من أنها مثلت تتويجا فعليا لمخاض عسير من علاقات التجاذب والتناحر بين الأحزاب‏,‏ إلا أنها بحد ذاتها مثلث حدا فاصلا بين مرحلتين‏,‏ حسمتا لصالح تفرد حزب المؤتمر الشعبي العام‏,‏ بحصوله علي الأغلبية المريحة بدون منافس وقطعتا الطريق‏-‏ نهائيا‏-‏ أمام أية آمال تنشدها أحزاب المعارضة للوصول إلي سدة السلطة‏,‏ أو المشاركة فيها مرة أخري‏,‏ وبصورة انتقلت معها مجمل اهتمامات هذه الأحزاب إلي الاكتفاء بالمشاركة في إنضاج العملية السياسية بعيدا عن موضوع التداول السلمي للسلطة في ظل الاختلال الحاد في التوازن السياسي القائم‏,‏ومن هنا يمكننا أن نسجل بعض المؤشرات التي لها دلالاتها في هذا الشأن‏:‏
‏-‏ بلغ عدد الأحزاب المشاركة في انتخابات ‏1997‏ حوالي‏12‏ حزبا فقط بسبب مقاطعة بقية الأحزاب لها وعلي رأسها الحزب الاشتراكي اليمني‏,‏ شارك فيها قرابة الـ ‏2125‏ مرشحا‏,‏ حظي المستقلون علي نسبة مرتفعة فيها‏,‏ وجاءوا في المرتبة الثانية تحت قبة البرلمان‏,‏ في حين تراجع التجمع اليمني للإصلاح إلي الترتيب الثالث‏.‏
-‏ وبمشاركة الـ ‏21‏ حزبا المتواجدة في الساحة السياسية في انتخابات عام ‏2003 ‏إلى جانب المستقلين‏,‏ فإن عدد المرشحين لم يتعد الـ ‏1396‏ مرشحا. وفي هذه الانتخابات استعاد التجمع اليمني للإصلاح موقعه بعد المؤتمر الشعبي العام تحت مظلة البرلمان‏,‏ فقد تراجع المستقلون والحزب الاشتراكي إلي المرتبة الثالثة والرابعة علي التوالي‏.‏
وفي حين جاءت نتائج عملية الانتخابات المحلية المنعقدة عام‏2001‏ لتمثل العامل المؤثر والحاسم وإن لم نقل الأكثر أهمية في الكشف عن واقع الحضور السياسي لهذه الأحزاب‏-‏ بعد مرور عشرة أعوام‏-‏ إذا من بين الـ‏(401)‏ و‏(6213)‏ مقعدا هي مقاعد المجالس المحلية في المحافظات والمديريات علي التوالي‏.‏ لم تحظ أحزاب المعارضة‏,‏ مجتمعة منها إلا علي الثلث فقط ومن بين ثلث هذه المقاعد‏,‏ حاز التجمع اليمني للإصلاح والمستقلون علي أكثر من‏90%‏ منها‏,‏ وهو ما أعطي مؤشرا أكثر دقة عن مدي فعالية وحجم الأحزاب والتنظيمات العاملة في الساحة السياسية‏.‏ أما مقاعد المجالس المحلية فقد انحصرت في المحافظات بين ثلاثة أحزاب متنافسة فقط فضلا عن المستقلين‏,‏ أما في المديريات فقد أنحصرت المجالس المحلية بين‏(9)‏ أحزاب متنافسة والمستقلين‏,‏ وقد تراوح حجم الفجوة بين الفوز بـ ‏3771‏ مقعدا للمؤتمر الشعبي العام وبين الفوز بـ ‏1:7‏ مقاعد لأحزاب المعارضة‏.‏
وبنظرة عامة متفحصة في مجمل هذه النتائج نستطيع الخروج ببعض المؤشرات الدالة في هذا الشأن‏-‏ كما يأتي‏:‏
