اتجاهات ومحددات تطوير العلاقات الصينية-العربية 2005 - 2010
الخميس, 20-مارس-2008
العلاقات الصينية العربية
جـواد الحـمد -

مدير مركز دراسات الشرق الأوسط-الأردن

تحولات مؤثرة في علاقات الطرفين
في عصر الهيمنة الأمريكية على العالم، وغياب القطب الآخر الذي يحدث التوازن بعد سقوط الاتحاد السوفيتي بداية التسعينيات من القرن الماضي، تتجه الأنظار للبحث عمن يمكن أن يكون المنافس لتلك القوة المهيمنة على النظام العالمي‚ ويكاد يكون هناك شبه إجماع على أن الصين حتى الآن هي الدولة التي تملك المقومات التي تؤهلها لكي تتبوأ هذه المكانة، فمن الناحية البشرية يبلغ عدد سكان الصين مليارا وثلاثمائة مليون نسمة وهو يوازي أربعة أضعاف عدد سكان الولايات المتحدة الأمريكية، ومن الناحية العسكرية يعتبر الجيش الصيني أكبر جيش في العالم، إذ يبلغ تعداده مليونين ونصف المليون جندي، كما تحتل الصين المرتبة الثالثة في الإنفاق العسكري بعد الولايات المتحدة وروسيا وذلك حسب التقارير الأمريكية .
ومن الناحية الاقتصادية، يعتبر الاقتصاد الصيني أكبر اقتصاد حقق نموا في التاريخ المنظور خلال الخمسة والعشرين عاما الماضية حيث حقق بشكل سنوي نموا 8-9%، واستطاعت الحكومة الصينية خلال هذه السنوات تخليص ثلاثمائة مليون صيني من الفقر، وأن تضاعف دخول الأفراد أربع مرات، كما أن الصين تحتفظ بثاني أكبر احتياطي عالمي من العملات الأجنبية وعلى رأسها الدولار الأمريكي، وأما من الناحية التجارية فقد أصبحت البضائع الصينية تشكل قلقاً للدول الصناعية الكبرى بسبب أسعارها المنافسة .
في ظل هذه الاعتبارات الإستراتيجية يحاول العرب رسم مستقبل أفضل لعلاقاتهم مع الصين، وتحاول هذه الورقة تحديد بعض محددات هذه العلاقة المستقبلية ومكوناتها من خلال الإجابة على سؤالين رئيسين، الأول: ما هي المصالح العربية التي يتوقع العرب أن تقوم مع الصين بدعمها، وتساعدهم على تحقيقها على مختلف المستويات وفي مختلف المجالات؟ والثاني: ما هي المصالح الصينية التي يعتقد العرب أنهم قادرون على التعاون مع الصين لتحقيقها على مختلف المستويات وفي مختلف المجالات؟

أولا: المصالح العربية التي يتوقع العرب أن تدعمها الصين
لقد ألف العرب أن تكون الصين صديقهم كما ألفوا أن تكون علاقاتهم مع الصين ناعمة ليس فيها توتر على مختلف المستويات، وبرغم التحفظات الأيديولوجية التي كانت لبعض العرب على انتشار الأيديولوجية الشيوعية في الوطن العربي فإن ذلك لم يحل دون تنامي هذه العلاقات على مختلف المستويات.
ففي ظل تراجع الصين عن استخدام السياسة الخارجية لنشر الفكر والإيديولوجيا الشيوعية خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث أصبح هم الصين الجديد هو التنمية الاقتصادية، من أي مصدر وبأية وسيلة، وفقا لأي منهج اقتصادي سواء كان منهج كارل ماركس أو منهج ريكاردو أو منهج كينز، سواء جاءت المساعدات الاقتصادية من روسيا الشيوعية سابقا أو جاءت من اليابان الإمبريالية التي اعتدت على الصين وأضرت بأمنها الوطني وذاتيتها القومية، أو جاءت هذه المساعدات من أمريكا زعيمة الإمبريالية. وعلى حد قول فيلسوف الصين وباني نهضتها الحديثة دنج شياوبنج "لا يهم لون القطة طالما تصطاد الفئران" فالهدف هو التنمية والسعي من أجل بناء قوة الصين والوسيلة لا تهم .
وفي ظل انتهاء الحرب الباردة منذ عام 1990 وتزايد الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي، فقد نظر العرب بكل جدية لتقوم الصين بدور فاعل في دعم قضاياهم على المستوى الدولي، لكن الصين التي خرجت من الحرب الباردة لتواجه الانفتاح والعولمة كما هو حال العالم العربي حافظت على وتيرة هادئة في دعم القضايا العربية دون أن تتمسك بسياساتها السابقة القائمة على الموقف الساخن.
وأصبحت الصين تبدي اهتماماً متزايداً بدعم اقتصادها وحل مشاكلها الإقليمية والانفتاح في المجالين الدبلوماسي والاقتصادي على الوطن العربي لخدمة سياستها الجديدة ودعمها في مواجهة التكتلات الاقتصادية العملاقة.
غير أن هذا التوجه الصيني الجديد قد نالت منه إسرائيل حظاً وافراً بتنامي العلاقات الصينية - الإسرائيلية في المجالات الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية؛ الأمر الذي أضعف التحالفات العربية على الصعيد الدولي لصالح القضايا العربية، وكشف ظهر الموقف العربي في الأمم المتحدة أمام الضغوط والإملاءات الأمريكية والتجاوزات العدوانية الإسرائيلية المتصاعدة.
غير أن واقع الحال إزاء المصالح العربية والصينية اقتضى ولا يزال أن يبحث الطرفان عن آليات ووسائل تحقق رفع مستوى التشابك والتعاون المصلحي بين الطرفين على مختلف المستويات وهو ما كان يقف خلف فكرة إنشاء المنتدى العربي-الصيني.

أبرز المصالح العربية في السنوات العشر القادمة
تتعدد المصالح العربية التي يسعى العرب لتحقيقها خلال السنوات العشر القادمة على مختلف المستويات وفي مختلف المجالات، ولكن على صعيد توقع الدعم الصيني فإن أبرز هذه المصالح يتمثل بما يلي:
1- تشجيع التنمية الاقتصادية والاجتماعية بما يحقق استقراراً سياسياً ويعالج نسبة كبيرة من مشاكل الفقر والبطالة في معظم البلاد العربية.
2- تطوير دور العرب في رسم مستقبل الشرق الأوسط وسياسات النظام الدولي، لبناء نظام دولي يتمتع بالنزاهة والعدالة، وأن يتحقق للعرب مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي.
3- دعم الموقف العربي والفلسطيني بالضغط على إسرائيل للتجاوب مع الحقوق الفلسطينية والعربية وخاصة تلك المتعلقة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي ووقف عدوانه على الشعب الفلسطيني.
4- تطوير التعاون العربي-الصيني في مجالات الأمن في الخليج بما يحقق التوازن مع التواجد الأمريكي والأوربي، ويحقق الأمن لدول الخليج، ويحافظ على حماية مصادر الطاقة فيه لحماية الحضارة الإنسانية والتطور الصناعي الدولي، وبما يحقق النماء والاستقلال في دول الخليج.
5- الاستفادة من تطور القوة الاقتصادية الصينية ونفوذها السياسي في تحجيم اتجاهات الهيمنة في السياسة الأمريكية المعاصرة، خاصة في سياسات النظام الدولي تجاه الشرق الأوسط.
6- المساعدة في تطوير الصناعة والتكنولوجيا في الوطن العربي، بما يحقق اقتصادا صناعيا متناميا، ويطور استخدامات التكنولوجيا فيها، ويوطن الصناعات التكنولوجية.
7- الاستفادة من تجربة الصين في تحقيق معدلات مرتفعة للتنمية الاقتصادية ومعالجة مشكلتي الفقر والبطالة في الوطن العربي
8- الاستفادة من القدرات والخبرات العسكرية الصينية في تطوير القدرات العسكرية العربية التقليدية منها وغير التقليدية لدعم اتجاه التوازن الإستراتيجي للعرب مع إسرائيل وكذلك في مجال تكنولوجيا التصنيع العسكري.
9- تطوير التعاون العربي-الصيني لبلورة موقف حضاري لسياسة حكيمة في التعامل مع ظاهرة الإرهاب الدولي تستند إلى شرعية المقاومة ضد الاحتلال العسكري بكافة الوسائل، ومحاربة أعمال الإرهاب المنظم ضد الأبرياء والمدنيين دون تمييز مهما كان مصدرها، ووضع إستراتيجية مشتركة مع العرب لإقرار هذه التوجهات في الأمم المتحدة، حيث أصبحت قضية الإرهاب الدولي القضية المحورية على أجندة السياسة الدولية بعد أحداث ‏11 ‏أيلول/ سبتمبر 2001‏، وقد اهتم العرب والصينيون بقضية مكافحة الإرهاب‏، لكن المعضلة تكمن في سعي بعض الدول للخلط بين الإرهاب والمقاومة المشروعة للاحتلال. لقد قاوم الصينيون الاحتلال الياباني لمنشوريا‏ وأيدت مصر تلك المقاومة بمجرد دخولها عصبة الأمم سنة 1937، وهو أمر يجعل الصين في مركز المتفهم لضرورة دعم المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي، حيث تختلف المقاومة المشروعة للاحتلال عن الإرهاب الذي يستهدف الأبرياء دون تمييز، كما يمكن أن يتم التعاون على تحييد الإسلام من الاتهام لان ظاهرة الإرهاب ظاهرة عالمية يمارسها الناس من أتباع مختلف الديانات لاعتبارات إرهابية لا علاقة لها بالدين .

