اليمن والسعودية: حاضر العلاقات وآفاقها المستقبلية
الأحد, 16-مارس-2008
اليمن والسعودية
عايش عواس - ينطلق البعض عند تحليلهم لحاضر العلاقات اليمنية- السعودية من رؤى مثالية محكومة بمبدأ ما يجب أن تكون عليه العلاقات لا مما تفرضه حقائق الواقع ومعطياته وهو ما يجعلهم في نهاية المطاف يتوصلون إلى نتائج غير متفائلة بشأن العلاقة بين البلدين، حتى وإن بدت لهم العديد من المؤشرات التي توحي بغير ذلك، لكن إذا ما تحرينا الموضوعية عند مناقشة هذا الموضوع سنتبين دون عناء أن العلاقات بين البلدين منذ توقيع معاهدة جدة تشهد تطورات هامة؛ ربما أن هذا التطور لا يسير بالسرعة المطلوبة لكن العلاقات، بشكل أو بآخر، تتقدم خطوات مهمة باتجاه التعاون وتحقيق الشراكة والشواهد على مثل هذا الرأي عديدة وبارزة للعيان بحيث يصعب تجاهلها أو التقليل من شأنها.

العلاقات السياسية
فالعلاقات السياسية خلال الفترة الأخيرة تقدمت خطوات مهمة ويتجلى ذلك من خلال كثافة الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين على مستوى القمة أو على مستوى القيادات الدنيا كما تظهر ملامح التحسن في العلاقات السياسية بين اليمن والسعودية في إعادة تفعيل نشاط مجلس التنسيق اليمني- السعودي بعد انقطاع دام أكثر من عشر سنوات وانتظام انعقاد دوراته، والمجلس كما هو معروف يعتبر أعلى هيئة للتعاون المشترك بين البلدين في مختلف المجالات.
أما المؤشر الأهم في هذا الجانب فهو تقارب مواقف البلدين إزاء العديد من القضايا الإقليمية والدولية وفي مقدمة ذلك قضية الصراع العربي- الإسرائيلي وقضية الإرهاب الدولي والأوضاع في القرن الإفريقي ففيما يخص الصراع العربي- الإسرائيلي يؤكد الجانبان على ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكافة الأراضي العربية في فلسطين وسورية ولبنان والتمسك بمبادرة الملك عبدالله بن عبدا لعزيز التي أقرتها القمة العربية في بيروت في مارس عام 2002 كمرجعية لحل الصراع العربي- الإسرائيلي، كما يتطابق موقف البلدين بشأن مشكلة الإرهاب حيث يرى الجانبان أهمية إيجاد تعريف عالمي محدد للإرهاب على اعتبار انه آفة دولية لا دين ولا جنسية له وضرورة التفريق بين الإرهاب وأعمال المقاومة المشروعة، وبالمثل يتقارب الموقفان اليمني والسعودي بخصوص الوضع في العراق حيث يدعو الطرفان بصورة مستمرة إلى احترام وحدة العراق وسلامة أراضيه وعدم التدخل في شؤونه الداخلية.

المبادلات التجارية
قبل التوقيع على معاهدة جدة عام 2000 لم تكن القيمة الإجمالية للمبادلات التجارية بين اليمن والسعودية تتجاوز في احسن الأحوال حدود المائة مليون دولار سنويا لكنها في السنوات الأخيرة التي أعقبت التوقيع على المعاهدة أخذت تتضاعف بشكل مطرد من عام لآخر إلى أن وصلت في نهاية عام 2003 إلى ما يقارب أربعمائة وخمسين مليون دولار وفي عام 2005 ارتفع الرقم إلى خمسمائة واثنين وأربعين مليون دولار ثم تضاعف هذا الرقم في عام 2006 إلي ستمائة وتسعة وعشرين مليون دولار.
وتعتبر المملكة العربية السعودية في الوقت الحاضر واحدا من أهم الشركاء التجاريين لليمن سواء في مجال الواردات أو الصادرات. فمع نهاية عام 2000 كانت الجمهورية اليمنية قد استوردت من المملكة العربية السعودية مواد ومنتجات مختلفة بقيمة اثنين وخمسين مليار ريال أي ما يعادل 13.8% من إجمالي الواردات اليمنية من الخارج لتحتل السعودية بذلك مرتبة الشريك التجاري الأول لليمن في ذلك العام والشريك التجاري الثاني في الأعوام 2001 و2003 و2004.