‏1-‏ إن هذه النتائج قد جاءت في ضوء التغير الجوهري الحاصل في قواعد اللعبة السياسية القائمة يبن أحزاب السلطة والمعارضة‏,‏ لعل أبرز مؤشراته ما يأتي‏:‏
أ‏-‏ تغير صيغة المعادلة السياسية الحاكمة للتنافس الحزبي‏-‏ وفق ما يلي‏:‏
-‏ مؤتمر‏-‏ اشتراكي‏1990- 1993.‏
-‏ مؤتمر‏-‏ إصلاح‏-‏ اشتراكي‏1993- 1994.‏
-‏ مؤتمر‏-‏ إصلاح ‏1994- 1997.‏
-‏ مؤتمر‏1997- 2003‏ وحتى الآن‏.‏
ب‏-‏ بروز أشكال مختلفة من الصيغ التفاعلية بين أحزاب المعارضة تبعا للمعادلة أعلاه وكما يلي‏(15):
‏-‏ اتفاق تنسيق بين إصلاح‏.‏ بعث‏,‏ ثم بين إصلاح‏-‏ بعث‏-‏ ناصري‏1991-1993.‏
-‏ التكتل الوطني للمعارضة عام‏1994‏ القريب من الحزب الاشتراكي اليمني‏-‏ ضم في عضويته كلا من‏(‏ التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري‏,‏ التجمع اليمني الوحدوي‏,‏ رابطة أبناء اليمن‏(‏ رأي‏),‏ حزب الحق‏,‏ اتحاد القوي الشعبية‏),‏ وفيما بعد برز تحت مسميات أخري مثل‏:‏ مجلس التنسيق الأعلي لأحزاب المعارضة عام‏1995,‏ ضم في عضويته ‏8‏ أحزاب هي ‏(‏الحزب الاشتراكي‏,‏ حزب البعث العربي الاشتراكي القومي‏,‏ التنظيم الوحدوي الناصري‏,‏ حزب الحق‏,‏ التجمع اليمني الوحدوي‏,‏ اتحاد القوي الشعبية‏,‏ اتحاد القوي الوطنية‏,‏ حزب الأحرار الدستوري‏),‏ إلا أنه نتاجا لازدياد حدة الخلافات في المواقف‏,‏ جمد بعض أعضائه أنفسهم إلى ما بعد الانتخابات النيابية لعام ‏1997,‏ بعدها عادت بعض الأحزاب للعمل من خلاله‏,‏ وعددها ‏5‏ أحزاب هي‏(‏ الحزب الاشتراكي‏,‏ التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري‏,‏ حزب البعث العربي الاشتراكي القومي‏,‏ حزب الحق‏,‏ اتحاد القوي الشعبية‏).‏
-‏ صيغة اللقاء المشترك عام ‏1996,‏ ضم في عضويته‏ (‏مجلس التنسيق الأعلي لأحزاب المعارضة‏+‏ الإصلاح‏).‏
-‏ الائتلاف الديمقراطي للمعارضة عام ‏1994‏ ضم في عضويته عددا من الأحزاب المتعاطفة مع المؤتمر الشعبي العام‏,‏ الذي أعيد تشكيله تحت اسم المجلس الوطني للمعارضة عام ‏1995,‏ وضم في عضويته كلا من‏(‏الحزب الديمقراطي الناصري‏,‏ التصحيح الشعبي الناصري‏,‏ الجبهة الوطنية الديمقراطية‏,‏ حزب جبهة التحرير‏,‏ الحزب القومي الاجتماعي‏,‏ حزب الرابطة اليمنية‏,‏ حزب البعث العربي الاشتراكي‏(‏ الذي جمد عضويته فيما بعد‏).‏
‏2-‏ أما بالنسبة لمؤشر بروز تكتل المستقلين‏,‏ فإن خط سير العملية الانتخابية برمتها‏,‏ قد أكد حجم حضورهم السياسي الذي لا يمكن تجاهله‏‏ بالرغم من التراجع النسبي والحاد سواء في عدد مرشحيهم للانتخابات‏ من حيازته على ما يقارب من ثلثي إجمالي عدد المرشحين في انتخابات ‏1993,‏ إلى النصف في انتخابات ‏2003,‏ أو في نسبة عدد المقاعد التي فازوا بها من ‏15%‏ إلى ‏4.7%‏ في انتخابات‏1993‏ و‏2003‏ على التوالي‏.‏