ثانيا: المصالح الصينية التي يمكن للجانب العربي أن يخدم في تحقيقها
على مستوى التعاون والتبادل والدعم فان العرب يمكن لهم أن يقدموا خدمة للصين في تحقيق العديد من مصالحها، ومن أبرز ذلك:
1- التعاون الاقتصادي على صعيد فتح الأسواق العربية وتطبيق أنظمة الإعفاءات الجمركية المتبادلة مع الصين.
2- استفادة الصين من النفط والغاز العربي (الطاقة) دون المرور عبر معبر السياسة الأمريكية أو الغربية.
3- دعم الصين كقوة دولية اقتصادياً وسياسيا في منظومة النظام الدولي خاصة في ظل النفوذ الهائل لتكتل الدول الصناعية الثمانية في التجارة والاقتصاد والسياسة الدولية حيث ليس للصين فيها أي دور.
5- فتح المجال للتبادل والتلاقح الثقافي بين الصين والعرب وتحقيق الإسهام المشترك لمنع اندلاع ما يسمى بصراع الحضارات، ودفع العالم نحو توفير قواعد التنافس والتعاون والحوار الحضاري بعيد المدى كإستراتيجية إنسانية عامة.
6- فك العزلة الثقافية للصين في النظام الدولي في ظل هيمنة الحضارتين الأمريكية والأوربية (الحضارة الغربية) على السياسات الثقافية والتعليمية والاجتماعية للنظام الدولي ومؤسساته المختلفة.

ثالثا: الإشكالات القائمة في العلاقات الصينية-العربية
1- تطور العلاقات الصينية –الإسرائيلية على حساب العلاقات مع الدول العربية.
2- صعوبة اللغة الصينية مما يحول دون انتشارها في الأوساط العربية وبالعكس.
3- اعتماد الطرفين العربي والصيني على مصادر المعلومات والإعلام الغربي في تشكيل رؤيته ومعلوماته عن الآخر، وخصوصا الوسائل التي تسيطر عليها الولايات المتحدة وبريطانيا (CNN وBBC)، والذي يتسبب في:
 نقل الصور المشوهة، وتنشئان سوء الفهم لدى كل طرف عن الآخر، مما يزيد الجهل ويعقد العلاقة.
 " أن علاقات الصين بالعامل العربي ودورها المستقبلي في العلاقات الدولية يستلزم وضوح الرؤية ضد محاولات التشويه والتشويش التي تقوم بها عناصر دولية معادية، بهدف بث الفرقة والتشكيك والاختلافات في علاقات الطرفين" .
 إعطاء الانطباع الخاطئ للقيادات والمفكرين الصينيين عن منطقة الشرق الأوسط ودفعها للابتعاد عن الخوض في سياساتها، حيث تعرف المنطقة وفق هذه المصادر كما يلي:
 منطقة مضطربة وفيها توقع غير المتوقع
 قضايا المنطقة معقدة جدا ولا يمكن حلها
 المنطقة مليئة بالمخاطر والجهل
 تعتبر المنطقة منبع الإرهاب في العالم سواء الإرهاب الأصولي أو الراديكالي
 لا تستطيع الصين التأثير في المنطقة وهي على هذه الحال
4- ضعف الأثر الصيني في السياسات الدولية الخاصة بالشرق الأوسط، مما يحد من تأثيرها في الصراع العربي-الإسرائيلي.