وفيما يتعلق بالصادرات اليمنية إلى السوق السعودية خلال نفس الفترة فتشير الإحصائيات إلى أن المملكة احتلت المركز الحادي عشر من بين أهم عشرين دولة مستقبلة للصادرات اليمنية في العام 2000 بقيمة إجمالية قدرت بحوالي 7.3 مليار ريال أي ما نسبته 1.5 في المائة من إجمالي الصادرات اليمنية إلى الخارج والمركز العاشر عام 2001 بمبلغ 11 مليار ريال وبنسبة 2.1 في المائة والمركز الثامن عام 2002 بمبلغ 15.4 مليار ريال وبنسبة 2.58 في المائة والمركز السابع عام 2003 بمبلغ 15.8 مليار ريال وبنسبة 2.4 في المائة، وعلى الرغم من تواضع نسبة الصادرات إلى السعودية مقارنة بالنسبة الإجمالية للصادرات اليمنية إلا أن السوق السعودية تكتسب أهمية خاصة لكونها أهم الأسواق الخارجية استيعابا للصادرات اليمنية غير النفطية والمتمثلة في المنتجات الزراعية والسمكية وإذا ما استبعدنا الصادرات النفطية والتي تمثل حوالي 92 في المائة من حجم من إجمالي الصادرات فإن الصادرات اليمنية إلى السعودية في هذه الحالة تمثل حوالي 30 في المائة من إجمالي الصادرات اليمنية غير النفطية.
وهناك إمكانية كبيرة لزيادة حجم الصادرات اليمنية إلى المملكة إذا ما تم تجاوز المعوقات الإجرائية التي تحد من تدفق السلع والمنتجات اليمنية إلى السوق السعودية وهذه المعوقات تتعلق أساسا بعدم توحد المواصفات والمقاييس لدى الجانبين.
وعلى ما يبدو فإن الطرفين مصممان خلال الفترة القادمة على تعزيز العلاقات التجارية بينهما ويتجلى ذلك بوضوح من خلال قراءة نص البيان المشترك الصادر في ختام اجتماعات الدورة الـ17 لمجلس التنسيق اليمني- السعودي الذي استضافته مدينة المكلا بمحافظة حضرموت في مطلع يونيو 2006، حيث اتفق الجانبان في هذه الدورة على تنفيذ العديد من الإجراءات الرامية لتعزيز التعاون التجاري بينهما، ومن هذه الإجراءات تبادل الزيارات بين الوفود التجارية، وإقامة المعارض التجارية، وتفعيل دور مجلس رجال الأعمال السعودي اليمني وإجراء دراسة لجدوى إنشاء مناطق اقتصادية للتبادل التجاري على الحدود بين البلدين، وتركيب أجهزة فحص بالأشعة في المنافذ الحدودية لتسهيل انسياب الصادرات بين البلدين والبلدان المجاورة.

التعاون الأمني
مثلت معاهدة جدة الحدودية التي وقع عليها البلدان في مدينة جدة السعودية في أوائل شهر يونيو عام2000 نقطة تحول مهمة في تاريخ العلاقات اليمنية- السعودية بصفة عامة والتعاون الأمني بصفة خاصة، فمنذ توقيع المعاهدة دخلت العلاقات الأمنية مرحلة جديدة من التعاون والتنسيق المثمر ففي شهر ابريل 2001 وقع الطرفان على اتفاقية للتعاون الأمني تعهد فيها كل طرف بتسليم المشتبهين والمطلوبين للطرف الآخر وتبادل الخبرات والمعلومات الاستخباراتية بين الأجهزة الأمنية في البلدين والتنسيق على المستوى اللوجستي والعملياتي خاصة في المناطق الحدودية.
ولم يقتصر الأمر على إيجاد النصوص المكتوبة وحسب بل التزم الطرفان أيضا بتنفيذ ما اتفق عليه دون تلكؤ فمن جهة قامت السلطات اليمنية بتسليم المملكة كل السعوديين المطلوبين وبالمثل قامت السلطات السعودية بدورها بتسليم المطلوبين لأجهزة الأمن اليمنية، كما تتبادل الأجهزة الأمنية في البلدين المعلومات الاستخباراتية حول أنشطة العناصر المشتبهة وأنشطتها وتحركاتها.
ولعل احد أهم مؤشرات التطور في مجال التعاون الأمني بين اليمن والسعودية هو حرص الطرفين على امن واستقرار كل منهما ويتجلى ذلك من قيام السلطات اليمنية من جانبها بنشر حوالي ثلاثة آلاف جندي على جانب الحدود مع السعودية و قيامها بتسيير عشرات الدوريات في نفس المنطقة، الأمر الذي نتج عنه إحباط العديد من عمليات تهريب الأسلحة والمخدرات إلى داخل الأراضي السعودية.