‏3-‏ إضافة إلي ما توحي به بعض المؤشرات من دلالات إيجابية وسلبية لعل أبرزها‏:‏
-‏ تراجع عدد المرشحين‏(‏الحزبيين‏/‏ غير الحزبين‏)‏ في انتخابات ‏1993‏ و‏2003‏ من ‏4781‏ مرشحا إلى ‏1307‏ مرشح‏.‏
-‏ عودة الأحزاب السياسية الـ ‏21‏ للعمل ضمن الأطر الرسمية بعد فترة انقطاع لـ ‏9‏ أحزاب‏.‏
-‏ انعدام القدرة التنافسية لأحزاب المعارضة مع بعضها البعض من جهة وفيما بينها وبين الحزب الحاكم من جهة أخري طوال الدورة الحالية‏.‏

ثانيا‏: القبيلة ودورها في الحياة السياسية اليمنية‏
لعبت القبيلة في اليمن منذ بداية وجودها‏,‏ وعبر تاريخها الطويل‏,‏ الممتد في عمق التاريخ اليمني‏,‏ دورا فاعلا ومؤثرا في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية اليمنية‏,‏ وتتميز التكوينات القبلية في المجتمع اليمني‏,‏ بطبيعتها المنفرة كجماعات مرتبطة بالأرض‏,‏ حيث يعيش معظم رجال القبائل في مناطق ريفية أو شبه ريفية‏,‏ ويعمل معظمهم بالزراعة‏,‏ وقد أدت سياسة الإغراق وعدم الانفتاح علي العالم التي فرضت علي المجتمع اليمني‏,‏ إلي عرقلة تطوره ونموه الثقافي والسياسي‏(16).‏
وتستند القبيلة اليمنية في وجودها علي عدد من العوامل التي أسهمت في بقائها من أبرزها قوة الاعتقاد بصلة الدم والنسب المشترك‏,‏ والارتباط الدائم والإقامة في رقعة جغرافية تسمي باسم القبيلة‏,‏ والمشاركة في البحث عن مصادر اقتصادية مشتركة‏,‏ وفرض وجودها بقوة علي خريطة التوازنات السياسية في الساحة اليمنية‏(17).‏
مما جعل الظاهرة القبلية في المجتمع اليمني‏,‏ تتميز بخاصيتين أساسيتين هما‏:‏ حضور سياسي داخل بناء القوة الرسمي‏.‏ والاحتفاظ ببناء قوي قادرة علي مواصلة النمو الذاتي‏(18).‏


(‏أ‏)‏ القبلية والمشاركة السياسية‏:‏
وفقا لمعيار طبيعة الظروف السياسية والاقتصادية والثقافية المحيطة بالتفاعلات السياسية في الساحة اليمنية بأبعادها الداخلية والخارجية‏,‏ فإنه سوف يتم النظر إليها من خلال بعدين‏:‏
أولا‏:‏ القبيلة اليمنية والمشاركة السياسية قبل الوحدة‏:‏ لم يعرف المجتمع المدني في اليمن أثناء فترة التشطير أي نوع من الممارسة الديمقراطية في الحرية والمشاركة السياسية‏,‏ حيث أن الأنظمة التي تولت الحكم في أي من الشطرين كانت مختزلة في شخصية القائد‏,‏ أو من خلال أحد الأشكال السياسية الأحادية الرأي‏(19).‏
وقد كانت الحزبية مجرمة في الشطر الشمالي من اليمن‏(‏ سابقا‏)‏ لدرجة أن الأنظمة السياسية المتوالية والمستمدة ثقافتها السياسية من ثقافة المجتمع التقليدي القبلي‏,‏ كانت ترفع شعار أن الحزبية تبدأ بالعمالة وتنتهي بالخيانة‏(20).‏