رابعا: محددات السياسة الصينية المعاصرة تجاه الشرق الأوسط
1. سياسات الولايات المتحدة تجاه منطقة الشرق الأوسط وفي النظام الدولي، وآفاق مستقبلها ودورها في الشرق الأوسط، إضافة إلى تطور العلاقات الصينية الأمريكية وتزايد التبادل التجاري بينهما مما يحول دون تفاقم الأزمات بينهما، ويدفع الصين لتجنب أي صدام مع السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط
2. ارتباط العديد من الدول العربية سياسياً واقتصادياً مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي
3. تنامي العلاقات الصينية مع إسرائيل بدرجة تمنعها من انتقادها أو التصويت ضدها في الأمم المتحدة.
4. اعتماد السياسة الصينية الحالية على المصالح الاقتصادية، والتي يلزمها الأمن والاستقرار إقليميا ودوليا حسب الكثير من الإستراتيجيين الصينيين، وتأثر المصالح الصينية بأي إجراءات أو سياسات تتسبب في عدم الاستقرار.
5. استمرار عملية السلام في الشرق الأوسط، ومشاركة العرب فيها تحت الرعاية الأمريكية، وما يشكله ذلك من إطار للاستقرار النسبي في المنطقة.
6. النظرة الخاصة للصين إلى الشرق الأوسط والتي تقوم على:
 أن سياستها تجاه الشرق الأوسط تخضع لسياستها العامة الداعية إلى بناء بيئة استقرار وسلام دولية
 أن مسألة الشرق الأوسط مسالة معقدة جدا ، ولدى العرب وجهات نظر مختلفة
 تعتقد الصين أن للعرب دورا مهما، وهي تسعى لبناء تعاون اقتصادي معهم أكثر من ميلها لتعاون سياسي، حيث أن تطوير وتنمية الاقتصاد الصيني هي السبيل لإرغام العالم على الاستماع إليك .
7. تبني الصين لرؤية خاصة لحل مشاكل الشرق الأوسط تقوم على ما يلي:
 اعتماد التعاون الإقليمي كأساس للسياسة الأمنية
 عدم الرغبة بالتورط عسكريا في منطقة الشرق الأوسط
 قناعة الصين بأن التعاون الثنائي والمتعدد وبناء التنمية الاقتصادية سوف يحد من الأزمات في المنطقة ويعالج مشكلة الإرهاب
 التزام الصين باعتماد القنوات الدبلوماسية في تطبيق سياساتها في الشرق الأوسط
 تشجيع الصين لاتجاهات حوار الحضارات الثنائية والمتعددة

خامسا: مقترحات وبرامج لتطوير العلاقات بين الطرفين في القرن الحادي والعشرين
نحو تجذير علاقات عربية-صينية متماسكة على قاعدة التعاون الحضاري وتبادل المصالح والتحالف في النظام الدولي، ويمكن تحقيق ذلك من خلال:
1-توسيع التبادل الثقافي بين الصين والدول العربية من خلال وسائل متعددة منها:
o تبادل المعلومات والوثائق والأفكار بين المؤسسات والأفراد المثقفين في الطرفين
o تطوير التبادل الثقافي وتعلم اللغات لدى الطرفين
o عقد الندوات المؤتمرات المشتركة بين المؤسسات المتشابهة
o إيجاد قاعدة بيانية واسعة للباحثين والخبراء وبناء مجموعات العمل من المفكرين والباحثين والخبراء في مختلف المجالات
2-زيادة وتطوير التبادل الاقتصادي، وفتح مصانع صينية في الوطن العربي، ونقل صناعة التكنولوجيا إليه.
3- منح امتيازات للشركات الصينية للتنقيب عن النفط في بعض الدول العربية كما هو الحال في السودان.
4- إنشاء مناطق تجارة حرة بين الصين والدول العربية.
5- إعطاء مزيد من الحرية للمسلمين في الصين ليكونوا إضافة نوعية للمساهمة في تعزيز العلاقات بين الصين والعرب.
6- المساعدة في منح الدول العربية مقعدا في مجلس الأمن الدولي.
7- التعاون مع العرب لتصحيح الميزان الإستراتيجي في الشرق الأوسط
8- تطوير دور الصين في التعامل مع القضية الفلسطينية والضغط على الجانب الإسرائيلي
9- ضرورة الحد من التغلغل الإسرائيلي في العلاقات مع الصين على حساب الوطن العربي.
10- زيادة التبادل الدبلوماسي والسياسي بين الصين والدول العربية للحد من النفوذ والهيمنة الأمريكية.
11- تفعيل المنتدى العربي – الصيني عن طريق عقد مؤتمرات دورية على مختلف المستويات.
12- التعاون في القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك ومنها:
 حوار وتعاون الحضارات في مواجهة توجهات صدام الحضارات، والعمل على تخفيف هيمنة الحضارة الغربية على العالم
 تطبيق القانون الدولي بعدالة ودون تمييز، وإصلاح المنظمة الدولية، ووقف هيمنة الولايات المتحدة على السياسة الدولية
 مواجهة استحقاقات تفشي ظاهرة الإرهاب وتمييزها عن المقاومة المشروعة ضد الاحتلال، والتوصل إلى وثيقة دولية تقوم على هذه القاعدة القانونية
 مواجهة استحقاقات العولمة الاقتصادية لصالح بناء اقتصاديات متنامية ومستقلة.

*بحث مقدم إلى ندوة حوار العلاقات العربية-الصينية في بكين 12-13 كانون أول/ديسمبر 2005 (منتدى التعاون العربي-الصيني)