في المقابل، تبدي السعودية هي الأخرى حرصا واضحا على امن اليمن واستقراره وذلك من خلال زيادة عدد حرس الحدود من جانب الحدود السعودية ودعمها لجهود اليمن بخصوص تعزيز قدراته الأمنية وبالذات في مجال تأمين حدوده البرية والبحرية والدعم الذي تقدمه المملكة لليمن بخصوص جهوده الرامية للحد من ظاهرة انتشار السلاح وضبط تجارته وتنظيم حيازته.

العمالة
صحيح أن عدد العمالة اليمنية في المملكة العربية السعودية في الوقت الحاضر أقل بكثير مما كان عليه في فترة السبعينيات والثمانينيات حيث لا يتجاوز عدد العاملين اليمنيين حالياً سبعمائة ألف عامل، ولكن من وجهة نظر المسؤولين السعوديين فإن عدم استقبال العمال اليمنيين على نحو ما كان عليه الوضع سابقاً لا يعود إلى عدم رغبة المملكة وإنما السبب الرئيسي وراء ذلك هو أن العمالة اليمنية لا تتمتع بالمهارات المطلوبة في سوق العمل السعودي ومن ثم يرى المسؤولون السعوديون ضرورة تدريب وتأهيل العمال اليمنيين بما يؤهلهم لشغل الوظائف الشاغرة في سوق العمل السعودي.
ومع ذلك لم تدر السعودية ظهرها للمشكلة أو تتعامل معها كقضية لا تعنيها بل تظهر حرصها الواضح على المساهمة في حلحلة ظاهرة البطالة في اليمن ومساعدة العمالة اليمنية في عملية التدريب والتأهيل، ويتجلى الحرص السعودي بهذا الشأن في مساهمة المملكة في إنشاء المعاهد الفنية والتقنية حيث تعتبر أبرز الداعمين الخارجيين لليمن في مجال التدريب الفني والمهني. ويتجلى الاهتمام أيضاً في حرص المملكة على حلحلة مشاكل العمال اليمنيين المقيمين على أراضيها ومن هذه المشاكل مشكلة العاملين في مجال تجارة الذهب والمجوهرات حيث كانت السلطات السعودية قد اتخذت قراراً في شهر فبراير عام 2004 بحظر ممارسة الأجانب العمل في متاجر الذهب في إطار خطة تستهدف سعودة الوظائف لتوفير فرص العمل للسعوديين وكان من شأن المضي قدماً لتنفيذ هذه الخطوة الإضرار بحوالي 12 ألف مغترب يمني، فما كان من الحكومة اليمنية إلا أن تواصلت مع السلطات السعودية طالبةً منها إعطاء فرصة للعاملين اليمنيين في مجال صناعة الذهب والمجوهرات للبحث عن كفالات بديلة للاستمرار في مهن أخرى غير الذهب، وبالفعل فقد استجابت المملكة العربية السعودية لتلك المطالب ووافقت على نقل إقامة اليمنيين العاملين في مجال الذهب والمجوهرات إلى مجالات أخرى والسماح بخروج مدخراتهم من الذهب إلى اليمن أو أي دولة أخرى ومنح العمال في هذا المجال جميع التسهيلات الاستثمارية في أي مجال من المجالات وفقاً لقانون الاستثمار السعودي.
كما أن قدوم المستثمرين السعوديين إلى اليمن بتوجيه من الحكومة السعودية يعد شاهداً آخر على اهتمام المملكة بإيجاد فرص عمل للعمالة اليمنية.

الاستثمار
وخلال الفترة الأخيرة تزايد تدفق الاستثمارات السعودية إلي اليمن بشكل مضطرد حيث تشير الإحصاءت الصادرة عن الهيئة العامة للاستثمار اليمنية إلى أن حجم الاستثمارات السعودية في اليمن بلغ حتى منتصف عام 2007 69مشروعاً بتكلفة 280ملياراً و102مليون ريال بموجودات ثابتة تبلغ 132ملياراً و136مليون ريال توفر فرص عمل لـ 5919 عاملاً.
وتتركز الاستثمارات السعودية بدرجة رئيسية في القطاع الصناعي حيث يبلغ عدد المشرعات المرخصة 32 مشروعاً بتكلفة 182ملياراً و491 مليون ريال تمثل 65 في المائة من إجمالي تكلفة الاستثمارات السعودية في اليمن.
