الفقر وتحديات التنمية في اليمن
الخميس, 01-يناير-2009
سهير علي عاطف - بالرغم من كل التطورات التي شهدها العالم، والقفزات العلمية والتكنولوجية التي سجلها الإنسان على مدى العصور، لاتزال معظم المجتمعات في عالم اليوم تعاني من مشكلة الفقر والتي باتت تقف أمام تقدم هذه المجتمعات، وفي دول العالم النامي بصفة خاصة، واليمن من ضمن هذه المجتمعات النامية التي تعاني من تفاقم مشكلة الفقر حيث يعيش أكثر من ثلث سكانه تحت خط الفقر.



ويمكن تقسيم الفقر إلى شكلين من الحرمان، هما الحرمان الفيزيولوجي، والحرمان السوسيولوجي ويرتبط الفقر أيضاً بالإقصاء الاجتماعي الذي يعني ضياع الحقوق التي تمنع الأشخاص من المشاركة الكاملة في مجتمعهم وتنميته. ويرتبط الفقر أيضاً بالإنصاف الذي يعني توزيع الثروة بين مجموعة من السكان.



وقد ساهم عدم الاستقرار السياسي والصراعات الدولية وبطء النمو الاقتصادي في العالم إلى تقويض التنمية الاجتماعية في معظم المجتمعات.هذا فضلاً عن أن تفشي ظاهرة البطالة بين الشباب وتزايد الهجرة الداخلية والخارجية أسهم في زيادة حدة الاضطراب الاجتماعي بين مختلف المجتمعات والشعوب.



فمنذ بداية التسعينات من القرن الماضي ساد اتجاه عام في مختلف دول العالم بضرورة مراجعات سياساتها الاقتصادية للنماذج التنموية القائمة وعملياتها التي سادت في السنوات الماضية، وقد عملت الحكومة اليمنية على إيجاد تصورات ونماذج تنموية جديدة تكون قادرة على استيعاب المشكلات الاقتصادية والاجتماعية.



ظاهرة الفقر في اليمن



لم يكن اليمن بمنأى عن الأزمات الاقتصادية والصعوبات التي تعاني منها منذ منتصف الثمانينات غالبية الدول النامية وخاصة الأقل نمواً، والتي انعكست في اختلالات مزمنة، وفي ضعف النمو الاقتصادي وعدم السيطرة على معدلات التضخم وأسعار صرف العملة المحلية، فضلاً عن اتساع ظاهرة الفقر فيها.



وبهذا فإن مشكلة الفقر في اليمن أصبحت تمثل أحد أكبر التحديات التي تواجهها التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأصبحت تؤرق الحكومة والمجتمع والجهات المانحة. ولم يعد الفقر يقتصر على نطاق الدخل والقدرة على تأمين الحد الأدنى من الغذاء والملبس والمأوى، وإنما يمتد ليشمل جوانب التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية الأساسية الأخرى، مما أدى إلى بروز الأبعاد المختلفة لمشكلة الفقر.



وقد ارتبطت مشكلة الفقر في اليمن برباط وثيق مع ضعف الأداء الاقتصادي والصدمات الخارجية والداخلية التي تعرض لها الاقتصاد وخاصة خلال النصف الأول من التسعينات، والذي انعكس بصفة عامة في مجموعة الصعوبات الاقتصادية، وتتمثل في عجز الموازنة العامة، وعجز ميزان المدفوعات، والضغوط التضخمية، والتدهور الاحتياطي من النقد الأجنبي، وتدهور القيمة الشرائية للعملة المحلية، فضلاً عن الاختلالات الإدارية والتنظيمية.



