عزلة خليجية وعربية تخيم على قطر الحالمة بالزعامة الإقليمية
الخميس, 06-مارس-2014
صحيفة العرب -



بعد أن وجّهت الرياض، تحذيرا شفويّا إلى الدوحة بمراجعة سياستها التي تخل، لا فقط بالأمن القومي الخليجي، بل بالأمن القومي العربي، ككلّ، قرّرت المملكة العربية السعودية، في خطوة بمشاركة مملكة البحرين ودولة الإمارات العربية المتّحدة، سحب سفرائها لدى الدوحة.

منذ نشأة مجلس التعاون الخليجي سنة 1981 مثل تشكيل الاتحاد الخليجي أحد أهم أهداف المجلس، وقد نجح المجلس في أن يكون كيانا سياسيا واقتصاديا قويا وفعالا، إلا أن حلمه بتحقيق وحدة خليجية كاملة تجعله اتحادا قويا بقي بين أخذ ورد، غير أن وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل قال إن القرار بشأن مبادرة العاهل السعودي الملك عبدالله لإنشاء الاتحاد الخليجي سيتحدد قبل القمة الخليجية المقبلة.

لكن هذا الفاصل الزمني أصبح موضع جدل في الآونة الأخيرة. ففي وقت يعتقد فيه أن الاتحاد الخليجي أصبح قاب قوسين أو أدنى من الخروج إلى دنيا الواقع، جاء سحب الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين، بما تمثله من ثقل خليجي، سفرائها من دولة قطر، ليشكّك من جديد في إمكانية خروج هذا الاتحاد إلى النور في الوقت المتوقّع له.

غضب من قطر

جاء في حيثيات قرار سحب السفراء الخليجيين الثلاثة من دولة قطر، العضوة في مجلس التعاون الخليجي، أن هذه الخطوة اتخذت بناء على عدم التزام الدوحة بالاتفاقية الأمنية الموقّعة بين دول الخليج العربي.

قرار سحب سفراء الإمارات والسعودية والبحرين من قطر، جاء لضبط حركة قطر داخل السياق الخليجي العام

وفي قراءتهم لهذا القرار أشار محلّلون وخبراء استراتيجيون إلى أن هذا السبب، هو واحد من جملة أسباب كثيرة، على رأسها دعم قطر للإخوان المسلمين والدور المشبوه الذي تلعبه اليوم في سوريا بعد أن خسرت معركتها في بلاد "الربيع العربي". وهذا الأمر، وفق المحلّلين، قد يؤدّي إلى عزلة قطر إقليميا، خاصة وأن صورتها أصبحت، في الأوساط السياسيّة، مصحوبة بتهاطل تهم عديدة موجّهة إليها من كلّ صوب.

القرار السعودي الإماراتي البحريني، يأتي وقت المنطقة بأسرها تحمل فيه شعورا بالغضب تجاه قطر بسبب سياساتها الخارجية، وعليها إعادة النظر في هذه السياسة ومعالجة الأمر على محمل الجد، ومع ذلك أصبحت قطر على الخريطة الإقليمية منذ 1995، عندما استطاعت النفاذ إلى مجموعة من الجهات الفاعلة في المنطقة، فمثلا استضافت حركة المقاومة الفلسطينية (حماس)، الدبلوماسيين الإيرانيين، كما فتحت أبوابها أمام جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وقادة حركة طالبان، وهو ما كان نوعا بعيد المدى في الدبلوماسية التي كانت تريدها، لكنها أغضبت كثيرا جيرانها وتحديدا في منطقة الخليج، ومؤخرا استقبلت المتمردين في دول الربيع العربي، وتواصل العمل بشكل وثيق مع واشنطن لاستمرار دعم متمردي سوريا، ومع إسرائيل للتوصل إلى اتفاق مع حركة حماس، بعد أن صنّفتها مصر جماعة إرهابية على غرار جماعة الإخوان المسلمين المدعومة من الدوحة.