وتشمل المشروعات الصناعية 4 مصانع للاسمنت بتكلفة تتجاوز 170مليار ريال ومصنعين لإنتاج الحديد بتكلفة 5,3 مليارات ريال، ومصنع لإنتاج السجاد والموكيت بتكلفة 2,8 مليار ريال، بالإضافة إلى مصانع للبلاستيك والرخام والجرانيت وإنتاج وتكرير الزيوت النباتية والحقن الطبية والتبغ والمنتجات المعدنية والذهب وإنتاج المضخات الزراعية. ثم يأتي القطاع الخدمي في المرتبة الثانية حيث بلغ حجم المشروعات السعودية 18 مشروعاً بتكلفة استثمارية تقدر بـ69 ملياراً و773 مليون ريال بموجودات ثابتة تبلغ 16 ملياراً و643 مليون ريال توفر 2036فرصة عمل.
وتتركز المشروعات الخدمية في مجالات الاتصال حيث تم الترخيص لشركة هتس يونتل للهاتف النقال (واي) والتي تعد الشركة الثالثة بنظام (GSM) بتكلفة 49ملياراً و669مليون ريال بالإضافة إلى المستشفى السعودي- الألماني بتكلفة 15 ملياراً و362 مليون ريال، ومشروعاً للنقل الدولي والداخلي بتكلفة بلغت ملياراً و207 ملايين ريال فضلاً عن مشروعات أخرى في مجالات السفريات والسياحة والتدريب التقني والفني والدراسات الصحية ومعملاً لتجميع وكبس المخلفات الو رقية.
وفي قطاع السياحة بلغ حجم الاستثمارات السعودية نحو 12 مشروعاً بتكلفة استثمارية تبلغ 26ملياراً و898 مليون ريال وبموجودات ثابتة تبلغ 3 مليارات و968 مليون ريال توفر 625فرصة عمل. ومن أهم هذه المشروعات منتجع سياحي أربعة نجوم في محافظة إب بتكلفة 11ملياراً و730 مليون ريال، وفندق سياحي خمسة نجوم بالأمانة بتكلفة 9مليارات و425مليون ريال، بالإضافة إلى عدد من الفنادق والقرى السياحية والحدائق ومدن الألعاب في عدد من المحافظات.
كما بلغ حجم المشروعات الاستثمارية السعودية في قطاع الزراعة 7 مشروعات بتكلفة 939مليون ريال وبموجودات ثابتة تقدر بـ372مليون ريال توفر 148 فرصة عمل تركزت في مجال إنتاج أعلاف الدواجن ومزارع لإنتاج الخضروات والحبوب.
وتتوقع تقارير اقتصادية خليجية ارتفاع حجم الاستثمارات العقارية والسياحية السعودية في اليمن خلال العامين المقبلين (2008-2009) إلى أكثر من بليون دولار وحسب نفس التقارير فإن حجم الاستثمارات العقارية والسياحية السعودية في اليمن حتى مطلع عام 2007، بلغ نحو 600 مليون دولار، منها نحو 450 مليوناً مسجلة لدى هيئة الاستثمار اليمنية، في حين تتوزع البقية بين هيئة المناطق الحرة في عدن، ومحافظة حضرموت، ومشرعات يمتلكها مستثمرون سعوديون. ولفتت إلى أن 98 في المائة من الاستثمارات العقارية والسياحية اليمنية والخليجية يشارك فيها سعوديون.
إلى ذلك فقد ذكر رئيس مجلس الأعمال السعودي - اليمني عبد الله بن محفوظ ، أن هناك ترتيبات في كل من السعودية واليمن لإقامة منطقة اقتصادية - صناعية مشتركة في منفذ الوديعة الحدودي، بتكلفة 500 مليون دولار. وأن المشروع ينتظر موافقة مجلس التنسيق اليمني – السعودي ؛وسيكون المشروع عبارة عن منطقة تبادل تجاري بين البلدين وسيحوي عدداً كبيراً من المستودعات. وسيتولى القطاع الخاص في البلدين تنفيذه على مراحل، وتقدر تكلفة المرحلة الأولى منه بـ 100 مليون دولار.
وفوق هذا وذاك فقد بات رجال الأعمال الخليجيين- كما أشار إلى ذلك رئيس منتدى الأعمال الخليجي اليمني شهاب العزعزي- يحملون رؤية متكاملة منذ عام 2003، حول المشروعات الاستثمارية التي ينوون تنفيذها في اليمن، وطبقا لنفس المصدر فان تكلفة هذه المشاريع تصل إلى عشرات البلايين من الدولارات.