إلا أن ذلك لا ينفي قيام عدد من الأحزاب في إطار العمل السري‏,‏ بتجنيد عدد من مشايخ القبائل والقيادات العسكرية في صفوفها‏,‏ ثم التأثير من خلالهم في خارطة التفاعلات السياسية التي شهدتها الساحة اليمنية‏,‏ ويأتي في مقدمة تلك الأحزاب ‏(حزب البعث‏),‏ وفي نفس الاتجاه مثل الدعم السعودي للعديد من المشايخ المؤثرين‏,‏ عامل تأثير علي التوجهات السياسية للأنظمة الحاكمة المتعاقبة في شطر اليمن‏'‏ الشمالي‏',‏ وفي المقابل فقد فشلت الأحزاب ذات التوجه الماركسي‏,‏ من الاستقرار في المناطق الشمالية‏,‏ بسبب تهمة الإلحاد التي وصفت بها‏,‏ وكذا شحة الإمكانيات التي كانت تبذلها للمشائخ‏(21).‏
أما في الشطر الجنوبي من اليمن ‏(‏سابقا‏)‏ فقد أخذ تأسيس الدولة الجديدة بعد الاستقلال في‏30‏ نوفمبر‏1967,‏ بعدا أيديولوجيا ثوريا‏,‏ واحتل الطابع الأيديولوجي مكانا بارزا علي الصعيد الداخلي‏,‏ تجسد بالصراع بين قوي اليمين واليسار حول تحديد هوية النظام الجديد‏,‏ والذي انتهي بتغلب الجناح اليساري في الجبهة القومية‏,‏ بعد حركة ‏22‏ يونيو‏1969(22).‏ وإذا كان قد تم إدماج الأحزاب والتيارات السياسية في إطار الحزب الاشتراكي اليمني‏,‏ والذي نشأ متجاوزا الواقع التقليدي للمجتمع اليمني‏,‏ فقد انتهي إلي قبائل ممزقة بين عدة ولاءات شخصية ومناطقية‏(23)‏ وصراعات داخل أجنحته المختلفة ذات الميول المناطقي والقبلي‏,‏ وصولا إلي حدوث مجازر دموية عبرت عنها أحداث ‏13‏ يناير‏1916(25).‏
ثانيا‏:‏ القبيلة ودورها في المشاركة السياسية بعد قيام الوحدة‏:‏ لم يأخذ التحول الديمقراطي الذي تنبأ به‏'‏ صامويل هانتنجتون من خلال ما كتبه عن الموجة الثالثة من التحول الديمقراطي في أواخر القرن العشرين‏(24).‏ طريقه إلي التطبيق العملي لدي الكثير من بلدان العالم الثالث ومنها اليمن‏,‏ إلا في أعقاب تغيير التوازن الدولي لصالح المعسكر الغربي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي‏,‏ واتجاه الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة نحو نشر المفاهيم الغربية عن الديمقراطية وحقوق الإنسان‏,‏ وهي القضايا التي لم تكن واردة بشكل كبير في مفردات السياسة الخارجية للولايات المتحدة خلال مرحلة الحرب الباردة‏,‏ ولم تكن القيادة اليمنية بعيدة عن إدراك أهمية الأخذ بالمبادئ الديمقراطية في مساعيها نحو إعادة تحقيق الوحدة اليمنية وذلك لتحقيق هدفين أساسيين‏:‏ الأول‏:‏ إيجاد صيغة مناسبة للعمل السياسي المشترك في ظل دولة الوحدة‏,‏ يضمن لكلا النظامين في الشطرين قبل الوحدة حرية مواصلة توجهاتهما السياسية المختلفة‏.‏ الثاني‏:‏ مواكبة الموجة الديمقراطية التي أفرزتها المتغيرات الدولية‏.‏