القاهرة تؤيد سحب السفراء

الدور القطري في مصر، يفسّر تلقّي القاهرة قرار سحب سفراء السعودة والإمارات والبحرين من قطر بارتياح، حيث أكد أن الخطوات التي اتخذتها حيال الدوحة صائبة، وكانت بمثابة إنذار مبكر لما تقوم به قطر من تدخلات في شؤون بعض الدول العربية، وفي مقدمتها مصر. وفي أول رد فعل رسمي حول هذه المسألة، قال السفير بدر عبد العاطي المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية إن القرار يعكس رفض هذه الدول الشقيقة وتحفظاتها على مواقف قطرية وسياساتها.

وأكد عبد العاطي أن السفير المصري في الدوحة موجود في القاهرة منذ بداية فبراير الماضي، وأن قرار استبقائه "قرار سياسي سيادي" وجاء نتيجة لأسباب موضوعية، من بينها استمرار التدخل في الشأن المصري، وعدم تسليم المطلوبين جنائيا لمحاكتهم، علاوة على ما تبثه قنوات فضائية من أكاذيب وافتراءات تتعلق بتطورات الأوضاع في مصر.

البيان المشترك
"تود كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين أن توضح أنه (...) ضمن إطار سياسة موحدة لدول مجلس التعاون الخليجي تقوم على الأسس الواردة في النظام الأساسي للمجلس وفي الاتفاقيات الموقعة بينها بما في ذلك الاتفاقية الأمنية، والالتزام بالمبادئ التي تكفل عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر، وعدم دعم كل من يعمل على تهديد أمن واستقرار دول المجلس...

ومع أن تلك الجهود قد أسفرت عن موافقة دولة قطر على ذلك من خلال توقيع الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر على الاتفاق المبرم على إثر الاجتماع الذي عقد في الرياض، والذي وقعه قادة دول المجلس، فإن الدول الثلاث كانت تأمل في أن يتم وضع الاتفاق موضع التنفيذ من قبل دولة قطر.

إلا أنه وفي ضوء مرور أكثر من ثلاثة أشهر على توقيع ذلك الاتفاق دون اتخاذ دولة قطر الإجراءات اللازمة لوضعه موضع التنفيذ، وبناء على نهج الصراحة والشفافية التامة التي دأب قادة الدول الثلاث على الأخذ بها في جميع القضايا المتعلقة بالمصالح الوطنية العليا لدولهم، واستشعارا منهم لجسامة ما تمر به المنطقة من تحديات كبيرة ومتغيرات تتعلق بقضايا مصيرية لها مساس مباشر بأمن واستقرار دول المجلس، فإن المسؤولية الملقاة على عاتقهم أوجبت تكليفهم لوزراء خارجية دولهم لإيضاح خطورة الأمر لدولة قطر وأهمية الوقوف صفاً واحدا تجاه كل ما يهدف إلى زعزعة الثوابت والمساس بأمن دولهم واستقرارها، وذلك في الاجتماع الذي تم عقده في دولة الكويت بتاريخ 17 - 2 - 2014، والذي تم خلاله الاتفاق على أن يقوم وزراء خارجية دول المجلس بوضع آلية لمراقبة تنفيذ اتفاق الرياض.

وقد تلا ذلك اجتماع وزراء خارجية دول المجلس في الرياض يوم 4 - 3 - 2014، والذي تم خلاله بذل محاولات كبيرة لإقناع دولة قطر بأهمية اتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع اتفاق الرياض موضع التنفيذ والموافقة.

إلا أن كافة تلك الجهود لم تسفر عنها، مع شديد الأسف، موافقة دولة قطر على الالتزام بتلك الإجراءات، مما اضطرت معه الدول الثلاث إلى البدء في اتخاذ ما تراه مناسباً لحماية أمنها واستقرارها، وذلك بسحب سفرائها من دولة قطر...

* مقتطف من بيان مشترك صدر عن الدول الثلاث ونشرته وكالة الأنباء السعودية


وأوضح المتحدث باسم الخارجية المصرية أن موقف السعودية والإمارات والبحرين، يؤكد أن الخلاف القائم ليس بين القاهرة والدوحة، وإنما بين قطر وغالبية الدول العربية، ويتعين عليها أن تحدد موقفها وموقعها بوضوح من المصالح العربية المشتركة والتضامن العربي. في هذا السياق قال الدكتور معتز سلامة، الباحث بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، لـ "العرب"، إن قرار الدول الثلاث، لم يكن مفاجئا، وإن المتابع لما يحدث في الفترة الماضية على الساحة العربية والدولية، يمكنه التنبؤ بهذه الخطوة. وأضاف أن هذا القرار يعني فشل كل جهود الوساطة، التي كانت تتم لتقريب وجهات النظر بين الدوحة والقاهرة، وبين الدوحة ودول عربية أخرى، مثل السعودية والإمارات.