رؤية مستقبلية للعلاقات
إذا كنا قد ناقشنا في السطور السابقة حاضر العلاقات اليمنية السعودية- فإن السؤال المطروح هنا هو إلى أين تتجه العلاقات بين الجانبين في المرحلة المقبلة ومع أن الإجابة على سؤال كهذا تظل مهمة صعبة إلا أن كاتب هذا المقال يرى من وجهة نظر شخصية أن العلاقات مرشحة خلال قادم الأيام للمزيد من التطور وذلك لجملة من الأسباب والعوامل أهمها: تغير رؤى الطرفين تجاه بعضهما البعض وتجاوز المشكلة الحدودية واستمرار مواجهتها للإرهاب.
1- تغير الرؤى لدى طرفي العلاقة:
كانت رؤية الطرفين لبعضهما البعض في العقود الماضية تتسم بطابع الشك والريبة وتفتقد لعامل الثقة وحسن الظن لأسباب وعوامل عديدة لا يتسع المجال للحديث عنها في هذه المساحة المحدودة، غير أن تلك الرؤى تلاشت في الوقت الحاضر على ما يبدو وحلت محلها رؤى جديدة بفعل ظروف الواقع ومتغيراته. ونلمس هذا في تصريحات مسؤولي البلدين والتي يؤكدون فيها باستمرار أن أمن اليمن والمملكة العربية السعودية جزء لايتجزء، كما أن تأهيل الاقتصاد اليمني لم يعد هما لليمن وحده بل أصبح الموضوع يحظى باهتمام المملكة العربية السعودية أيضا ولعل أبرز التصريحات بهذا الشأن هو دعوة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز لوضع برنامج للتنمية في اليمن بهدف دعم التنمية الشاملة وتأهيل الاقتصاد اليمني، وهذا التغير لاتشير إليه الأقوال فقط وإنما تؤكده الأفعال من خلال الدور الايجابي الذي لعبته السعودية بخصوص انضمام اليمن إلى عضوية بعض مؤسسات مجلس التعاون ورعايتها مع بقية دول مجلس التعاون لمؤتمر المانحين الذي استضافته العاصمة البريطانية لندن والذي تعهدت فيه الدول المشاركة في المؤتمر بتقديم حوالي 4.7 مليار دولار لدعم الاقتصاد اليمني، وكان نصيب السعودية من هذا المبلغ مليار ريال، بل وحسب بعض المعلومات فإن المملكة تعد اكثر الدول التزاما بتقديم ما تعهدت به في المؤتمر. وفي ضوء هذه المعطيات يمكن القول أن نظرة البلدين نحو بعضهما البعض باتت تتسم بطابع الثقة والرغبة في العمل المشترك لمواجهة التحديات الماثلة أمام البلدين.
2- تسوية المشكلة الحدودية:
ليس هناك شك بأن النزاع الحدودي بين البلدين الذي استمر حوالي 60 عاما كان احد اهم مصادر التوتر في العلاقات اليمنية- السعودية فقد كان سببا في اندلاع المواجهة المسلحة بين الجانبين وإثارة الشك وعدم الثقة بل- وحسب بعض المحللين- فإن النزاع الحدودي كان بمثابة الباعث لكل المشاكل بين الجانبين، ومن ثم فإن توقيع الطرفين على معاهدة جدة عام 2000 والتي بموجبها حل النزاع الجغرافي ثم إن توقيع الجانبين في مرحلة تالية وتحديداً في 2 يونيو 2006 على الخرائط الرسمية للحدود الفاصلة بين البلدين يعد حافزا لتوسيع مجالات التعاون وتنامي العلاقات في قادم الأيام.
3- استمرار مشكلة الإرهاب:
رغم النجاحات الكبيرة التي حققها البلدان بخصوص مكافحة الإرهاب والحد من تداعياته، إلا أن العديد من المؤشرات توحي بأن ظاهرة الإرهاب ستستمر على المدى القريب والمتوسط لأن الظاهرة بذاتها مشكلة مركبة ومعقدة وأسبابها متنوعة، ومن ثم فإن القضاء على الإرهاب يحتاج إلى فترة زمنية أطول الأمر الذي يتوقع معة استمرار حرص الجانبين علي توثيق عرى التعاون بينهما.

الهوامش:
1- انظر نص البيان الختامي المشترك الصادر في ختام اجتماعات الدورة الـ 17 لمجلس التنسيق- اليمني السعودي، 2 يونيو 2006.
2- مجلة نوافذ اليمنية، العدد 51، يونيو- يوليو 2004، ص1.