مما يعطي انطباعا بأن ارتباط الوحدة اليمنية عضويا بالتعددية الحزبية والتداول السلمي للسلطة‏,‏ والممارسة الديمقراطية‏,‏ لم يكن في الأساس قرارا مفروضا من الخارج‏,‏ وإنما كان يعكس المخاوف التي ارتبطت بتوقيع اتفاقية الوحدة‏,‏ واعتبرت بمثابة صمام أمان وحماية للنظامين الشطرين السابقين‏,‏ وهو ما يجعلنا نرجح أن الأخذ بالقيم الديمقراطية واحترام التعددية الحزبية‏,‏ إنما جاءت مواكبة لميلاد دولة الوحدة‏,‏ ولم تكن لتعبر عن نتاج تراكم طبيعي في البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية في كلا الشطرين قبل ذلك الوحدة ‏(26).‏
وقد عكس هذا الواقع نفسه علي الخارطة الحزبية في الفترة الأولى لقيام الوحدة بإعلان أكثر من ‏46‏ حزبا وتنظيما سياسيا عن نفسها‏,‏ كما اندفع كثير من المواطنين لتأسيس العديد من منظمات المجتمع المدني الطوعية والتي وصلت عام ‏2000‏ إلى ‏2786‏ منظمة وجمعية ونقابة في مقابل ‏286‏ فقط عام ‏1990(27).‏
وقد شكل التحول الديمقراطي والأجواء المفعمة بالتعددية السياسية‏,‏ عامل دفع لمشايخ ورموز القبائل في الانضمام للموكب الديمقراطي واحتوائه من خلال المشاركة بالإعلان عن ميلاد وقيادة عدد من الأحزاب والتنظيمات السياسية‏,‏ كما شاركوا في إنشاء بعض منظمات المجتمع المدني‏,‏ وبالنظر لطبيعة مشاركة رموز القبيلة في التعددية السياسية‏,‏ فقد ترأس الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر تكوين أكبر حزب يمني معارض هو حزب التجمع اليمني للإصلاح‏,‏ والذي يضم شريحة واسعة من مشايخ القبائل ورموز تيار الإسلام السياسي في اليمن‏,‏ كما انضم الشيخ مجاهد أبو شوارب في بداية مرحلة التعددية إلي حزب البعث‏,‏ و توزع عدد من المشايخ علي الأحزاب السياسية الأخري‏(28).‏ والتي يأتي على رأسها المؤتمر الشعبي العام‏.‏
فالقبيلة مازالت هي العنصر الأقوي في التركيبة الاجتماعية في اليمن‏,‏ وإذ كانت الأحزاب قد سعت لاستخدام القبائل لمآربها السياسية‏,‏ فإن القبائل قد سعت هي الأخري للاستفادة من الأحزاب في مراكز السلطة‏,‏ لتحقيق مشاريعها ومتطلباتها‏,‏ إلا أن ذلك لا ينفي حقيقة أن الغلبة ما زالت للقبيلية‏(29).‏ مما دفع بالكثيرين للاتجاه نحو محاولة التخفيف من حدة الهيمنة القبلية علي الأحزاب والتنظيمات السياسية وقيادتها لها‏,‏ بالرغم من الشوط الذي قطعته الأحزاب اليمنية في خلق أطر وطنية‏,‏ بدأت تتجاوز المناطق والتجمعات التقليدية والعشائرية‏(30).‏