ومن الناحية الاجتماعية تزايد أعداد الفقراء في اليمن كانعكاس لتلك الأوضاع الاقتصادية، ولعب معدل النمو السكاني في حدود3.7 وهو من أعلى المعدلات في العالم، ولم يحدث أي تحسن في هذا المعدل إلا في عام2000، حيث انخفض إلى 3.5. ولكنه يعد أيضا من المعدلات المرتفعة، وتلعب العوامل السياسية الداخلية والخارجية دوراً محورياً في تنامي مشكلة الفقر واتساع نطاقها، فقد كان لحرب الخليج الثانية، وعودة ما يقارب من 800.000 ألف مغترب يمني من دول الخليج أثر في اتساع رقعة الفقر، بالإضافة إلى توقف المساعدات والقروض الإقليمية والدولية، والتي كانت تمثل الدعم الأساسي للمشروعات التنموية والاقتصاد اليمني، كما مثل إعادة توحيد شطري اليمن في مايو1990 تحدياً إضافياً أمام الاقتصاد ومن ثم ساعد على تنامي وانتشار رقعة الفقر، بالإضافة إلى حرب صيف 1994. وقد شكلت كل تلك العوامل مزيجاً مؤثراً بشكل ملموس على ارتفاع نسبة الفقر وتفاوت تأثيره على السكان.



وحسب المنظمات الدولية يعد الشعب اليمني من الشعوب الأكثر فقراً في العالم، وقد جاء في المرتبة 133 من أصل 162 دولة نامية، أي ضمن الثلاثين دولة الأكثر فقراً في العالم.



ورغم أهمية الإصلاحات الاقتصادية خلال السنوات الماضية نتيجة تبني برنامج للإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري بدعم من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبالتعاون مع الدول والمنظمات المانحة، إلا أنها لم تكن كافية في حد ذاتها لتغيير وضع الاقتصاد دفعة واحدة.كما أن تحقيق البرنامج لبعض النجاحات في مجال الاستقرار الاقتصادي لم يخل من الآثار السلبية التي تضررت منها بعض فئات المجتمع. بل إن ذلك النجاح لم يستطع وقف اتساع نطاق الفقر بأبعاده المختلفة



تعتبر مشكلة الفقر في اليمن من المشكلات الرئيسية والخطيرة في الوقت ذاته بل والمتصاعدة بصورة مستمرة، حيث نجد نسبة الفقر المطلق في عام 1992تقدر بـ19.1% من إجمالي عدد السكان، وبلغت نسبة فقر الغذاء 9% من إجمالي عدد السكان، ومن الملاحظ أن هذه النسب قد أخذت في التصاعد السريع. حيث بلغت نسبة السكان الذين يعانون من الفقر المطلق حوالي 27% بحسب مسح ميزانية الأسرة لعام 1998، وارتفعت نسبة السكان الذين يعانون من الفقر الحاد أو فقر الغذاء إلى 19%، في حين وصلت نسبة الأسر تحت خط الفقر الأعلى 41.8% وهو الذي يشمل بالإضافة إلى الغذاء الإنفاق على الملابس والتعليم والصحة والسكن والمواصلات، مع تفاوت واضح في شدة الفقر بين الريف والحضر وبين المحافظات والمديريات.



وقد استمرت نسب الفقر في الارتفاع حيث بلغت نسبة السكان الذين يعانون من فقر الغذاء حوالي 27.1 من إجمالي عدد السكان بحسب المسح الوطني لظاهرة الفقر لعام 1999، وبلغت نسبة السكان الذين يعانون من الفقر المطلق حوالي 34.9% من إجمالي عدد السكان بحسب نفس المسح السابق.



وتعكس هذه النسب خطورة الأوضاع المعيشية لحوالي6.9 مليون مواطن يعانون من الفقر وأبعاده المختلفة، ناهيك عن الأعداد الأخرى التي تعيش حول خط الفقر والمهددة بالوقوع في مصيدته.



والفقر الاقتصادي يعني غياب السياسات المالية والنقدية الملائمة، وهو أحد العناصر المهمة التي تؤدي إلى زيادة الفقر. وتجري العادة بأن يحلل الفقر الاقتصادي استناداً إلى دخل الأفراد، ويرتبط الفقر أيضاً بضعف الرؤية الوطنية للتخفيف منه، وبنقص في آليات التنفيذ الملائمة.



