آل ثاني قطر واضطراب السلوك العدواني السلبي
الأحد, 16-مارس-2014
د. ناديا بوهنّاد -



السلوك العدواني السلبي مصطلح نفسي وهو تعبير غير مباشر عن العداء والحقد عن طريق القيام بسلوكيات معينة مثل التسويف أو السخرية والنقد اللاذع أو العناد أو الفشل المتعمد والمكرر لعمل أو مهمة مطلوبة من الشخص القيام بها وتقع تحت طائلة المسؤوليات.
وقد صُنف السلوك العدواني السلبي في الدليل التشخيصي والاحصائي للاضطرابات العقلية على أن مثل هذا السلوك هو اضطراب في الشخصية معاد للمجتمع.

وفي مفهوم علم النفس يوصف السلوك العدواني السلبي “بالنمط المعتاد من المقاومة السلبية” لأي عمل متوقع كالمعارضة والعناد والتوجه السلبي لأي طلب.

وعادة الشخص الذي يُعاني من اضطراب السلوك العدواني السلبي أنه يرفض وبشدة أن يعترف بسلوكه العدائي لأن السلوك نابع من اللاشعور عند الشخص، وعادة يُدار هذا الرفض عن طريق عملية “الإسقاط”، والإسقاط هو أن يُسقط الشخص ما بداخلة من توجهات أو سلوكيات على الآخرين وهي حيلة دفاعية لا شعورية، كأن يصف الشخص الآخرين أنهم عدوانيون، بينما تكون تلك صفة فيه. كما أن الفئة التي تُعاني من اضطراب السلوك العدواني السلبي دائما تُصر على أنها الضحية في كل المواقف.

يظهر هذا السلوك العدائي السلبي عادة تجاه الأشخاص الذين يمثلون نموذج السلطة أو شخصية قوية متطلبة تُذكّر الشخص بدور نموذج السلطة في حياته، مثل الوالدين، المعلم، المدير، الحبيب أو أحد الزوجين. وهو يعود في أصله للتنشئة الوالدية، كأن يتربى الطفل في بيئة متسلطة تتسم بالعدوانية وفرض العقاب والسخرية النفسية وعدم وجود الحب والتواصل الوجداني بين الطفل ووالديه حيث يتمثل الاضطراب هنا في أي سلوك يقوم به الطفل لمعاقبة الوالد السلطوي بطريقة غير مباشرة مثل الاستفزاز أو العناد أو الرسوب في المدرسة … الخ. وعندما يكبر ويلتحق بالعمل إذا واجهه مدير يشبه والده أو أحد الوالدين في سلطته وبما أن المدير في الأساس في منصب السلطة تبدأ المشكلات عند الشخص في العمل مثل التسويف والعناد وعدم القيام بما يُطلب منه، ثم يبدأ بالشكوى من أنه مظلوم ويبدأ في الانتقال من عمل إلى آخر، وعند سؤاله يقول لك “السبب رئيسي في العمل”.

أما على المستوى الشخصي والعاطفي فالشخص الذي يعاني من هذا الاضطراب دائما ما يظهر أمام الآخرين على أنه الحنون الطيب المتفهم وهو كذلك بشكل عام حتى تبدأ شخصية الطرف الآخر في الظهور على أنها قوية أو متطلبة لأمور تتضمن مسؤوليات وهي هنا تذكّره بشخصية أحد الوالدين السلطوية، ويبدأ السلوك العدواني السلبي في الظهور بالتدريج، فعلى سبيل المثال لا الحصر إذا طلبت المرأة من الرجل القليل من الاهتمام وألحت قليلا يبدأ في الشعور بالضيق، ثم يبدأ بالعناد وعمل عكس ما تطلب منه، مثل أن يقلل التواصل معها أو مقابلتها إذا طلبت ذلك، أو أن يحرص على إثارة الغيرة لديها خصوصا تجاه النساء اللاتي لا ترتاح لهن، … وهكذا. الرجل هنا يؤمن بمبدأ “أقوم بالقليل لأحصل على ما أريد، لأن العمل الكثير يتطلب جهدا كبيرا ويتراوح في الكفاءة” وفي الغالب مثل هذا الرجل لا يصرّح عن مشاعره، ويستمر في اختلاق المشاكل حتى يبدر من المرأة تصرف حتى وإن كان غير مقصود ويعاقبها العقاب الكبير بالانفصال أو الهجر تماماَ كما يغيّر من عمله ومثلما ينفصل عن والديه، وينتهي بالاعتقاد أنه كان الضحية في العلاقة.

والآن بعد أن تم توضيح مفهوم اضطراب السلوك العدواني السلبي نفسيا لنرى كيف ينطبق الأمر على آل ثاني قطر وسياستها مع دول الخليج العربي. في قطر القضية متشابكة داخليا وخارجيا، أما على الصعيد الداخلي فهي حكومة قائمة على الانقلابات منذ زمن، فجد تميم الأمير خليفة انقلب على ابن عمه للاستيلاء على الحكم، والأمير حمد والد تميم انقلب على والده خليفة، وها هو تميم ينقلب على والده للسيطرة على مقاليد الحكم بمساندة من الشيخة موزة المسند والدته! ما يدل على أن العلاقة بين الأب والابن وأبناء العم خلال الأجيال السابقة إلى الآن هي علاقة مضطربة نفسيا وغير صحية، ربما تكون نتيجة تربية قاسية أو تتسم بالحرمان المادي كما هو الحال مع الأمير حمد الذي تقلد الحكم وخزينة الدولة شبة خالية من الثروات أو ربما إصرار والده عليه للالتحاق بالكلية العسكرية.

وكانت نماذج السلوك العدواني السلبي هنا هي البحث عن وسائل للإطاحة بحكم والده، فبدأ بلعب دور الضحية أمام المجتمع الدولي وخصوصا الولايات المتحدة التي ساندته في الانقلاب الأبيض غير الدموي على والده. ومن ثم جاءت كل السلوكيات التي قام بها والتي ما كان ليوافق عليها الأمير السابق والده خليفة مثل الانفتاح والتعاون من إسرائيل وإيران وغيرها. إضافة إلى أن حمد كان يبحث عن دور البطولة ويعتبر نفسه بطل الربيع العربي.

وقد ذكر الكاتب أوليفيه دالاج صاحب كتاب “قطر سادة اللعبة الجدد” أن الشيخ حمد عندما تسلم السلطة عام 1995 كان لديه هدف وحيد وهو وضع قطر على خريطة العالم، وهنا يتضح السلوك العدواني السلبي تجاه دول الخليج بدءا من دعم إعلام يتهجم على العالم العربي وتحديدا دول الخليج، ودعمه لمنظمات إرهابية مثل الإخوان الإرهابيين وكل ما يمكن أن يستفز به دول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية التي تمثل لقطر نموذج الأب السلطوي الذي يرفضه حمد وبشدة.

فعلى خريطة العالم في منطقة الخليج العربي قطر إما نقطة صغيرة، وأحيانا لا ذكر لها، أمام المملكة العربية السعودية التي تأخذ حيزا كبيرا على خريطة العالم في منطقة الخليج. كل هذا بالتأكيد يدعو حمد لإظهار الكثير من السلوك العدواني السلبي من تعبير غير مباشر للحقد والعناد والاستفزاز.

وعندما يتعلق الأمر بالأمير تميم فالتحليل الإكلينيكي يُشير إلى أنه ضحية سلطة والده ووالدته التي يبدو وكأنها تدخلت في الكثير من جوانب تشكيل شخصية ابنها حتى أوصلته للحكم الظاهري وهو غير مستعد لمثل هذه المسؤولية، بينما الواقع يقول إن هناك أكثر من حاكم فعلي غير حمد بطريقة أو بأخرى والشيخة موزة بطريقة مباشرة بمساعدة كل من القرضاوي وعزمي بشارة. ربما تكون تراكمات وعقد نفسية تُعاني منها موزة، فهي الأخرى تشعر باحتقان من دول الخليج وخاصة السعودية.

لذلك السلوك العدواني السلبي للأمير تميم هو موجه تجاه والده ووالدته اللذين سلباه حرية تشكيل شخصيته وهناك بعض المواقف التي تدل على ضعف وركاكة العلاقة بينه وبينهم مثل حادث إطلاق النار على والده حمد قبل أشهر.

إضافة إلى عدم الاستماع للأم والذهاب لزيارة دول الخليج ومحاولة التوصل إلى تفاهم، لكن ذلك الالتزام تم الإخلال به بتوجيهات أكبر منه، والاستمرار في تطبيق مبدأ “خالف تعرف” الذي هو أحد أشكال السلوك العدواني السلبي من العناد ومعارضة قرارات مجلس التعاون الخليجي و… الخ.

ولكن هل هناك علاج لاضطراب السلوك العدواني السلبي؟، نعم هناك علاج تحليلي نفسي متعمق يرجع فيه الشخص لتجاربه الأولى في التعامل مع السلطة والتخلص من ترسبات تلك المواقف المؤلمة.

الدراسات النفسية في اضطراب السلوك العدواني السلبي تؤكد على أنه ما لم تتم معالجة المشكلة من جذورها ويتخلص الشخص من الإحساس بأنه ضحية وإلا فالنتيجة تكون هدوءا مؤقتا ثم العودة من جديد للسلوك المعادي للمجتمع لأن الإحساس بأن الشخص ضحية شعور حقيقي نابع من اللاشعور لدى الشخص.

ويبدو أن الأمر ينطبق على آل ثاني قطر، فمالم تتم معالجة المشاكل من جذورها وإلا فالمشكلة ستتفاقم لتصل إلى حد جنون العظمة وتستفحل كما ينتشر مرض السرطان، حينها لن يُجدي أي علاج والحل الوحيد سيكون الاستئصال.


*. نقلاً عن صحيفة العرب اللندنية.