(‏ب‏)‏ القبلية اليمنية والتفاعلات السياسية‏:‏
تمثل تجربة المشاركة السياسية أحد أضلاع المثلث الديمقراطي‏,‏ من خلال التصويت والفاعلية في الدورات الانتخابية التي بدأت مع مسيرة الوحدة‏,‏ وفي إطار المشاركة السياسية من خلال الانتخابات فإن وجود القبائل ونسبتهم في أي حزب‏,‏ هو مصدر نجاحه الانتخابي‏,‏ وتبلغ نسبة القبائل في اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام‏ (43%)‏ وكانت نسبتهم في انتخابات ‏1993(69%)‏ من إجمالي مرشحي المؤتمر الشعبي العام‏,‏ أما حزب البعث فقد شكل المشايخ المكون الأساسي له وكان من بين أهم رموزه الشيخ مجاهد أبو شوارب‏,‏ وبفضل ذلك استطاع الحزب أن يحصل على‏(7)‏ مقاعد في انتخابات‏1993,‏ أما حزب الإصلاح فقد اختار أحد الزعامات القبلية رئيسا له وهو الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر‏,‏ وبلغت نسبة التمثيل القبلي في الهيئة العليا المنبثقة عن المؤتمر العام الثاني للإصلاح ‏(25%)(31).‏
أما عن حجم التأثير الذي تمارسه القبيلة من خلال مشاركتها في العملية السياسية‏,‏ فإن ذلك يظهر في عدد أعضاء مشايخ القبائل الذين احتلوا مقاعد مجلس النواب‏,‏ حيث تمكن عدد كبير من شيوخ القبائل من الوصول إلي مجلس النواب بنصيب تجاوز نصف قوام المجلس البالغ ‏(301)‏ عضوا‏,‏ أما إذا ما تم الانتقال إلي انتخابات المجالس المحلية والتي أجريت في شهر فبراير‏2001,‏ فإنه بالرغم من ضعف المشاركة السياسية لدي المواطنين بصفة عامة‏,‏ فإن هذه الانتخابات قد أسفرت عن ميلاد قطاع عريض من المشايخ وأبنائهم المبتدئين في مسيرة العمل السياسي‏(32).‏

قائمة الهوامش‏ والمراجع:‏
‏1-‏ للمزيد ينظر في ذلك‏:‏ د‏.‏ بلقيس أحمد الصايدي‏,‏ حركة المعارضة اليمنية‏, (بيروت‏:‏ دار الأداء‏,1983).‏ وعبد الله الذيفاني‏,‏ الاتجاه القومي في حركة الأحرار اليمينيين‏1918-1948,‏ (صنعاء‏:‏ مركز الدراسات والبحوث اليمني‏, 1986).‏ وأحمد عطية المصري‏,‏ النجم الأحمر فوق اليمن‏,(‏بيروت‏:‏ مؤسسة الأبحاث العربية‏,1988).‏
‏2-‏ وهو ما اتضح أكثر في نصوص ومضمون اتفاقية القاهرة عام‏1972,‏ التي تضمنت مشروعا بذلك‏-‏ تقدم به الطرفان‏-‏ مع بقاء مفهوم التعددية الحزبية غير واضح‏,‏ ثم اتفاقهما علي إنشاء لجنة التنظيم السياسي الموحد عام‏1981,‏ تنفيذا لما جاء في بيان طرابلس في نفس العام ينظر في ذلك‏:‏ أحمد جمال شمسان وآخرون‏,‏ التعدية الحزبية والتحول الديمقراطي في اليمن‏1993-2003,‏ بحث‏(‏غ‏.‏م‏)‏ مقدم إلى قسم العلوم السياسية‏-‏ جامعة القاهرة‏, 2005,‏ ص‏6.‏
