عدن .. ثغر اليمن الباسم... أرض الاستقرار منذ أقدم العصور
الأربعاء, 14-يناير-2009
علي الثلايا - هنالك.. حيث تتداخل الجماليات، وتتمازج الروائع، وتتناسق الإبداعات الربانية، وتنسجم اللوحات الفنية الطبيعية.. وتنثال الانطباعات في يسر وغزارة وقوة تدفق...
عدن.. من يزورها مثلي لأول مرة يدرك يقيناً بأن أمامه تاريخاً عريقاً ضارباً جذوره في الأعماق.. وبأنه يحتضن مزيجاً متناغماً من الجمال والدلال، والغنج الطبيعي الخلاب والسلاب.. وكل هذا طبعاً بدون دلع.. لاسيما حين يستمع الزائر ويستمتع بصوت عندليبها الراحل/ أحمد قاسم، وأسجاعه، وهو يحذر الذين أضاعهم وسوء التقدير.
ياللي الدلع ضيعك......
خلي الدلع ينفعك..
عـــدن
مدينة ولدت في أحضان البحر، ورقصت على أمواجه ورماله الذهبية، وتغنت على أنغام نسمات الموج الهادئ المنساب بين ضفاف تلك الشواطئ التي تشكل في مجملها موقعاً جغرافياً وطبيعياً فريداً، جعل من عدن نقطة إلتقاء حركة التجارة والملاحة الدولية.. وميناءً محمياً بطبيعته، وجذاباً بجماله، وآمناً بتجاربه وخبراته التاريخية الطويلة على مر العصور.
إسم عدن يدل على طبيعتها، وملاءمتها لمن أقام فيها... فعدن في المكان أي استقر فيه.. وسميت عدن بهذا الاسم لأنها اتخذت موضع استقرار منذ القدم.. وكانت همزة وصل بين مشارق الأرض ومغاربها.. وممراً للسفن التجارية.. وموطناً للتجارة وأسواقها منذ أقدم العصور.
ولعل قراءة في تاريخ عدن ترينا أنها كانت تجمع الناس من سائر أمم الأرض وشعوبها في الجزيرة العربية والشام وفارس والهند وشرق أفريقيا وغيرها...
ولم يكن هذا التنوع في الأجناس مبعثاً على الصراع بالرغم من اختلاف الملل والمذاهب والأديان.. وهذه هي الخصوصية التي تمتعت بها عدن عبر تاريخها..
ولطيب هواء عدن وأهمية موقعها.. تنافست في السيطرة عليها حكومات .. وحكمتها دول عديدة..
أقام فيها الحميريون، وتعرضت للاستعمار الفارسي والحبشي،، وخضعت للدول الإسلامية المتعاقبة.. وغزاها البرتغاليون والمماليك والأتراك.. ثم البريطانيون.
مــــدن.. من تقاسيم الجسد
عدن: شبه جزيرة بركانية تقع في خليج بحري على الساحل الجنوبي لليمن وتهيمن على الطريق البحرية المارة من المحيط الهندي إلى أوروبا..
ولعدن تاريخ طويل وعريق يمتد إلى نحو ثلاثة آلاف سنة، وهي أغنى المدن العربية على الإطلاق وإحدى الثغور العريقة في الجزيرة العربية.. وتعتبر بحق " تغر اليمن الباسم".
فضلاً عن أن هناك عدداً من المدن التابعة لها، والتي أنشئت في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، كالتواهي، والمعلا والشيخ عثمان والبريقة، وخور مكسر..
وفي هذا الملك سأقدم شيئاً يندرج في إطار المحاولة المتواضعة للتعرف على ما يمكن التعرف عليه، من خلال إعطاء لمحة تاريخية للمدينة وتقاسيمها وامتداداتها..
1) كريتر(( مدينة عدن)).
جاءت تسمية كريتر من لفظة إنجليزية (Creter) وتعني البركان.. فهي تقع على فوهة بركان قديم يبلغ ارتفاعه (335) متراً.. وهي محاطة بالجبال، التي من أهمها جبل العرف، ويعرف بجبل شمسان،، وجبل المنظر، وجبل حقات،، الخضراء، وجبل التعكر ويعرف حالياً بجبل حديد، وسبب التسمية يرجع إلى وجود منجم الحديد فيه، وجبل صيرة الذي يعتبر ذا أهمية إستراتيجية كبيرة، فضلاً عن احتوائه لقلعة صيرة التي تحمل جزءاً كبيراً من تاريخ عدن في مواجهة الغزو الأجنبي...
ومدينة كريتر كثيرة القلاع والحصون المنتشر على امتداد السلسلة الجبلية المحيطة بالمدينة.. إلا أن معظمها قد اندثر نتيجة للحروب وعوامل التعرية المختلفة..
وفي هذا المكان أود أن أشير إلى أن ميناء عدن التاريخي القديم كان يقع في جبل صيرة، ولكن بعد دخول الإنجليز عدن تم إلغاء استعمال هذا الميناء فأصبح ميناءً ثانوياً، وانتقلت وظيفته إلى رصيف المعلا عام 1864م.
