العلاقة بين الثروة النفطية والنزاعات الداخلية
الثلاثاء, 06-يناير-2009
مايكل روس -

العالم اليوم أكثر سلاماً مما كان عليه قبل 15 عاما. عند انتهاء الحرب الباردة كانت هناك 17 حرباً كبرى، والمقصود بالكبرى هنا، الحرب التي تحصد أرواح أكثر من ألف ضحية في العام. بحلول عام 2006 تقلص العدد الى خمس حروب كبرى. وخلال الفترة نفسها هبط مجموع الحروب الصغرى هو الآخر من 33 الى 27.
وعلى الرغم من هذا التوجه، فان عدد الحروب لم ينخفض في الدول التي تنتج النفط. والسبب الرئيسي هو ان الثروة النفطية غالبا ما تشيع الارتباك في اقتصاديات البلاد وسياساتها، مسهلة حصول المتمردين على الاموال اللازمة لتمويل تمردهم، ومفاقمة المظالم الاثنية. ومع انخفاض معدلات العنف بشكل عام، فان الدول المنتجة للنفط تشكل نسبة متصاعدة بين دول العالم المتبلاة بالنزاع. اذ ان حوالي ثلث الحروب الاهلية في العالم يدور الآن في تلك الدول على مستوى الحروب الكبرى والصغرى معا بعد ان كانت هذه النسبة لا تزيد على خُمْس مجموع الحروب في عام .1992 ويرى البعض ان غزوا العراق الذي قادته الولايات المتحدة يبرهن على ان النفط يقود الى النزاع المسلح بين الدول، لكن المشكلة الاوسع انتشارا هي انه يقود الى النزاع المسلح داخل تلك الدول.
من المرجح ان يزداد في المستقبل عدد النزاعات ذات الدافع النفطي مع ارتفاع سعر النفط الخام الذي يدفع المزيد من دول العالم الثالث الى انتاج النفط والغاز في عام ،2001 رحبت ادارة الرئيس الامريكي جورج بوش بظهور منتجين جدد واعتبرته فرصة للولايات المتحدة كيما تنوع مصادر وارادتها النفطية وتقلل من اعتمادها على نفط الخليج العربي.
وهناك ما يزيد على اثنتي عشرة دولة في افريقيا وحوض بحر قزوين وجنوب شرق اسيا اصبحت مؤخرا، او في طريقها الى ان تصبح، مصدرة مهمة للنفط والغاز. بعض هذه الدول، وبضمنها تشاد وميانمار وتيمور الشرقية، تعاني فعلا من الصراع الداخلي. ومعظم الدول الباقية فقيرة وغير ديمقراطية وسيئة الحكم الامر الذي يعني انها مرشحة للتعرض للعنف. يضاف الى ذلك، ان اسعار النفط القياسية سوف تأتي بالثروات غير المحسوبة التي تولد تقليديا المزيد من عدم الاستقرار.
والنفط ليس المصدر الوحيد الذي يجلب النزاعات لمالكيه، فمثله الماس، وغيره من المعادن الثمينة. لكن ما يميز النفط انه السلعة المطلوبة اكثر من غيرها من السلع في العالم، كما ان الكثير من الدول تعتمد عليه. وبخلاف الذهب او النحاس او اي مصدر آخر، فان اثر النفط على اقتصاديات الدول اعمق واوسع دائرة.

اللعنة
جلبت موجة ارتفاع اسعار النفط في سبعينيات القرن الماضي ثروات طائلة للكثير من دول العالم الثالث الغنية بالنفط، سرعان ما جرت عليها الكثير من الويلات. تمتعت الدول المنتجة للنفط بنمو اقتصادي سريع في سبعينيات القرن الماضي. لكن العقود الثلاثة التي اعقبت ذلك شهدت معاناة الكثير من تلك الدول من الديون الثقيلة والبطالة المرتفعة والاقتصاد المتباطئ او المتدهور. اصبحت نصف دول الاوبك، على الاقل، اكثر فقرا في عام 2005 مما كانت عليه قبل ثلاثين عاما. وتراجعت دول نفطية غنية كانت تعد بمستقبل مشرق نتيجة معاناتها من عقود من النزاع الداخلي مثل الجزائر ونيجيريا.
اصيبت هذه الدول بما يعرف ب¯ »لعنة النفط«. احد جوانب المشكلة هي متلازمة اقتصادية تعرف »بالمرض الهولندي« تبعا للمشاكل التي عانت منها هولندا في ستينيات القرن الماضي بعد اكتشاف الغاز الطبيعي في بحر الشمال.
يحل هذا المرض بالبلاد عندما تصبح منتجة ومصدرة للموارد الطبيعية. لان ارتفاع صادراتها من تلك الموارد يرفع قيمة عملتها الوطنية الامر الذي يجعل صادراتها من المواد الاخرى مثل السلع المصنعة والزراعية اقل قدرة على التنافس في الاسواق الخارجية. ما يجري عندئذ ان يتدنى حجم الصادرات من تلك السلع الامر الذي يحرم الدولة من مزايا قاعدتها الصناعية والزراعية ويتركها معتمدة على موردها الطبيعي وبالتالي يضعها تحت رحمة الاسواق الدولية المتقلبة في نيجيريا، مثلا، تسببت فورة النفط في السبعينيات في انخفاض صادرات البلاد الزراعية من 11.2 بالمئة من الناتج الاجمالي الوطني الى 2.8 بالمئة منه، وما تزال البلاد في حاجة الى ان تتعافى من اثار ذلك الانهيار.
الجانب الآخر من لعنة النفط يتمثل في الارتفاع المباغت للعوائد. اذ ان قلة فقط من الدول الغنية بالنفط لديها الانظمة المالية القادرة على استثمار الثروات المفاجئة بحكمة. اما الغالبية فتبعثرها على مشاريع تبذيرية. فقد انفقت حكومتا كازخستان ونيجيريا، قبلا، دخلهما النفطي في بناء عواصم جديدة في الوقت الذي اخفقنا فيه في ايصال الماء الى الكثير من القرى المنتشرة في بلادهما. في حين تجنبت الدول ذات الحكومات الرشيدة. والشعوب المتعلمة والاقتصادات المتنوعة، مثل كندا والنرويج، الاثار السيئة للفورة النفطية. لكن الكثير من الدول النفطية الاخرى تعاني من حكومات اقل كفاءة ومن شعوب ذات دخل ادنى مما يجعلها عرضة للعنة النفط.
كما ان للثروة النفطية مثالبها السياسية، وغالبا ما تكون هذه اسوأ من المثالب الاقتصادية. ذلك لان العائدات النفطية تعين الى تشجيع على الفساد، وتقوي قبضة الحكام، الدكتاتوريين وتضعف الديمقراطيات الجديدة. فكلما ازدادت كمية الاموال التي تحصل عليها الحكومات الاوتوقراطية والدكتاتورية كلما يصبح من الاسهل عليها اخراس معارضيها او شراء ذممهم.