‏3-‏ عبد الكريم الحطاب‏,‏ ظاهرة الاستقرار السياسي في الجمهورية العربية اليمنية‏,‏ رسالة دكتوراه‏(‏غ‏.‏م‏), (‏جامعة القاهرة‏,‏ كلية الاقتصاد والعلوم السياسية‏, 1986),‏ ص‏243.‏
‏4-‏ أحمد جمال شمسان وآخرون‏,‏ مرجع سابق‏,‏ ص‏9.‏
‏5-‏ التقرير الاستراتيجي اليمني لعام ‏1997,(‏ صنعاء‏:‏ المركز اليمني للدراسات الإستراتيجية‏, 1997),‏ ص‏55.‏
‏6-‏ د‏.‏ بلقيس محمد جمال‏,‏ حركة القوميين العرب‏, (‏دمشق‏:‏ المركز العربي للدراسات الإستراتيجية‏, 1997),‏ ص‏366‏ ينظر كذلك‏:‏ محمد العزي عبد الحق الحميري‏,'‏ تأثير المتغيرات الدولية علي العلاقات اليمنية‏-‏ الأمريكية‏'‏، رسالة ماجستير غير منشورة‏ (‏القاهرة‏:‏ معهد البحوث والدراسات العربية‏,‏ قسم العلوم السياسية‏,2003)‏، ص ص‏110-111.‏
‏7-‏ أحمد جمال شمسان وآخرون‏,‏ مرجع سابق ص‏9.‏
‏8-‏ المرجع نفسه‏,‏ ص‏6.‏
‏9-‏ أحمد محمد الهياجم‏,‏ التشكيلات الوزارية في الجمهورية اليمنية‏1990-2005,‏ رسالة ماجستير‏(‏غ‏.‏م‏), (القاهرة‏:‏ معهد البحوث والدراسات العربية قسم العلوم السياسية‏, 2006),‏ ص‏18.‏ وتشير بعض المصادر الرسمية إلى أن عددها قد وصل الـ ‏46‏ حزبا وتنظيما سياسيا‏,‏ قبل صدور قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية عام ‏1991,‏ الذي عمل علي ترشيدها من خلال القوانين أو الممارسة إلي قرابة ‏21‏ حزبا‏.‏ ينظر في ذلك‏:‏ المرجع نفسه‏,‏ ص ص‏15-16.‏
‏10-‏ أحمد الهياجم‏,‏ مرجع سابق‏,‏ ص‏25.‏
‏11-‏ ينظر في ذلك‏:‏ المرجع نفسه‏,‏ ص‏25‏ وص ص‏38-30.‏ وأحمد أحمد الشرعبي وآخرون‏,‏ الدورة الانتخابية الكاملة‏,‏ سلسلة كتب‏(4), ( صنعاء‏:‏ المركز العام للدراسات والبحوث والإصدار‏,(‏ ب‏.‏ت‏),‏ ص‏15‏ وص‏43.‏

‏12-‏ بالإضافة إلي أحزاب أخري مثل حزب الشوري‏,‏ حزب المنبر اليمني الحر‏,‏ حركة النهضة‏,‏ حزب الله‏,‏ الرابطة الشرعية‏,‏ الحزب الإسلامي الديموقراطي‏,‏ حركة التوحيد والعمل الإسلامي‏,‏ جمعية الحكمة‏,‏ التنظيم السروري‏,‏ جماعة مقبل الوادعي‏..‏ ينظر في ذلك‏:‏ د‏.‏ فارس السقاف‏,‏ الحركات الإسلامية والعنف في اليمن‏,‏ في‏:‏ اليمن والعالم‏, (‏صنعاء‏:‏ مركز دراسات المستقبل‏,2002),‏ ص ص‏404-421.‏
‏13-‏ تشير التقارير الرسمية في هذا الشأن إلي هذه الأحزاب والتنظيمات السياسية‏ (‏التنظيم الناصري الحر‏,‏ تنظيم التصحيح الشعبي الناصري‏,‏ التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري‏,‏ تنظيم الطلائع الوحدوية الناصرية‏,‏ الحزب الناصري الديمقراطي‏,‏ منظمة الصقور الناصرية‏,‏ الطلائع الوحدوية الناصرية‏,‏ منظمة المرابطين الناصريين‏,‏ الحركة الشعبية الناصرية‏,‏ جبهة التصحيح الديمقراطية الوحدوية‏)‏ ينظر في ذلك حزام عبد الله الديب‏,‏ الحرية السياسية في اليمن‏, (صنعاء‏:‏ مكتبة خالد بن الوليد‏, 2003),‏ ص ص‏141-142.‏ والتقرير الاستراتيجي اليمني لعام ‏1997, (‏صنعاء‏:‏ المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية‏, 1998),‏ ص‏63.‏