أما كلمة (صيرة) فيقال بأن البرتغاليين عند ما عزوا عدن سنة 1513م، أطلقوا عليها اسم (سيرا) التي تعني بالبرتغالية (جبل).. وقد جرت عادة البرتغاليين أن يطلقوا أسماء قاداتهم على المدن التي يستعمرونها.. وفي لغتنا العربية فإن (صيرة) معناها السمك الصغير أو السردين، وصير معناها ( الشق أو الكهف) وجبل صيرة ملئ بالشقوق والكهوف...
وفي ذات المكان ( المدينة) توجد العديد من الشوارع والحواري (الحوافي) المعروفة.. مثل حافة الحسين، حافة العيدروس، حافة القطيع، حافة الخساف، حافة الطويلة التي تحتضن صهاريج عدن الطويلة كإحدى المعالم التاريخية والأثرية الشهيرة، وتمتد من موقع الصهاريج لتشكل شارعين في اتجاهين تتوسطهما ( السايلة) ممر المياه التي تفيض من خزانات ( صهاريج الطويلة) .. وفيها أشهر الأسواق التاريخية منذ القدم.. مثل شارع الزعفران الذي يشتهر بسوق الصياغة والصرافة.. وشارع أبان، وهو حي تجاري وملتقى عدة أسواق مماثلة، منها سوق البهرة، الطعام،وسوق الحراج، والحدادين... ومن أشهر معالمه مسجد أبان كأقدم مسجد ي جنوب الجزيرة.
كما أن في كريتر أيضا عدداً من المناطق الأخرى المشهورة مثل الخليج الأمامي، ويطلق عليه الإنجليز ( الريجنت) وفيه ملعب الهوكي وقصر السلطان سابقاً.
2) مدينة المعلا:
كلمة المعلا تعني المكان العالي المرتفع، وكانت المعلا في الماضي مكاناً يصنعون فيه السفن الشراعية، وكانوا يرفعونها إلى مكان مرتفع عن البحر، لذلك سميت بـ(المعلا).
وفي كتابه (العقبة) قال الأستاذ/ عبدالله محيرز، بأن كثيرين قد احتاروا في تسمية المعلا، مثلما احتاروا في تسمية التواهي..
والمعلا.. مدينة نمت في القرن التاسع عشر كميناء ومرسى للسفن الشراعية والزوارق، ثم السفن البخارية الصغيرة، وأطلق عليها مدينة السفن، أي صناعة السفن وهي مهنة عرفتها عدن منذ آلاف السنين.
وفي بداية خمسينيات القرن الماضي قامت هيئة ميناء عدن باستصلاح الساحل البحري للمعلا بهدف توسيع أحواض السفن ومستودعات البضائع.
ومن أحياء المعلا حي ( حافون) الذي يقال بأنه اسم ميناء في الصومال، وكذلك (القلوعة) وهي كلمة صومالية تعني الملتوي أو الأعوج.. وهذه التسميات جاء بها الصوماليون الذين جاءوا إلى عدن بتجارة الكباش والصباغ، واستوطنوا المدينة.
أما حي الروضة فقد شيد سنة 1955م، لسكان العمال وعائلاتهم..
3) مدينة التواهي:-
التواهي اسم جاء من الفعل (تاه) بمعنى ضاع أو فقد أو تخبط هنا وهناك.. ولم تكن التواهي موجودة كمدينة في الأزمنة الماضية وإنما كانت قرية صغيرة يقطنها صيادو السمك.. وكان أهالي عدن يخشون الذهاب إليها خوفاً من أن يتيهوا في جبالها.. ويقع في هذه المدينة منتجع الساحل الذهبي (جولدمور) بين تل خليج الفيل وطرق جبل هيل، وتحيط بهذا التل من الأسفل تحصينات عبارة عن مدافع قديمة كانت تستخدم لحماية مدخل المدينة من جهة الشاطئ الغربي، وهي من العهد التركي.
4) الشيخ عثمان:
أخذت مدينة الشيخ عثمان اسمها من ولي الله المعروف الشيخ/ عثمان الأسدي، المدفون بالقرب من قرية الشيخ الدويل، التي كانت تمثل المدينة القديمة قبل أن يشتري الإنجليز الأرض الممتدة من خور مكسر إلى بستان الكمسري عام 1882م، ويبنوا المدينة الجديدة التي صار اسمها الشيخ الدويل، وبنوا مقراً كان يعرف بالحفيص ومعناها ( إدارة أو مكتب) كان يضم البلدية وإدارة الأشغال العامة والمحكمة ثم أطلقوا عليها أسم الشيخ عثمان..
وحتى بدايات القرن التاسع عشر كانت منطقة الشيخ عثمان لا تعدو عن كونها مزاراً للولي الشيخ/ عثمان الأسدي.. وفي العام 1880م، استطاعت شركة إيطالية أن تؤسس أو معمل لصناعة الملح في الشيخ عثمان.. وفي عام 1909م تبعتها شركة هندية في هذا المجال.