ويزيد من تفاقم مشكلة الفقر وشموليتها في اليمن استمرار التفاوت الاجتماعي والاقتصادي الذي يؤدي إلى انتشار الفقر على كافة المستويات، وتبرز أكثر صور التفاوت في تركز الفقر والفقراء في الأوساط الريفية أكثر من المناطق الحضرية، فيشار إلى الفقر في اليمن بأنه ظاهرة ريفية حيث نجد أن أكثر من 82 % من الفقراء يعيشون في المناطق الريفية.كما أثبتت المسوحات والإحصاءات وجود تفاوت في عمق الفقر وشدته بحسب نوع رب الأسرة، فالأسرة التي يكون عائلها من النساء هي أكثر عرضة للفقر بنسبة 20 % مقابل الأسر التي يكون عائلها من الذكور، كما تبرز صور التفاوت واللامساواه في توزيع موارد الإنتاج، وفي الوصول للخدمات وفرص العمل أو في المشاركة السياسية والاقتصادية.


وعموماً وبغض النظر عن الأسباب المؤدية إلى الفقر في اليمن فإن الحكومة اليمنية قد عملت جاهدة نحو تجديد مفهوم التنمية ذاته، وذلك من خلال النظر إلى التنمية باعتبارها عملية شاملة ومستدامة، وليست مؤقتة. عملية مجتمعية يشارك فيها كل أفراد المجتمع (ذكوراً وإناثاً)، وهي موجهة ومقصودة ومخطط لها، تتميز بتحقيق التوازن بين الريف والحضر، في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وفي احتياجات الناس وسلامة البيئة، عملية تتوسع فيها الخيارات أمام الناس، وبدون ذلك لا يمكن تحقيق أي تقدم كما لا يمكن مكافحة الفقر أو التخفيف منه.



ووفقاً لما انتهجته الحكومة اليمنية في سعيها لتجديد نموذج التنمية وإعادة النظر بكل السياسات التنموية التي كانت متبعة في السابق، سعت الحكومة اليمنية لمعالجة الاختلالات الاقتصادية من خلال تبني برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري منذ عام 1995. والذي يعد عاملاً أساسياً في تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتنشيط الاقتصاد وزيادة الدخل وتوفير فرص عمل جديدة، وتبنت الحكومة في الخطة الخمسية الأولى والثانية مجمل عناصر الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري، فضلا عن التركيز على السياسات والبرامج اللازمة للتخفيف من الفقر بمفهومه الشامل، والذي يتناول التعليم والصحة والخدمات الرئيسية الأخرى، وعززت كل ذلك بتبني وإصدار إستراتيجية للتخفيف من الفقر 2002-2005 بالتعاون مع كل من البنك الدولي والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، وبمشاركة واسعة على كافة المستويات.



وبالرغم من كل تلك الجهود التي بذلت من قبل الحكومة اليمنية سواء في تحقيق تنمية شاملة، أو تلك الجهود المبذولة بصفة خاصة في مجال مكافحة الفقر والتخفيف منه، وهي جهود لا يمكن إنكارها، إلا أن بيانات حكومية أوضحت أن مستوى تناقص الفقر يظل متواضعاً إذا ما تمت مقارنته بأهداف التنمية الألفية التي تبنتها الحكومة اليمنية، إذ يتطلب تحقيق الهدف الأول من أهداف الألفية، المتمثل في خفض عدد الفقراء إلى النصف. رفع معدل النمو السنوي في استهلاك الفرد، والمقدر بـ 1% في السنوات السبع الماضية إلى أربعة أضعاف هذا الرقم.

وتشير التقديرات إلى انخفاض نسبة الفقراء في اليمن من 40.1 % عام 1998 إلى 34.8 % في 2005- 2006، وتراجع معدل الفقر نحو 2 % سنوياً. وشمل هذا الانخفاض مناطق الريف والحضر، ولكن، ظل عدد الفقراء ثابتاً على نحو 7 ملايين نسمة منذ سبع سنوات، نتيجة استمرار ارتفاع معدل النمو السكاني.