‏14-‏ للمزيد من التفاصيل ينظر في ذلك التقرير الاستراتيجي اليمني لعام ‏2002, (‏صنعاء‏:‏ المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية‏, 2003),‏ ص ص‏54-56.‏
‏15-‏ المرجع نفسه‏,‏ ص ص‏71-73.‏
‏16-‏ سمير العبدلي‏,'‏الثقافة السياسية الديمقراطية للقبائل اليمنية‏',‏ رسالة دكتوراه غير منشورة‏, (‏القاهرة‏:‏ معهد البحوث والدراسات العربية‏,‏ قسم العلوم السياسية‏, 2003)‏، ص ص‏53-55.‏
‏17-‏ المصدر السابق‏,‏ ص ص‏57-58.‏
‏18-‏ عبد الملك المقرمي‏,'‏ بناء القوة في المدينة اليمنية‏'‏، رسالة دكتوراه غير منشورة‏, ( القاهرة‏:‏ جامعة القاهرة‏,‏ كلية الآداب‏, 1986),‏ ص ص‏167-168.‏

‏19-‏ محمد الصبري وآخرون‏,'‏ ندوة الديمقراطية والأحزاب في اليمن‏..‏ الواقع‏..‏ الأفاق المستقبلية‏' (صنعاء‏:‏ مركز دراسات المستقبل‏, 1998),‏ ص‏148.‏
‏20-‏ محمد محسن الظاهري‏,‏ الدور السياسي للقبلية في الجمهورية العربية اليمنية‏1962-1990'‏، رسالة ماجستير غير منشورة‏, (القاهرة‏:‏ جامعة القاهرة‏,‏ كلية الاقتصاد والعلوم السياسية‏, 1995),‏ ص‏178.‏
‏21-‏ إلهام محمد مانع‏,'‏ الأحزاب والتنظيمات السياسية في اليمن‏1948-1993'‏ مجلة الثوابت‏ (‏صنعاء‏:‏ الأفاق للطباعة والنشر‏,1994),‏ ص‏23.‏
‏22-‏ محمد العزي عبد الحق الحميري‏,‏ مرجع سابق‏,‏ ص‏111.‏
‏23-‏ رياض الريس‏,‏ رياح الجنوب‏: اليمن ودوره في الجزيرة العربية‏1990-1997, (‏ بيروت‏:‏ رياض الريس للكتب والنشر‏,‏ سبتمبر‏1998),‏ ص‏314.‏
‏24-‏ محمد العزي عبد الحق الحميري‏,‏ مصدر سابق‏,‏ ص‏122.‏
‏25-‏ صامويل هانتجتون‏,‏ الموجة الثالثة التحول الديمقراطي في أواخر القرن العشرين‏,‏ ترجمة‏:‏ عبد الوهاب علوب‏ (‏الكويت‏:‏ دار سعاد الصباح‏, 1993),‏ ص‏9.‏
‏26-‏ محمد العزي عبد الحق الحميري‏,‏ مصدر سابق‏,‏ ص ص‏160-161.‏
‏27-‏ تقرير التنمية البشرية‏2000-2001, (‏صنعاء‏:‏ وزارة التخطيط والتنمية‏, 2001),‏ ص‏26.‏
‏28-‏ سمير العبدلي، مصدر سابق‏,‏ ص‏99-100.‏
‏29-‏ رياض الريس‏,‏ مصدر سابق‏,‏ ص ص‏296-297.‏
‏30-‏ سمير العبدلي‏،‏ مصدر سابق‏,‏ ص‏100.‏
‏31-‏ بلقيس أبو اصبع‏,‏ الأحزاب السياسية والتحول الديمقراطي في اليمن‏ (‏القاهرة‏:‏ مكتبة مدبولي‏,2004),‏ ص ص‏271-272.‏
‏32-‏ سمير العبدلي‏,‏ مصدر سابق‏,‏ ص ص‏103-104.‏