ولقد بدأن الشيخ عثمان تتسع شيئاً فشيئاً،وساعدها على ذلك نزوح السكان إليها من كريتر نظراً لازدحام المدينة وتفاقم مشكلة المياه فيها.. وازدادت أهمية مدينة الشيخ لاسيما في بداية ثلاثينيات القرن الماضي، حيث شهدت عدداً من آبار المياه التي تم حفرها في بستان الكمسري لتزويد مناطق عدن بمياه الشرب.
وبعد الحرب العالمية الأولى شهدت المدينة تأسيس عدد من مصانع الأقمشة القطنية، وكان جزء من المدينة مخصصاً لهذه الصناعة، أما (حافة) الدبع فقد اشتهرت بصناعة الأنسجة الوطنية المشهورة التي كانت مدينة زبيد ومنطقة تهامة مشهورتين بصناعتها أيضاً وكانت تسمى بالبرود اليمانية..
وتحوي مدينة الشيخ عدداً من المناطق التاريخية التابعة لها، والتي من أهمها:-
‌أ- القاهرة: وهي منطقة صحراوية، ظهرت فيها قرية جديدة سميت بالقاهرة، وتضم عدداً كبيراً من الأكواخ والبيوت الصغيرة.
‌ب- المنصورة: بدأ العمل بها وتهيئتها في أواخر خمسينيات القرن الماضي، وتم بناؤها مع مطلع الستينيات، وأعلنت تسميتها بقرار من المجلس التشريعي سابقاً لمستعمرة عدن عام 1962م.
ويرتبط نشوء مدينة المنصورة بالأزمة السكنية الحادة التي واجهتها المستعمرة.. وجاء بناء المنصورة وفقاً لشعار (ساعد نفسك) وهو نظام أو برنامج الإقراض لموظفي الحكومة وبعض الشركات لحل الأزمة السكنية.. وفي المنصورة يوجد سجن شهير باسم المنصورة، وهو السجن السياسي المركزي الذي بناه الإنجليز أبان الكفاح المسلح.. لاعتقال الثوار الذين يتجاوزون عملية التعذيب والاستجواب.. وفي الجزء الغربي من المنصورة أقيم ما يسمى بالمنطقة الصناعية.
‌ج- دار سعد: أي دار الأمير .. وكانت إلى عهد الاستقلال أقصى منطقة جنوبية لسلطنة لحج، وتقابل ما كان يعرف بالرقم (6) من جانب المستعمرة أمام بوابة كلية عدن سابقاً..
وتعود تسمية دار سعد (دار الأمير) إلى أحد أمراء العبادل الذي كان مأموراً فيها..
وقبل العام 1880م، كانت دار سعد ضمن منطقة الشيخ عثمان، وكانت الشيخ عثمان، ذاتها عبارة عن مساحة مغطاة بالأشجار الكثيفة.. وازدادت أهمية دار سعد بعد الحرب العالمية الأولى بعشر سنوات، وذلك لسببين الأول توافر المواصلات إليها، والثاني الأهمية الإستراتيجية العسكرية للمنطقة.

5) البريقة (عدن الصغرى):
عدن الصغرى هي التسمية الجديدة للبريقة حالياً.. حيث أطلق الأنجليز هذه التسمية بعد احتلالهم لعدن، نظراً لأن البريقة هي المنطقة الوحيدة المقابلة لعدن والمحيطة بها..
وعند مجيء الإنجليز كانت البرقية جزءاً من السلطنة العقربية.
وبعد أن أمم (مصدق) البترول في إيران قرر الإنجليز إنشاء مصفاة لهم في عدن الصغرى.. وقد كلفهم بناؤها(45) مليون جنية.. وكان افتتاح المصفاة في العام 1953م،بـ(2500) عامل وموظف، وتعتبر هذه المصفاة أول مصفاة في الجزيرة والخليج على الإطلاق.
شاطئ الغدير: يقع في عدن الصغرى.. ويعتبر واحداً من الشواطئ الجميلة.. ويتوسط هذا الشاطيئ تل يعرف بقلعة الغدير.. وهي من بقايا آثار التحصينات الدفاعية القديمة لحماية مدخل الميناء من الجانب الغربي.
ويوجد مسجد قديم على الشاطئ، يعود تاريخ بنائه إلى أكثر من خمسمائة عام، وسمي بالغدير نسبة إلى شخص يمني قيل أنه دفن في نفس المنطقة
6) خور مكسر:
خور مكسر اسم قديم ورد في تناولات المؤرخين قبل مئات السنين.. والخور كان مكسراً ومشققاً..
ومنطقة خورمكسر والمملاح لها تاريخ مرتبط بتاريخ عدن.. وهذه المنطقة التي عرفت باسم المجراد، تمتد من سينما ريجل حتى المملاح.
والمملاح موجود منذ حوالي ألف سنة، وتحديداً منذ أيام حكم الأيوبيين. 


خاص: معهد الميثاق للتدريب والدراسات والبحوث