ولا يمكن للحكومة أن تحقق أهدافها التنموية إلا من خلال تحسين أحوال المواطنين المعيشية، ومكافحة الفقر وتوسيع شبكة الضمان الاجتماعي، والاهتمام بالصحة العامة، ومكافحة الأمية وتنشئة جيل متسلح بالعلوم والمعارف الحديثة من خلال التوسع في التعليم الأساسي والاهتمام بالتعليم الفني والتدريب المهني وكليات المجتمع وإتاحة المزيد من الفرص للمشاركة الفاعلة للمرأة في تنمية المجتمع.



إن بناء الإنسان والارتقاء بمداركه وأساليب حياته تظل الغاية النبيلة التي ننشدها. ولقد كان من المهم إعداد إستراتيجية شاملة للتخفيف من الفقر تستوعب كافة المتغيرات واحتياجات التنمية للتغلب على السلبيات التي حالت دون بلوغ الغايات التنموية وخاصة التنمية البشرية. وتبرز أهمية ربط مدخلات ومخرجات التعليم باحتياجات التنمية، وإعطاء الأولوية للتعليم الفني والمهني والتخصصي وكليات المجتمع، وبما يكفل الربط بين مخرجات هذا التعليم وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية والإستراتيجيات المرتبطة بهذه الخطط، وفي مقدمتها الإستراتيجية الوطنية للتخفيف من الفقر بما من شأنه المواءمة بين التوسع في التعليم الفني والمهني وإعداد الكوادر الفنية المتخصصة، وبين توفير الرعاية الاجتماعية للملتحقين بهذا النوع من التعليم، وتوفير فرص العمل والحد من البطالة وخدمة أهداف التنمية ومكافحة الفقر.



لذا فإن القضاء على الفقر يتطلب تظافر ثلاثة عناصر مترابطة هي النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، بما في ذلك أوجه التقدم ذات الصلة بالسكان.



أثر الأزمة المالية الراهنة على الفقر في اليمن



إن تأثير الأزمة التي طرأت على عدد من الأسواق العالمية وخاصة تلك التي عصفت بالأسواق المالية الأمريكية، حيث شكلت ضربة هي الأخطر منذ تقريباً مائة عام مع ازدياد الهواجس بانهيار العديد من المؤسسات المالية الكبيرة بسبب القسوة الاستثنائية للأزمة المالية. وأدى إشهار بنك "ليمان براذرز" رابع بنك أمريكي إفلاسه إلى تفاقم الأزمة المالية الأمريكية، واستنفار المؤسسات المالية الأوروبية والآسيوية. لذا فإن آثار هذه الأزمة من المتوقع أن تمتد للأسواق المالية العربية وذلك يتوقف على مدى التعامل والخدمات المصرفية ووجود أموال لمستثمرين عرب ويمنيين في الأسواق الأمريكية .



ويؤكد بعض الاقتصاديين اليمنيين أن اليمن لن تتأثر بشكل مباشر بالأزمة المالية، حيث أن درجة إندماج الاقتصاد اليمني مع نظيره الأوربي قليل. لذا لن يتأثر بنفس درجة الدول الأخرى، بل ربما تتأثر بإنخفاض سعر النفط ، لأن صادرات اليمن من النفط حوالي 90 %، أي أن النفط يشكل جزءاً كبيراً من الموازنة العامة. كما أن الموازنة العامة تعتبر المحرك الأساسي للإقتصاد اليمني، وبهذا يتأثر معظم الموظفين ذوي الدخل المحدود إذا تأثرت الموازنة العامة، لذا لابد من إيجاد حلول من قبل البنك المركزي. ولابد من تحمل الجميع مسئولية الوطن.



حيث أن تأثير الأزمة على الأسواق المالية للدول الفقيرة والنامية يتفاوت من دولة إلى أخرى، كما أنه كلما كانت الدولة أكثر فقراً كلما كانت تأثيرات الأزمة أقل، وهذا ماينطبق على اليمن. حيث أن البنوك في اليمن ليست مرتبطة بشبكات عالمية كبيرة، بل من خلال المساعدات التنموية ( المانحين ودول الخليج) وبعض الحوالات الخارجية من قبل المهاجرين. وهذا يعني أن اليمن ستتأثر في حالة توقف المساعدات التنموية وخاصة من الدول المانحة التي تضررت بسبب الأزمة المالية. 

مركز سبأ للدراسات