النفط المشتعل
اشد الاخطار التي تهدد منتجي النفط والغاز الجدد هو خطر النزاع المسلح. حيث يزداد احتمال تعرض الدولة المنتجة للنفط للنزاع الداخلي مقابل الدول غير النفطية ضمن العالم الثالث بنسبة 2 الى ،1 ويتفاوت حجم تلك النزاعات ما بين حركات انفصالية مسلحة تخوض معارك متدنية المستوى كما في دلتا النيجر وجنوب تايلاند وبين الحروب الاهلية الشاملة كما في الجزائر وكولومبيا والسودان والعراق.
تؤجج الثروة النفطية نيران النزاع بثلاث طرق. اولا، ان بوسعها احداث عدم استقرار اقتصادي يقود بدوره الى عدم استقرار سياسي. فعندما يفقد الناس وظائفهم يزداد ضيقهم بحكوماتهم ويصبحون اكثر عرضة للانخراط في صفوف المتمردين. ومن شأن الانخفاض المباغت في الدخل ان يقود الى صراع داخلي في اي بلد، ولكن الدول النفطية تتعرض اكثر من غيرها لدورات من الفورات والركود تجعلها اكثر من غيرها تعرضا لمثل هذه الازمات. وكلما ازداد اعتماد الحكومة على عوائدها النفطية كلما ازدادت احتمالات تعرضها للاضطرابات.
ثانيا، غالبا ما تساعد الثروة النفطية في دعم المتمردين، فحركات التمرد تفشل في كثير من الدول بسبب افتقار مؤججيها الى التمويل. لكن جمع التمويل في الدول النفطية امر سهل، اذ ان بوسع المتمردين سرقة النفط وبيعه في السوق السوداء »كما يحدث في العراق ونيجيريا«، او ابتزاز الاموال من شركات النفط التي تعمل في مناطق نائية »كما في كولومبيا والسودان«، او عن طريق العثور على شركاء يمولونهم مقابل وعود مستقبلية في حالة وصولهم الى السلطة (كما في غينيا الاستوائية وجمهورية الكونغو).
ثالثا، تشجع الثروة النفطية على الانفصال. ينتج النفط والغاز، في العادة، في جيوب من البلاد تدر الكثير من العوائد على الحكومة المركزية مقابل قلة فرص العمل المتاحة لسكان تلك الجيوب وتحملهم لاعباء التطوير النفطي في مناطقهم مثل فقدانهم لملكية الاراضي ومعاناتهم من الاضرار البيئية يلجأ سكان هذه المناطق الى المطالبة بالحكم الذاتي او الاستقلال عن الحكومة المركزية كما يحدث في المناطق الغنية بالنفط في بوليفيا، واندونيسيا، وايران، والعراق، ونيجيريا، والسودان.
ليس المقصود بهذا القول ان النفط هو السبب الوحيد لمثل هذه النزاعات او أنه يقود حتما الى العنف. حيث ان نصف الدول التي بدأت بانتاج النفط منذ عام 1970 لم تعان من النزاعات. فالنفط وحده لا يخلق النزاع. لكنه يفاقم التوترات الكامنة ويعطي كلا من الحكومات ومعارضيها المسلحين الوسائل اللازمة لمحاربة بعضهم بعضا. نادرا ما تواجه الحكومات التي تحد من الفساد وتحسن استخدام ثرواتها النفطية حالات عدم الاستقرار. لكن من سوء الحظ ان انتاج النفط يزداد بالتحديد في تلك الدول التي تشتد فيها الحاجة الى الحكومات الرشيدة. تتوزع غالبية الدول حديثة الانضمام الى عالم انتاج الطاقة على النحو التالي: في افريقيا (تشاد، وساحل العاج، وموريتانيا، وناميبيا) وفي حوض بحر قزوين (اذربيجان) وكازاخستان، وتركمانستان) وفي جنوب شرق اسيا (كمبوديا، وتيمور الشرقية، وميانمار، وفيتنام). تكاد هذه الدول ان تكون جميعا دولا غير ديمقراطية. واغلبها شديدة الفقر وغير مؤهلة لادارة زيادة كبيرة ومباغتة في العوائد. كما ان الكثير منها يمتلك احتياطا نفطيا محدودا - يكفي لتوفير العوائد الكبيرة لمدة عقد او عقدين - الامر الذي يعني في حالة خضوعها لحرب اهلية ان ثروتها سوف تتبدد معها كل فرصة لاستخدام تلك الثروة من اجل التخلص من الفقر.

* أستاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا.