'بوكو حرام' جذور إخوانية للجماعات الإسلامية في أفريقيا
الاثنين, 29-ديسمبر-2014
صحيفة العرب -

شكلت الأحداث الأخيرة في نيجيريا والتي تصدرتها جماعة “بوكو حرام” الإسلامية، مادة دسمة للبحث في جذور انتشار الإسلام السياسي في دول أفريقيا عموما وفي نيجيريا خاصة، ذلك البلد الذي أنهكته الهجمات التي تقوم بها الجماعة الإرهابية مستهدفة الأمن والجيش والمدنيين، وذلك في تطابق في الأسلوب بين “بوكو حرام” في نيجيريا وجماعات متطرفة مثل “الجماعة الإسلامية المسلحة” في الجزائر و”أنصار بيت المقدس” في مصر و”أنصار الشريعة” في ليبيا، مما يحيل إلى أن أصل تكوّن هذه الجماعات واحد.

آخر التطورات المتعلقة بـ”بوكو حرام” النيجيرية تقول إن عناصر مسلحة تنتمي إلى الجماعة قامت بهجوم عنيف على بلدة “غيدام” شمال شرقي البلاد متسببة في مقتل العشرات من السكان وجرحهم وتهجير أغلبهم من القرية بعدما فروا خوفا من المذابح التي ترتكبها الجماعة في حق المواطنين.

وقد أكدت عديد المصادر الإعلامية نقلا عن خبراء، أن أسلوب قيام هذه الجماعة المتطرفة بجرائمها يتشابه إلى حد بعيد مع تلك التي تقوم بها جماعات إسلامية متطرفة في أقطار أفريقية أخرى. وقد أعاد مراقبون ذلك إلى النشأة الأولى للحركة الإسلامية في نيجيريا التي بدأت فعليا في أواسط ثمانينات القرن الماضي.

عادت مجموعة من الطلبة من القاهرة إثر إتمام دراستها للشريعة وأصول الفقه الإسلامي من جامعة الأزهر، وبعض الجامعات العربية الأخرى في فترة أواسط الثمانينات، وقد كان أغلب هؤلاء الطلبة قد تأثر بالفكر الإسلامي السياسي بشكل عام وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، التي كان عدد من الطلبة النيجريين منتمين إليها ولعل أبرزهم مؤسس فرع الإخوان في نيجيريا “إبراهيم الزكزكي”، وهو الذي أشرف على تكوين “محمد يوسف” الذي سيؤسس جماعة “بوكو حرام” بعد ذلك.

سميت "بوكو حرام" لأن المنهج الذي روج له الإخوان هناك يحرّم التعاطي مع نظام التعليم الحكومي

وقد استغرقت جماعة “بوكو حرام” وقتاً طويلا في تكوينها، حيث تشكلت في البداية بمجموعة من مئات الطلاب تخلوا عن دراستهم وأقاموا قاعدة لهم في قرية “كاناما” التي عرفت باسم “أفغانستان النيجيرية” بولاية “يوبي” شمال شرقي نيجيريا على الحدود مع النيجر.

وقد أقام هؤلاء الطلبة داخل مركز قديم لتعليم الإسلام وممارسة التجارة. وتؤكد تقارير تأريخية (رغم ندرتها) عن الجماعة، أنها ظهرت في البداية تحت مسميات مختلفة منذ أواخر التسعينات، لكنها تأسست عام 2002 علي يد محمد يوسف، تلميذ إبراهيم الزكزكي، مؤسس تنظيم الإخوان في نيجيريا في منتصف الثمانينات.

وعن مؤسس التنظيم الإرهابي محمد يوسف، تقول معلومات أنه شاب نيجيري ترك التعليم في سن مبكرة، وبعد أن حصل على قدر من التعليم الديني غير النظامي بدأ عام 2001 وهو في ريعان شبابه في إلقاء خطب دينية تحريضية في مدينة “مايدوجوري” مهاجما الحكومة وموجها لها اتهامات عديدة مثل انتشار الفساد وارتفاع معدلات الفقر وتدهور التعليم.

كما كان محمد يوسف مناهضاً لما يعتبره “التعليم على الطريقة الأوروبية” والتي يقول إنها سبب لجميع الأزمات والعراقيل التي تواجه المجتمع، وكان يصر على التطبيق الصارم للشريعة الإسلامية في شمال نيجيريا من وجهة نظره المتشددة، بحجة أن الأغنياء تملصوا من تطبيق الشريعة رغم اعتمادها رسميا في الولايات ذات الأغلبية المسلمة.

وهو ما أكد أن هذه الجماعة بنيت أساسا لتتناقض مع التعليم (أيا كان شكله) وهو مظهر طبيعي من مظاهر التفكير الإسلامي غير المتجانس مع الحداثة بأشكالها.

إن السبب الأول في وجود حركة إسلامية بمثل هذا التطرف والتعصب هو دخول حلقات أولى لجماعة الإخوان المسلمين إلى نيجيريا

وفي منتصف التسعينات، بدأ إبراهيم الزكزكي مؤسس الإخوان المسلمين يميل نحو السياسة الإيرانية، ومن ثمة اعتبرها أعضاء الحركة الإسلامية في نيجيريا ميلاً للتشيّع، مما أدى بالحركة الإسلامية “الإخوانية” للتفكك إلى ثلاث طوائف، من بينها جماعة “إزالة البدعة وإقامة السنة” التي انضم إليها محمد يوسف وأصبح من خلالها أحد أهم وجوه الحركة الإسلامية في نيجيريا وأحد أهم منظري التطرف والإرهاب فيها.

ثم على إثر تنازع بينه وبين جماعته على إدارة المساجد الخاضعة لسيطرة جماعة “إزالة البدعة وإقامة السنة”، انفصل عنهم مؤسسا جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد، أو ما عرفت فيما بعد بــ”بوكو حرام”.

وأما عن التسمية، فقد سميت “بوكو حرام” بهذا الاسم اعتمادا على المنهج الذي روّج له الإخوان هناك بتحريم التعاطي مع نظام التعليم الحكومي الذي يعتمد النظام الغربي “بوكو”، فأصبح الأهالي يطلقون على المنتمين لهذا التنظيم الإرهابي، بوكو حرام، أي نظام التعليم الغربي “بوكو” حرام.

وفي 31 ديسمبر 2003، اندلعت أعمال عنف في “داماتورو” عاصمة ولاية “يوبي”، واستولت جماعة “بوكو حرام” على عدد من المناطق المتاخمة للنيجر بعد أن دمرت وأحرقت كل المدارس والمنشآت التعليمية التي فيها.

وفي الفترة من عام 2004 إلى عام 2006، اندلعت اشتباكات عنيفة في كثير من الأحيان بين مسلحين من جماعة “بوكو حرام” وقوات الأمن لمنع سيطرتهم على مجموعة مختلفة من المدارس والمباني العامة. وفي سنة 2006 تحديدا، أعلن محمد يوسف تطبيق الشريعة باعتبارها الهدف الرئيسي لـ”بوكو حرام” الإرهابية.

في يوليو من عام 2009، اندلعت جولة جديدة من العنف بعد أن هاجمت الجماعة أربع ولايات في شمال نيجيريا هي: “بوتشي” و”بورنو” و”يوبي” و”كانو”. واستمر القتال بين “بوكو حرام” والقوات الحكومية لمدة خمسة أيام في “مايدوجوري” عاصمة ولاية بورنو.

وفي 30 يوليو من نفس السنة نجحت قوات الأمن في طرد “بوكو حرام” من “مايدوجوري”، واعتُقل زعيم “بوكو حرام” محمد يوسف، وحكم عليه بالإعدام في “مايدوجوري”.

تعتبر نيجيريا من أهم الدول الأفريقية ذات الثروة الطبيعية الكبيرة، لكن الإرهاب أفشل مخططات الدولة في التنمية

ورغم ذلك لم تكن تلك نهاية المطاف للجماعة، حيث جاء أبوبكر شيكاو لينتقم بعد توليه زعامة الجماعة فهدد بمهاجمة المصالح الغربية في نيجيريا، وظهر في شريط فيديو مصور قال فيه: “نحن لن نتخلى عن الجهاد حتى الموت، هدفنا هو إقامة الدولة الإسلامية”.

كما أعرب عن التضامن مع تنظيم القاعدة وتبني منهجها في ما أسماه “الجهاد” وقام بتهديد الولايات المتحدة ومصالحها في نيجيريا. وبالفعل نمت القدرات التنفيذية لـ”بوكو حرام” تحت قيادة شيكاو، وسميت هذه الجماعة بطالبان نيجيريا وأيضا أهل السنة والجماعة.

ويقول خبراء في التنظيمات الإسلامية، إن السبب الأول في وجود حركة إسلامية بمثل هذا التطرف والتعصب في نيجيريا هو دخول حلقات أولى لجماعة الإخوان المسلمين إلى نيجيريا عبر الطلبة الإخوان العائدين. إذ أصبح من الثابت يوما بعد يوم أن انتشار الجماعات الإسلامية العنفيّة والمتطرفة في بلدان عديد من العالم، يعود إلى “إخصاب” أحدثته جماعة الإخوان لتنمو الحركات الجهادية.


*. نقلاً عن صحيفة العرب اللندنية