وتوقع سلامة أن تكون هناك إجراءات عربية موحدة ضد قطر في الفترة القادمة، مثل تجميد عضويتها في مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى إجراءات من جانب الجامعة العربية بسبب مواقفها المعادية لبعض الدول العربية.

من جهته قال الدكتور محمد مجاهد الزيات، رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، إن القرار جاء لضبط حركة قطر داخل السياق الخليجي العام، بعد أن خرجت عنه لأكثر من مرة في عدة قضايا، أبرزها احتضان الدوحة لجماعة الإخوان المسلمين، الذين تعرضوا بالهجوم والنقد لبعض الدول العربية، مثل الإمارات والسعودية ومصر، والتي تربطها علاقات قوية بدول الخليج، بالإضافة إلى علاقة قطر المشبوهة بجماعة الحوثيين في اليمن، والذين تعتبرهم السعودية خطرا على أمنها القومي، كما أن التعامل القطري مع حزب الله مثير للقلق، إذ تتهمه البحرين بالوقوف وراء التفجيرات الأخيرة فيها.
وقد اتفق الدكتور الزيات مع ما قاله سلامة عن أن قرار السحب يعكس فشل جهود الوساطة في تقريب وجهات النظر بين مصر وقطر، وأرجع الزيات عدم اشتراك الكويت في البيان، إلى حرصها على إنجاح القمة العربية المتوقع عقدها بالكويت الشهر القادم، والتي كان من المنتظر أن تكون قمة للتصالح، وطالب باتخاذ إجراءات تدعيمية من جانب مصر لهذا القرار، منها على سبيل المثال، عدم الترحيب بالسفير القطري وعدم رفع التمثيل الدبلوماسي للدوحة.

من جهته توقع السفير محمد شاكر، رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية، ألا تقاطع الدوحة مؤتمر القمة العربية في الكويت حرصا منها على أن لا تكون في عزلة تامة، وأن تحتفظ بالخيط الرفيع من العلاقات مع الدول الخليجية والعربية وحتى تستطيع أن تدافع عن نفسها وتقدم المبررات لتصرفاتها في الفترة الأخيرة.

قطر، وفق محمد السعيد إدريس، رئيس وحدة دراسات الخليج بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، دولة تعرف جيدا فن اصطياد الفرص في منطقة مليئة بالفرص، ففي الوقت الذي تدير فيه مليارات الدولارات من المشاريع الخيرية والتنموية في الداخل والخارج، لم تمهل الجانب السياسي حتى وضعت أوراق اعتمادها كلاعب رئيسي في المنطقة، خصوصا بعد اندلاع ثورات "الربيع العربي"، باستخدام ثروتها الهائلة لتمويل المنشقين والحكومات الجديدة، لكن رهانها على هذه الحكومات كان خاسرا.

واليوم، وبعد فشل تجربة "أخونة" دول "الربيع العربي"، يجدُ القطريون أنفسهم في وضع حرج زاد من تأزّمه الدعوات الصريحة، عربيا ودوليا، إلى إجراء تحقيقات رسمية في حقائق تثبت يوما بعد يوم تورّط الدوحة في تمويل الجماعات المتشدّدة. كما أنها اليوم تواجه وضعا آخر أكثر صعوبة، وهو فقدان ثقة الأشقاء الخليجيين، فقطر اليوم، وفق أنور عشقي، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية، عمدت إلى تصرفات تخالف وتضر بأمن الخليج، وقد سبق أن وجهت الرياض تحذيرا شفويا إلى الدوحة من مغبّة مثل هذه التصرّفات التي تضر، بالأمن الخليجي، وبالأمن العربي في كامل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فقطر "لها ممارسات تضر بالأمن القومي والعربي، فمثلا موقفها من مصر واليمن، فهي تدعم الحوثيين بالمال وتدعم الإصلاح بالمال وتجعلهم يتقاتلون، وإن أصرت قطر على موقفها في ممارساتها ستتعرض للعزلة".